تعاليم بهاء الله-فيلادلفيا – أمريكا مساء يوم الأحد 8 حزيران سنة 1912

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

تعاليم بهاء الله

الخطبة المباركة في معبد المعمدانيّين في

فيلادلفيا – أمريكا مساء يوم الأحد 8 حزيران سنة 1912

هو الله

إنّني مسرور جدًّا في هذه اللّيلة لحضوري هذا الجمع المحترم. وفي الحقيقة إنّه جمع في منتهى الرّوحانيّة، والإحساسات الملكوتيّة موجودة في قلوبكم بمنتهى القوّة، ووجوهكم متّجهة إلى الله ونواياكم خالصة وتشاهد في الوجوه بشارات روحانيّة. لهذا أرى من المناسب أن اتّحدث إليكم قليلاً.

منذ خلقة آدم حتّى يومنا هذا كان في العالم الإنسانيّ طريقان أحدهما طريق الطّبيعة والآخر طريق الدّين.

فطريق الطّبيعة طريق حيوانيّ لأنّ الحيوان يتحرّك حسب مقتضيات الطّبيعة ويقوم بكلّ ما تستلزمه الشّهوات الحيوانيّة. لهذا فالحيوان أسير الطّبيعة. ولا يستطيع أبدًا أن يتجاوز قانون الطّبيعة وليس له اطّلاع على الإحساسات الرّوحانيّة، وليس له اطّلاع على الدّين الإلهيّ، وليس له اطّلاع على الملكوت الإلهيّ، وليس له اطّلاع على القوّة العاقلة. إنّما هو أسير المحسوسات، وليس له اطّلاع على ما هو خارج عن عالم المحسوسات بل يعرف كلّ ما تراه عينه وتسمعه أذنه وتستنشقه شامّته وتذوقه ذائقته وتلمسه لامسته. والحيوان أسير هذه القوى الخمس ويقبل كلّ ما تحسّه هذه القوى وليس للحيوان اطّلاع على ما هو خارج عن محسوساته أي أنّه لا اطّلاع له على عالم المعقولات ولا على الملكوت الإلهيّ ولا على الإحساسات الرّوحانيّة ولا على الدّين لأنّه أسير الطّبيعة.

ومن الغريب أن يفتخر المادّيّون بهذا ويقولون إنّ كلّ ما هو محسوس مقبول، وهم أسرى المحسوسات ولا اطّلاع لهم أبدًا على العالم الرّوحانيّ، ولا اطّلاع لهم على الملكوت الإلهيّ، ولا اطّلاع لهم على الفيوضات الرّحمانيّة. فإن كان هذا هو الكمال إذًا فالحيوان قد وصل إلى أعظم درجات الكمال. فهو لا يعلم شيئًا أبدًا عن الملكوت والرّوحانيّات وهو منكر للرّوحانيّات. فإن قلنا إنّ كوننا أسرى للمحسوسات هو كمال إذن فالحيوان أكمل الكائنات لأنّه لا يملك أبدًا إحساسات روحانيّة ولا أعلم له أبدًا بالملكوت الإلهيّ، مع أنّ الله قد أودع في حقيقة الإنسان قوّة عظيمة وبهذه القوّة العظيمة يحكم على عالم الطّبيعة.

لاحظوا أنّ جميع الكائنات أسيرة للطّبيعة. فهذه الشّمس على ما هي عليه من العظمة أسيرة للطّبيعة، وهذه النّجوم العظيمة أسيرة للطّبيعة، وهذه الجبال بعظمتها أسيرة للطّبيعة، وهذه الكرة الأرضيّة بعظمتها أسيرة للطّبيعة، وجميع الجمادات والنّباتات والحيوانات أسيرة للطّبيعة، وجميع هذه الكائنات لا تستطيع الخروج على حكم الطّبيعة. فمثلاً، الشّمس بعظمتها وهي أكبر من الكرة الأرضيّة بمليون ونصف مرّة لا تخرج على قانون الطّبيعة قيد شعرة ولا تتجاوز مركزها لأنّها أسيرة للطّبيعة. أمّا الإنسان فإنّه حاكم على الطّبيعة.

لاحظوا أنّ الإنسان بمقتضى قانون الطّبيعة ذو روح أرضيّ، ولكنّه يكسر هذا القانون ويطير في الهواء ويسير تحت البحار ويتسابق فوق المحيطات. والإنسان يحبس هذه القوّة الكهربائية العاتية في داخل زجاجة ويتخابر مع الشّرق والغرب في دقيقة واحدة ويأخذ الأصوات فيحبسها ويكشف حقائق السّموات وهو في الأرض ويكشف أسرار الكرة الأرضيّة، ويظهر جميع الكنوز المستورة في الطّبيعة ويظهر جميع أسرار الكائنات وهي بمقتضى قانون الطّبيعة أسرار مكنونة ورموز مصونة ويجب أن تبقى مستورة بموجب قانون الطّبيعة ولكنّ الإنسان بهذه القوّة المعنويّة الّتي يملكها يكشف أسرار الطّبيعة وهذا مخالف لقانون الطّبيعة ويظهر الحقائق الطّبيعية المكنونة وهذا مخالف لقانون الطّبيعة.

إذن اتّضح أنّ الإنسان حاكم على الطّبيعة، وفضلاً عن هذا فإنّ الطّبيعة لا ارتقاء لها والإنسان في ارتقاء والطّبيعة لا شعور لها والإنسان ذو شعور. والطّبيعة لا إرادة لها والإنسان له إرادة، والطّبيعة لا تكتشف الحقائق والإنسان يكتشف الحقائق. والطّبيعة لا علم لها بالعالم الإلهيّ والإنسان له اطّلاع، والطّبيعة لا علم لها بالله والإنسان له معرفة عن الله. والإنسان يكتسب الفضائل والطّبيعة محرومة منها، والإنسان يدفع الرّذائل والطّبيعة لا تستطيع دفع الرّذائل.

إذن اتّضح أنّ الإنسان أشرف من المادّة وأنّ لديه قوّة معنويّة فوق عالم الطّبيعة والإنسان لديه قوّة الحافظة والطّبيعة ليست لديها هذه القوّة. والإنسان لديه قوّة معنويّة والطّبيعة ليست لديها هذه القوّة، والإنسان لديه قوى روحانيّة والطّبيعة ليست لديها هذه القوى. إذن فالإنسان أشرف من الطّبيعة لأنّ القوّة المعنويّة قد خلقت في حقيقة الإنسان والطّبيعة محرومة منها.

سبحان الله، إنّ موطن العجب هو أنّ الإنسان مع امتلاكه لمثل هذه القوى المعنويّة المودعة فيه يعبد الطّبيعة الّتي هي أحطّ منه ولقد خلق الله فيه روحًا قدسيّة وبهذه الرّوح المقدّسة صار أشرف الكائنات، ومع وجود هذه الكمالات فيه يصير أسير المادّة ويعتبر المادّة إلهًا وينكر كلّ ما هو خارج عن عالم المادّة. فإن كان هذا كمالاً فالحيوان حائز على بدرجة أعظم لأن الحيوان لا علم له بالعالم الإلهيّ وبما وراء الطّبيعة. إذن فالحيوان أعظم فيلسوف لأنه لا علم له بالله ولا علم له بملكوت الله، وخلاصة القول إنّ هذا هو طريق الطّبيعة.

أمّا الطّريق الثّاني فهو طريق الدّين وهو الآداب الإلهيّة واكتساب الفضائل الإنسانيّة وتربية عموم البشر والنّورانيّة السّماويّة والأعمال الممدوحة. إنّ طريق الدّيانة هذا هو سبب نورانيّة العالم البشريّ. وطريق الدّيانة هذا هو سبب تربية النّوع الإنسانيّ. وطرق الدّيانة هذا هو سبب تهذيب الأخلاق. وطريق الدّيانة هذا هو سبب محبّة الله. وطريق الدّيانة هذا هو سبب معرفة الله، وهو أساس المظاهر المقدّسة الإلهيّة وهو الحقيقة. وإنّ أساس الأديان الإلهيّة واحد لا يقبل التعدّد والانقسام وهو يخدم عالم الأخلاق ويصفّي القلوب والأرواح. وهو سبب اكتساب الفضائل وسبب نورانيّة العالم الإنسانيّ، ولكن ويا للأسف إنّ هذا العالم الإنسانيّ صار غريق بحر التّقاليد وبالرّغم من أنّ حقيقة الأديان الإلهيّة واحدة ولكنّ سحب الأوهام ويا للأسف قد سترت أنوار الحقائق. وقد أظلمت سحب التّقاليد العالم. لهذا لم تعد نورانيّة الدّين ظاهرة، وصارت الظّلمة سببًا للاختلاف لأنّ التّقاليد مختلفة واختلافها قد أدّى إلى الخصام والنّزاع بين الأديان في حين أنّ الأديان الإلهيّة تؤسّس الوحدة الإنسانيّة وهي سبب المحبّة بين البشر وسبب الارتباط العموميّ وسبب اكتساب الفضائل. لكنّ النّاس غرقوا في بحر التّقاليد وبسبب اكتساب هذه التّقاليد ابتعدوا تمامًا عن طريق الاتّحاد وحرموا من نورانيّة الدّيانة وتشبّثوا بالأوهام الّتي ورثوها عن الآباء والأجداد.

ولمّا أصبحت هذه التّقاليد سبب الظّلمة محيت نورانيّة الدّين وصار كلّ ما كان سبب الحياة سببًا للممات وكلّ ما كان برهان العرفان صار دليل الجهل وكلّ ما كان سبب العلوّ والرّقيّ في العالم الإنسانيّ صار سبب الدّناءة والسّفاهة له، ولهذا تدنّى عالم الدّين يومًا فيومًا وغلب عالم المادّيّات تدريجيًّا وبقيت تلك الحقيقة القدسيّة في الأديان مستورة. وحينما تغرب الشّمس تطير الخفافيش لأنّها طيور اللّيل وحينما تغرب نورانيّة الدّين يطير هؤلاء المادّيّون أشباه الخفافيش لأنّهم طيور اللّيل وحينما يختفي النّور الحقيقيّ يشرع هؤلاء بالطّيران.

وخلاصة القول حينما أحاطت الظّلمة بالعالم طلع حضرة بهاء الله من أفق إيران كالشّمس المشرقة ونوّر جميع الآفاق بأنوار الحقيقة وأظهر حقيقة الأديان الإلهيّة وأزال ظلمة التّقاليد ووضع تعاليم جديدة وأحيى الشّرق بتلك التّعاليم:

فأوّل تعاليم حضرة بهاء الله هو تحرّي الحقيقة. فيجب أن يتحرّى الإنسان الحقيقة وأن يترك التّقاليد لأنّ كلّ ملّة من ملل العالم لها تقاليدها والتّقاليد مختلفة واختلافها سبب الحروب وما دامت هذه التّقاليد باقية فإنّ وحدة العالم الإنسانيّ مستحيلة إذن يجب تحرّي الحقيقة حتّى تزول هذه الظّلمات بنور الحقيقة. لأنّ الحقيقة واحدة لا تقبل التّعدّد والانقسام. وما دامت لا تقبل التّعدّد والانقسام فإنّ جميع الملل لو تتحرّى الحقيقة فإنّها لا شكّ تتّحد وتتّفق. وعندما قامت جماعة في إيران بتحرّي الحقيقة اتّحدت واتّفقت في نهاية الأمر والآن تعيش هذه الجماعة في منتهى الألفة والمحبّة في ما بينها وليست هناك أبدًا بين أفرادها رائحة الاختلاف، لاحظوا أنّ اليهود كانوا ينتظرون ظهور السّيّد المسيح وكانوا يتمنّون ظهوره ليفدوه بأرواحهم وقلوبهم ولكنّهم لمّا كانوا غرقى التّقاليد لم يؤمنوا به عند ظهوره وأخيرًا قاموا بصلبه فيتّضح من هذا أنّهم اتّبعوا التّقاليد لأنّهم لو تحرّوا الحقيقة لآمنوا بحضرة المسيح. فهذه التّقاليد جعلت العالم الإنسانيّ ظلمانيًّا وهذه التّقاليد صارت سبب الحروب وهذه التّقاليد صارت سبب العداوة والبغضاء. إذن يجب أن نتحرّى الحقيقة حتّى ننجو من جميع المشاق وتتنوّر بصائرنا ونصل إلى سبيل الملكوت الإلهيّ.

وثاني تعاليم حضرة بهاء الله هو وحدة العالم الإنسانيّ فجميع البشر هم من النّوع الإنسانيّ وجميعهم عباد الله وقد خلق الله الجميع والجميع أبناء الله والله يرزقهم جميعًا ويربّيهم جميعًا وهو رؤوف بالجميع. فلماذا نكون قساة؟ هذه هي السّياسة الإلهيّة الّتي سطعت أنوارها على جميع الخلق وأشرقت شمسها على الجميع وأمطر سحاب مكرمتها على الجميع وهبّ نسيم عنايتها على الجميع. إذن يتّضح أنّ النّوع البشريّ جميعه في ظلّ رحمة الله. وغاية ما في الأمر أنّ بعضهم ناقص يجب إكماله وجاهل يجب تربيته ومريض يجب معالجته ونيام يجب إيقاظهم ويجب أن لا نبغض الطّفل أو نقول له لماذا أنت طفل؟ بل يجب تربيته، ويجب أن لا نبغض المريض أو نقول له لماذا أنت مريض؟ بل يجب إظهار منتهى الرّحمة والمحبّة له، إذن يتّضح من هذا أنّ العداوة بين الأديان يجب أن تمحى كلّيّة ويزول الظّلم والاعتساف لتسود الألفة والمحبّة سؤددًا تامًّا.

وثالث تعاليم حضرة بهاء الله هو أنّ الدّين يجب أن يكون سبب الألفة وأن يكون سبب الارتباط بين البشر وأن يكون رحمة إلهيّة. فإن أصبح الدّين سبب العداوة وسبب الحرب فإنّ عدمه أحسن من وجوده وعدم التّديّن أحسن من هذا التّديّن. بل على العكس من ذلك يجب أن يكون الدّين سبب الألفة وأن يكون المحبّة وأن يكون سبب الارتباط بين عموم البشر.

ورابع تعاليم حضرة بهاء الله هو أنّ الدّين يجب أن يطابق العلم لأنّ الله وهب الإنسان عقلاً حتّى يحقّق في حقائق الأشياء. فإن كانت المسائل الدّينيّة مخالفة للعقل والعلم فإنّها وهم من الأوهام. لأنّ ما يناقض العلم هو الجهل، ولو قلنا إنّ الدّين ضدّ العقل فذاك يعني أنّ الدّين جهل، ولهذا لا بدّ أن يكون الدّين مطابقًا للعقل حتّى يطمئنّ الإنسان إليه فإن كانت هناك مسألة تخالف العقل فإنّ الإنسان لا يطمئنّ إليها أبدًا ويكون متردّدًا دائمًا.

وخامس تعاليم حضرة بهاء الله هو أنّ التّعصّب الجنسيّ والتّعصّب الدّينيّ والتّعصّب المذهبيّ والتّعصّب الوطنيّ والتّعصّب السّياسيّ هادمة للبنيان الإنسانيّ والتّعصّب من أيّ نوع كان يخرّب أساس النّوع البشريّ وما لم تمحَ التّعصّبات لا يمكن أن يرتاح العالم الإنسانيّ والبرهان على ذلك هو أنّ كلّ حرب وقتال وكلّ عداوة وبغضاء تحدث بين البشر إمّا أن تكون ناشئة عن تعصّب وطنيّ أو ناشئة عن تعصّب سياسيّ. ولقد مرّت ستّة آلاف سنة لم يذق العالم الإنسانيّ فيها طعم الرّاحة وكان السّبب في عدم ارتياحه هو هذه التّعصّبات. وما دام التّعصّب باقيًا فالحرب باقية والبغضاء باقية والعداوة باقية والأذى باقٍ وإن أردنا الرّاحة للعالم الإنسانيّ وجب أن ننبذ جميع هذه التّعصّبات وإلاّ فمن المستحيل أن نجد الرّاحة.

وسادس تعاليم حضرة بهاء الله هو تعديل أسباب المعيشة. يعني أنّه يجب وضع أنظمة وقوانين يعيش بموجبها جميع البشر عيشة هنيئة. فكما أنّ الغنيّ مرتاح في قصره وتتزيّن مائدته بأنواع الأطعمة كذلك يجب أن يكون للفقير عشّ وملجأ وأن لا يبقى جائعًا حتّى يرتاح جميع البشر. وإنّ أمر تعديل المعيشة مهمّ جدًّا وما لم تتحقّق هذه المسألة يستحيل حصول السّعادة للعالم البشريّ.

وسابع تعاليم حضرة بهاء الله هو المساواة في الحقوق. فإنّ جميع البشر متساوون لدى الله وحقوقهم واحدة ولا امتياز لإنسان على آخر والكلّ خاضعون لقانون إلهيّ لا استثناء فيه والفقير والأمير متساويان لدى الله والعزيز والحقير متساويان.

وثامن تعاليم حضرة بهاء الله هو أنّ تربية العموم واجبة وأنّ وحدة الأصول والقوانين التّربوية من ألزم الأمور حتّى يتربّى جميع البشر تربية واحدة. يعني أنّ التّعليم والتّربية يجب أن يكونا موحّدين في جميع مدارس العالم وأن تكون الأصول والآداب واحدة حتّى يؤدّي هذا إلى غرس وحدة العالم البشريّ في القلوب منذ عهد الصّغر.

وتاسع تعاليم حضرة بهاء الله هو وحدة اللّغة وأن توجد لغة واحدة تقبلها جميع الأكاديميات في العالم وأن ينعقد مؤتمر دوليّ ويحضر من كلّ ملّة ممثلون ووكلاء مثقّفون ويتّحدثوا فيه ويتشاوروا ويقبلوا تلك اللّغة قبولاً رسميًّا وبعد ذلك يدرّسوها للأطفال في جميع مدارس العالم حتّى يكون لكلّ إنسان لغتان إحداهما اللّغة العموميّة والأخرى اللّغة الوطنيّة فيصبح جميع العالم وطنًا واحدًا ولغة واحدة لأنّ هذه اللّغة العموميّة هي من جملة أسباب اتّحاد العالم الإنسانيّ.

وعاشر تعاليم حضرة بهاء الله هو وحدة الرّجال والنّساء وأنّ الرّجال والنّساء متساوون أمام الله وكلّهم من سلالة آدم وليس وجود الذّكور والإناث مقتصرًا على البشر بل هناك في عالم النّبات ذكور وإناث وفي عالم الحيوان هناك ذكور وإناث ولكنّهم في أيّ وجه من الوجوه ليس لبعضهم امتياز على البعض الآخر. لاحظوا عالم النّبات، فهل هناك تمايز بين الذّكور من النّبات وبين الإناث من النّبات؟ بل هناك مساواة تامّة. وكذلك الأمر في عالم الحيوان فليس هناك أيّ تمايز بين الذّكور والإناث والجميع في ظلّ رحمة إله واحد. إذًا فالإنسان الّذي هو أشرف الكائنات هل يجوز أن يكون لديه مثل هذه الاختلافات؟ ولقد كان تأخر النّساء حتّى الآن ناشئًا عن عدم تربيتهنّ مثل الرّجال فلو ربّين مثل الرّجال فلا شكّ أنهنّ يصبحن مثل الرّجال وعندما يكتسبن كمالات الرّجال فإنهنّ يبلغن درجة المساواة ولا يمكن أن تكتمل سعادة العالم الإنسانيّ إلاّ بمساواة النّساء بالرّجال مساواة تامّة.

والتّعليم الحادي عشر لحضرة بهاء الله هو الصّلح العمومي وما لم ترتفع راية الصّلح العموميّ وما لم تتشكّل المحكمة الكبرى للعالم الإنسانيّ وتحكم في جميع الأمور المختلف عليها بين الدّول والملل حكمًا قطعيًّا إلزاميًّا فإنّ عالم الخليقة لن يجد الرّاحة بل يتدهور البنيان البشريّ في كلّ يوم رأسًا على عقب وتمتدّ ألسنة لهيب الفتنة وتصير الممالك القريبة والبعيدة رمادًا ويصير الشّبان اليانعون هدفًا لسهام الاعتساف ويمسي الأطفال المعصومون أيتامًا لا مربّي لهم وتنوح الأمّهات الثّكالى في مآتم أبنائهنّ الشّبان وتتهدم مدن وتتخرّب ممالك. والحلّ الوحيد لهذا الظّلم والاعتساف هو الصّلح العمومي.

والتّعليم الثّاني عشر لحضرة بهاء الله هو أنّ العالم الإنسانيّ لا يرتقي بمجرّد قواه العقليّة والمادّيّة بل يحتاج من أجل ترقّيه الظّاهري والمعنويّ وسعادته الفائقة التامّة إلى نفثات الرّوح القدس ويجب أن تؤيّده القوّة الإلهيّة أي الرّوح القدس وتوفّقه حتّى ترتقي الهيئة البشريّة رقيًّا فائقًا وتصل إلى درجة الكمال. لأنّ الجسم الإنسانيّ يحتاج إلى القوى المادّيّة ولكنّ الرّوح الإنسانيّ يحتاج إلى نفثات الرّوح القدس ولو لم تكن تأييدات الرّوح القدس موجودة لبقي العالم الإنسانيّ مظلمًا ولظلّت النّفوس البشريّة ميّتة كما يتفضّل حضرة المسيح: "دع الموتى يدفنون موتاهم". ويتفضّل: "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الرّوح هو روح" ومعلوم أنّ الرّوح الّتي ليس لها نصيب من الرّوح القدس إنّما هي ميّتة. لهذا فقد اتّضح أنّ الرّوح الإنسانيّة محتاجة إلى تأييدات الرّوح القدس لأنّ الإنسان لا يرتقي بالقوى المادّيّة وحدها بل يبقى ناقصًا.

المصادر
المحتوى
OV