تذكرة الوفاء - جناب آقا ميرزا مهدي الكاشاني

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

جناب آقا ميرزا مهدي الكاشاني – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

﴿ هو الله ﴾

إن جناب آقا ميرزا مهدي الكاشاني من عصبة المهاجرين والمجاورين. هذا الشخص المحترم من أهالي كاشان، درس في مستهل حياته على يد والده بعض العلوم والفنون حتى علا كعبه في قرض الشعر والإنشاء وحسن الخط المعروف عند الفرس ب‍ الشكسته وامتاز بذلك بين أقرانه وكان مستثنىً بين الصبية. علم بظهور الحضرة منذ نعومة أظفاره واشتعل بنار محبة الله وأصبح من شراة يوسف الحقيقي وفي مقدمة طالبي الحق، واندمج في دائرة العاشقين وحرّك لسانه بالتبليغ ببيان بليغ في إثبات الظهور وهدى بعضهم إلى طريق مليك الهداية وعُرف في كاشان بأنه مفتون العشق الإلهي. وقد وجّه إليه عارفوه وغير عارفيه شديد اللوم والتأنيب وأصبح عرضة لشماتة عديمي الوفاء حتى قال بعضهم بأنه واله مجنون وقال آخرون بأنه سيئ الحظ وأخذ أهل الجفاء بمضغه بأفواههم والطعن فيه وصلّط عليه عمال السوء سوط العذاب. ولما أعيته حيلهم وضاق في وجهه الفضاء وقام المناوؤون على معاكسته ومحاربته هجر وطنه المألوف وسار إلى حيث مركز الإشراق بالعراق، وما أن وصل إلى ساحة المحبوب حتى اندمج في زمرة الأحباء ونقر على ناقور المحامد والنعوت بما استطاع من نغمات حتى صدر له الإذن المبارك بالعودة إلى كاشان فذهب وآقام بها ردحًا من الزمن ثم هزّه عامل الشوق إلى المحبوب فلم يقوَ على طاقة الفراق فبارح بلده إلى العراق للمرة ثانية مصطحبًا أخته أمةالله المحترمة الحرم الثالث وآقام في بغداد في ظل العناية المباركة إلى أن تحرك الموكب المبارك من العراق إلى القسطنطينية فصدر له الأمر بالبقاء في بغداد للمحافظة على البيت. وكاد أن يحترق من نار الفراق، ولم يهدأ له بال ولم يذق للراحة طعمًا إلى أن استبعدته الحكومة إلى الموصل مع الأحباء بصفة أسرى منفيين ظلمًا وعدوانًا، فتراكمت عليه المِحن والبلايا ووقع أسير الأمراض والعلل ولكنه كان في منتهى الخضوع والتفاني لابسًا جلباب الصبر والتحمل، حامدًا شاكرًا وقورًا حتى عيل صبره ولم يعد في قوس تحمله من منزع. واشتد عليه ألم الفراق فطلب إذنًا بالحضور إلى الساحة المقدّسة فكان له ذلك، فتوجه إلى السجن الأعظم مأذونًا مأجورًا ووصله منهوك القوى، ضعيفًا نحيل الجسم من شدة ما لآقاه من وعثاء الطريق واقتحام المشاق. وكان الجمال المبارك في تلك الأثناء مسجونًا داخل القلعة ومعتقلاً في وسط القشلة (الثكنة) ومضى المذكور أيامًا في تعبٍ مضنٍ ولكنه كان في منتهى السرور، ناعم البال، واعتبر كل بلاءٍ عطاءً من ربه وعدّ التعب رحمة من عند الله، والنقمة عين النعمة لأن كل ما حدث له كان في سبيل الله وابتغاء مرضاته واستمر على ذلك أيامًا ثم اشتدّ عليه المرض وأخذ جسمه في الانحلال يومًا بعد يوم حتى التجأ إلى الله وطار إلى جوار الرحمة الكبرى.

أما هذا الشخص المكرم فقد كان محترمًا طوال أيام حياته ولم يركن في سبيل محبة الله إلى الظهور والافتخار، وتحمّل جميع ما انتابه من بلايا ورزايا، ولم يجنح إلى الشكوى مما أصابه أبدًا وعاش راضيًا بقضاء الله سالكًا سبيل الرضاء والتسليم مشمولاً بنظر العناية والتقرّب من ساحة الكبرياء ولم يتغير حاله من بداية حياته إلى نهايتها إذ كان مستغرقًا في بحر الرضاء وكان دائمًا يقول: "ربِّ أدركني، أدركني" حتى أدركته المنيّة وصعدت روحه إلى جوار الحق.

عطّر الله مشامّه بنفحات القدس في الفردوس الأعلى، وسقاه شرابًا طهورًا في كأس كان مزاجها كافورا. وعليه التحية والثناء. أما رمسه المعطّر ففي عكاء.

المصادر
المحتوى
OV