وقد صدر من قلم مركز الميثاق بافتخار أحباء الله وإماء الرّحمن في تسع ولايات شمال شرقي الولايات المتّحدة في صباح يوم الجمعة الثّاني من شباط سنة ۱۹۱۷ في غرفة إسماعيل آقا في البيت المبارك في حيفا بالعنوان التالي:
إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في ولايات شمال شرقي الولايات المتّحدة: مين، نيوهامبشاير، رود آيلاند، كناتيكت، فيرمونت، بنسيلفانيا، ماساتشوستس، نيوجيرزي، نيويورك عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء:
أيّها الأحبّاء الحقيقيّون:
إنّ جميع الأقطار عند الله قطر واحد وجميع المدن والقرى لديه سواء، لا امتياز لأحدها على الآخر، إذ كلّها مزارع إلهيّة ومنشأ النّفوس البشريّة، ولكن أسبقيّة بعضها على البعض الآخر في الإيمان والإيقان يجعل شرف المكان بالمكين، فيستثنى بعض البلاد الّتي تفوز بشرف مزيّة لا نهاية لها، فمثلاً يتمتّع بعض أقطار أوروبّا وأمريكا بهواء لطيف وماء عذب وجبال وسهول وبراري بديعة، ومع ذلك فإنّ فلسطين قد أصبحت شرفًا لجميع هذه الأقطار، لأنّ جميع المظاهر المقدّسة الإلهيّة إمّا سكنت فيها أو مرّت بها أو هاجرت إليها منذ يوم إبراهيم عليه السّلام حتّى يوم ظهور خاتم الأنبياء، وكذلك فازت يثرب والبطحاء بشرف لا حدود له إذ سطع نور النّبوّة من ذلك الأفق، ولهذا السّبب امتازت فلسطين والحجاز على جميع الأقطار، وكذلك أصبحت القارّة الأمريكيّة اليوم عند الله ميدانًا لإشراق الأنوار وموطنًا لظهور الأسرار ومنشأ الأبرار ومجمع الأحرار، وكلّها مباركة ولكن الولايات التّسع لمّا كانت قد سبقت غيرها في الإيمان والإيقان لذا فقد فازت بهذه الأسبقيّة امتيازًا وصار لزامًا عليها أن تعرف قدر هذه النّعمة الّتي هي موهبة نالت بها الفخر، ومن أجل أن تقدّم شكرها على هذه النّعمة الكبرى يجب عليها أن تقوم بنشر نفحات الله حتّى تصدق في حقّها الآية الكريمة: الله نورُ السّموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درّيّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور. ويقول الله في هذه الآية أنّ عالم الطبيعة عالم الظّلمات لأنّه منشأ ألوف الأنواع من الفساد، بل هو ظلمات في ظلمات، أمّا نورانيّة عالم الطّبيعة فتكون في إشراق شمس الحقيقة عليه، إنّ فيض الهدى أشبه بشمعة تضيء في زجاجة العلم والحكمة، وإنّ زجاجة العلم والحكمة هي في مشكاة القلب الإنساني، وإنّ دهن ذلك المصباح النّورانيّ هو من أثمار الشّجرة المباركة وإنّ ذلك الدّهن صافٍ بدرجةٍ تجعله يتّقد من دون نار، وعندما تجتمع قوّة النّور بصفاء الزّجاج وبرقّة المشكاة تصبح نورًا على نور. وصفوة القول إنّ عبد البهاء قد تجوّل وسافر في هذه الولايات التّسع المباركة، وأوضح حكمة الكتب السّماويّة ونشر النّفحات وأسّس في أكثرها الصّرح الإلهيّ، وفتح باب التّبليغ وبذر في تلك المزرعة بذورًا طاهرة، وغرس فيها غرسًا مباركًا، والآن يجب على أحبّاء الله وإماء الرّحمن أن يقوموا على سقاية ذلك الزّرع وتنشئته حتّى يترعرع وينمو نموًّا قويًّا، فيأتي بالفيض والبركة وتنشأ عنه البيادر العظيمة جدًّا. إنّ ملكوت الله أشبه بزارع يمرّ بتربة طاهرة ويبذر فيها البذور الحقيقيّة. وقد تهيّأت اليوم في هذه الولايات التّسع جميع هذه المواهب، وقد مرّ الزّارع الإلهيّ بتلك التّربة المباركة وبذر في تلك المزارع بذورًا طاهرة من التّعاليم الرّبّانيّة، وهطلت الفيوضات الإلهيّة، وأشرقت عليها حرارة شمس الحقيقة أي التّأييدات الرّحمانيّة، وهي الآن تحتاج إلى السّقاية وأملي أن يكون كلّ واحد من تلك النّفوس المباركة ساقيًا لا مثيل له ولا نظير، فيصبح شرق أمريكا وغربها الجنّة العليا حتّى ينادي الملأ الأعلى طوبى لكم ثمّ طوبى لكم وعليكم وعليكنّ التّحيّة والثّناء.
يا إلهنا الرّؤوف نشكرك على ما أوضحت لنا سبيل الهدى، وفتحت لنا أبواب الملكوت، وتجلّيت علينا بشمس الحقيقة فجعلت العمي يبصرون، والتائهين يهتدون، والعطاشى يبلغون ينبوع الهدى، وقد أوصلت الحيتان الظّمأى إلى بحر الحقيقة، ودعوت الطّيور التّائهة إلى حديقة العناية، يا إلهي نحن جمع من عبيدك وفقراء ببابك، بعيدون عنك مشتاقون إليك، ونحن عطشى لمعينك ومرضى يلتمسون علاجك، وقد سلكنا سبيلك وليس لنا منية وهدف إلا نشر نفحاتك حتّى ينادي النّاس بنداء اهدنا الصّراط المستقيم، ويطوفون حول سراج الهدى وينال البائسون نصيبًا، ويصبح المحرومون مواقع الأسرار، فيا إلهي اشملنا بلحاظ عنايتك وأيّدنا بتأييدك السّماويّ وهب لنا نفثات روح القدس حتّى نتوفّق بالخدمة ونسطع في هذه الأقطار بنور الهدى سطوع الأنجم الدرهرهة، إنّك أنت المقتدر القدير وإنّك أنت العليم البصير. ع ع