بسم الله الرحمن الرحيم حمدا لمن تقدس بذاته

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

من آثار حضرة عبدالبهاء – على اساس مكاتيب عبدالبهاء، جلد ۱، الصفحة ۲

﴿ بسم الله الرّحمن الرّحيم ﴾

حمدا لمن تقدس بذاته عن مشابهة مخلوقاته و تنزه بصفاته عن مماثلة مکوناته و تعزز بأسمائه عن شئوون مبدعاته و تجلل بأفعاله عن الحدود و القیود و الهندسة فی جمیع مخترعاته المتجلی علی الأکوان فی هذا الکور الجدید بأنه فعال لما یرید الظاهر فی عوالم الإنشاء بحقیقة یفعل ما یشاء و هذا صریح الکتاب المبین تنزیلا من رب العالمین لأن الحصر و الحد و القیود أمور تعتری علی الحقائق المتناهیة بشهادة أن کل متناه محدود و کل محدود محصور و کل محصور مجبور و کل مجبور مختار فسبحان ربک المختار عن هذه القیود و الآثار بل جلت مشیئته و تعالت و تسامت قدرته و عزت و تفاخمت سلطنته و علت و تشامخت عزته و عظمت و تباذخت حقیقة آیاته أن یحکم علیها سلطان الهندسیات و قوة الإشارات و نفوذ حدود الموجودات المتکونة بکلمته العلیا و آیته الکبری بل آیة ملکه الظاهرة فی نقطة التراب لا تکاد تتقید بالقیود و تنحصر تحت سلطان الحدود و لو لا هذه العزة المقدسة لکان عزه و سلطانه و قدرته و برهانه ظلا غیر ظلیل أو أوهاما معتریة علی العلیل و لا یبرد منه غلیل و النفحة المسکیة الإلهیة الساطعة من ریاض التحیة تهدی إلی الحقیقة النورانیة و الجذبة الصمدانیة و الکینونة الرحمانیة و الجوهرة اللاهوتیة و القوة الملکوتیة التی خرقت کل حجاب و فتقت کل سحاب و کسرت کل سلاسل و عتقت کل رقاب و آله الذین سطعت أنوار علومهم فی زجاجات قلوب القوم بحسب استعدادهم و مدارکهم و مقتضی الأمکنة و الأزمنة و قوابلهم کما قیل: [لا کل ما یعلم یقال و لا کل ما یقال حان وقته و لا کل ما حان وقته حضر أهله]

أیها السید الجلیل و الشهم النبیل الموجه الوجه للذی فطر السموات و الأرض قد و صلت عریضتک الناطقة بخلوصک لله الحق و اشتعالک بنار محبة الله و انجذابک من آیات الله و تعرضک لنفحات الله بشری لک ثم بشری من هذا الفضل الذی أحاط الآفاق أنواره و شاع فی السبع الطباق آثاره و تشرف الوجود بالسجود له و تباهی الملأ الأعلی بالوفود علیه و اطلعت بمضامین تلک القصیدة الغراء بل الخریدة الفریدة النوراء و استنشقت رائحة الرحمن من ریاض معانیها و ارتشفت سائغا شرابا من حیاض مبانیها لإنها کلمات دالة علی بصیرتک و ناطقة بسریرتک نحمد الله علی ما کشف الغطاء و جزل العطاء و هدی المقبلین إلی مناهل التوحید و أورد المخلصین إلی شوارع التفرید و أید الموحدین علی هدم کل سد مانع و هتک کل ستر حاجز دون الوصول إلی حقیقة الأمر و سره المکنون و جوهره المخزون فلله درهم ما منعتهم سبحات أهل الإشارات و لا زخرف قول المحتجبین بأظلم الحجبات بل اهتدوا إلی العذب الصافی من ماء معین و شربوا من عین الیقین و لم یکترثوا بما لفقوه أهل الحجبات و حرروا أعناقهم من أغلال أهل الإشارات و أیقنوا بأن الله مقتدر علی ما یشاء و من حده عده و أشرک بسلطانه فی ملکوت الإنشاء هیهات کیف تتسع بحورا زاخرة حوصلة قطرة خاسرة و کیف تدرک ذرة هاویة حقیقة شمس سامیة و أنی لها أن تجعل لها قوانین تحصرها مع عظیم سلطانها و قویم برهانها کفاها سقوطها فی هاویة هبوطها و إنک أنت یا أیها الطیر المتغنی علی سدرة العرفان فی ریاض رحمة ربک الرحمن دع المحتجبین بسبحات المتشابهات من البیان و تمسک بمحکمات الآیات من المسائل الإلٓهیة فی عالم التبیان لأن الناس همج رعاع أتباع کل ناعق یمیلون بکل ریح و إذا جاءهم الحق بالحجة و البرهان و یضعون أصابعهم فی الآذان و یقولون إنا وجدنا آبائنا علی أمة و إنا علی آثارهم لمقتدون هذا شأنهم ذرهم فی خوضهم یلعبون إن یروا سبیل الرشد لا یتخذوه سبیلا و إن یروا سبیل الغی یتخذوه سبیلا و إنی لما اطلعت علی مضمون کتاب جناب الشیخ غدوت متفکرا متحیرا و ما أظن لمثله رجل متتبع فی کلمات الله یخفی علیه الأمر بشأن یتمسک بقواعد و قوانین أوهن من بیوت العنکبوت شاغلة له عن العروة الوثقی التی لا انفصام لها فی عالم الملکوت و لا شک أن جنابه یرکن إلی تلک الشبهات و لا یتقید بهذه الإشارات بل ناقل علی مذاق القوم و القوم فی سکرات و نوم بل مقصده الشریف البحث و الحث فی تشریح المسائل التی حجبت الأبصار و البصائر عن مشاهدة البدر الطالع الباهر فإننا إذا نظرنا إلی النصوص الظاهرة و الآیات الواضحة من کتاب الله نری النص الصریح بأن الله خاطب بوضوح نبی الله نوح: ﴿إنه لیس من أهلک إنه عمل غیر صالح﴾ و قال بلفظ صریح من غیر تلویح إن إبراهیم قال لأبیه آزر: ﴿ما هذه التماثیل التی أنتم لها عاکفون﴾ و کذلک لما قال: ﴿و من ذریتی قال لا ینال عهدی الظالمین﴾ أی الظالمین منهم و کذلک فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات و عند ما أشرقت الأرض بنور ربها و تنسمت نسائم الفضل و فاضت سحاب العدل و انحدرت سیول الجود و تجدد قمیص کل موجود و تزینت البطحاء بظهور خیر الوری المؤید بشدید القوی اعترض الیهود و النصاری بأن سلسلة النبوة مسلسلة کعقود الجمال أو قلائد العقیان فی ذریة إسحق و تلک برکة ممنوحة مخصوصة لتلک الذریة الطاهرة و السلالة الباهرة بنصوص من التوراة و لا خلاف و لا شقاق و هذه الذریة تلألأت بأنوار التوحید کالکواکب الدریة فکیف انتقلت النبوة العظمی و المنحة الکبری من تلک الأصلاب الطاهرة الزکیة إلی صلب عبد مناف و بحسب زعمهم اسمه دال علی ما کان علیه من الخلاف فأنزل الله ردا لقولهم و تبکیتا لهم و لمن یحومون حولهم: ﴿الله أعلم حیث یجعل رسالته﴾ لأن العناصر الجسمانیة و الطبائع الترابیة لا عبرة فیها و لا معول علیها إنما العبرة فی الأخلاق لیس فی الأعراق إذا و افق حسن الأخلاق شرف الأعراق فالنسبة حقیقیة [الولد سر أبیه] و إذا خالف فالنسبة مجازیة ﴿إنه لیس من أهلک إنه عمل غیر صالح﴾ هذا إذا نظرنا إلی صریح التنزیل و أما إذا عولنا علی جوامع التأویل فقال الرب الجلیل: ﴿یخرج الحی من المیت و یخرج المیت من الحی﴾ و من جعل لله حدا فی فیوضاته الجلیلة فهو علی ضلالة و غی و أیضا فانظر علی آثار رحمة الله کیف یحیی الأرض بعد موتها و کیف یحشر الخلائق النورانیة فی الحقیقة الإنسانیة بعد فوتها و أیضا ﴿وتری الأرض هامدة فإذا أنزلنا علیها الماء اهتزت و ربت و أنبتت من کل زوج بهیج﴾ و هذه آیة ظاهرة و حجة باهرة قاطعة لکل صریخ و ضجیج فالشمس نیر لامع من أی مشرق أضاءت و بزعت و البدور کواکب ساطعة من أی مطلع لاحت و سطعت و أوعیة اللالیء أصداف و قد تباینت الأوصاف و معدن الجوهرة الیتیمة صخور و أحجار و رمال الأکناف و لیس مظاهر الوحی و مطالع الإلهام و مواقع النجوم و منابع فیض رب العباد مشابهین و مقیسین بالأصائل من الصافنات الجیاد و بما أن العوام کالهوام یغفلون عن جوهر البرهان یتعرضون لأمور ما أنزل الله بها من سلطان فتبا لهم و لأوهامهم و سحقا لصنادیدهم و أصنامهم و إن لله خرقا فی العادات و إظهارا لآیات باهرات فی ظهور کلماته الجامعات فلا یجوز لمن بصره حدید أو ألقی السمع و هو شهید أن یجعل العادة المستمرة میزانا لأمر الله فی آیاته المستودعة و المستقرة حیث جرت عادة الملک العلام أن تندفق نطفة الإنسان من الأصلاب و تنعقد فی الأرحام و خلق المسیح روح الله بنفخة من روحه خارقا للعادة المستمرة المسلمة بین الأنام و هل یجوز بعد و ضوح هذه الشروح أن یتوقف أحد فی أمر الله أو یحتجب بأوهام المرتابین فی ظهور آثار الله لا و ربک

یا أیها المشتعل بنار محبة الله دع القوم و أهوائهم و راءک و ﴿ادع إلی سبیل ربک بالحکمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتی هی أحسن﴾ و إذا حضر أحد لدیک و اعترض علیک لا تسأم و لا تبتئس توجه إلی مولاک فی أخراک و أولاک و انطق بلسان فصیح و جواب و اضح صحیح فروح القدس یؤیدک و روح الأمین یوفقک و یشرق علیک جواهر العلوم بالإلهام ربک العزیز القیوم فابذله للطالبین و أودعه آذان المستمعین هذا و إن صاحب هذا النبأ العظیم و النور القدیم و الصراط المستقیم حائز لنسب شامخ منیع و شرف باذخ رفیع [أضاءت لهم أحسابهم و جدودهم دجی اللیل حتی نظم الجزع ثاقبه] و لم تزل هذه السلالة انتقلت من الأصلاب الطاهرة إلی الأرحام الطاهرة و کم من خبایا فی الزوایا و کم من أبهی جوهرة مکنونة و فریدة و یتیمة مخزونة مع ذلک أمره أعظم من أن یثبت بالانتساب إلی غیره و أشرف من أن یعرف بدونه خضعت أعناق کل نسب رفیع لعزة سلطانه و ذلت رقاب کل حسب منیع بقوة برهانه کل معروف به و هو معروف بنفسه لکل بصیر و شهید کالشمس الطالعة الباهرة الساطعة فی الأفق المجید و لکن بما أن أول من تصدی للاعتراض علی الأصل و النسب من غیر تعمق و إغماض قال: ﴿خلقتنی من نار و خلقته من طین﴾ و احتجب عن الأسرار المودعة فی صفوة الله و لو کان أصله من تراب مهین هو المشهور بعدم الإقرار بل الاحتجاب عن الحق الواضح کالشمس فی رابعة النهار أحببت إیقاظ القوم و کشف غطاء أبصارهم فی هذا الیوم ﴿و لعبد مؤمن خیر من مشرک و لو أعجبکم﴾ هذه سبحات هائلة حائلة لأهل الإشارات و الذین شربوا کأس العنایة من أیادی رحمة الله و اختصوا بموهبة ﴿یختص برحمته من یشاء﴾ لا ینظرون إلا إلی حقیقة البرهان و آثار موهبة الرحمن یستضیئون بمصباح الفیوضات فی أی مشکاة أوقد و أضاء و فی أی شجرة مبارکة سطع و لاح شرقیة کانت أم غربیة لأنها لا شرقیة و لا غربیة و لا جنوبیة و لا شمالیة کل الجهات جهاتها و إذا اطلعت بحقیقة المعانی الکلیة المشروحة فی بواطن هذه الکلمات و هتکت بقوة من الله الأستار الحاجبة لأنظار أهل الإشارات ابسط یدیک مبتهلا إلی رب الآیات و قل:

لک الحمد یا إلٓهی بما هدیتنی إلی معین رحمانیتک و دعوتنی إلی مشرق صمدانیتک و أیدتنی بالإقرار بکلمة و حدانیتک و سقیتنی من سلاف محبتک بأیادی رحمتک و نجیتنی من شبهات الذین احتجبوا بحجبات ظنونهم و أخذتهم نخوة علومهم و فنونهم و تمسکووا بأوهامهم و نکسوا أعلامهم و شاهت و جوههم و انطمست نجومهم أی رب أیدنی بقوتک القاهرة علی الموجودات و قدرتک الباهرة فی حقائق الممکنات علی إعلاء کلمتک و انتشار حکمتک و هدایة خلقک و نجاة بریتک لأسقیهم من خمرک الطهور فی هذا الظهور الذی أشرقت أنواره علی الأقطار الشاسعة فی یوم النشور ثم أشدد أزری و قو ظهری و ثبت قدمی فی أمرک لأکون آیة ذکرک بین بریتک و المنادی بین خلقک باسمک إنک أنت العزیز الغفور

(ع ع)

المصادر
المحتوى
OV