
یا أیها السائل البارع الصادع فاصعد إلی معارج الحکم الربانیة ثم ادخل فی الجنة الروحانیة الالهیة و استظلل فی ظلال الشجرة المبارکة التی غرست فی بحبوحة الفردوس لتساقط لک ثمرة جنیة عرفانیة و تشهد آیات ربک فی هذه الروضة المبارکة التی قدر الله فیها ما لا رأت عین و لا سمعت أذن بما کانت مستورة عن الانظار و مخفیة عن الابصار الا من أشهده الله ملکوت الروح و جعله علی الصراط القیم مستقیما ثم اعلم بان المسئلة التی سألت عنها لها شروح و تفاسیر لا یمکن الیوم بیانها و لا تقتدر الاذان ان تسمعها لان النفوس محجوبة بحجب الظلام و الابصار ضربت علیها غشاوة من النار کیف تقتدر هذه الطیور المجروحة بسهام البغضاء ان تطیر فی هواء المعانی و البیان أو تترنم ببدائع الالحان علی الافنان و لکن لما وجدت حضرتک ظمآنا الی کوثر معرفة الله وعطشانا الی المعین الصافی العذب الجاری فی جنة الاحدیة لذا اشتاق قلبی ان أذکر لحضرتک کلمة مما ألقی الله فی قلوب المخلصین فاعلم بان الارواح تنقسم بروح حیوانیة و روح انسانیة و روح رحمانیة و روح لاهوتیة فاما الروح الحیوانیة التی مشترکة بین الانسان و الحیوان انها فانیة فی ذاتها و معدومة عند انعدام الاجساد و اضمحلال الاجسام لانها من مواد العناصر فلما کانت مادتها قابلة الانعدام و متغیرة فی تتابع الازمان فلا بد انها تفنی و اما الروح الانسانیة عبارة عن النفس الناطقة التی یمتاز بها الانسان عن الحیوان انها لیست من عوالم العناصر الجسمانیة بل هی من مواد روحانیة لا یعتریها الفساد و هی معذبة بما انحجبت عن الله ربها و احتجبت عن مشاهدة بارئها و ادراک آیات موجدها فی عوالم الانفس و الآفاق و هی متصرفة بذاتها فی ادراک کل شیء و محیطة بالحقائق الممکنة علی ما هی علیها ان تتوجه الی مرکز الهدی بین ملأ الانشاء و الا تنزل فی درکات الجهل و العمی و تهبط فی الطبقات السفلی من الضلالة و الغوی و اما الروح الرحمانیة التی من امر الله فهی عبارة عن القوة القدسیة و التأییدات الربانیة و التوفیقات الصمدانیة و المعارف الالهیة و العلوم السماویة التی یؤید الله بها من یشاء من عباده الصالحین و بها یحصل لهم المکاشفات الغیبیة و المشاهدات اللاریبیة فیفوزون بالرحمة الکاملة السابقة و النعمة السابغة فیدخلون فی جنة الأحدیة و الحدیقة الصمدانیة و یطربون و یحبرون بما أعطاهم الله من فضله و یشکرونه علی نعمه و آلائه و اما الروح اللاهوتیة فهی جوهرة قدسیة و کلمة تامة و آیة کاملة و سر الوجود و الحقیقة المکنونة عن أعین کل موجود و هی القلم الأعلی و النفس الرحمانیة و ظهور الحق عن مشرق الابداع و شمسه فی مطلع الاختراع فهذه مختصة بالانبیاء فی عوالم الانشاء و من غیر هذه الارواح التی بینتها و ذکرتها لحضرتک قد خلق الله أرواحا لا تعد و لا تحصی و منها روح نباتی و روح ملکوتی و روح جبروتی و روح عقلی و کذلک بین الانبیاء أرواح مشترکة و أرواح مختصة کروح الامین انها مختصة بالکلمة العلیا و القلم الأعلی محمد رسول الله صلی الله علیه و سلم کما قال الله تعالی" نزل به الروح الامین علی قلبک" ولکن لو أردنا بیان ذلک لا یکفیه الاوراق و لا تستطیع الآذان ان تسمعها لذا نختم القول الی هذا المقام و نکتفی به یا ایها السائل الجلیل لعمری لو استنشقت رائحة الوفاء لألقیت علیک کلمة لو تسمعها تطیر فی هواء تسمع من هزیز اریاحه أن لا اله الا هو و لکن حینئذ کلت السن بلابل الحق عن بدائع النغمات بل تسری الحکم الربانیة من القلوب الی الصدور کسریان الروح فی النفوس نعم ما قال
و لقد خلوت مع الحبیب و بیننا سر ارق من النسیم اذا سری