وقد صدر في صباح الأربعاء الحادي والعشرين من شهر شباط سنة ۱۹۱۷ في غرفة الجمال المبارك في البيت المبارك بعكا بالعنوان التالي:
إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في المقاطعات الكنديّة: نيوفندلند، جزيرة الأمير إدوارد، نوفا سكوشيا، نيو برانزويك، كوبيك، ساسكاتشوان، مانيتوبا، أونتاريو، ألبرتا، كولومبيا البريطانيّة، يوكون، ماكنزي، أنكافا، كيويتن، جزر فرانكلين وجرينلاند عليهم وعليهنّ التّحية والثّناء.
يا أيّها الأحبّاء الأودّاء ويا إماء الرّحمن:
يتفضّل في القرآن العظيم قائلاً: لن ترى في خلق الرّحمن من تفاوت ويريد الله بهذا أنّه لا تفاوت بين مخلوقات الله، فيُفهم من هذا أنّه لا تفاوت حتّى بين الأقاليم، ولكن إقليم كندا ذو مستقبل عظيم جدًّا، وسوف تكون له أحداث جليلة جدًّا، وسوف تشمله لحظات العناية الإلهيّة ويكون مظهر الألطاف الرّبّانيّة، ذلك أنّ عبد البهاء وجد منتهى السّرور خلال سياحته وسفره في ذلك الإقليم، وحذّرني الكثير من النّفوس من السّفر إلى مونتريال قائلين إنّ أهالي هذه المدينة أغلبهم من الكاثوليك وفي منتهى التّعصّب المذهبيّ، ومستغرقون في التّقاليد وليس لديهم أبدًا استعداد لسماع نداء ملكوت الله، وانسدلت على أعينهم حجب التّعصّب فحرمتهم من مشاهدة الآيات الكبرى، وتمكّنت التّقاليد من قلوبهم على شأن لم تترك للحقيقة فيها أثرًا، إنّ سحب التّقاليد المظلمة قد أحاطت بآفاق ذلك الإقليم بشكل يستحيل معه مشاهدة أنوار شمس الحقيقة وإن أشرقت بكامل قوّتها، ولكنّ هذه الرّوايات لم تثبّط عزم عبد البهاء، فتوكّل على الله وتوجّه إلى مدينة مونتريال، ولمّا وصل إليها لاحظ أنّ الأبواب مفتوحة والقلوب في منتهى الاستعداد، وقد أزاحت قوّة الملكوت الإلهيّ المعنويّة كلّ حائل وقام عبد البهاء في جميع المجامع والكنائس فيها بالمناداة بملكوت الله في منتهى السّرور، وبذر بذورًا سوف تسقيها يد القدرة الإلهيّة، ولا شكّ أنّ تلك البذور سوف تنبت نباتًا ريّانًا وسوف تتكوّن منها بيادر عظيمة، ولم ينازعه أحد ولم يجادله إنسان عند ترويجه التّعاليم الإلهيّة، وكان الأحبّاء في تلك المدينة في منتهى الرّوحانيّة ومنجذبين كلّ الانجذاب بنفحات الله، وقد اجتمعت بهمّة أمة الله مكسويل جماعة من أبناء الملكوت وبناته بصورة متزايدة يومًا فيومًا وبحرارة بالغة، وكانت مدّة الإقامة أيّامًا معدودات، ولكنّ نتائجها ستكون في المستقبل وافرة، إذ عندما يحصل زارع على تربة بإنّه يزرعها زرعًا عظيمًا في أقلّ زمان.
لهذا فأملي أن تشتعل مونتريال في المستقبل اشتعالاً تصبح معه نغمة الملكوت الصّادرة منها نغمة عالميّة، وتصل نفثات روح القدس من هذا المركز إلى شرق أمريكا وغربها.
يا أحبّاء الله:
لا تنظروا إلى قلّة عددكم وكثرة الأقوام حولكم، فإنّ خمس حبّات من القمح تحمل البركة السّماويّة في حين أنّ ألف قنطار من الزّوان لا ثمرة منه ولا أثر، وإنّ شجرة واحدة مثمرة تحيي جماعة في حين أنّ ألف غابة من أشجار عقيمة لا فائدة منها، والرّمال في الصحاري كثيرة ولكنّ اللئالئ يندر الحصول عليها، وإنّ لؤلؤة واحدة خير من ألف صحراء من الرّمال، وخاصة حينما تكون تلك اللؤلؤة مظهر البركة السّماويّة، وسوف تظهر عمّا قريب ألف لؤلؤ منها، فإذا ما حشرت مع كلّ حبة من الرّمال أحالتها إلى لؤلؤ، ولهذا أكتب إليكم مرّة أخرى إنّ مستقبل كندا عظيم جدًّا سواء أكان من النّاحية الدّنيويّة أم من النّاحية الملكوتيّة، وسوف تزداد المدنيّة والحرّيّة يومًا فيومًا وكذلك سوف تسقي سحب الملكوت بذور الهداية الّتي بذرت فيها.
إذن لا يقرنّ لكم قرار ولا تطلبوا الرّاحة ولا تتلوّثوا بلذائذ العالم الفاني، تحرّروا من كلّ قيد واجهدوا بقلوبكم وأرواحكم حتّى تثبتوا في الملكوت ثبوتًا مكينًا، اعثروا على الكنوز السّماويّة، ازدادوا نورًا يومًا فيومًا فتزدادوا تقرّبًا إلى عبتة الخالق الأحد، كونوا مظاهر الفيوضات الإلهيّة ومطالع الأنوار غير المتناهية، وإذا أمكنكم أرسلوا مبلّغين إلى سائر الولايات الكنديّة وكذلك إلى جرينلاند وبلاد الأسكيمو. فهؤلاء المبلغون يجب أن يخلعوا الثّوب القديم كلّيًّا ويلبسوا القميص الجديد، وأن يولدوا ولادة ثانية، كما تفضّل وقال السّيّد المسيح وهذا يعني أنّهم يولدون من عالم الطّبيعة كما ولدوا أوّل مرّة من أرحام أمّهاتهم، وأن ينسوا عالم الطّبيعة كما نسوا عالم الرّحم، وأن يتعمّدوا بماء الحياة وبنار محبّة الله وبروح القدس، ويقنعوا بالقليل من الطّعام وينالوا من المائدة السّماويّة، ويتفرّغوا من جميع الأهواء والشّهوات فراغًا تامًّا ويمتلئوا بالرّوح حتّى يحوّلوا الصّخرة الصّمّاء بنفس طاهر إلى ياقوتة متألّقة، والخزف إلى صدف، يصيّروا التّراب الأسود حديقة غنّاء كما تفعل به سحابة الرّبيع، ويجعلوا الأعمى يبصر والأصمّ يسمع والميّت يحيى والخامد يضيء ويسطع وعليكم وعليكنّ التّحيّة والثّناء.
اللّهمَّ يا إلهي هؤلاءِ عبادٌ انجذبوا بنفحاتِ رحمانيّتِك واشتعلوا بالنّارِ الموقدةِ في شجرةِ فردانيّتِكَ، وقرّت أعينُهُم بمشاهدةِ لمعاتِ النّور في طور أحديّتِكَ، ربِّ أطلقْ لسانَهم بذكرِكَ بينَ بريّتِكَ وأَنطقْهُمْ بالثّناءِ عليكَ بفضلِكَ وعنايتِكَ وأيّدْهُمْ بجنودٍ منْ ملائكتِكَ واشدُدْ أُزورَهم على خدمتِكَ واجعلهُم آياتِ الهُدى بينَ خلقِك إنَّكَ أنتَ المقتدرُ المتعالي الغفورُ الرَّحيم.
وليتلُ ناشرو نفحات الله هذه المناجاة في كلّ صباح ومساء:
إِلهِي إِلهِي تَرَى هَذا الضَّعِيفَ يتَمنَّى القُوَّةَ المَلَكُوتِيَّةِ وَهذا الفَقِيرَ يَتَرَجَّى كُنُوزَكَ السَّماوِيَّةِ، وَهذا الظَّمْآنَ يَشْتَاقُ مَعِينَ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهذا العَلِيلَ يَرْجُو شِفَاءَ الغَلِيلَ بِرَحْمَتِكَ الوَاسِعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَ بِهَا عِبَادَكَ المُخْتَارينَ فِي مَلَكُوتِكَ الأَعْلَى، رَبِّ لَيْسَ لِي نَصِيرٌ إلاَّ أَنْتَ، ولا مُجِيرٌ إلاَّ أَنْتَ، وَلا مُعِينٌ إلاَّ أَنْتَ، أَيِّدْنِي بِمَلائِكَتِكَ عَلَى نَشْرِ نَفَحَاتِ قُدْسِكَ وَبَثِّ تَعَالِيمِكَ بَيْنَ خِيرَةِ خَلْقِكَ، رَبِّ اجْعَلْنِي مُنْقَطِعًا عَنْ دُونِكَ، مُتَشَبِّثًا بِذَيْلِ عِنَايَتِكَ، مُخْلِصًا فِي دِينِكَ، ثابِتًا عَلَى مَحَبَّتِكَ، عامِلاً بِما أَمَرْتَنِي بِهِ فِي كِتَابِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَزِيزُ القَدِيرُ. ع ع