تذكرة الوفاء - جناب زين المقرّبين

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

جناب زين المقربين – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

كان حضرة زين المقربين من المهاجرين والمجاورين ومن أجلّة أصحاب حضرة الأعلى (الباب) ومن أعاظم أحباب الجمال الأبهى، اشتهر في دورة الفرقان (أيام كان مسلمًا) بالتنزيه والتقديس والتزهّد. وقد مهر مهارة تامة في فنون شتّى، وكان قدوة جميع أهالي – نجف آباد – محترمًا لدى أكابر القوم وعظماء البلاد احترامًا كليًا، قوله القول الفصْل وحكمه جار ونافذ إذ كان العموم يأخذون برأيه، وكان المرجع الخاص والعام. وبمجرد أن بلَغ سمعه خبر ظهور حضرة الأعلى صاح قائلا: "ربنا إنا سمعنا مناديًا يناجي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا". ولم يعبأ بالحياة الدنيا وشقّ جميع الحجبات وكشف السبحات ودفع الشبهات وقام على تسبيح جمال الموعود وتقديسه مشتغلاً بتبليغ ظهور حضرة المقصود واشتهر بذلك في وطنه أصفهان وذاع صيته في الآفاق حتى أصبح مورد الطعن واللعن والأذى من أهل النفاق. وبعد أن كان العوام الذين هم كالهوام يحترمونه بدرجة العبادة قاموا بالتعدي عليه، وكان يلاقي كل يوم من أهل الاعتساف جفاء وأذى وعذابًا من المناوئين له ورغم كل هذا لم يفتر عزمه عن التبليغ بكل ما أوتي من قوة بيان وفصاحة ملجمة وقاوم الأعداء بقلب ثابت ومتانة لا تضارع، وكان غضب الظالمين عليه في ازدياد يومًا بعد يوم وهو يحمل في يده الكأس الطافحة بالبشارات الإلهية ليجعل الكل ثملين من نفحات معرفة الله غير هيّاب ولا وجل ولم يتطرق إليه عامل الجبن أبدًا مكافحًا في سبيل الله ولكنه قد ضاقت به المسالك بعد حادثة الشاه وأصبح مورد الأذى الشديد صباح مساء. ولما رأى أن وجوده في نجف آباد فيه خطر على الأحباء، سافر إلى العراق.

وبينما كان الجمال المبارك غائبًا في كردستان (السليمانية) مختليًا في مغارة بجبل سمي – سرجلو – وصل جناب زين المقربين إلى بغداد الذي تأثر ولازمه اليأس أولاً لغياب الجمال المبارك وثانيًا عندما رأى أن حالة الأمر في ركود ولا جمع ولا اجتماع للأحباء وأن صيت الأمر ليس في ازدهار ورأى يحيى (الأزل) منكمشًا في ركن من شدة خوفه وخموله آفلاً في زاوية الخمود والخسوف وكلما تحرى عن الأحباء كان نصيبه الخيبة غير أنه التقى ذات يوم فجأة بحضرة الكليم. ولما كانت التقية (عدم إظهار العقيدة) ضاربة أطنابها سافر إلى كربلاء واشتغل بتحرير الآيات والبيانات مدة من الزمن ثم عاد إلى – نجف آباد – ولم يستقر بها لهجوم الأعداء وتعدي الظالمين عليه. وما لبث، عندما نفخ في الصور مرة أخرى أن هبّت فيه روح الحياة الجديدة واستمع بأذن روحه لبشارة ظهور الجمال المبارك وأجاب بقول بلى عندما قرع أذنين رنين طبل – ألست – (بربكم) وحرك لسانه بتبليغ الأمر المبارك بعبارات فصيحة وأدلة عقلية ونقلية قاطعة في إثبات ظهور من يظهره الله وكان حديثه كالماء الزلال لكل عطشان بالبراهين الساطعة من الملأ الأعلى وبزّ الجميع في التقرير والتحرير وكان آية كبرى في التفسير والتوضيح.

ومختصر القول، إنه كان في إيران تحت الخطر العظيم وكان وجوده في – نجف آباد – جالبًا لضوضاء أهل العناد ولهذا، ذهب ذلك الملبّي للنداء إلى أرض السر (أدرنه) وقصد حرم الكبرياء لابسًا إحرام المحبوب حتى وصل إلى مشعر المقصود ومقامه.

أمضى أوقاتًا في الحضور المبارك ثم صدر له الأمر ومعه حضرة ميرزا جعفر اليزدي بالاشتغال بالتبليغ. فعاد إلى إيران وأخذ في التبليغ وأوصل البشارة بظهور مليك الوجود إلى أعلى علّيّين ثم جاس خلال الديار مدنها وبلداتها وقراها وصحاريها ووديانها صحبة رفيقه جناب ميرزا جعفر المذكور مبشرًا بظهور الجمال المبارك. ثم عاد ثانية إلى العراق وكان كالشمعة التي استضاء بنورها الجميع وسبب الروح والريحان للعموم لا يفتأ يبث الناس النصائح والمواعظ متفانيًا في محبة الله.

ولما وقع الأحباء كأسرى في يد الحكومة ونفتهم ظلمًا وعدوانًا إلى الموصل مشتتين كان على رأسهم جناب زين المقربين يسليهم ويواسيهم ويحل ما ينشأ بينهم من المشكلات ويؤلف بين قلوبهم ويخلق فيهم روح المودة، وأخيرًا طلب من الحضرة الإذن بالإجازة له بالتشرف فحاز طلبه شرف القبول، فسافر إلى السجن (عكاء) وفاز بالمثول بين يدي الجمال المبارك واشتغل بتحرير الآيات وبث روح التشويق بين الأحباء والتأليف بين قلوب المهاجرين حتى أشعل نار المحبة في قلوب الجميع ولم يتوانَ لحظة في الخدمة وكان مورد العناية المباركة ليل نهار وهو يدوّن الكتب والألواح بكل دقة ودون خطأ.

وعلى الجملة، إن هذا الشخص الجليل لم يعتره فتور أو قصور في خدمة النور المبين من بدء حياته إلى أن لفظ النفس الأخير. وبعد الصعود المبارك اشتعلت في قلبه نار الحسرة الشديدة وغلبت عليه دموع الألم فأخذ جسمه في النحول يومًا بعد يوم ولكنه كان ثابتًا مستقيمًا على العهد والميثاق. وكان أنيسي الوحيد ومؤنسي الفريد يترقب الموت في كل آن ويتمنى الانتقال من هذا العالم حتى وافاه الأجل المحتوم فطارت روحه إلى ملكوت الرحمن بنهاية الروح والريحان فارغًا من الهموم مستغرقًا في محفل أنوار التجلّي. عليه التحية والثناء من ملكوت الأنوار وعليه البهاء الأبهى من الملأ الأعلى وله السرور والحبور في عالم البقاء وجعل الله له في جنة الأبهى مقامًا عليا.

المصادر
المحتوى
OV