دين الله قسمان

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

دين الله قسمان

وفي مساء الجمعة الموافق 3 تشرين الثّاني

1911 ألقى أيضًا الخطبة التّالية:

هو الله

كنت اتحدّث اليوم مع أحدى السّيّدات في أنَّ أساس الدّين الإلهيّ واحد وأريد الآن أن أشرح لكم هذه المسألة:

كلّ دين من الأديان الإلهيّة المقدّسة الّتي نزلت حتّى اليوم منقسم إلى قسمين: أحدهما الرّوحانيّات وهي معرفة الله وموهبة الله وفضائل العالم الإنسانيّ والكمالات السّماويّة، وهذا القسم يتعلّق بعالم الأخلاق وهو الحقيقة والأصل.

وجميع أنبياء الله دعوا النّاس إلى الحقيقة، فالحقيقة هي محبّة الله ومعرفة الله وهي الولادة الثّانية، والحقيقة هي الاستفاضة من الرّوح القدس، وهي وحدة العالم الإنسانيّ، وهي الألفة بين البشر وهي المحبّة والصداقة وهي العدل، وهي المساواة بين البشر. وقد روّجها وأسّسها أنبياء الله جميعًا. ومن ثمّ فالأديان الإلهيّة واحدة.

والقسم الثّاني من الدّين متعلّق بالجسمانيّات وهو فرعيّ وليس أساسيًّا ويحدث فيه التّغيير والتّبديل بحسب مقتضيات الزّمان. فالطّلاق مثلاً جائز في شريعة التّوراة. وليس جائزًا في شريعة السّيّد المسيح. وفي شريعة موسى كان السّبت، وفي شريعة المسيح نسخ ذلك الأمر.

فجميع هذه الأمور تتعلّق بالجسمانيات ولا أهميّة لها. وهي تتغيّر وتتبدّل حسب مقتضيات الزّمان.

وعالم الوجود مثل هيكل الإنسان يصحّ حينًا ويعتل ويمرض حينًا آخر. ولهذا فأنواع العلاج تختلف باختلاف الأمراض فقد تنشأ العلّة يومًا من الحرارة فلا يبقى بدّ من تبريدها، وقد ينشأ المرض يومًا من الرّطوبة فلا يكون بدّ من علاج من نوع آخر.

وخلاصة القول إنّ هذا القسم الّذي يتعلّق بالعالم الجسمانيّ يحدث فيه التّغيير والتّبديل تبعًا لمقتضيات الزّمان. فزمان موسى كان يقتضي أمورًا لم يقتضها الزّمان في عهد المسيح. ففيه كان الإنسان طفلاً رضيعًا، وكان الحليب لازمًا له. وفي زمان المسيح صار الإنسان يتناول الطّعام. وإنّكم لتلاحظون أنَّ الإنسان في جميع أطوار حياته من بدايتها إلى نهايتها هو شخص واحد. كذلك الحال في دين الله فهو في جميع الأدوار دين واحد. والإنسان يكون في بادئ أمره جنينًا، ثمّ يصير طفلاً رضيعًا، فصبيًّا فمراهقًا فبالغًا فشابًّا فرجلاً في كمال رجولته فشيخًا. وبالرّغم من أنّ أحواله وأطواره تبدو مختلفة إلاَّ أنَّه في الحقيقة واحد. وكذلك الحال في دين الله فهو دين واحد، ذلك لأنَّه حقيقة، والحقيقة لا تقبل التّعدّد. وهذا الاختلاف الّذي تلاحظونه في الأديان الإلهيّة مثله مثل اختلاف الإنسان في أحواله وأطواره منذ بداية حياته حتّى نهايتها. فهذا الّذي ترونه اليوم شيخًا مثلاً هو نفسه الإنسان الّذي كان جنينًا. وبالرّغم من تفاوت أمره واختلاف شأنه حسب الظّاهر إلاَّ أنّه إنسان واحد. كذلك الحال في دين الله فمهما اختلفت ظواهره في أيّام الأنبياء المختلفين إلاّ أنّه حقيقة واحدة.

وهكذا يجب علينا أن نتمسّك بهذه الحقيقة حتّى تتفّق كلّ ملل العالم، ويزول النّزاع والجدال كلّيّة، ويتّحد جميع البشر ويتّفقوا.

أسأل الله أن تكونوا سبب وحدة العالم الإنسانيّ حتّى يعانق جميع البشر بعضهم بعضًا وتتجلّى عزّة العالم الإنسانيّ الأبديّة.

مرحبًا بكم.

المصادر
المحتوى
OV