الاتّحاد مقصد عظيم دونه مشكلات جمّة

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

الاتّحاد مقصد عظيم

دونه مشكلات جمّة

في يوم السّبت الموافق 28 تشرين الأوّل 1911 ألقى حضرة عبد البهاء

هذه الخطبة أمام الأحبّاء الّذين اجتمعوا في منزله المبارك في باريس

هو الله

اليوم قرأت عن حوادث إيطاليا وتركيّا. ولقد قامت حرب جديدة يراق فيها دم النّاس البائسين من أجل أتفه الأسباب. فمن أجل هذه الأرض السّوداء يقتل النّاس بعضهم بعضًا مع أنّها ليست ملكًا لأحد منهم. ما أكثر الأمم والدّول الّتي كسبت الأرض ثمّ ضاعت هذه الأرض من أيديهم بعد زمن قصير. ما أكثر الممالك الّتي فتحت في زمان شارلمان وأيّام نابليون الأوّل. ولكن ماذا كانت النّتيجة آخر الأمر؟ لقد ضاعت هذه الممالك في زمن قصير.

إنّ الأرض ملك لله. وجميع الملل والدّول بمثابة مستأجري هذه الأرض وستفلت من يد الجميع. "ولله ميراث السّموات والأرض" أمن أجل هذه المدّة القصيرة الّتي تشبه الاستئجار يتنازعون ويتجادلون ويسفك بعضهم دماء بعض كالسّباع الضّارية ويفتك بعضهم ببعض كالذّئاب الكاسرة؟ والمعلوم أنّ الله خلق الإنسان مظهرًا لفضائل العالم الإنسانيّ وكي يكون سببًا لراحة العالم وطمأنينته، ويكون سببًا للمحبّة والألفة، ويكون نورانيًّا عادلاً منصفًا، فلا يعتدي على غيره بل يعاونه حتّى تسود الرّأفة بين البشر. هذا ما يريده الله. وهذا هو سبب سعادة العالم الإنسانيّ وعزّة البشر. ولكنّ البشر – واأسفاه! – يقومون بما يخالف رضا الله، ويسعون في أمور تسبّب ذلّة العالم الإنسانيّ وفضيحته.

إنّكم اليوم –بالنّسبة إلى سائر الطّوائف الموجودة هنا- جمع قليل عقدتم نيّتكم على الخير، وتوجّهتم إلى الله، تبتغون خير العالم الإنسانيّ، وتلتمسون الصّلح والصّلاح، وتنزعون إلى المحبّة والألفة، وغاية مسعاكم هو أن يتّحد البشر ويتّفقوا وقصارى أملنا هو أن يزول القتال والجدال، وأن يحلّ الصّلح مكان الحرب والمحبّة محلّ البغضاء ويسود الاتّحاد بدل الاختلاف.

وهذا الهدف هدف عظيم حقًا. ولكنّه ليس سهلاً ولا يسيرًا. إذ دونه مشكلات جمّة. إلاّ أنّكم يجب أن تستسيغوا كلّ مشقّة وكل عناء في سبيله. ومعنى ذلك أنّه يجب عليكم أن تقفوا في وجه جميع البشر. لأنّ جميع الملل ركّزت فكرها في الحرب، وعقدت عزمها على أن يغيّر بعضها على بعض ليفتحوا الممالك.

فلا شكّ أنّ عملكم هذا عسير جدًّا. ولكن إذا بذلتم أقصى الجهد بلا كلل ولا ملل تبلغون النّتائج المفيدة.

إذن تضرّعوا دائمًا وابتهلوا أبدًا إلى الله واطلبوا إليه أن يخلق أسباب الألفة، وأن يمدّكم بمدد من عنده وتأييد من لدنه حتّى تستطيعوا إنجاز هذه المهمّة، وحتّى يمكّنكم من حمل هذا العبء الثّقيل، وتحمّل كلّ مشقّة وتعب وعناء في هذا السّبيل. وربّما بلغ بكم الأمر إلى الحدّ الّذي يتوجّب معه عليكم أن تضحّوا بأنفسكم. وكلّ إنسان جليل الهدف يستعذب مشقّة تواجهه في سبيل تحقيق هدفه وخاصّة إذا كان الهدف عظيمًا كالّذي أمامكم، فهذا الهدف هو علّة حياة العالم ونورانيّة عالم البشر وراحة واطمئنان الخلق جميعًا وظهور موهبة العالم الإنسانيّ وتجلّي تأييدات الملكوت الإلهيّ.

وآمل ألا تثبط عزمكم أيّة مشقّة ولا أيّ تعب وأن تزداد همّتكم سموًّا يومًا بعد يوم، ويتضاعف سعيكم واجتهادكم حتّى تشتهروا بين البشر بنورانيّة محبّة الله.

المصادر
المحتوى
OV