وقد صدر قبيل ظهر الخميس الثّامن من شباط سنة ۱۹۱۷ في غرفة الهيكل المبارك في البيت المبارك بعكاء بالعنوان التّالي:
إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في اثنتي عشرة ولاية مركزية في الولايات المتّحدة: مشيغان، ويسكنسن، إلينوي، إنديانا، أوهايو، مينيسوتا، آيوا، داكوتا الشّمالية، داكوتا الجنوبيّة، ميزوري، نبراسكا، كانزاس عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء:
يا أحبّائي القدماء وندمائي الأودّاء:
قال الله تعالى في القرآن العظيم يختصّ برحمته من يشاء.
إنّ هذه الولايات الاثنتي عشرة المركزيّة من الولايات المتّحدة هي بمثابة قلب أمريكا، فالقلب يرتبط بجميع أعضاء جسم الإنسان وأجزائه، وإذا صار القلب قويًّا تقوّت الأعضاء كلّها، وإذا كان القلب ضعيفًا وهنت جميع أركان الجسم، فشيكاغو كانت ولله الحمد منذ بداية انتشار نفحات الله القلب القويّ، لذا توفّقت بعون الله وعنايته إلى أمور عظيمة:
أوّلاً: إنّ النّداء إلى الملكوت ارتفع في بداية الأمر من شيكاغو، وهذه ميزة عظمى ستكون مدار افتخار شيكاغو في القرون القادمة والعصور التّالية.
ثانيًا: إنّ عددًا من النّفوس الّتي هي في أعلى درجات الثّبوت والاستقامة نهضت في تلك البقعة المباركة على إعلاء كلمة الله، وقلوبها مقدّسّة ومنزّهة حتّى الآن عن أيّ فكر، وهي مشغولة في ترويج التّعاليم الإلهيّة بحيث نداء الملكوت الأعلى مرتفع في الثّناء عليها بصورة متتابعة.
ثالثًا: إنّ عبد البهاء خلال أسفاره في أمريكا قد مرّ بشيكاغو كرارًا ومرارًا وآنس بأحبّاء الله فيها، وأقام فيها فترة طويلة وشغل فيها ليلاً ونهارًا بذكر الله وبدعوة النّاس إلى ملكوت الله.
رابعًا: إنّ كلّ تأسيس تمّ في شيكاغو سرى إلى بقيّة الأطراف والأكناف سريان ما يظهر في القلب ويبرز نحو جميع أعضاء الجسم وأنحائه.
خامسًا: إنّ أوّل مشرق أذكار في أمريكا قد تأسّس في شيكاغو، وهذا شرف ومنقبة لا حدّ لها، وسوف تتولّد من مشرق الأذكار هذا ألوف مشارق الأذكار، كما سوف يتأسّس أمثال مؤتمرها السّنويّ ومجلّتها (نجمة الغرب) ولجنة النّشر القائمة فيها على طبع الألواح والرّسائل ونشرها في أقطار أمريكا جمعاء، وكذلك الاستعدادات الجارية الآن للاحتفال بمناسبة القرن الذّهبي لتأسيس ملكوت الله فأملي أن يتمّ ذلك الاحتفال في منتهى الإتقان، حتّى يرتفع نداء التّوحيد: "لا إله إلاّ الله" وإنّ كلّ الأنبياء من البداية إلى خاتم الرّسل كلّهم على الحقّ من عند الله، وترفرف راية وحدة العالم الإنساني وتبلغ إلى الأسماع نغمة السّلام العامّ في الشّرق والغرب، وتستقيم وتتمهّد جميع السّبل، وتنجذب جميع القلوب بملكوت لاله، وترتفع خيمة التّوحيد في قطب أمريكا، وتطرب نغمة محبّة الله كلّ الأمم والملل، ويصبح سطح الغبراء جنّة أبديّة، وتتشتّت السّحب القاتمة وتشرق شمس الحقيقة بأشدّ الإشراق، فاسعوا يا أحبّاء الله بقلوبكم وأرواحكم كي تحصل الألفة والمحبّة والاتّحاد والاتّفاق في القلوب، وتصبح جميع النّوايا نيّة واحدة وجميع النّغمات نغمة واحدة، وتتغلّب قوّة روح القدس بحيث تستولي على جميع قوى عالم الطّبيعة، هذا هو العمل العظيم، لو حقّقناه تصبح أمريكا مركز السّنوحات الرّحمانيّة ويستقرّ سرير الملكوت الإلهيّ بكلّ حشمة وجلال. إنّ هذه الدّنيا الفانية لا تستقرّ آنًا على حالة واحدة، وهي في تغيّر وتبدّل، وإنّ كلّ بنيان فيها ينهدم في المآل، وإنّ كلّ عزّة وجلال ينمحي ويزول، ولكن ملكوت الله باقٍ والعزّة والحشمة الملكوتيّتان قائمتان إلى الأبد، فالحصير في ملكوت الله يكون لدى الإنسان العاقل أعظم من سرير السّلطنة الدّنيويّة. إنّ سمعي وبصري متوجّهان نحو الولايات المركزيّة على الدّوام، لعلّ نغمة من نفوس مباركة تبلغ مسمعي من أولئك الّذين هم مشارق محبّة الله ونجوم أفق التّنزيه والتّقديس الّتي تنير هذا العالم المظلم وتبعث الحياة في هذا العالم الميّت، إنّ سرور عبد البهاء مقصور على ذلك وأملي أن تصبحوا موفّقين في تحقيقه.
بناءً على ذلك يجب أن يقوم نفوس في منتهى الانقطاع والتّنزيه عن نقائص عالم الطّبيعة والتّقديس عن التّعلّق بهذه الحياة وحيّة بنفحة الحياة الأبديّة، ويسرع إلى الأنحاء المجاورة للولايات المركزيّة بقلوب نورانيّة وأرواح سماويّة وهمّة ملكوتيّة وانجذاب وجدانيّ وألسن ناطقة وبيان واضح وتبلّغ النّاس في كلّ مدينة وقرية وتهديهم إلى الوصايا والنّصائح الإلهيّة وتروّج وحدة العالم الإنساني وتعزف لحن السّلام العام عزفًا يغدو به كل أصمّ سميعًا وكلّ خامد مشتعلاً ويجد كلّ ميّت الحياة الأبديّة وينشط كلّ كامل ويقينًا سوف يتحقّق ذلك وعليكم وعليكنّ التّحيّة والثّناء.
ليَتلُ النّاشرون لنفحات الله هذه المناجاة في كلّ صباح ومساء:
رَبِّ رَبِّ لَكَ الحَمدُ وَالْشُّكْرُ بِما هَدَيْتَنِي سَبيلَ المَلَكُوتِ، وَسَلَكْتَ بي هذَا الصِّراطَ المُسْتَقِيْمَ المَمدُودَ، وَنَوَّرْتَ بَصَري بِمُشاهَدَةِ الأَنوارِ وَأَسْمَعْتَنِي نَغَماتِ طُيُورِ القُدسِ مِن مَلَكُوتِ الأَسْرارِ، وَاجْتَذَبْتَ قَلبي بِمَحَبَّتِكَ بَيْنَ الأَبْرارِ، رَبِّ أَيِّدْنِي بِرُوح القُدسِ حَتَّی أُنادِيَ بِاسْمِكَ بَينَ الأَقْوام، وَأُبَشِّرَ بِظُهُورِ مَلَكُوتِكَ بَينَ الأَنام، رَبِّ إِنّي ضَعيفٌ قَوّني بِقُدرَتِكَ وَسُلطانِكَ، وَكَليلُ اللِّسانِ أَنْطِقْنِي بِذِكرِكَ وَثَنائِكَ، وَذَليلٌ عَزِّزني بِالدُّخُولِ في مَلَكوتِكَ، وَبَعيدٌ قَرِّبْنِي بِعَتَبَةِ رَحمانيّتكَ، رَبِّ اجْعَلْنِي سِراجًا وَهّاجًا وَنَجمًا بازِغًا وَشجَرةً مُبارَكَةً مَشْحُونَةً بِالأَثمارِ مُظَلِّلَةً في هذِهِ الدِّيارِ، إِنَّكَ أَنْتَ العَزيزُ المُقتَدِرُ المُختارُ . ع ع