قَالَ ٱللّهُ تَعالَى فِي القُرْآنِ المُبِينِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ ٱنْكَدَرَتْ﴾
يَا أَيَّتُها الوَرَقَةُ الحَائِرَةُ ٱعْلَمِي بِأَنَّ الشَّمْسَ هِيَ الكَوْكَبُ السَّاطِعُ الفَجْرِ وَالبَاهِرُ الشُّعاعِ أَشْهَرُ النُّجُومِ وَأَعْظمُ الكَواكِبِ فِي عَالَمِها، فَبِظُهُورِ القِيامَةِ الكُبْرَى وَالطَّامَّةِ العُظْمَى وقِيامِ السَّاعَةِ الأَمَرِّ الأَدْهَى تَتَكَوَّرُ الشُّمُوسُ وَتَنْتَثِرُ النُّجُومُ وَيَنْشَقُّ القَمَرُ وَهَذا سِرُّ مِنْ أَسْرارِ الحَشْرِ المُسْتَمِرِّ والرَّمْز المُسْتَتِرِ عَنْ بَصَرِ كُلِّ ذِي نَظرٍ والكَاشِفُ لَهُ ظُهُورُ الجَلِيلِ الأَكبَرِ المَوْعُودِ المُنْتَظرِ، فَإِذَا قَامَتِ القِيامَةُ وَأَتَتِ السَّاعَةُ وَجَاءَتِ الطَّامَّةُ وَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَانْفَطَرَتِ السَّماءُ بأَطْباقِها وَنُسِفَتِ الجِبالُ وَانْقَعَرَتِ الأَشْجارُ وَسُجِّرَتِ البُحُورُ وحُشِرَتِ الوُحُوشُ وَنُصِبَ المِيزانُ وَتَسَعَّرَتِ النِّيْرَانُ وَأُزلِفَتِ الجِنانُ وٱمْتَدَّ الصِّراطُ وَتَكَمَّلتِ الأَشْراط فهَلْ لِمُعْتَرِضٍ أَنْ يَعْتَرِضَ لِمَ كُوِّرتِ الشُّمُوسُ وَخُسِفَتِ البُدُورُ أَوْ طُمِسَتِ النُّجُومُ وَتَتَابَعَتِ الرُّجُومُ؟ لا فَوَرَبِّيَ القَيُّومِ، إِنَّهُ شَرْطٌ وَاضِحٌ مَعْلُومٌ لَا يَنْكُرُهُ إِلَّا كُلُّ جَهُولٍ عَنُودٍ مُغْتاظٍ مَرْدُودٍ، وَالَّذي مِنْ أَهلِ الإِنْصافِ الخالِي مِنَ الاعْتِسافِ يَقُولُ مِنْ شُرُوطِ السَّاعَةِ وَقِيامِها تَكُوُّرُ الشَّمْسِ وَانْشِقاقُ القَمَرِ وانْطِماسُ النَّجْمِ، لأَنَّهُ أَمْرٌ مَنْصُوصٌ كالبُنْيانِ المَرْصُوصِ، وَإِذَا كَانَتِ الحَقِيقَةُ والماهِيَّةُ غَيرَ الوُجُودِ وَلَيسَتْ عَينَ الوُجُود، فَالوُجُود قابِلٌ للانْفِكَاكِ عَنْها لِأَنَّهُ مُسْتفادٌ مِنَ الغَيرِ أَوْ لِأَنَّهُ غَيرُ الماهِيَّةِ، فَالجِرْمُ إِذَا كَانَ غَيرَ النُّورِ يَجُوز انْفِكَاكُ النُّورِ عَنْهُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الجِرْمُ عَينَ النُّورِ لَا يَجُوزُ الانْفِكَاكُ وللّهِ المَثَلُ الأَعْلى، فَإِنَّ النَّيراتِ علَى ثلاثَةِ أَقْسامٍ مِنْها مَا هُوَ نُورُهُ مُسْتَفادٌ مِنَ الغَيرِ كَالنُّجُومِ السَّيَّارَةِ حَولَ الشَّمْسِ، وَمِنْها مَا هُوَ نُورُهُ غَيرُ جِسْمِهِ وَجِرْمُهُ غيرُ نُورِهِ وَلكنَّ الجِرْمَ مُقْتَضٍ لِذَلِكَ وَمُسْتَلْزمٌ لَهُ وَحَيثُ طُورِقَ بَينَهُما الغَيرِيَّةُ يتَصَوَّرُ الانْفِكَاكُ عَنِ النُّورِ كَالشَّمْسِ وَالنُّجُومِ الدُّرَهْرَهَةِ، وَمِنْها نَفْسُ النُّورِ فَلَا يَتَصَوَّرُ انْفِكَاكُ الشَّيءِ عَنْ نَفْسِهِ ﴿اللّهُ نُورُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ﴾، فَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالسِّراجُ كُلُّها يُطْلَقُ عَلَيها اسْمُ النُّورِ، وَكُلُّ مَوْجُودٍ وَمَاهِيَّةُ وُجُودِهِ مُسْتَفادٌ مِنَ الغَيرِ أَوْ وُجُودُهُ غَيرُ ماهِيَّتِهِ وَمَاهِيَّتُهُ غَيرُ وُجُودهِ يَجُوزُ انْفِكَاكُ الوُجُودِ عَنْهُ، وَأَمَّا نَفْسُ الوُجُود فَلَا يَتَصَوَّرُ انْفِكَاكُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ وَاضِحٌ مَشْهُورٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى البَيانِ وَيُغْنِيكَ عَنِ البَيانِ الشُّهُودُ والعَيانُ، سُبْحانَ رَبِّيَ الرَّحْمَنِ عَنْ كُلِّ نَعْتٍ وَصِفَةٍ وَتَصَوُّرٍ فِي حَيِّزِ الإِمْكَانِ، وَإِنَّكِ أَنْتِ يَا أَيَّتُها الوَرَقَةُ لَتَعْلَمِينَ حَقَّ العِلْمِ أَنَّ جَمِيعَ الشُّمُوسِ كَانَتْ كَاسِفَةً عِنْد إِشْراقِ نُورٍ مِنْ أَنْوارِ رَبِّكِ، وَأَنَّ الأَلْسِنَةَ كَانَتْ كَلِيلَةً عَنِ النُّطْقِ فِي مَحْضَرِ مَوْلَاكِ، وَأَنَّ الوُجُوهَ كَانَتْ خاضِعَةً خاشِعَةً وَالأَعْناقَ مُنْكَسِرَةً عِنْدَ تَجَلِّي آثارِ سَيِّدِكِ الَّذِي رَبَّاكِ، فَسُحْقًا لِلَّذينَ حَجَبُوكِ وَحَالُوا بَينَكِ وَبَينَ مَحْبُوبِكِ الحَنُونِ وَسَعَوْا لَيلاً وَنَهارًا حَتَّى يَقْطعُوكِ وَيُسْقِطُوكِ عَنِ الدَّوْحَةِ الرَّحْمانِيَّةِ والسِّدْرَةِ الفَرْدَانِيَّةِ، وَأَسْأَلُ ٱللّهَ أَنْ يرْجِعَكِ على الشَّجَرَةِ المُبارَكَةِ (عبدالبهاء عبّاس)