عظمة أمر الله

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

عظمة أمر الله

الخطبة المباركة ليلة 19 حزيران 1913 في خيمة

المسافرين في بور سعيد بعد العودة من أمريكا وأوروبّا

هو الله

عجيب جدًّا أن يُعقد في بور سعيد مثل هذا المجلس العظيم.

حبّذا لو يرفع الملوك رؤوسهم من تحت التّراب ويرون كيف ارتفعت رايات آيات الحقّ وكيف نكّست أعلام الظّالمين.

ففي بغداد كان الشّيخ عبد الحسين المجتهد يدسّ الشّبهات بصورة خفيّة كلّما وجد فرصة مناسبة ولكنّ الجمال المبارك كان يردّ بالجواب على هذه الشّبهات.

فمن إحدى الشّبهات الّتي كان يدسّها هو أنّه قال ذات ليلة لأصحابه الّذين كان يخصّهم بأسراره: "لقد شاهدت في عالم الرّؤيا شاه إيران جالسًا تحت قبّته وخاطبني قائلاً يا جناب الشّيخ اطمئن فإنّ سيفي سيقتلع البهائيّين ويمحيهم وقد كتبت حول هذه القبّة آية الكرسيّ باللّغة الإنكليزيّة".

فتفضّل الجمال المبارك بالجواب على قوله برسالة شفهيّة أرسلها بواسطة زين العابدين خان فخر الدّولة فقال: "إنّ هذا الحلم رؤيا صادقة لأنّ آية الكرسيّ هي نفس آية الكرسيّ تلك ولو أنّ الخطّ خطّ إنكليزيّ وهذا يعني أنّ الأمر البهائيّ هو نفس الأمر الإلهيّ الإسلاميّ ولكنّ الخطّ قد تبدّل وهذا يعني أنّ اللّفظ قد تغيّر ولكنّ حقيقته هي نفس تلك الحقيقة ونفس ذلك الفحوى. وأمّا تلك القبّة فهي أمر الله وهو غالب على الشّاه ومحيط بالشّاه والشّاه في ظلّها ولا شكّ أنّها هي الغالبة".

فالآن أين الشّاه وأين الشّيخ ليريا في بور سعيد في مملكة مصر هذا الجمع الّذي اجتمع تحت هذه الخيمة وليشاهدا روعة هذه الخيمة وما بها من الجمال الكمال!

لقد أراد المخالفون محو أمر الله ولكنّ أمر الله زاد صيته ارتفاعًا. "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره" لأنّ الله يجعل أمره ظاهرًا ونوره باهرًا وفيضه كاملاً.

وخلاصة القول إنّه لم ينقضِ وقت طويل إلاّ وتزلزت بغداد فاجتمع بعض العلماء منهم الميرزا علي نقي والسّيّد محمّد والشّيخ عبد الحسين والشّيخ محمّد حسين. وانتخب هؤلاء المجتهدون شخصًا شهيرًا من العلماء اسمه الميرزا حسن عمو وأرسلوه إلى الحضور المبارك، فتشرّف بلقائه بواسطة زين العابدين خان فخر الدّولة وقام أوّلاً بطرح بعض الأسئلة العلميّة على حضرة بهاء الله وسمع أجوبة كافية شافية. ثمّ عرض: أمّا من ناحية علمكم فهذا شيء مسلّم به ومحقّق وليس لأحد شكّ فيه وجميع العلماء عارفون ومقتنعون بذلك لكنّ حضرات العلماء أرسلوني كي تظهروا لهم المعجزات والخوارق ليصير ذلك سببًا في اطمئنان قلوبهم. فأجاب حضرة بهاء الله، حسن جدًّا لكنّ أمر الله ليس ملعبة للصّبيان كما تفضّل في القرآن على لسان المعترضين: "وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا... أو يكون لك بيت من زخرف" وقال بعضهم: "أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً" وقال بعضهم: "أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيك حتّى تنزل علينا كتابًا" فيردّ الله في جواب هؤلاء جميعًا بقوله تعالى: "قل سبحان ربّي هل كنت إلاّ بشرًا رسولاً". أمّا أنا فأقول حسن جدًّا عليكم أن تتّفقوا في تعيين أمر وتكتبوا ذلك وتضعوا تواقيعكم عليه بأنّه إذا ظهر فلا تبقى لنا أيّة شبهة ثمّ سلموه لي، حينذاك أرسل لكم شخصًا كي يظهر لكم تلك المعجزة".

فاقتنع الميرزا حسن عمو وقال لم يبقَ لي قول لأقوله وأخذ يده المباركة بقوّة وقبّلها وانصرف وأخبر العلماء بما سمعه. لكنّ العلماء لم يقبلوا وقالوا ربّما يكون هذا الشّخص ساحرًا.

وكلّما قال لهم: "يا أيّها المجتهدون أنتم الّذين أرسلتموني وأنتم الّذين أردتم مني هذا ولقد فضحتموني" لكنّ ذلك لم يجد معهم وجميع النّاس يعرفون هذه القضيّة. وبعد مدّة ذهب الميرزا إلى كرمنشاه وقصّ القصّة بتمامها في مجلس عماد الدّولة الّذي كان حاكمًا على كرمنشاه وحيث إنّ عماد الدّولة كان مريدًا للميرزا غوغاء الدّرويش وكان هذا الأخير مؤمنًا يكتم إيمانه لذلك لمّا سمع تفاصيل القضيّة كتب إلى بغداد ما سمعه وكذلك كتب إلى سائر الجهات.

كذلك حمل الميرزا حسن عمو المشار إليه هذه القصّة بتمامها إلى طهران وقصّها في مجلس الميرزا سعيد خان وزير خارجية الدّولة وحيث إنّ المرحوم الميرزا رضا قلي كان حاضرًا فقد كتب لنا تفصيل ذلك.

مقصدي أنّه برغم هذه الشّبهات والإلقاءات وبرغم مقاومة الشّاه لم تحصل أيّة ثمرة فغلب أمر الله وتنوّر الشّرق لله الحمد كما تعطّر الغرب.

وحينما كنّا نسير من طهران إلى بغداد لم يكن يوجد مؤمن واحد في طريقنا أمّا في هذا السّفر، وجدنا في كلّ بلد نعبره في بلاد الغرب أحبّاء في أماكن لم يسمع بها مثل دنور ودوبلن وبفالو وبوسطن وبروكلين ومونتكلر ومونتريال وأمثالها أماكن ارتفع فيها النّداء الإلهيّ. وكما يقول الشّاعر (ما معناه): "ليس في البلد صخب وضجيج غير تموّج ذوائب الحبيب وليس في الآفاق فتنة غير قوس حاجب المحبوب"().

فلقد ارتفع نداء الله بشكل تلذذت منه جميع الآذان واهتزّت له جميع الأرواح وتحيرت منه جميع العقول قائلة: "أي نداء هذا النّداء! وأي كوكب هذا الكوكب السّاطع." فهذا حيران وذاك مشغول بالتّحقيق وثالث يبرهن بالأدلة والجميع يقولون إنّ تعاليم حضرة بهاء الله لا مثيل لها وهي في الحقيقة روح هذا العصر ونور هذا القرن.

وكل ما هنالك أنه كان يعترض بعضُهم قائلاً: إنّ مثل هذ التّعاليم موجودة في الإنجيل كنا نقول له: "إنّ أحد هذه التّعاليم وحدة العالم الإنسانيّ" ففي أي سفر يوجد هذا التّعليم؟ تعال دلنا. وأحد هذه التّعاليم "الصّلح العمومي" ففي أي سفر هو موجود؟ وأحد هذه التّعاليم "إنّ الدّين يجب أن يكون سب المحبّة والألفة فإن لم يكن كذلك فانعدام الدّين خير من وجوده" ففي أي سفر تجد هذا؟ وأحد هذه التّعاليم "أنّ الدّين يجب أن يكون مطابقًا للعلم الصحيح والعقل السّليم" ففي أي سفر هذا؟ و"المساواة بين الرّجال والنّساء" ففي أيّ سفر موجودة وترك التّعصّب المذهبيّ والدّينيّ والوطنيّ والسّياسيّ والجنسيّ في أيّ سفر موجود وقس على ذلك والسّلام.

  1. ترجمة تقريبيّة لهذا البيت الفارسي:

    زلزله در شهر نيست جز شکن زلف يار فتنه در آفاق نيست جز خم ابروی دوست

المصادر
المحتوى
OV