جناب حسين آقا التبريزي، كان من جملة المهاجرين والمجاورين. وهذا الشخص المقرب من باب الكبرياء هو النجل العزيز لجناب آقا عسكر التبريزي، وقد بارح مدينة تبريز في معيّة والده بكل شوق ووله إلى أرض السر (أدرنه) ومنها إلى السجن الأعظم بمحض اختياره وميله. وبمجرد وصوله إلى السجن عهد إليه بعمل القهوة للزائرين في نفس المعتقل قائمًا لدى العتبة المباركة بخدمة الأحباء. كان هذا الرجل الأديب حليمًا وسليم النية بدرجة أنه كان يقوم بخدمة كل وافد سواء أكان من الأحباء أو من الأغيار، وكان يظهر العبودية للجميع واستمر على هذا الحال أربعين عامًا لم يتأفف منه أحد خلال هذه المدة ولم يشكَّ أحد منه بالمرة وإن هذا لمن المعجزات حقًا، وإن غيره لم يقوَ على القيام بالخدمات التي أوكلت إليه.
كان على الدوام بشوشًا مسرورًا مواظبًا على القيام بما عهد به إليه من الخدمات بكل إتقان. وكان مخلصًا غيورًا ثابتًا ووقورًا راسخًا في أمر الله حمولاً صبورًا على البلايا. ورغم اشتعال نيران الامتحانات وهبوب أرياح الافتتان التي هدمت كل بنيان بعد الصعود المبارك، فقد دام هذا الشخص الموقن مستقيمًا مع أنه كان يمتّ لبعض أفراد بيت الناقضين بصلة المصاهرة، وأصبح مصداق "لا تأخذه في الله لومة لائم". ولم يعتره أدنى تزلزل ولم يتوقف في معتقده، بل كان بمثابة الجبل الراسخ لا يتزعزع رزينًا كالحصن الحصين. أما الناقضون فقد أخذوا أمةالله المقدّسة والدته إلى دارهم، حيث توجد ابنتها، وبذلوا ما في وسعهم ليزلزلوها فلم يفلحوا رغم إظهارهم كمال المودّة لها بدرجة تفوق الوصف، وكانوا يخفون عنها نقضهم للعهد.
وما لبثت أن اشتمت منهم رائحة النقض حتى بادرت تلك الأمة المحترمة، بمبارحة القصر إلى عكاء وهي تقول: "إنني إحدى خدّام الجمال المبارك، وليس هناك ما يزعزع ثبوتي ورسوخي على العهد والميثاق. لو كان زوج ابنتي أمير البلاد فليس هناك من فائدة تعود عليّ، ولا تعنيني قرابتي لأحد، ولا تؤثر أمومتي في معتقدي، وإنني لمنصرفة عن جميع المظاهر النفسية، مع ثبوتي على العهد وتمسكي بالميثاق". ومن ثم لم ترض مشاهدة الناقضين، وتبرّأت منهم وارتبطت مع الحق ليتولاها.
ومختصر القول، إن جناب حسين آقا المذكور لم ينفكّ عن عبدالبهاء لحظة، مواظبًا على مؤانستي ولذا كان تعلقي به شديدًا واعتبرت صعوده مصيبة عظمى، وإني أتأثر جدًا كلما تذكرته وتستولي عليّ الحسرة. ولكني أشكر الله، على أن هذا الرجل الإلهي عاش في جوار البيت المبارك مظهرًا للرضاء وكثيرًا ما سمعت من لسان العظمة قوله تعالى: "إن حسين آقا قد خلق لهذه الخدمة".
وأيم الله، إن هذا المؤمن النوراني قد ترك هذا العالم الفاني بعد أن قام بالخدمة أربعين عامًا، وطار إلى العالم الإلهي.
عليه التحية والثناء، وعليه الرحمة من فيض الكبرياء، وحفف جدثه بأنوار ساطعة من الرفيق الأعلى.
أما قبره النوراني ففي حيفا.