دورة الفصول الرّوحانيّة

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

دورة الفصول الرّوحانيّة

في يوم الأحد الموافق 15 تشرين الأوّل 1911 ألقى حضرة

عبد البهاء الخطبة التّالية في منزله المبارك في باريس:

هو الله

لو نظرتم بعين البصيرة لرأيتم الرّوحانيّات تطابق الجسمانيّات. فكما أنكم تلاحظون في عالم الأجسام فصل الرّبيع وموسم الصّيف وأوقات الخريف وأيّام الشّتاء كذلك تجدون هذه الفصول في عالم الرّوح.

فأيّام موسى كانت مثل الرّبيع، وبيان ذلك أنّ بني إسرائيل لمّا أسرهم الخريف وأصبحوا في نهاية الذّلّة والهوان، وهاموا في ظلمات الجهل بعثت فيهم يد موسى البيضاء الإحساسات الرّوحانيّة، وربّاهم بالآداب السّماويّة وبذل لهم من فيض أمطار الرّبيع. إلاّ أنّ ذلك الرّبيع الرّوحانيّ تغيّر وتبدّل بالشّتاء فزال رونق الرّبيع وعادوا إلى حالتهم الأولى، وتجمّدوا وأحاطت بهم الظّلمات.

وكان السّيّد المسيح ربيعًا روحانيًّا ضرب خيمته في الآفاق. وأظهر تلك الإحساسات الرّوحانيّة إظهارًا أعظم من السّابق. وتمتّع العالم برونق بهيج وانتعش عالم الإنسان وازدهر. إلاّ أنّ موسم الخريف عاد ثانية، إذ تحالف الأمراء والرّؤساء فتغيّر أساس دين المسيح تغييرًا كلّيًّا وأصبح النّاس أسرى للتّقاليد. وهكذا أصبحت أمّة المسيح أسيرة إذ تسلّط الأمراء والرّؤساء عليها كالكابوس. وضاعت التّعاليم الإلهيّة ضياعًا كلّيًّا وراجت التّقاليد رواجًا شديدًا، حتّى بات كلّ ذنب يغفر بنفس الرّؤساء الطّاهر، وكلّ ظلم واعتساف يعفى عنه بمجرّد الإقرار والاعتراف.

وظلّ العالم يتخبّط في هذه الظّلمات، واستوحش الغرب، وحرم من الرّقي المادّيّ والرّوحانيّ حرمانًا تامًّا حتّى أشرق النّور المحمّدي بغتة، وأقام أساس العدل الإلهيّ. فأضاءت بادية العرب ورفعت شريعة الله رايتها في الصحراء، فتربّت الأقوام المتوحّشة، وارتقت شريعة الله.

وبعد مدّة تبدّلت الأمور بحيث لم يعد لأنوار الدّين المبين أيّ أثر، واستولى الجهل وانعدمت المعرفة. ذلك لأنّ التّغيير والتّبديل من لوازم الوجود الذّاتيّة، بحيث إنّه من المستحيل ألاّ يظهر التّغيير. فبعد كلّ عمران لا بدّ من خراب ودمار، وبعد كلّ شمس لا بدّ من ليل بهيم.

فلمّا غمرت الظّلمات كلّ الآفاق وانهدم أساس الدّين الإلهيّ لم تعد هناك أيّة إحساسات روحانيّة على الإطلاق. بل إنّ الأديان لم تعد تتجاوز الألفاظ وأصبحت –لسوء استعمالها- سببًا للمتاعب. فبعد أن كانت سببًا للاتّحاد والاتّفاق أصبحت وسيلة للرّياء والنّفاق، ولهذا تفضّل الله البرّ الرّحيم بمحض رحمته الكبرى فأخرج من جديد كوكبًا ساطعًا. وهكذا طلع من مشرق إيران صبح الهداية الكبرى ألاّ وهو حضرة الباب. ثمّ ما لبث نور حضرة بهاء الله أن أضاء، وراجت تعاليمه معلنة أنّ الدّين الإلهيّ نورانيّة وحسن أخلاق وأنّه روح العالم. وأساس ذلك الدّين الإلهيّ هو ذلك البيان الّذي ألقيته في لندن فطالعوه كي تعلموا.

إنّ أهل العالم لا يعلمون قط ما هو أساس أمر الله. وهذا هو الّذي حدا بجمع من أهل المعارف والعلوم إلى أن يتبرّأوا من الدّين. وإنّ حضرة بهاء الله ليقول: إذا لم يكن الدّين سببًا للاتّحاد فإنّ عدمه أولى من وجوده. ولهذا فإنّ الدّين يجب أن يكون سببًا للمحبّة. مثله مثل الدّواء. فالدّواء يوصف للشّفاء، فإذا كان الدّواء سببًا للإصابة بالمرض فإنّ الامتناع عن تناوله أفضل وأولى.

وإنّ الفقرات الإحدى عشرة الّتي ذكرتها في بياني قبل مغادرتي للندن هي من بين أسس دين الله، فارجعوا إليها كي تقفوا على أساس أوامر بهاء الله وأحكامه

المصادر
المحتوى
OV