أَيَّتُها الشُّعْلَةُ الحُبِّيَّةُ المُلْتَهِبَةُ بِنارِ مَحَبَّةِ ٱللّهِ، إِنِّي قَرَأْتُ كِتَابَكِ الوَارِدَ مِنْ عِنْدِكِ وَابْتَهَجْتُ قَلْباً بِالمَعْنَى البَدِيعِ وَالمَضْمُونِ البَلِيغِ الدَّالِّ عَلَى فَرْطِ خُلُوصِكِ فِي أَمْرِٱللّهِ وَثُبُوتِكَ عَلَى صِراطِ مَلَكُوتِ ٱللّهِ وَاسْتِقامَتِكِ فِي أَمْرِٱللّهِ، لِأَنَّ هَذا أَهَمُّ الأُمُورُ عِنْدَ ٱللّهِ، كَمْ مِنْ نُفُوسٍ أَقْبَلُوا إِلَى ٱللّهِ وَدَخَلُوا فِي ظِلِّ كَلِمَةِ ٱللّهِ وَٱشْتَهَرُوا فِي الآفاقِ كَيَهُوذا الإِسْخَرْ يُوطِيِّ ثُمَّ عِنْدَما اشْتَدَّ الامْتِحَانُ وَعَظُمَ الافْتِتَانُ زَلَّتْ أَقْدَامُهُم عَنِ الصِّراطِ وَرَجَعُوا مِنَ الإِقْرارِ إِلَى الإِنْكَارِ وَارْتَدُّوا مِنَ الحُبِّ وَالوِفاقِ إِلَى أَشَدِّ النِّفاقِ، فَظَهَرَتْ قُوَّةُ الامْتِحانِ الَّذِي يَتَزعْزعُ مِنْهُ الأَرْكَانُ، إنَّ يَهُوذا الإِسْخَرْ يُوطِي كَانَ أَعْظَمَ الحواريِّينَ وَيَدْعُو إِلَى المَسِيْحِ فَظَنَّ أَنَّ المَسِيحَ زَادَتْ عَواطِفُهُ عَلَى بُطرُسَ الحَوارِيَّ وَلَمَّا قالَ لَهُ أَنْتَ بُطْرُسُ وعَلَى هَذا الصَّخْرِ أَبْنِيْ كَنِيسَتِي فَأَثَّرَ هَذا الخِطابُ وَالتَّخْصِيصُ لِبُطرُسَ تَأْثيراً أَوْرَثَ حَسَداً فِي قَلْبِ يَهُوذا، وَلأَجْلِ هَذا أَعْرَضَ بَعْدَمَا أَقْبَلَ وَأَنْكَرَ بَعْدَمَا أَقَرَّ وَأَبْغَضَ بَعْدَمَا أَحَبَّ، حَتَّى صَارَ سَبَبَاً لِصَلْبِ ذَلِك السَّيِّدِ الجَلِيلِ وَالنُّورِ المُبِينِ، وَهَذا عَاقِبَةُ الحَسَدِ الَّذي هُوَ أَعْظَمُ سَبَبٍ لِارْتِدَادِ البَشَرِ عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، وَبمِثْلِ هَذا قَد حَدَثَ وَسَيَحْدُثُ فِي هَذا الأَمْرِ العَظِيمِ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ فِي هَذا لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِظهُورِ ثُبُوتِ الآخَرِينَ وَقِيامِ النُّفُوسِ الثَّابِتَةِ الرَّاسِخَةِ كَالجِبالِ الرَّاسياتِ عَلى حُبِّ النُّورِ المُبِينِ، وَإنَّكِ أَنْتِ بَلِّغِي إِمَاءَ الرَّحْمنِ بِأَنَّهُنَّ يثْبُتْنَ عَلَى حُبِّ البَهاءِ إِذَا اشْتَدَّ الامْتِحانُ وَالافْتِتَانُ، لِأَنَّ الزَّوابِعَ وَالأَرْياحَ تَمُرُّ فِي مَوْسِمِ الشِّتاءِ ثُمَّ يأْتِي الرَّبِيعُ بالمَنْظَرِ البَديعِ، وَيُزَيِّنُ التُّلُولِ وَالسُّهُولَ بِالرَّياحِينِ وَالوَرْدِ الأَنِيقِ، وَتَتَرَنَّمُ الطُّيُورِ بِأَلحانِ السُّرُورِ علَى غُصُونِ الأَشْجارِ، وَتَخْطُبُ بأَحْسَنِ الأَنْعامِ علَى مَنابِرِ الأَفْنانِ بِأَبْدَعِ الأَلْحَانِ، فسَوْفَ تَنْظرِينَ أَنَّ الأَنْوارَ قَد سَطَعَتْ وَرَاياتِ المَلَكوتِ قَدْ خَفَقَتْ وَنَفَحاتِ ٱللّهِ قَد انْتَشَرَتْ وجُنُودَ المَلَكُوتِ قَد نَزَلَتْ وَمَلَائِكَةَ السَّماءِ قَد أَيَّدَتْ وَرُوْحَ القُدْسِ قَد نَفَثَتْ علَآ تِلْك الآفاقِ، فَتَرَيْنَ المُتَزَلْزِلِينَ وَالمُتَزلْزِلَاتِ خائِبِينَ وَخائِباتٍ وَخاسِرِينَ وَخاسِراتٍ، وَهَذا أَمْرٌ مَحْتُومٌ مِنْ رَبِّ الآياتِ، وإنَّكِ أَنْتِ طوبَي لَكِ لِثُبُوتِكِ علَى أَمْرِ ٱللّهِ وَرُسُوخِكِ علَى مِيثاقِ ٱللّهِ، وَإنِّيْ أَبْتَهِلُ إِلَى ٱللّهِ أَنْ يُعْطِيَكِ رُوْحًا رَحْمانِيًّا وَدَمًا مَلَكُوتِيًّا وَيَجْعَلَكِ وَرَقَةً رَيَّانَةً نَضِرَةً علَى شَجَرَةِ الحَياةِ حَتَّى تَخْدِمِي إِمَاءَ الرَّحْمنِ بِالرُّوْحِ وَالرَّيْحانِ، ورَبُّكِ الكَريمُ يُؤَيِّدُكِ علَى خِدْمَتِةِ فِي كَرْمِهِ العَظِيمِ وَيَجْعَلُكِ وَاسِطَةً لِبَثِّ رُوحِ الاتِّحَاد وَالاتِّفاقِ بَينَ إِمَاءِ الرَّحْمَنِ وَيفْتَحُ بَصِيرَتَكِ بِنُورِ العِرْفانِ وَيغْفِرُ السَّيئَاتِ وَيُبَدِّلُهَا بِالحَسَناتِ، إِنَّ رَبَّكِ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَذُوْ فَضْلٍ عَظِيمٍ وَعَلَيْكِ التَّحِيَّةُ وَالثَّناءُ (عبدالبهاء عبّاس)