وقد صدر بعد ظهر الخميس الثّامن من مارس (آذار) سنة ۱۹۱۷ في غرفة إسماعيل آقا في البيت المبارك بحيفا بالعنوان التالي:
إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في الولايات المتّحدة وكندا عليهم وعليهنّ البهاء الأبهى.
أيّتها النّفوس السّماويّة وأبناء الملكوت وبناته:
يقول الله في القرآن واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا. إن الجهات الجامعة في عالم الوجود كثيرة وجميعها تؤدّي إلى تآلف البشر واتّحادهم، فالوطنيّة جهة جامعة، والقوميّة جهة جامعة، والمنافع المشتركة جهة جامعة، الوحدة السّياسيّة جهة جامعة، والوحدة الفكريّة جهة جامعة، وإنّ سعادة العالم الإنساني تتحقّق عن طريق تأسيس الجهة الجامعة وترويجها، ولكن هذه الجهات جميعها في الواقع عرض لا جوهر، ومجاز لا حقيقة، لأنّها مؤقّتة وليست أبديّة، وعند وقوع الأحداث العظيمة تزول جهة جامعيّتها زوالاً كلّيًّا، أمّا الجهة الجامعة الملكوتيّة أي المؤسّسات الإلهيّة والتّعاليم السّماويّة فإنّها جهة جامعة أبديّة، تربط الشّرق والغرب، وتؤسّس وحدة العالم الإنساني، وتهدم بنيان الاختلافات وتقهر جميع الجهات الجامعة، وهي كشعاع الشّمس يزيل الظّلمات الّتي تحيط بالآفاق وتمنح الحياة المعنويّة فتتجلّى النّورانيّة الإلهيّة، وتكشف عن معجزات نفثات روح القدس فيعانق الغرب الشّرق، وتتّحد أفكار الجنوب بأفكار الشّمال، فلا تبقى أهداف متضادّة متعارضة، ويمحو من الوجود كلّ النّوايا المختلفة، ويزول التّنازع على البقاء وتظلّل خيمة وحدة العالم الإنساني في قطب الإمكان، إذن فالجهة الجامعة هي التّعاليم الإلهيّة الّتي تجمع جميع المراتب وتشمل كلّ الرّوابط والضّوابط الضّروريّة.
لاحظوا كيف كان أهل الشّرق وأهل الغرب في منتهى التّجانب، وكيف أنّهم اليوم تآلفوا وتعارفوا، أين أهالي إيران من أهالي أقاصي أمريكا؟ انظروا ما أعظم نفوذ القوّة السّماويّة بحيث صارت آلاف الفراسخ وكأنّها مسافة قدم واحدة وكيف اتّحدت الشّعوب المختلفة الّتي لا تشابه بينها ولا مناسبة تربطها لله القدرة من قبل ومن بعد إنّ الله على كلّ شيء قدير.
وإنّكم تلاحظون كيف أنّ المطر والحرارة وضوء الشّمس والنّسيم العليل إذا ما اجتمعت ببعضها خلقت الحدائق الغنّاء وأظهرت الارتباط بين هذه الرّياحين والأزهار والأشجار والأعشاب الخضراء، بحيث كان بعضها سببًا في تجلّي جمال البعض الآخر وحلاوته، والآن تغلّبت وحدة فيض الشّمس ووحدة المطر ووحدة النّسيم بدرجة صار اختلاف الألوان والعطر والطّعم سببًا في زيادة حلاوتها ولطافتها وجمالها جميعًا، وكذلك الأمر إذا ما اجتمعت الجهة الجامعة الإلهيّة بفيض شمس الحقيقة وبنفثات روح القدس أصبح اختلاف الأجناس واختلاف الأوطان سببًا في زينة العالم الإنساني وروعته ولطافته.
لهذا يجب على أحبّاء الله في جميع أقطار أمريكا أن يقوموا بقوّة إلهيّة على ترويج التّعاليم السّماويّة وتأسيس الوحدة الإنسانيّة، فيقوم كلّ واحد من النّفوس المحترمة فيها وينفخ الحياة في أرجاء أمريكا، ويهب النّاس أرواحًا جديدة ويعمّدهم بنار محبّة الله وبماء الحياة وبنفثات روح القدس، حتّى تتحقّق الولادة الثّانية ويتفضّل في الإنجيل قائلاً: المولود من الجسد جسد هو والمولود من الرّوح هو روح.
إذن يا أحبّاء الله في الولايات المتّحدة وكندا انتخبوا نفوسًا لائقة أو قوموا أنتم بأنفسكم منقطعين عن راحة الدّنيا ورخائها وسافروا إلى قطر ألاسكا وجمهوريّة المكسيك وإلى جنوبي المكسيك أي إلى أقطار أمريكا الوسطى مثل غواتيمالا، هندوراس، سلفادور، نيكاراغوا، كوستاريكا، باناما، بليز، وإلى قارّة أمريكا الجنوبيّة الواسعة مثل الأرجنتين، أوراغواي، باراغواي، البرازيل، غيانا الفرنسيّة، غيانا الهولنديّة، غيانا البريطانيّة، فنزويلا، كولومبيا، الإكوادور، بيرو، تشيلي، مجموعة جزر الهند الغربيّة، كوبا، هاييتي، بورتوريكو، جامايكا، سانتا دومينغو، مجموعة جزر الأنتيل الصغرى، جزر البهاما، جزر بيرمودا، الجزر الواقعة شمال أمريكا الجنوبيّة وشرقها وغربها أمثال ترينيداد، فولكلاند، غالاباغو، خوان فرنانديز، توباغو، وسافروا بصورة خاصّة إلى مدينة بهائيّة الواقعة على الساحل الشّرقي من البرازيل، وحيث أن هذه المدينة كانت في الأصل تعرف بهذا الاسم منذ القرن الماضية فلا شك أنّ هذه التّسمية كانت بإلهام من روح القدس.
لذا يجب على أحبّاء الله أن يبذلوا أقصى الهمّة ويشدوا بالألحان الإلهيّة في جميع تلك الأقطار، ويروّجوا التّعاليم السّماويّة وينفخوا روح الحياة الأبديّة حتّى تصبح جميع تلك الجمهوريّات من فيض أشعّة شمس الحقيقة منيرة ومشرقة إلى درجة تغبطها جميع الأقاليم، وكذلك يجب أن يعيروا جمهوريّة باناما اهتمامًا عظيمًا، لأنّ فيها اتّصل الشّرق بالغرب وهي تقع بين محيطين عظيمين، وسوف يكون لهذا الموقع أهمّيّة عظمى في المستقبل وسوف تربط التّعاليم الّتي تتأسّس في هذا الموقع الشّرق بالغرب والجنوب بالشّمال.
إذن يجب أن تكون نواياكم خالصة وهممكم سامية حتّى تؤلّفوا قلوب العالم الإنساني ولن يتحقّق هذا الهدف الجليل إلا بترويج التّعاليم الإلهيّة الّتي هي في الواقع أساس الأديان المقدّسة.
لاحظوا الأديان السّماويّة تروا عظيم الخدمة الّتي قدّمتها للعالم الإنساني، فقد كان دين التّوراة سببًا في عزّة بني إسرائيل وارتقائهم، وكذلك كانت نفثات روح القدس من السّيّد المسيح سببًا في الألفة والاتّحاد بين الأقوام المتنازعة والطّوائف المتحاربة، وكذلك كيف كانت القوّة القدسيّة المنبعثة من الرّسول الأكرم سببًا في توحيد القبائل المتنازعة والعشائر المتحاربة في أنحاء الجزيرة العربيّة، بحيث أصبحت ألف عشيرة بمثابة عشيرة واحدة، وزالت من بينها جميع دوافع النّزاع والصّراع فبذلوا جهودهم متّحدين متّفقين في ارتقاء مدارج المدنيّة، وتحرّروا من الذّلّة الكبرى ونالوا العزّة الأبديّة، أفهل يمكن تصوّر جهة جامعة أعظم من هذه الجهة في عالم الوجود؟ إنّ جميع الجهات الجامعة الأخرى القوميّة، الوطنيّة، السّياسيّة والفكريّة، تبدو بمثابة ملعبة الصّبيان أمام هذه الجهة الجامعة الإلهيّة.
فابذلوا الجهود الآن لتنشروا في جميع أقطار أمريكا روح التّعاليم الإلهيّة، وهي الجهة الجامعة الّتي بعث بها جميع الأنبياء في الأديان المقدّسة حتّى يسطع كلّ واحد منكم سطوع نجمة الصّبح في أفق الحقيقة، وحتّى تتغلّب النّورانيّة الإلهيّة على الظّلمات الطّبيعيّة، ويتنوّر العالم الإنساني، هذا هو الأمر العظيم الّذي لو حقّقتموه لأصبح العالم عالمًا آخر وأصبح سطح الغبراء الجنّة العليا ووضعت أسس المؤسّسات أبديّة.
لتتلُ النّفوس الّتي تسافر إلى الأطراف للتّبليغ في الجبال والصحارى والبحار واليابسة هذه المناجاة في كلّ الأحوال:
إلهي إلهي تَری ضَعْفِيْ وَذُلِّيْ وَهَوانِيْ بَينَ خَلقِكَ، مَعَ ذلِكَ تَوَكَّلْتُ عَلَيكَ وَقُمْتُ عَلی تَرْويجِ تَعاليمِكَ بَينَ عِبادِكَ الأَقوياءِ مُعْتَمِدًا علی حَولِكَ وَ قُوَّتِكَ، رَبِّ إِنَّ طَيْرًا كَلِيْلَ الجَناحِ أَرادَ أَن يَطِيْرَ في هذَا الفَضاءِ الَّذِی لا يَتناهی، فَكَيفَ يُمكِنُ هذا إِلا بِعَوْنِكَ وَعِنايَتِكَ وَتأييدِكَ وَتوفيقِكَ؟ رَبِّ ارْحَمْ ضَعْفِي وَقَوِّني بِقُدرَتِكَ وَرَبِّ ارْحَمْ عَجْزِي، أَيِّدْنِي بِقُوَّتِكَ وَقُدرَتِكَ، رَبِّ لَو تُؤَيِّدُ بِنَفَثاتِ الرُّوْحِ أَعْجَزَ الوَری لَبَلَغَ المُنی وَتَصَرَّفَ كَيفَ يَشاءُ كَما أَيَّدْتَ عِبادَكَ مِنْ قَبْلُ، وَكانُوا أَعْجَزَ خَلقِكَ وَأَذَلَّ عِبادِكَ وَأَحْقَرَ مَنْ فِي أَرضِكَ وَلكِن بِعَوْنِكَ وَقُوَّتِكَ سَبَقُوا أَجِلاءَ خَلقِكَ وَأَعاظِمَ بَريَّتِكَ، وَكانُوا ذُبابًا فَاسْتَنْسَروا، وَكانُوا قُباعًا فاستبحروا بِفَضلِكَ وَعنايتِكَ، وَأَصْبَحُوا نُجُومًا ساطِعَةً فی أُفُقِ الهُدی، وَطُيُورًا صادِحَةً فی أَيْكَةِ البَقاء، وَأُسُودًا زائِرَةً فی غياضِ العِلم وَالنُّهی، وَحيتانًا سابِحَةً فی بُحُورِ الْحَياةِ بِرَحمَتِكَ الكُبری، إِنَّكَ أَنتَ الكَريمُ القَويُّ العَزيزُ الرّحمنُ الرَّحيمُ. ع ع