دين الله هو الأعمال

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

دين الله هو الأعمال

في مساء الجمعة الموافق 3 تشرين الثّاني 1911 ألقى

حضرة عبد البهاء في منزل مسيو دريفوس هذه الخطبة

هو الله

إنّ دين الله –في الحقيقة- هو الأعمال، وليس الألفاظ. ذلك لأنّ دين الله هو العلاج. فمعرفة الدّواء وحدها ولا تُغْنِي بل إنّ الّذي يجدي هو استعمال الدّواء. فإذا عرف أحد الأطبّاء جميع الأدوية ولم يستعملها فما الفائدة من معرفته لها؟

إنّ التّعاليم الإلهيّة كخريطة البناء وهندسته. فإذا رسمت الخريطة وتمّت الهندسة ولكنّها لم تنفّذ فما فائدتها؟ فلا بدّ إذن من إجراء التّعاليم الإلهيّة ووضعها موضع التّنفيذ. وإلاّ فقراءتها والوقوف عليها لا جدوى منه.

ففي تعاليم السّيّد المسيح مثلاً: من ضربك على خدّك الأيمن أدر له الأيسر. وصلّوا للاعنيكم، والتمسوا الخير لأعدائكم. هذه هي تعاليم السّيّد المسيح الّتي كانت سبب النّورانيّة وعلّة حياة العالم وأساس الصّلح والصّلاح. ولكن ما الفائدة؟ إنّك لا تتمالك نفسك عن التّأسّف والتّحسّر وأنت ترى سفك الدّماء، وآلاف النّفوس الّتي قتلت –طوال هذه المدّة- من أمّة المسيح. ويحدّثنا التّاريخ أنّه في النّزاع بين البروتستانت والكاثوليك قتل تسعمائة ألف شخص. فأيّ صلة لهذا النّزاع بتعاليم المسيح الّذي أتى بتعاليم تناقض هذا التّصرّف مناقضة تامّة؟ يقرأ المسيحيّون جميعًا هذا البيان للسّيّد المسيح في الإنجيل ولا يعملون به. فماذا استفادوا من هذه القراءة؟ غير أنّهم لوعملوا بموجب ما قرأوا لظهرت عندئذٍ نتيجة. ففي الإنجيل يتفضّل بقوله: من ثمارهم تعرفونهم. أي من الثّمر يفهم إذا كانت هذه الشّجرة شجرة مباركة أم شجرة خبيثة.

يتّضح إذن أنَّ الدّين ليس هو القول بل العمل. وفي القرآن يقول الله سبحانه وتعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس والله يحبّ المحسنين". ومعنى ذلك أنّ نفسًا إذا تعدّت على غيرها وجب على المعتدى عليها أن تحلم وأن تعفو وتحسن وتصفح. فانظروا اليوم كم تخالف الأعمال الأقوال، وكم جاروا وظلموا حتّى أراقوا دم سيّد الشّهداء.

ويتفضّل الجمال المبارك بقوله: لو لم يكن ذلك مخالفًا لشريعة الله لقبّلت يد قاتلي وورّثته من مالي. ولكن كيف السّبيل وحكم الكتاب المحكم لم يجز ذلك، ولم يكن لهذا العبد من حطام الدّنيا شيء.

والمقصود هو أنَّه يجب العمل بموجب التّعاليم الإلهيّة. ولقد بدأت جميع الأديان الإلهيّة بالعمل لا القول. ففي أيّام السّيّد المسيح مثلاً عمل الحواريّون بموجب التّعاليم الإلهيّة. وكان هذا هو السّبب في رقيّهم فارتفعوا من حضيض الذّلّة إلى أوج العزّة، واهتدوا من ظلمات الأوهام بنور الهداية. وكان الأمر كذلك دائمًا. ولكن بمرور الأيّام يتغيّر الأمر تدريجيًّا ويقلّ العمل شيئًا فشيئًا ويزيد القول يومًا فيومًا حتّى لو لم يعد أحد يعمل شيئًا، ويصبح كلّ شيء محض أقوال دون عمل. وهذا هو السّبب الّذي من أجله لم يعد لتعليم المسيح من أثر في القرون الوسطى. وتقاتل الأمراء والملوك المسيحيّون بعضهم مع البعض واستعرت نار الحرب الدّائمة.

وإنّكم لتلاحظون المجلس الّذي انعقد في لاهاي من أجل الصّلح العام، وكم دارت فيه من مناقشات حول الصّلح، وكم قيل من الأقوال المقبولة. وأرسلت جميع الدّول ممثليها. ودارت مناقشاتهم جميعًا حول تعايش الدّول والملل في صلح وأمان، كي تزول الحرب والخلافات وينزع السّلاح.

المصادر
المحتوى
OV