مجيء السّيّد المسيح

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

مجيء السّيّد المسيح

الخطبة المباركة ألقيت في منزل اللّيدي بلومفيلد في لندن

في23 كانون الأوّل سنة 1912

هو الله

حضرت ليلة أمس تمثيليّة ولادة حضرة المسيح وكانت التّمثيليّة في الحقيقة في منتهى الإتقان ولكنّها كانت سببًا للعبرة والموعظة بحيث ظنّ هذا الجمع جميعًا أنّهم منتظرون مجيء المسيح وأنّهم يعرفونه.

لكنّ حضرة المسيح حينما جاء بقي غريبًا ووحيدًا وفريدًا وجاء ولم ينتبه أحد لمجيئه وظلّ النّاس يتحرّون عن مجيء المسيح.

وقد ظهر المسيح واليهود الّذين كانوا ينتظرونه ويتمنّون ظهوره ظلّوا محرومين منه بل إنّهم أنكروه وقالوا إنّ هذا المسيح ليس المسيح الحقيقيّ بل أطلقوا عليه لقبًا أخجل أن أتفوّه به. ولا شكّ أنّكم قرأتم الإنجيل ورأيتم ذلك اللّقب الّذي لقّبوا به حضرة المسيح وخلاصة القول إنّهم لقّبوا حضرة المسيح بلقب بعلزبول هذا الّذي يعني الشّيطان وبهذا اللّقب أشهروا حضرة المسيح. فوا ألف أسف فوا ألف أسف على أنّهم لم يعرفوه ووا ألف أسف على ما دعوا ذلك الجمال الرّحمانيّ بلقب بعلزبول، فوا ألف أسف ووا ألف أسف على ما ستروا تلك الشّمس –شمس الحقيقة- وراء سحب الأوهام وما زال اليهود حتّى اليوم منتظرين مجيء المسيح كي يأتي مع أنّ المسيح قد جاء منذ ألفي سنة ولكنّ اليهود لا يزالون منتظرين. فلاحظوا ماذا تفعل الغفلة.

لقد كانوا يترقّبون وفقًا لنصّ إشعيا أنّ المسيح يأتي من السّماء وأنّه يأتي من مكان غير معلوم وحينما يأتي المسيح تنشقّ الجبال وتتلاشى وتحدث زلازل عظيمة وهذه حدثت في الواقع لكنّهم لم يفهموا رموزها ولم يطّلعوا على الرّمز المقصود من كلمة الجبال فإنّه لم يكن المقصود الجبال الصّخرية بل النّفوس الّتي كانت مثل الجبال ثمّ تلاشت.

وكذلك كان المقصود بالزّلازل الزّلازل في عالم الأفكار لا في عالم التّراب.

وقد حدث جميع ما أخبر بها الأنبياء ولكنّ ذلك كلّه كان رمزًا ولم يكن المقصود منه المعنى الظّاهري لأن الكلمات الإلهيّة رموز وأسرار وهي كالخزينة فالخزينة مستورة لأنّها معدن الجواهر والمعدن مستور دائمًا.

فمثلاً يتفضّل حضرة المسيح إنّني أنا الخبز السّماويّ وواضح أنّه لم يكن خبزًا، ولم يأتِ بحسب الظّاهر من السّماء بل جاء من رحم مريم. لكنّ المقصود بالخبز هو النّعمة السّماويّة والكمالات الرّحمانيّة.

ولا شكّ أنّ حقيقة المسيح كانت من السّماء وتلك الكمالات كانت من السّماء وكانت من عالم اللاّهوت. ويتفضّل قائلاً أيضًا كلّ من يتناول من هذا الخبز ينال حياة أبديّة يعني أنّ كلّ من يستفيض من هذه الكمالات الإلهيّة فإنّه يحيا دون شكّ. لكنّ النّاس لم يفهموا ذلك واعترضوا قائلين إنّ هذا يقول إنّه خبز سماويّ فهل نستطيع أن نأكله؟

وخلاصة القول إنّ المسيح ولو أنّه جاء من رحم مريم ولكنّه جاء في الحقيقة من السّماء. فما هو السّبب الّذي جعل الملل المنتظرة تنكره؟ السّبب هو أنّهم كانوا ينتظرون أن يأتي من السّماء بحسب الظّاهر ولما رأوا أنّ هذا لم يتحقّق أنكروه.

والحقيقة أنّ المقصود كان حقيقة المسيح لا جسد المسيح.

ولا شكّ في أنّ حقيقة المسيح أتت من السّماء ولمّا لم تفهم الأمم هذه الحقيقة أنكرته وبقيت محرومة منه حتّى اليوم.

إذن يجب فهم أسرار الكتاب المقدّس والتّوصل إلى فهم معنى التّوراة والإنجيل. لأنّ الجميع رموز وأسرار وما لم يدرك الإنسان هذه الأسرار فإنّه يبقى محرومًا ولا يتوصّل إلى الحقيقة وأملي أن تتوصّلوا أنتم إلى أسرار الكتب وتفهموا معناها فهمًا صحيحًا كي تتوصّلوا إلى الحقيقة.

اكتشفوا دائمًا أسرار الحقيقة ولا تحتجبوا عنها أبدًا بأيّة أستار.

انظروا إلى الله واطلبوا دائمًا منه التّأييد والتّوفيق كي لا تُحرموا من جمال الحقيقة وكي تستفيضوا من أنوار شمس الحقيقة وتقفوا على الأسرار الإلهيّة حتّى تدخلوا في الملكوت الإلهيّ وتقبلوا في العتبة الإلهيّة وتنالوا الحياة الأبديّة.

هذا هو أملي وهذا هو منتهى أمل الرّوحانيّين.

المصادر
المحتوى
OV