المذكوران هما في عداد المهاجرين والمجاورين. هذان الشخصان المباركان من أحباء أذربيجان، وقد خطيا خطوة إلى الأمام وهما في موطنهما وابتعدا عن المعارف والآقارب، وأحكما أساس الثبوت والاستقامة وفرّا من حجبات الأوهام، وخرّا بعناية مليك الوجود وألطافه لله ساجديْن، وكانا حليفي الصدق التام والصفاء الخالص، وفي منتهى الفقر والتفاني، مظهرَيْ التسليم والرضاء، منجذبيْن بنور الهدى، مستبشريْن بالبشارات الكبرى. ثم شدّا رحالهما من أذربيجان إلى أرض السر وآقاما مدة في مدينة قرق كليسا وضواحيها مشتغليْن أثناء النهار بالتضرّع والتبتّل وفي أثناء الليل بالبكاء والعويل. ويبكون على مظلومية نيّر الآفاق بكل أنينٍ ونحيبٍ ولم يدخلا عكاء أيام السجن الشداد ولذا لم يعتقلا وعاشا في ضواحي عكاء بقلبيْن محترقيْن ولم يجفّ الدمع من آماقهما. والذي سبب مجيئهما إلى هذه البقعة وصول الخبر الصحيح من عكاء إلى تلك الجهات. إنهما في الحقيقة لشخصان نفيسان ومن عباد الجمال المبارك الصادقين. صفاء قلبيْهما يعجز عنه الوصف واستقامتهما لا تضارع.
أمضيا ردحًا من الزمن في بستان الفردوس خارج عكاء مشتغليْن بفلاحة الأرض وغرس الأشجار حامديْن شاكريْن لله على ما وفقهما لهذا العمل وكتب لهما الوصول إلى جوار العناية. ولمّا كانا متعوديْن على برودة الهواء في أذربيجان لم يقويا على تحمّل حرارة هذه البلاد وكان ذلك في أوائل أيام ورودنا إلى عكاء إذ كان الهواء وخيمًا والمياه ثقيلة غير صالحة للشرب وكل هذا سبّب مرضهما بالحمّى المحرقة والمطبقة فصبرا صبر الأبطال على ما انتابهما بكمال الانبساط والانشراح وكان تحمّلهما لشديد المرض أمرًا عجيبًا مع ارتفاع درجة حرارتهما فضلاً عن العطش وما كان في المدينة من اضطراب وانقلاب وكنت تراهما مستقرّيْن وفي سكون تام مستبشريْن ببشارة الله وبينما هما على هذا الحال من التعبّد والشكر للرحمن بكمال الرَّوْح والريحان إذ بهما يفرّان من هذا العالم إلى العالم الآخر وطارا من هذا القفص إلى جنّة الأوراد الباقية. عليهما الرحمة والرضوان وعليهما التحية والثناء، أدخلهما الله في عالم البقاء متمتعيْن باللقاء منشرحيْن في الملكوت الأبهى. أمّا قبراهما المنوّران ففي عكاء.