كان الحاج ملا مهدي اليزدي من زمرة المهاجرين. ولو أن هذا الشخص الفاضل الكامل لم يكن في الظاهر من أهل العلم، غير أنه كان ماهرًا في تتبّع الأحاديث والأخبار، مفوّهًا في تفسير الآيات بقوة بيان لا تُضارَع واشتهر بالتقديس والتنزيه والتهجّد، قلبه نوراني وروحه ربانيّة. يصرف معظم أوقاته في الصلوات وتلاوة الأدعية وإظهار العجز والابتهال إلى الغني المتعال كاشفًا للأسرار وحرمًا للأبرار فصيح اللسان بليغ العبارة في أمر التبليغ يهدي الناس بكل اشتياق يتدفق من فمه سيل الاستشهاد بالروايات والأحاديث المأثورة.
وعلى الجملة، إنه لما اشتهر في بلدته بالبهائية بين الكبير والصغير والأمير والحقير وأصبح متهمًا بهذا الاسم، رفع ستار الكتمان والتقيّة وافتضح أمره بمعتقده الجديد فقام عليه علماء السوء في مدينة يزد وأفتوا بقتله وشذّ من بينهم حضرة المجتهد المدعو ملا باقر الأردكاني ولم يوافق العلماء الظالمين على فتواهم حيث أجبره على مبارحة موطنه. فعزم على الرحيل إلى بلد المحبوب مصطحبًا ولديه وهما حضرة الشهيد المجيد (جناب ورقاء) وجناب (ميرزا حسين) وكان كلما دخل مدينة أو بلدة أو قرية حرّك لسانه عاجلاً بالتبليغ ونشر أمر الله بآقامة الحجج والبراهين والأدلًة الواضحة ورواية الأحاديث والأخبار الدالة على هذا الظهور مع تفسير الآيات وتأويل البيانات ولم يضيع دقيقة واحدة في غير ذلك ولم يهدأ ساعة واحدة في نشر النفحات وتضويع عرف محبة الله وإيصال نفحات القدس إلى مشام العباد وكان يشوّق الأحباء ويحضّهم على نشر كلمة الله ليحرزوا قصب السبق في ميدان العرفان.
ومختصر القول، إن هذا الشخص كان رجلاً جليلاً دائم التوجه إلى الرب الجميل لا يعبأ بحياة النشأة الأولى في عالم الدنيا صارفًا كل همّه لبلوغ الموهبة في النشأة الأخرى بقلب نوراني وفكر روحاني وروح رباني وهمة سماوية، كابد في رحلته المشاق العديدة مما اعتراه في طريقه من طي للصحاري وتسلق للجبال الشامخات والانحدار من سفوحها، مع كل هذا، كان يلوح من جبينه نور الهداية وفي قلبه تشتعل نار الاشتياق. لهذا اجتاز الحدود والثغور وطوى الوِهاد والوديان مسرورًا كل السرور حتى وصل إلى بيروت وقد تمكّن منه المرض فآقام فيها عدة أيام وتأججت بين ضلوعه نيران الاشتياق وهاج قلبًا وقالبًا. ولما عيل صبره واصل سيره مع شدة مرضه لأنه لم يَقْوَ على الانتظار ببيروت متوجهًا إلى ساحة المقصود سائرًا على الأقدام. ولما كانت نعلاه لا يقيانه من شديد الرمضاء فقد انسلخ قدماه وانجرحت رجلاه واشتدّ عليه المرض الشديد حتى كاد لا يقوى على الحراك ولكنه واصل سيره قليلاً فقليلاً بكل عناء حتى أدرك المكان المعروف بالمزرعة بجوار قصر المزرعة وهناك تجرّع كأس المنون وصعد إلى ملكوت الله ورجعت روحه إلى بارئها بعد أن فرغ من طاقته الصبر وأصبح عبرة للعشاق وانجذب روحه إلى نيّر الآفاق.
جرّعه الله كأسًا دِهآقا في جنة البقاء وتلألأ وجهه نورًا وإشرآقا في الرفيق الأعلى وعليه بهاءالله. أما قبره المطهر ففي مزرعة عكاء.