بيان ما جاء في دعاء كُميل - ألهمني ذكرك

حضرة عبد البهاء
النسخة العربية الأصلية

بيان ما جاء في دعاء كُميل: وألهمني ذكرك – من مكاتيب حضرة عبدالبهاء، المجلد ١، الصفحة ٦٦

وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ مَا وَرَدَ فِي دُعَاءِ كُمَيْلَ: (وَأَلْهِمْنِي ذِكْرَكَ) ، أَيْ وَفِّقْنِي عَلَى ذِكْرِكَ وَأَلْهِمْنِي أَنْ أَذْكُرَكَ، لِأَنَّ الإِلْهَامَ الإِلقاءُ فِي القُلُوبِ وَالتَّلْقِينَ التَّعلِيمُ الشَّفاهِيُّ الكَافِي الوافِي، وَأَمَّا الإِلهامُ الإِلهِيُّ لَا يَكَادُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الفَيضِ الرَّبَّانِيِّ وَالنَّفَسِ الرَّحْمانِيِّ، مَثَلُ نُورهِ كَمِشْكَاةٍ فِيْهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي الزُّجَاجَةِ وَمَا دُوْنَ ذَلِكَ أَحْلَامٌ وَأَوْهامٌ وَلَيْسَ بإِنْعامٍ، لِأَنَّ الإِلهامَ مِنْ حَيثُ تَعرِيفُ القَومِ وَارِدَاتٌ قَلْبِيَّةٌ وَالوَسَاوِسَ أَيضًا خطُوراتٌ نَفْسِيَّةٌ، وَبِأَيِّ شَيءٍ يَسْتَدِلُّ الإِنسانُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ هُوَ إِلْهَامٌ إِلهِيٌّ؟ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِواسِطَةِ الفَيضِ الرَّحْمانِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ ﴿إِنَّكَ لَتَهْدِيْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، فَالوَاسِطَةُ هِيَ الوَسِيْلَةُ العُظْمَى وَمِشْكَاةُ نُورِ الهُدَى كُلُّ إِلهامٍ شُعاعٌ ساطِعٌ مِنْ هَذا السِّراجِ الَّذِي يوقَدُ وَيُضِيءُ مِن هَذا الزُّجاجِ، وَأَمَّا الذِّكرُ المَذكُورُ فِي الرَّقِّ المَنْشُورِ وَهُوَ التَّحَقُّقُ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ المّرءَ إمَّا يَتَفَوَّهُ بِالذِّكْرِ أَوْ يَتَخَطَّرُ بِالذِّكْرِ أَوْ يَتَحَقَّقُ بِالذِّكْرِ، فَالتَّحقُّقُ هُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَقَالَ ٱللّهُ تَعَالَى: ﴿شَغَفَهَا حُبًّا﴾، هَذا هُوَ التَّحَقُّقُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الذِّكْرَ يَسْرِي كَالرُّوحِ فِي العُرُوقِ وَالشِّرَيانِ، وَمَا أَحْلَى سَرَيانَ هَذا الذِّكْرِ فِي القُلُوبِ وَالأَحْشاءِ، وَهَذا الذِّكْرُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بإِلْهامٍ إِلهِيٍّ وَفَيضٍ رَبَّانِي وَانْعِطَافٍ مِنَ المَظْهَرِ الكُلِّي وَاقْتِبَاسٍ مِنَ النَّيِّرِ المُتَلأْلِيٴٍ، فَالذِّكْرُ المَذكُورُ فِي الكَلِمِ المَكْنُونِ: كُنْ عَفِيفًا فِي الطَّرْفِ وَأَمِينًا فِي اليَدِّ وَذَاكِرًا فِي القَلْبِ أَيضًا التَّحَقُّقُ بِالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَإِنَّ هَذا لَهُوَ الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ. (عبدالبهاء عبّاس)

المصادر
المحتوى
OV