الروح ورجوعه الى هذا العالم الناسوتي

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

رجوع الروح الى العالم الناسوتي – من مكاتيب حضرة عبدالبهاء، المجلد ١، الصفحة ٩٧

وأَمَّا ما سَأَلْتَ عَنِ الرُّوحِ وَرُجُوعِهِ إِلى هَذا العالَمِ النَّاسُوتِيِّ والحَيِّزِ العُنْصُرِيِّ، اعْلَمْ أَنَّ الرُّوحَ كُليَّاته تَنْقَسِمُ إِلى الأَقْسامِ الخَمسَةِ: رُوحٌ نباتِيٌّ رُوحٌ حَيوانِيٌّ رُوحٌ إنْسانِيٌّ رُوحٌ إيمانِيٌّ رُوحٌ قُدسِيٌّ إلٓهِيٌّ

أَمَّا الرُوحُ النَّباتِيُّ فَهُوَ القُوَّةُ النَّامِيةُ الَّتِي تَنْبَعِثُ مِنْ امْتِزاجِ العَناصِرِ المُنْفَرِدَةِ ومُعاوَنَةِ الماءِ والهَواءِ والحَرارَةِ، وأَمَّا الرُّوحُ الحَيوانيُّ فَهُوَ قُوَّةٌ حَسَّاسَةٌ مُنْبَعِثَةٌ منِ امْتِزاجِ وامْتِصاصِ عَناصِرَ حَيَّةً مُتَوَلِّدَةً في الأَحْشاءِ مُدْرِكَةً للمَحْسُوساتِ، وأَمَّا الرُّوحُ الإنْسانِيُّ عِبارَةٌ عَنِ القُوَّةِالنَّاطِقَةِ المُدْرِكَةِ للكُلِّياتِ والمَعْقُولاتِ والمَحسُوساتِ، فهذهِ الأَرْواحُ في اصْطِلَاحِ كُتُبِ الوَحْيِ وعُرْفِ أَهْلِ الحَقِيقَةِ لا تُعَدُّ رُوحًا، لأَنَّ حُكُمَها حُكْمُ سائِرِ الكَائِناتِ مِنْ حَيثُ الكَوْنِ والفَسادِ والحُدُوثِ والتَّغْيِيرِ والانْقِلابِ كَما هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الإِنْجِيلِ حَيثُ يقُولُ: ﴿دَعِ المَوْتَى لِيَدْفِنُوا المَوْتى﴾ ﴿المَولُودُ مِنَ الجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ والمَوْلُودُ منَ الرُّوحِ فَهُوَ الرُّوحُ﴾، والحالُ إِنَّ الَّذِي كانَ يَدْفِنُ ذَلِك المَيتَ كانَ حَيًّا بِحَياةٍ نباتِيَّةٍ ورُوحٍ حَيوانِي ورُوحٍ ناطقٍ إِنْسانِي، أَمَّا المسِيحُ لَهُ المَجْد حَكَمَ بِمَوْتِهِ وعَدَمِ حَياتِهِ حَيثُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ كانَ مَحْرُومًا مِنَ الرُّوحِ الإيمانِيِّ الملَكُوتِيِّ، وبالجْملَةِ هَذِهِ الأَرْواحُ الثَّلَاثةُ لا عَوْدَ لَها ولا رُجُوعَ لَها بَلْ إِنَّها تَحْتَ الانقِلَاباتِ والحُدُوثِ والفَساد، أَمَّا الرُّوحُ الإِيمانِيُّ الملكوتِيُّ عِبارَةٌ عَنِ الفَيضِ الشَّامِلِ والفَوْز الكَامِلِ والقُوَّةِ القُدْسِيَّةِ والتَّجَلِّي الرَّحْمانِيِّ مِنْ شَمْسِ الحَقِيقَةِ على الحَقائِقِ النُّورانِيَّةِ المُسْتَفِيضَةِ مِنْ حَضْرَةِ الفَرْدانِيَّةِ، وهذا الرُّوحُ بِهِ حَيَوةُ الرُّوحِ الإِنْسانِيِّ إِذَا أُيِّدَ بِهِ كما قالَ المَسِيحُ لَهُ المَجْدُ: ﴿المَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ فَهُوَ الرُّوحُ﴾، وهذا الرُّوحُ لَهُ عَوْد ورُجُوعٌ لأَنَّهُ عِبارَةٌ عَنْ نُورِ الحَقِّ والفَيضِ المُطْلَقِ، ونَظرًا لِهَذا الشَّأْنِ والمَقامِ المَسِيحُ لَهُ المَجْد حَكَمَ بِأَنَّ يوحَنَّا المَعْمَدان هُوَ إِيليا المَوْعُودُ أَنْ يأْتِيَ قَبْلَ المَسِيحِ، ومَثَلُ هذا المَقامِ مِثْلُ السُّرُجِ المَوقَدَةِ إِنَّها مِنْ حَيثُ الزُّجاجاتُ والمَشاكِي تَخْتَلِفُ وأَمَّا مِنْ حَيثُ النُّورُ واحِدٌ ومِنْ حَيثُ الإِشْراقُ واحِدٌ بَلْ كلُّ واحِدٍ عِبارَةٌ عَنِ الآخَرِ لا تَعَدُّدَ ولا اخْتِلافَ ولا تَكَثُّرَ ولا افْتِراقَ، هذا هُوَ الحَقُّ وما بَعْد الحَقِّ إلَّا الضَّلالُ (عبدالبهاء عبّاس)

المصادر
المحتوى
OV