كان من جملة المهاجرين والمجاورين جناب سليمان خان التنكاباني الملقب بـ جمال الدين. ولد في مدينة تنكابان وهو من العائلات القديمة في ذلك الإقليم. نشأ ونما ورضع من ثدي الراحة والعزّة، وتربّى في أحضان الرفاهية والثروة، وكان ذا همّة عالية منذ طفولته، مقاصده نبيلة، ذا غيرة مجسمة ونشاط ملحوظ، كان يفكّر في التربع في دسوت المناصب، طالبًا التفوق على أقرانه وأترابه. ولذا بارح موطنه الأصلي إلى مقر سرير السلطنة يعني مدينة طهران أملاً في علو اسمه ورفعة مكانته وعظمة قدرته وتفوقه على أقرانه. غير أنه في طهران وصلت إلى مشامه نفحات الرحمن، وطرق سمعه نداء المحبوب العطوف، فخلّص نفسه من ارتباكات الفكر الناشئة من طلب الجاه وغلغلة العظمة والأبّهة الفانية وعزة هذا العالم الترابي وما به من غرور، وتحرر من القيود فعمّ قلبه الفرح والسرور بالموهبة الإلهية وتأكد أن صدر الجلال هو صفّ النعال وأن المناصب والدسوت سريعة الزوال فترك الدنيا ووطّد العزم على الراحة وعدم انشغال البال وتخلص من أغلال قيود البشرية وسلاسل التعلق بالدنيا فلبس إحرام حرم الكبرياء وعزم على التوجه إلى حيث المحبوب فقطع الفيافي والقفار إلى أن وصل إلى سجن عكاء وفاز باللقاء ومضى مدة في رحاب جمال القدم مستمعًا للنغمات الخارجة من الفم المبارك صاغيًا لجوامع الكلام وفصل الخطاب. وبعد أن تعطرت مشامه وتنورت بصيرته وتمتع بالعطاء الموفور وثمل من رحيق الرب الجليل وفاز من كل ذلك بنصيب موفور، صدر له الإذن المبارك بالسفر إلى بلاد الهند مأمورًا بتبليغ كل طالبٍ صادق، فصدع بالأمر وذهب إلى بلاد الهند. متوكلاً على الله منجذبًا بنفحات الله مشتعلاً بنار محبة الله وهام في تلك الأقطار وجاس خلال تلك الديار مدنها وبلدانها وقراها يضرب ناقوس الملكوت عاليًا مبشرًا بظهور مكلم الطور سالكًا سبيل رجال الله العاملين وغرس بذور التعاليم الطاهرة في تلك الأصقاع فنبتت نباتًا حسنًا ونمت وأينعت وانقاد الكثيرون إلى سفينة النجاة واهتدوا بنور الهدى وتنورت بصائرهم من مشاهدة الآيات الكبرى وكان هو الشمعة المضيئة للجميع في تلك الآقاليم واستمرت آثاره واضحة في بلاد الهند كل الوضوح وقام أغلب الذين آمنوا على تبليغ الأمر واشتغلوا بهداية الخلق مقتفين أثره.
وخلاصة القول، فقد عاد بعد سياحته في بلاد الهند إلى الساحة المقدّسة وكان وصوله بعد الصعود المبارك فاتقدت في صدره نيران الحسرة وأصبح باكي العين مكلوم الفؤاد يفور قلبه كالأتون ولكنه كان ثابتًا على العهد والميثاق نابتًا في روضة الرضوان.
وحدث أن تفضل جمال القدم قبل الصعود بقوله تعالى: "إذا توجه أحد إلى إيران، فليوصل من قِبَلي لأمين السلطان الرسالة الآتية: أن يا أمين السلطان، إذا بذلت الهمة في حق الأسرى وقمت بمعونة المحتاجين والمظلومين (من أهل البهاء) فخدمتك هذه لا تنسى وكن على يقين من أن هذا العمل سيكون لكم سبب العزة والبركة في جميع الشؤون. يا أمين السلطان اعلم أن كل بنيان في هذا العالم يؤول إلى الانهيار عدا البنيان الإلهي وهو الذي تزداد متانته وأحكامه يومًا فيومًا. إذًا، فاعمل كل ما في مكنتك في خدمة الديوان الإلهي حتى تهتدي إلى الإيوان الرحماني وابن بناء لا يؤول إلى الزوال".
وبعد الصعود المبارك، أوصلنا هذه الرسالة إلى أمين السلطان وكان وقتذاك قد أصاب جناب آقا سيد أسدالله إهانة من فقهاء الترك بمدينة أردبيل وأظهروا له عوامل الجفاء والغلظة وعزموا على قتله. أما الحكومة هناك فقد عملت ما في وسعها حتى نجته من مخالب الفقهاء وحالت دون قتلهم إياه ثم أرسلوه مصفدًا إلى تبريز ومنها إلى طهران حيث قام أمين السلطان ببذل كل رعاية في حق آقا سيد أسدالله وأسكنه في ديوانه الخاص وآواه فيه واتفق في تلك الأثناء أن أصاب أمين السلطان مرض وأتى ناصر الدين شاه لعيادته فما كان من أمين السلطان إلا أن قصّ للشاه كل ما حدث لآقا سيد أسدالله ومدحه وأطراه أمام الشاه بدرجة جعلت هذا الأخير يعرب لآقا سيد أسدالله عن تألمه واستيائه مما حصل وأظهر له عطفه وكان من طبع الشاه في مثل هذه الأحوال أن يأمر بصلب من هو بمثل آقا سيد أسدالله ويجعله هدف نيران القنابل. ولكن، حال دون ذلك ما سمعه من أمين السلطان، وما لبث هذا الأخير أن حل عليه غضب الشاه وأصبح مبغوضًا وأرسل أسيرًا منكوبًا مستبعدًا إلى مدينة "قم" فما كان من هذا العبد إلا أن أرسل إليه (بإيران) الرسالة التي تفضل بها جمال القدم مصحوبة بمناجاة وخطاب منيّ بخط يدي وطلبت له في المناجاة العون والعناية من الله ورجوت الله أن يصونه ويحميه وينقذه من زاوية الخمول ويرفعه إلى أوج القبول وقلت له صراحة في رسالتي: إنك سيحظى بالتأييد الإلهي في القريب العاجل وتسطع أنوار العناية وستستقر في دست الصدارة (الوزارة) بنهاية الاستقلال مكافأة لك على خدمتك والهمة التي بذلتها في حق المظلومين (من أحباء البهاء). ورسالتي هذه مع المناجاة لا يزالان في حيازة أسرة أمين السلطان.
أما سليمان خان، فقد بارح مدينة طهران بعد ردح من الزمن إلى مدينة قم. وبينما هو في غرفته إذ حضر أحد معارف أمين السلطان لزيارته فسأله سليمان خان عن أحوال أمين السلطان وروى أنه في أشد الحاجة لمقابلته. وما أن وصل هذا الخبر إلى أمين السلطان حتى طلب حضور سليمان خان، فذهب هذا الأخير إلى داره متوكلاً على الله واختلا به وسلّمه الرسالة المرسلة من قبلي، فتقبّلها بكل احترام وفضّها بعد أن صافحها جبينه، ثم قال لسليمان خان بعد قراءتها: "إنني لفي يأسٍ عظيم وإنني دون شك سأستمرّ مشمّرًا ساعد الجد في الخدمة وصيانة أحباء الله وحمايتهم إذا ما تيسر حصول ما جاء في الرسالة المباركة". ثم أظهر امتنانه الزائد وعظيم السرور والابتهاج وقال: "الحمد لله، قد تم المراد ومن المؤكد أني سأكون، بعون الله وعنايته، من الناجحين".
وبالاختصار، إن أمين السلطان قد تعهد بالقيام بالخدمات، ثم ودع سليمان خان بعد أن عرض عليه بعض النقود بحجة مصروف الطريق فأبى سليمان خان قبول شيء من هذا القبيل رغم إلحاح أمين السلطان.
وبينما كان سليمان خان في الطريق إلى البقعة المباركة (عكاء) إذا بصدور أمر الشاه بإطلاق سراح أمين السلطان وإحضاره إلى طهران وإسناد صدارة الوزارة إليه رأسًا. فقام بأعباء الوزارة مستقلاً في عمله كل الاستقلال. وقام في أول الأمر على حماية الأحباء غير أنه قصّر في ذلك أثناء حادثة شهداء يزد، إذ تمنّع عن حماية الأحباء وصيانتهم بالمرّة، وكان كلما رفع إليه الأحباء شكايتهم كان يقابلهم بأُذن صماء فكانت النتيجة أن تجرّع جميع أهل البهاء كأس الشهادة ولهذا عُزل أمين السلطان ونكس علمه المرفوع ويأس قلبًا وروحًا من خيبة الأمل.
ومختصر القول، إن جناب سليمان خان وصل إلى البقعة المباركة وأمضى بقية أيام حياته بجوار مطاف الملأ الأعلى منشرح الصدر، بكمال الروح والريحان، وقد ألفه جميع الأحباء واستأنسوا به إلى أن وافاه الأجل المحتوم فلبى دعوة الحي القيوم، وترك الأهل والخلاّن ورحل إلى عالم الأنوار، وتخلص من قفص الإمكان طائرًا إلى الفضاء اللامكان غير المتناهي. أغرقه الله في غمار رحمته وأنزل عليه شآبيب مغفرته وأسبغ عليه جلائل نعمته ورزقه جزيل موهبته. وعليه التحية والثناء.