من أصفهان الرجل الجليل جناب آقا محمد حناساب يعتبر من جملة المهاجرين ومن قدماء الأصحاب، وقد اشتهر من بداية الإشراق بمحبة نيّر الآفاق. أغمض بصره عن العالمين وأسرع إلى جمال محبوب الأرواح، دون صبر أو فتور، وتنسّم الحياة من النفحة المسكية. كان قلبه نورانيًا ومشامه معطرة، وبصره ثاقبًا، وأذنه واعيًا، واهتدى بواسطته الكثيرون، وكان صادقًا مخلصًا في هذا الأمر العظيم، وكثيرًا ما أوذي وتحمل المشاق، ولم يعتره فتور أو قصور. وأدّت الظروف إلى أن أصبح مقربًا لدى سلطان الشهداء ومحلّ الاعتماد لدى محبوب الشهداء الذي ائتمنه في جميع الأحوال، ودام موفقًا في خدماته أعوامًا طوالاً مؤيدًا بالعون والعناية الربانية. كثيرًا ما أظهر سلطان الشهداء رضاءه عنه إذ كان من النفوس المطمئنة بل الراضية المرضية، من الخلّص في دين الله، المخلصين في محبة حضرة الكبرياء، حسن الأخلاق، طيب المعاملة، عذب الحديث حلو المقال. بقي في أصفهان محترقًا بنيران الفراق بعد استشهاد سلطان الشهداء، وأخيرًا هاجر إلى سجن عكاء وفاز بشرف اللقاء، واشتغل بكنس العتبة المباركة مفتخرًا بذلك، وكان حليمًا سليم النفس، ورفيقًا محبوبًا، ونديمًا لمعاشريه، لم يهدأ آنًا لاحتراقه بنار الفراق بعد وقوع المصيبة الكبرى لصعود الجمال الأبهى، روحي لأحبائه الفداء، وكان يقوم في الأسحار ويحوم في أنحاء البيت المبارك باكيًا منتحبًا، تجري دموعه كالسيل الجارف، مشتغلاً بتلاوة المناجاة. ولكم كان مقدسًا رفيع الجانب، لم يقو على تحمل الفراق من شدة الاحتراق. ترك جسمه الفاني وانتقل إلى عالم الأنوار، محفل تجلي الرحمن.
نوّر الله جدثه بأنوار ساطعة من ملكوت الغفران، وروّح الله روحه في بحبوحة الجنان، وأعلى الله درجاته في حديقة الرحمن. أما رمسه المنوّر ففي عكاء.