سيرة الشيخ أحمد الاحسائي

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

شرح احوال الشيخ الاوحد

بقلم الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي (اع)

كتبه بالتماس ابنه الشيخ محمد تقي رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين بن ابرهيم بن صقر بن ابرهيم بن داغر غفر الله لهم اجمعين بن رمضان بن راشد بن دهيم بن شمروخ آل‌صقر وهو كبير الطائفة المشهورة بالمهاشير وشيخهم وبه يفتخرون واليه ينتسبون قعد داغر في بلدنا المعروفة بالمطيرفي من الاحساء وترك البادية ومنّ الله عليه بالايمان وله الحمد والمنة ليستنقذنا من الضلالة وكانت اولاده كلهم من الشيعة الاثني ‌عشرية الى ان اخرجني وخلصني من الارحام والاصلاب حتى اخرجني الى الدنيا وله الفضل والحمد والشكر فخرجت في وقت قد انتشر الجهل وعم الناس خصوصا في بلدتنا لانها نائية عن المدن وليس فيها احد ممن يدعو الى الله وعبادته ولا يعرف اهلها شيئا من الاحكام ولا يفرقون بين الحلال والحرام وكان مما تفضل عليّ عز وجل ان رزقني ذرية كرمهم الله بالعلم وكان كبيرهم سنا وعلما وهو الابن الاعز محمد تقي اعزه الله وهداه وجعلني من المنية فداه التمس مني ان اذكر بعض احوالي في حالة الصغر وفي حال التعلم لتكون كالتاريخ فاجبته الى ما التمس مني وكانت ولادتي في السنة السادسة والستين بعد المائة والالف من الهجرة في شهر رجب المرجب وعلى رأس السنتين من ولادتي جاء مطر شديد واتت بلادنا سيول من الجبال حتى كان عمق الماء في المكان المرتفع من بلدنا ذراعين ونصفا تقريبا وفي ذلك اليوم تولد المرحوم المبرور اخي الشيخ صالح تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته وفي اليوم الثالث وقعت بيوت بلدنا كلها لم ‌يبق فيها الا مسجدها وبيت لعمتي فاطمة الملقبة بحبابة رحمة الله عليها وكان حينئذ عمري سنتين وانا اذكر هذه الواقعة وعلى مختصر القصة قرأت القرآن وعمري خمس سنين وكنت كثير التفكر في حالة طفوليتي حتى اني اذا كنت مع الصبيان العب معهم كما يلعبون ولكن كل شيء يتوقف على النظر اكون فيه مقدمهم وسابقهم واذا لم‌ يكن معي احد من الصبيان اخذت في النظر والتدبر وانظر في الاماكن الخربة والجدران المنهدمة اتفكر فيها واقول في نفسي هذه كانت عامرة ثم خربت وابكي اذا تذكرت اهلها وعمرانها ووجودهم وابكي بكاء كثيرا حتى انه لما كان حسين بن سياب الباشه حاكم الاحساء وتألبوا عليه العرب واتى محمد آل ‌غرير وحاصروا الباشه وقتلوا الروم واخذوا الاحساء وحكم فيها محمد آل‌ غرير وبعد ان مات حكم في الاحساء ابنه عليّ آل ‌محمد وقتله اخوه دجين ابو عرعر وكان مقتله قريب عين الحوار بالحاء المهملة ودفن هناك فاذا مررت وانا عمري خمس سنين تقريبا بقبره اقول في نفسي اين ملكك اين قوتك اين شجاعتك وكان في حياته على ما يذكرون اشجع اهل زمانه واشدهم قوة في بدنه واتذكر احواله وابكي بكاء شديدا على تغير احوال الدنيا وتقلبها وتبدلها وكان هذه حالي ان كنت مع الصبيان في لعبهم فانا مشتغل باللعب معهم وان كنت وحدي فانا اتفكر واتدبر وكان اهل بلدنا في غفلة وجهل لا يعرفون شيئا من احكام الدين بل كل اهل البلد صغيرهم وكبيرهم لهم مجامع يجتمعون فيها بالطبول والزمور والملاهي والغناء والعود والطنبور وكنت مع صغري لا اقدر اصبر عن الحضور معهم ساعة وعندي من الميل الى طرقهم ما لا اكاد اصفه وابكي وحدي شوقا الى ما اتخيله من افعالهم حتى اكاد اقتل نفسي واذا خلوت وحدي اخذت في الفكر والتدبر وبقيت على هذه الحال فلما اراد الله سبحانه انقاذي من تلك الحالات اجتمعت مع رجل من اقاربنا من المقدمين في طرق الضلالة المتوغلين في افعال الغواية والجهالة وقال انا اريد انظم بعض ابيات الشعر واريدك تعينني هذا وانا صغير ما بلغت الحلم وقلت له افعل فقعدنا في خلوة فاخذ اوراقا صغارا عنده يقلب فيها واذا فيها ابيات شعر منسوبة للشيخ عليّ بن حماد البحراني الاوالي تغمده الله برحمته ورضوانه في مدح الائمة عليهم السلام وهي :

 لله قوم اذا ما الليل جنهم                      قاموا من الفرش للرحمن عبادا  
 ويركبون مطايا لاتملهم اذا                    هم بمنادي الصبح قد نادى  
 الارض تبكي عليهم حين تفقدهم                   لانهم جعلوا للارض اوتادا  
 هم المطيعون في الدنيا لخالقهم               وفي القيمة سادوا كل من سادا  
 محمد وعليّ خير من خلقوا                      وخير من مسكت كفاه اعوادا  

فلما قرأ هذه الابيات القاها وقال الحاصل ان الذي ما يعرف النحو ماي عرف الشعر فلما سمعت هذا الكلام منه وكان صبي امه بنت عم امي تغمدها الله برحمته اسمه الشيخ احمد بن محمد آل ابن‌ حسن يقرأ في النحو في بلد قريبة من بلدنا بينهما قدر فرسخ عند المرحوم الشيخ محمد بن الشيخ محسن قدس الله روحه قلت للشيخ احمد ما اول شيء يقرأ فيه من النحو فقال عوامل الجرجاني فقلت له اعطني اكتبها فاخذتها وكتبتها ولكني استحيي ان اذكر لوالدي قدس الله روحه ونور ضريحه لانه كان عندي من الحياء شيء ما يتصور حتى ان ذلك الحال الذي اشرت اليه من الاشتياق الى افعال اولئك الفساق ما اطلع عليه احد الا الله سبحانه فمضيت الى موضع من بيتنا يقعد فيه والدي ووالدتي ونمت فيه وبينت بعض الاوراق التي فيها العوامل واتت والدتي وانا مغمض عيني كأني نائم ثم اتى والدي وقال لوالدتي ما هذه الاوراق التي عند احمد قالت ما اعلم فقال ناولينيها فاخذتها وانا ارخيت اصابعي من حيث لا تشعر حتى تأخذ القرطاس فاخذتها واعطته والدي رحمه الله فنظر فيها وقال هذه رسالة نحو من اين له هذه قالت ما ادري فقال رديها مكانها فردتها والنت اصابعي من حيث لا تشعر فوضعتها في يدي وبقيت قليلا ثم تمطيت وانتبهت واخفيت القرطاس كأني احب ان لا يطلعا عليها فقال لي والدي من اين لك هذه الرسالة النحو قلت كتبتها فقال لي تحب ان تقرأ في النحو فقلت نعم وجرت نعم على لساني من غير اختياري وانا في غاية الحياء كان قولي نعم اقبح الاشياء ولكن الله وله الحمد والشكر اجراها على لساني من غير اختياري فلما كان من الغد ارسلني مع شيء من النفقة الى البلد التي فيها الرجل العالم اعني الشيخ محمد بن الشيخ محسن واسمها القرين ووضعني مع ذلك الصبي الذي تقدم ذكره وهو الشيخ احمد رحمه الله فكان شريكي في الدرس عند الشيخ محمد وقرأت العوامل والاجرومية عنده

ورأيت في المنام رجلا كأنه من ابناء الخمس والعشرين سنة اتى اليّ وعنده كتاب فاخذ يعرف لي قوله تعالى: الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، مثل خلق اصل الشيء يعني هيولاه فسوى صورته النوعية وقدر اسبابه فهداه الى طريق الخير والشر يعني من هذا النوع وان لم ‌يكن خصوص ما ذكرته فانتبهت وانا منصرف الخاطر عن الدنيا وعن القراءة التي يعلمناها الشيخ لانه انما يعلمنا زيد قائم زيد مبتدأ وقائم خبره وبقيت احضر المشايخ ولا اسمع لنوع ما سمعت في المنام من ذلك الرجل شيئا وبقيت مع الناس بجسدي ورأيت اشياء كثيرة لا اقدر احصيها

منها اني رأيت في المنام كأني ارى جميع الناس صاعدين على السطوح يتطلعون لشيء فصعدت انا سطح بيتنا واذا انا ارى شيئا اتى مما بين المغرب والجنوب وهو معلق بالسماء بطرف منه وطرف آخر متدل كالسرادق وهو مقبل الينا انا والناس كلهم وكلما قرب منا انحط الى جهة السفل حتى وصل الينا وكان اسفل ما منه ما كان عندي وقبضته بيدي واذا هو شيء لطيف لا تدركه حاسة اللمس بالجسم الا بالبصر وهو ابيض بلوري يكاد يخفى من شدة لطافته وهو حلق منسوجة على هيئة نسج الدرع ولم‌ يصل اليه احد من تلك الخلائق المتطلعين اليه غيري

ورأيت ليلة اخرى كأن الناس كلهم يتطلعون على السطوح كالرؤيا الاولى الى شيء نزل من السماء وقد سد جهة السماء الا ان جميع اطرافه متصلة بالسماء ووسطه منخفض ولم ‌يصل من تلك الخلائق احد غيري لان اخفض ما في وسطه المتدلي هو الذي وصل اليّ فقبضته بيدي فاذا هو غليظ ثخين

ورئي لي ايضا كان جبلا عاليا الى عنان السماء وحوله من جميع جوانبه رمال منهالة وكل الخلائق يعالجون في صعوده ولم ‌يقدر احد منهم ان يصعد منه قليلا واتيت انا وصعدته كلمح البصر باسهل حركة الى اعلاه وامثال هذه من الامور الغريبة التي ربما اعجز عن احصائها

ثم اني رأيت ليلة كأني دخلت مسجدا فوجدت فيه رجالا ثلاثة وشخص آخر يقول لكبير الثلاثة يا سيدي كم اعيش فقلت من هؤلاء ومن هذا الذي تسأله فقال هذا الحسن بن عليّ بن ابيطالب عليهما السلام فمضيت اليه وسلمت عليه وقبلت يده وتوهمت ان اللذين معه الحسين وعليّ بن الحسين عليهما السلام فقال عليه السلام هذا عليّ بن الحسين والباقر عليهما السلام فقلت انا يا سيدي كم اعيش فقال خمس سنين او اربع سنين او قال خمس سنين واربع سنين فقلت الحمد لله فلما علم مني الرضا بالقضاء قعد عند رأسي وذلك كأني حين اظهاري للرضا بما قال نائم على قفائي ورأسي الى جهة القطب الجنوبي وهم عليهم السلام قيام على جانبي الايمن كالمصلين على الميت الا ان الحسن عليه السلام مما يلي رأسي فلما اظهرت الرضا بالقضاء قعد عند رأسي ووضع فمه على فمي فقال له عليّ بن الحسين عليهما السلام اصلح ان كان في فرجه خراب فقال الحسن عليه السلام الفرج لا يخاف منه وان اعقمه الله وانما يخاف من القلب فتعلقت به فوضع يده على وجهي وامرها الى صدري حتى وجدت برد يده الشريفة في قلبي ثم كأني انا وهم قيام فقلت له يا سيدي اخبرني بشيء اذا قرأته رأيتكم فقال لي :

 كن عن امورك معرضا           وكل الامور الى القضا  
 فلربما اتسع المضيق             وربما ضاق الفضا  
 ولرب امر متعب                   لك في عواقبه رضا   
 الله يفعل ما يشاء                  ولا تكن متعرضا  
 الله عودك الجميل                فقس على ما قد مضى   

ثم قال ايضا :

 رب امر ضاقت النفس به        جاءها من قبل الله فرج  
 لا تكن من وجه روح آيسا        ربما قد فرجت تلك الرتج  
 بينما المرء كئيب دنف            جاءه الله بروح وفرج  

وكان يقرأ من الاول فقرة ومن الثاني فقرة فقلت كيف هذا فقال عليه السلام قد يستعمل في الشعر هكذا فقلت يا سيدي هل رأيت القصيدة التي اولها :

الا انظرن يا خليلي بين احوالي      في ايها هو احلى لي واحوى لي  

فقال رأيتها وهي عجيبة الا انها ضائعة وذلك انما قال عليه السلام ذلك لاني نظمتها في التغزل فقلت له ان شاء الله تعالى انظم في مدحكم قصيدة ثم اني احببت انصرافهم لئلا انسى تلك الابيات وثقة مني بوعده عليه السلام

ثم اني ذات ليلة قعدت آخر الليل لصلوة الليل وكان قريب بلدنا بلد اسمها البابة وفيها نخلة طويلة جدا ما رأيت منذ خلقت نخلة طولها وعليها حمامة راعبية وهي تنوح فذكرتني تلك الرؤيا ومن رأيت فنظمت القصيدة في مدحهم عليهم السلام التي اولها :

بي العزا عز وجل الوجل           وباح مدمعي بما احتمل  

وهي موجودة والحاصل ثم اني بقيت اقرأ الابيات كل ليلة واكررها ولا اراهم عليهم السلام كم شهر ثم اني استشعرت انه عليه السلام ما يريد مني قراءة الابيات وانما يريد مني التخلق بمعانيها فتوجهت الى الاخلاص في العبادة وكثرة الفكر والنظر في العالم وكثرة قراءة القرآن والاعتبار والاستغفار في الاسحار فرأيت منامات غريبة عجيبة في السموات وفي الجنات وفي عالم الغيب والبرزخ ونقوشا والوانا تبهر العقول ثم انفتح لي رؤيتهم عليهم السلام حتى اني اكثر الليالي والايام ارى من شئت منهم على ما اختار منهم الذي اراه عليه السلام واذا رأيت احدا منهم وانتبهت وانقطع كلامي قبل تمامه رجعت في النوم ورأيت ذلك الذي رأيته عند منقطع كلامي حتى اتممه واذا ذكر لي احد من الناس ان اذا رأيتهم تسأل لي الدعاء رأيت كذلك وقد ذكر لي اخي الشيخ صالح ان اذا رأيت القائم عليه السلام فاسأله لي الدعاء فرأيت القائم عليه السلام عجل الله فرجه وقلت له يا سيدي ان اخي صالحا يسألك الدعاء فدعا له وقال في زوجته ولد ثم حملت زوجته بزين ‌الدين ابنه

وكنت في اول انفتاح باب الرؤيا رأيت الحسن بن عليّ بن ابيطالب عليه السلام فسألته عن مسائل فاجابني ثم وضع فمه الشريف في فمي وبقي يمج على من ريقه وانا اشرب وهو ساخن الا انه الذ من الشهد قدر نصف ساعة كل ذلك وانا اشرب من ريقه

ثم بعد كم سنة رأيت النبي صلى الله عليه وآله فقلت يا سيدي اريد منك ان اخلع الدنيا اصلا بحيث لا اعرف فقال هذا اصلح فشددت عليه في الطلبة فتغافلني ومضي عني من حيث لا اشعر ففتشت عليه ثم وجدته وقلت له انا اريد منك هذا المطلب فقال يمكن بعد حين فتغيب عني فطلبته فوجدته وشددت عليه مرارا فمرة يقول هذا اصلح ومرة يقول بعد حين فلما ايست من مطلبي قلت له اذا زودني فرفع يمينه الشريفة واراد ان يمسح بها وجهي وصدري قلت له ما اريد هذا فقال لي ما تريد قلت اريد تسقيني من ريقك فوضع فمه على فمي ومج على من ريقه ماء الذ من الشهد وابرد من الثلج الا انه قليل وكنت انا وهو صلى الله عليه وآله قائمين فضعفت لشدة اللذة وبرد الماء فقعدت ثم قمت وهو يضحك من قعودي وضعفي وسقاني مرة اخرى كالاولى ثم مضى
والحاصل اني رأيت اكثر الائمة عليهم السلام وظني كلهم الا الجواد عليه السلام فاني متوهم في رؤيته وكل من رأيت منهم يجيبني في كل ما طلبت الا مسألة الانقطاع فان جوابهم لي فيه كجواب النبي صلى الله عليه وآله وكنت مدة اقبالي سنين متعددة ما يشتبه على شيء في اليقظة الا واتاني بيانه في المنام في اشياء ما اقدر اضبطها لكثرتها واعجب من هذا اني ما ارى في المنام شيئا الا على اكمل ما اريده في اليقظة بحيث ينفتح لي جميع ما يؤيد ادلته ويمنع ما يعارضه وبقيت سنين كثيرة على هذه الحال حتى عرفني الناس واشغلت بهم عن ذلك الاقبال وانسد ذلك الباب المفتوح فكنت الآن ما اراهم عليهم السلام الا نادرا من الاحوال

وكان من جملة هذه الامور النادرة اني رأيت امير المؤمنين عليه السلام في مجلس مشحون من العلماء والاجلاء فلما اقبلت قام عليه الصلوة والسلام فقعدت عند النعل فقال اقبل ما هذا مكانك فقمت ثم قعدت قريبا فقال اقبل ولم‌ يزل عليه السلام يقربني حتى اقعدني في جانبه فكان مما سألته هل يجوز بيع الصبرة فقال لا ثم ذكرت له حاجتي فقال انا ما في يدي شيء فقلت له نعم ولكني اتيت اليك من الذي بيني وبينك اريد مما اعرف من مقامك عند الله فلما قلت له ذلك قال ان شاء الله يكون بعد حين ه‍

وكنت في تلك الحال دائما ارى منامات وهي الهامات فاني اذا خفي عليّ شيء رأيت بيانه ولو اجمالا ولكني اذا اتاني بيانه في الطيف وانتبهت ظهرت لي المسألة بجميع ما تتوقف عليه من الادلة بحيث لا يخفى عليّ من احوالها حتى انه لو اجتمعت الناس ما امكنهم يدخلون على شبهة فيها واطلع على جميع ادلتها ولو اوردوا على الف مناف والف اعتراض ظهر لي محاملها واجوبتها بغير تكلف ووجدت جميع الاحاديث كلها جارية على طبق ما رأيت في الطيف لان الذي اراه في المنام معاينة لا يقع فيه غلط واذا اردت ان تعرف صدق كلامي فانظر في كتبي الحكمية فاني في اكثرها في اغلب المسائل خالفت جل الحكماء المتكلمين فاذا تأملت في كلامي رأيته مطابقا لاحاديث ائمة الهدى عليهم السلام ولا تجد حديثا يخالف شيئا من كلامي وترى كلام اكثر الحكماء والمتكلمين مخالفا لكلامي ولاحاديث الائمة عليهم السلام حتى بلغ منهم الحال الى ان اكثرهم ما يعرفون كلام الامام عليه السلام ويفسره بغير مراد المتكلم عليه السلام ولكن اذا اردت البيان فانظر بعين الانصاف لتعرف صحة ما ذكرت فاني ما اتكلم الا بدليل منهم عليهم السلام

ولقد كان بيني وبين الشيخ محمد بن الشيخ حسين بن عصفور البحراني رحمهم الله بحث كثير واكثر الانكار عليّ ثم انصرفنا فلما جاء الليل رأيت مولاي عليّ بن محمد الهادي عليه وعلى آبائه الطيبين وابنائه الطاهرين افضل الصلوة وازكى السلام فشكوت اليه حال الناس فقال عليه السلام اتركهم وامض فيما انت فيه ثم اخرج اليّ اوراقا على حجم الثمن وقال هذه اجازاتنا الاثني ‌عشر فاخذتها وفتحتها واذا كل صفحة مصدرة ببسم الله الرحمن الرحيم وبعد البسملة اجازة واحد منهم عليهم السلام

وكان مما امروني به ووعدوني به ووصفوني عليهم السلام به مما لا يصدق به كل من سمع استعظاما له واني لست اهلا له حتى اني قلت للنبي صلى الله عليه وآله من القائل بذلك فقال غير انا انا القائل فقلت يا سيدي انت تعرفني وانا اعرف نفسي اني لست اهلا لذلك فلأي سبب قلت ذلك فقال بغير سبب فقلت بغير سبب فقال نعم امرت ان اقول كذا فقلت امرت ان تقول كذا فقال نعم وامرت ان اقول ان ابن ابي ‌مدربس من اهل الجنة وكان رجلا من اهل بلدنا من جهال الشيعة وقال ايضا وامرت ان اقول ان عبد الله الغويدري من اهل الجنة فقلت عبد الله الغويدري من اهل الجنة فقال صلى الله عليه وآله لا تغتر بأن ظاهره خبيث فانه يرجع الينا ولو عند خروج روحه وكان عبد الله الغويدري رجلا عشارا من اهل السنة والجماعة ولم ‌نسمع عنه شيئا من فعل الخير الا انه كان يحب جماعة من السادة من اقاربنا ويخدمهم ويعظمهم ويكرمهم غاية الاكرام ثم بعد مدة تكلمت بهذا الكلام بمحضر جماعة من الشيعة فقال شخص منهم اسمه عبد الله ولد ناصر العطار وكان بينه و بين عبد الله الغويدري صداقة ومواخاة فقال عبد الله الغويدري شيعي فقلنا ليس بشيعي فقال والله انه شيعي ولا يطلع عليه الا الله وانا وهو رفيقي وانا اعرفه والحاصل من الاتفاق ان طوائف من البوادي اعتدوا على طائفة من الشيعة من اهل القطيف ووقع بينهم حرب واستعان الشيعة باهل الاحساء وخرج من الاحساء عسكر لاعانة اهل القطيف على البوادي وكان من جملة من خرج معهم عبد الله الغويدري فقتل في جملة من قتل فختم له بالشهادة في الدفاع عن المؤمنين

والحاصل ان من الامور الغريبة تعبير ما ذكرت من الرؤيا التي تقدم ذكرها فانه مما لا يحسن بيانه خصوصا للجهال والحساد واما انا فان افتريته فعليّ اجرامي




سيرة الشيخ احمد الاحسائي

مقتطف من "دليل المتحيرين" - السيد كاظم الرشتي

واما هذا الشيخ الجليل والعالم النبيل الذي يسمى المنتسبون إليه الكشفية والشيخية فهو الشيخ احمد بن الشيخ زين‌ الدين بن ابرهيم بن صقر بن ابراهيم بن داغر بن راشد بن دهيم بن شمروخ آل صقر المطيرفي الاحسائي واحد العصر وفريد الدهر اخذ العلوم عن معدنها وغرفها عن منبعها اي الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين وكان يصل اليهم في الرؤيا الصادقة والمنامات الصالحة ولا ريب ان الشيطان لا يتمثل بصورهم ولا يشبه نفسه بهم لقد رأى سيدنا ومولانا الحسن في المنام فجعل عليه السلام لسانه الشريف في فمه وامده من ريقه وكان احلى من العسل واطيب من المسك ولكنه فيه حرارة فلما انتبه واستيقظ تهيجت فيه نوائر الاقبال إلى الله والتوجه إلى عبادة الله والانقطاع إلى الله والاعراض عن كل ما سوى الله والتوكل على الله والاعتماد بالله وابتغاء سبيل مرضات الله بشوق وافر وحب متكاثر بحيث اشغلته عن الطعام والشراب فلا يأكل ولا يشرب الا ما يسد به الرمق وعن مخالطة الناس ومعاشرة الخلق لم يزل قلبه متوجها ولسانه ذاكرا دائم التفكر والتدبر في عالم الآفاق والانفس كثير النظر في عجائب حكمة الله وغرائب قدرة الله وعظيم التنبه للحكم والمصالح والاسرار المودعة في حقايق الاشياء وحيث اشغله ما ذكرناه عن الشراب والطعام والقرار والمنام ومعاشرة الانام وكان لا يستقر له قرار ولا يلتفت إلى نفسه لا بالليل ولا بالنهار ولم يزل يستمر به الحال إلى مدة سنتين إلى ان آل البدن إلى الاضمحلال والبنية إلى الانتقال ولم يتحمل الجسم لتلك الاعمال والعبادات وتكلف الامور الشاقة من ارتكاب الخيرات وتحصيل مزيد الحسنات إلى ان رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله في الرؤيا الصادقة فامده من ريقه الشريف وسقاه منه إلى ان ارتوى فكان الطعم والرائحة مثل الاول لكنه بارد فلما انتبه سكنت حرارة تلك النائرة وتوجهت إليه العناية فتعلم منهم العلوم والاسرار واشرق من افق قلبه مطالع الانوار وليست تلك العلوم بمحض الرؤيا بل اذا انتبه يجد دليله من الكتاب والسنة ومن بيانات الائمة وارشاداتهم للرعية ودلالة العقل السديد الذي هو لكل مقام حجة وكان يجمع بين ظواهر الادلة وبواطنها وبين قشورها وحقايقها واطلع على جوامع العلوم واحاط بكليات الرسوم بالتوجه إلى الحي القيوم ببركة الامام المعصوم وربما يختلج ببالك ان كل ما ذكرت دعوى بلا بينة وقول بلا حجة فانا نقول بينة هذه الدعوى من اظهر البينات وحجتها من اوضح الحجج الواضحات وها هو ان لم يكن في عالم الدنيا ولكن كتبه ومصنفاته بحمد الله موجودة وقد سئل أعلى الله مقامه عن اغلب العلوم بل كلها فاجاب عن الجميع ببيان واضح ودليل لايح ولم ينسب نفسه إلى التقليد من احد وتريه مستقلا في كل علم تكلم فيه كانه مؤسسه وبانيه ولم يوجد نحو ما ذكر من جهات الاستدلال في كتاب ولم يذكر في خطاب ولم يسطر في سؤال وجواب فاذا نظرت إليه واصغيت إلى كلامه بعين الانصاف مجانبا لجادة الجور والاعتساف تجده منطويا على الفطرة تقبله الطبيعة بصافي الطوية كانه سمع ذلك وعلم بما هنالك فهذه كتبه موجودة ومصنفاته مشهورة وسوق بيانه وكلامه معروف ونمط احتجاجه واستدلاله مكشوف ثم انه أعلى الله مقامه مضت عليه برهة من الزمان بالاحساء وكان متوحدا منفردا عن الناس مشتغلا بذكر الله ومعرضا عن كل ما سوى الله وكان في تلك البلدة قاطنا وللخلق مباينا حليف المسجد والمحراب معرضا عن جميع الاحباب والاصحاب حافظا للعهد والميثاق ناكبا عن سبل الفساق باذلا للمجهود طويل الركوع والسجود زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ناظرا اليها بعين المستوحشين منها آماله عنها مكفوفة وهمته عن زينتها مصروفة والحاظه عن بهجتها مطروفة حتى اذا الجور مد باعه واسفر الظلم قناعه ودعا الغي اتباعه وظهرت الفتنة الوهابية واستيلاء ابن ‌سعود في تلك الاطراف وتسلطه على اهالي هاتيك الاكناف اقتضى علمه بما ظهر له من الادلة والبراهين الخروج من تلك البلدة والانتقال عنها إلى غيرها من بلدة إلى بلدة وقرية إلى قرية يطول الكلام بذكر تفاصيل احوال تلك الانتقالات إلى أن وصل إلى البصرة وأسكن فيها عِياله وهو بنفسه الشريفة وولده وبعض اتّباعه قصد زيارة الإمام الثامن الضامن عليّ بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه آلاف التحيّة والثناء فخرج منها قاصدا لذلك المقصد الشريف والمحل المنيف إلى أن وصل إلى دار العبادة يزد وعرفه فيها بعض مشاهير العلماء من قطان تلك البلدة فاشتهر خبره أعلى الله مقامه وارتفع ذكره وعلا قدره بين الناس وحضره جميع العلماء واستفادوا عنه في علوم شتى فرأوه بحرا مواجا وعيلما تيارا من العلم متلاطما رجراجا لا يساحل قعر علمه ولا يبلغ منتهى كنه فهمه فاذعنت له العلماء وخضعت له الأدباء والشعراء لأنّه :

  • في علم العروض، لا مثيل له

  • وفي علم الموسيقى، لا بديل له وشرح حقيقة الحال باستنباط الموسيقى من الافلاك من الموازين الستة ففي علم النحو استاد اهله وسيبويه من احد تلاميذه كالخليل في الصرف

  • وفي علم المعاني والبيان، مستقل ومؤسس ومؤصل القواعد

  • وفي علم النجوم، رئيس اهله وزعيم علمائه وقد بين من احكام النجوم ما كانت مخفية على غيره من الممارسين لتلك المعالم والرسوم واظهر مخفيات النجوم التي عليها الحساب ولم ‌يكن عند القوم منها خبر ولا اثر

  •  ففي علم الهندسة، اظهر دقايق ونكات في اصولها وفروعها ما لا تكاد تصل اليها قلوب الكاملين فيها

  •  وفي علم الهيئة، كشف دقايق رموزها وبين ما عدوه من مشكلات الفن من تشابه حركات بعض الافلاك على غير اقطابها

  •  وفي علم الحساب فاق جميع اهله بطرق اخراج المجهولات وحل ما لا ينحل من تلك المسائل التي عدوها مما لا ينحل من المسائل

  •  وفي علم الاكسير والكيميا، اظهر قواعد العلم ومراتبه وارباعه وما في كل ربع من عجائب العلوم وغرايبها من انحاء الظاهر والباطن وشرح قول امير المؤمنين عليه السلام من قوله في هذا العلم سئلتموني عن اخت النبوة وعصمة المروة الناس يعلمون ظاهرها وانا اعلم ظاهرها وباطنها فما هو الا ماء جامد وهواء راكد وارض سائلة ونار حائلة الحديث وذكر باطن هذا العلم واسراره واطواره بحيث تحيرت العقول والالباب في فضل ذلك الجناب وليظهر انه هو الذي تعلم من امير المؤمنين ذلك الباطن بلحن الخطاب من قوله عليه السلام نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وقوله عليه السلام ما من احد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل عن مسئلة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسألة

  •  وفي علم الاعداد والاوفاق، اتى بما عجز عنه اهل الخلاف والوفاق وبين اسرارها واظهر انوارها وابان ما خفي على غيره من وضعها في اشكالها وهيئاتها ووضع الاشكال واوضح المقال بواضح الاستدلال وذكر مبدء الاشكال واصلها واباها وامها وبين حقيقة الشكل المثلث والمربع إلى المأة في المأة بما يضيق بذكرها المجال

  •  وفي علم الحروف، تصرفه فيه معروف وفي علم البسط والتكسير لم يكن له نظير

  •  وفي علم الجفر، له قواعد مقررة وقوانين مقننة من كليات العلم وجزئياته واصله ومبدئه ومنتهاه وحقيقة الجفر ومبدء اشتقاقه واصل تحققه عن النبي والولي سلام الله عليهما

  •  وفي علم الطب، استاد الفن وله استخراجات واستنباطات يعجز عنها علماؤه وقد ابرز من هذا العلم في علميات الطب ما لم يكن له عنوان في كتبهم وهو علم الضم والاستنتاج وقد اظهر فيه الغرايب وابان عن عجائب المطالب

  •  وفي علم التفسير، قد اتى أعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه من مدلولات الاخبار وواضحات الآثار بما لم يذكره المفسرون ولم يعثر عليه الا الاقلون وقد ذكر جهات التفسير من تفسير الظاهر وظاهر الظاهر والباطن وباطن الباطن والتأويل وتأويل التأويل وباطن التأويل وبين الفرق بين هذه التفاصيل ووجوهها وشرايطها وآدابها وسائر احوالها وكيفية اجرائها

  •  وفي علم الحديث، هو سيد المحدثين وسند المحققين

  •  اما في علم الدراية، فهو الرافع لاعلامها والمنير لظلامها والمجيب عن الشكوك والشبهات التي ترد عليها

  •  واما في علم الرجال، فهو اكثر الممارسين لهم تتبعا وازيدهم حفظا وقد كان أعلى الله مقامه يحفظ في كل رجل رجل من الروات جميع الاقوال فيه من المدح والقدح وتحقيق الحق وترجيح الصدق فهو في حفظ الرجال من عجائب الزمان

  •  وفي علم الاصول، مهذب قواعدها ومقنن قوانينها والعالم بجميع مسائلها والمطلع على الاختلافات الواقعة فيها ومحقق مطالبها ومبين فوائدها وشارح كيفية الاستنباط منها

  •  وفي علم الفقه، هو اعلم الفقهاء والمجتهدين صاحب القوة القدسية والملكة الالهية المطلع على الفتاوى والاقوال ولم يكن يشذ عنه شيء من المسائل وسائر الاحوال اكثرهم حفظا بالفتاوى واشدهم اطلاعا على مواقع الاجماعات من المركبة والمحققة والاجماع المشهوري والمحصل الخاص والعام وما رأيته أعلى الله مقامه في مدة كوني معه من السنين والشهور ان يحتاج في مسألة من المسائل التي يسئل عنها إلى مراجعة ونظر بل كان مستحضرا لجميع ادلتها وشقوقها واختلاف العلماء فيها وهذا من عجائب الكرامات له أعلى الله مقامه ان افتريته فعليّ اجرامي وانا بري‌ء مما تجرمون

  •  وفي علم الكلام والحكمة العملية والنظرية باقسامها اصولا وفروعا، قد اتفقت الكلمة على أنّه لم ‌يسبقه فيها سابق بل ولا يلحقه لاحق وهكذا الكلام في ساير العلوم من العلوم الظاهرية والباطنية والحقيقية والمجازية والاصولية والفروعية لا سيما علم التواريخ والسير ومعرفة القرون الماضية والامم السعيدة والهالكة وما وقع في العالم من عجائب الامور وغرائب حوادث الدهور و معرفة عجائب المخلوقات وغرائب المصنوعات والحوادث الليلية والنهارية ومعرفة علم السماء والعالم من ربط العلويات ومزج السفليات بآثار اشعة العلويات وحدوث الآثار الغريبة منها وهي مبدء علم الطلسمات ومعرفة طبايع السفليات ومزاج الطبيعيات ومعرفة قران الحركات من السريعة والبطيئة والمعتدلة ونسبتها بحروف الصفات المنشعبة عنها العلوم الاربعة السيميا والليميا والهيميا والريميا ومعرفة علم تجويد القرآن والترتيل في القراءة من حفظ الوقوف واداء الحروف والاستقامة في الاداء عند القراءة من معرفة الامور الثلاثين التي نصفها من محسنات القراءة ونصفها من المستهجنات فيها ومعرفة الحروف وصفاتها وقراناتها ونسبة كل حرف مع الحروف كلها فان له في هذا العلم باعا واسعا ويدا طولى بحيث اعترفت القراء ممن شاهدناهم بالعجز عن البلوغ إلى عشر معشار ما عنده أعلى الله مقامه ومعرفة علم كتابة القرآن ورسم الخط في الكتابة فان بعض الكلمات لها صور مخصوصة لا تجري تحت قاعدة الخطوط المعروفة وساير العلوم من علم التطبيق وعلم الكتاب التكويني والكتاب التدويني والكتاب التشريعي والشرع الوجودي والوجود الشرعي ومن علم الميزان ميزان العلوم بالمشاعر وميزان المشاعر بالميزان القويم والقسطاس المستقيم وعلم احوال الكلام وما يقتضيه من القرانات الحاملة لقضاء الله وقدره بانحاء المشيات وهكذا ساير العلوم التي طويت ذكر بعضها ونشرت ذكر بعضها وما خفي على اكثر واكثر ومن العجائب التي لا تنقضي والغرائب التي لا تفنى ولا تتصرم انه أعلى الله مقامه واشاد شأنه ورفع في الدارين اعلامه كان يستخرج هذه العلوم والاحوال كلها من الكتاب والسنة ويستدل عليها بالحكمة والمجادلة والموعظة الحسنة ويأتي بكل مسألة من هذه الفنون المتشتة بآية من محكمات الكتاب وحديث من محكمات الاحاديث ودليل عقلي من العقل المستنير بنور الشرع ومثال من العالم من الآيات المرئية والامثال المضروبة من قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الآية وقوله تعالى ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وقوله تعالى ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا وهذا امر صعب بعيد المنال عزيز الوصال لا يناله الا من له عناية خاصة من الله وتسديد ظاهر من آل الله فان انكرت شيئا من هذا الذي ذكرنا فها كتبه تتلى عليك وصحف بيناته تدل عليه وانموذج من بقايا بعض آثاره تنبئك عليه ان آثارنا تدل علينا فلما نظر علماء يزد واهل الادب منهم إلى هذا الفضل البارع والحبر الجامع ورأوا زهده البالغ وانه لا يزاحم احدا ولا ينازع احدا فيما عنده وهو الوقور الذكور الشكور حسن الاخلاق طيب الاعراق جمع بين العلم والعمل واحاط بالفضل الجلل اذعنت له العلماء واقرت بفضله العرفاء والادباء والفصحاء والشعراء واصحاب الصنايع لانه كان عالما بها مثل الخياطة والنساجة والنجارة وصنع آلات الحديد والصفر والذهب والفضة واستعمال الفلزات المنطرقة والغير المنطرقة والمعادن الجامدة والمائعة وما ادري ما اقول واي شيء منه اصف واي كمال اذكر ونوره لا يخفى وفضله لا يحصى

      لو جئته لرأيت الناس في رجل             والدهر في ساعة والارض في دار  
    

ولقد صحبته أعلى الله مقامه في الحضر والسفر لم ‌اجد منه الا اشرف الخبر وكل يوم يتجدد فيه اعتقادي ويزيد عليه اعتمادي ووثوقي لما كنت اشاهد منه دائما من الآيات البينات والدلائل الواضحات الظاهرات والحجج البالغات ما تحير عنده العقول والالباب ولا نشك انه من لدن رب الارباب وتسديد الائمة الاطياب سلام الله عليهم في المبدء والمآب وبلدة يزد اذ ذاك الوقت كانت مجمع العلماء ومعدن الفضلاء الذين عليهم العمل مثل الملا اسماعيل العقدائي الفاضل الكامل والمجتهد الواصل مرجع اهل البلد ومقدمهم وزعيمهم كان ينفذ فيهم حكمه ويمضي عليهم امره يقيم الحدود الشرعية من قتل وقطع وتعزير وامثال ذلك وله فهم وقاد جسور في الامور لا ينازعه غيره بحيث يقدر ان يوهن امره وفيها العالم الفاضل الكامل الواصل جامع المنقول والمعقول العالم بالفروع والاصول مالك ازمة التحقيق والتدقيق المولي الولي الحاج رجبعلي فانه كان عالما كاملا متفننا في العلوم مرجعا في غالب الرسوم وفيها الفاضل المدقق المحقق الميرزا عليّ رضا فانه كان فاضلا اديبا اريبا عالما بفنون العلوم لا سيما علم اللغة وساير علوم الادب وفيها السيد الجليل العالم المجتهد الكامل السيد حيدر وفيها الحكيم المتقن الملا مهدي وفيها العالم الجليل السيد النجيب النبيل الآميرزا سليمان وفيها العالم الكامل الميرزا محمد عليّ المدرس وغيرهم من العلماء الفحول من اهل المنقول والمعقول وساير الطلبة المشتغلين والمراهقين مثل جناب الآخوند الملا حسين اليزدي والملا حسين الكرماني والملا ابو القاسم وغيرهم من امثالهم والكل منهم قد انقادوا لجنابه واعترفوا ببالغ فضله وبارع علمه ولم يختلف عليه اثنان لا في علم ولا عمل وكانوا يقدمونه على انفسهم في كل حال يقتضي تقديم احد من العلماء كصلوة الجمعة والاعياد والجماعات والجنايز اذا حضروا الجميع فقوله مقدم وان اختلفوا فهو الحكم وقوله محكم فاشتهر خبره أعلى الله مقامه وانتشر امره وصيت فضله في البلاد إلى ان اخبر السلطان فتح عليّ ‌شاه تغمده الله برحمته فاشتاق إلى ملاقاته وتشوق إلى رؤيته من عظم ما سمع من غزير علمه وواسع فضله فكتب إلى عامله بيزد ان يشخصه إليه مكرما معظما فلما عرضوا عليه أعلى الله مقامه ملتمس السلطان ابى ان يقبل وامتنع عن المسير إليه فلما افتهم السلطان اعاد عليهم وكرر لهم ان يلتمسوه فاتوا إليه ملتمسين خاضعين مظهرين له انك اذا لم تسر إليه نخاف من ضرره فلما سمع ذلك منهم اجاب ملتمسهم ومقترحهم فعزم المسير وارسلوا في خدمته جناب العالم الفاضل الميرزا عليّ رضا وكان في صحبته متولي خدمته إلى ان وصلوا دار السلطنة طهران وتواجه مع السلطان وتلقاه بغاية الاعزاز والاعظام وعرف محله ومرتبته وانزله منزلته وكل من كان في طهران من العلماء الكاملين والطلبة المشتغلين واجهوه بكمال الاعزاز والاحترام ولم ‌يختلف عليه اثنان ولم يطعن عليه احد ولم ‌يزد عليه احد قط ثم عرض عليه السلطان المقام عنده والانتقال من البصرة باهله وعياله إلى ايران والسكنى في طهران فاجاب أعلى الله مقامه احد شقي سؤاله وهو الانتقال إلى ايران ولم يجب إلى السكنى في طهران وقال له أعلى الله مقامه اما السكنى في محل انت فيه فلا لاني اذا سكنت في مسكن انت فيه اي الحالتين تريد ان تسلك معي أتريد أن أكون ذليلا عندك ام عزيزا اما الذلة فلا يقتضي مقامك معي ان تجريها واما العزة فلا تحصل لان السلطان مرجع امور الرعية ومدار السلطنة لا يكون الا بقبض وبسط وقتل وقطع واخذ وعطاء واذا رأى الناس اقبالك على واصغائك مني يقصدوني في حوائجهم ومقاصدهم ان لم‌ اجب كنت مكروها عندهم مبغوضا لديهم وان اجبهم واعرض عليك ما يريدون فانت لا تخلو اما ان تقبل مني وتعطي كلما يريدون ام لا اما الاول فلا اريك تفعل بزعمك ان امر السلطنة يختل ونظم المملكة يفسد ففي هذه الصورة كنت ذليلا فالاحسن لي ولك ان اسكن بلدة نائية عنك والكل بلادك واين ما كنت فعندك فاستحسن قوله الشريف وجعل إليه اختيار المسكن فاختار يزد مسكنا ورجع إليه وامر السلطان من يذهب إلى البصرة ويأت بعياله مكرمين محتشمين وسكن في يزد مدة مديدة اكثر من خمس سنين على احسن حال مشغولا بالتدريس ونشر العلوم واظهار غرايب الرسوم

ولما اشتهر عند الناس بعض مطالبه مما هو غير معروف بقوا يلهجون به ويستغربون منه فامر أعلى الله مقامه من يصعد المنبر ويخطب ويقول ايها الناس ان للعلم ظاهرا وباطنا وهما متوافقان متطابقان لا يختلفان ولا يتناقضان الظاهر على طبق الباطن والصورة على مثال الحقيقة وقد قال مولانا الصادق عليه السلام ان قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم‌ يك ينفعهم ايمانهم شيئا وان قوما آمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم يك ينفعهم ايمانهم شيئا ولا ايمان ظاهرا الا بباطن ايها الناس ان اهل الظاهر قد اقرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله على ما هم عليه ولم‌ يغشهم ولم ‌يخنهم ولم‌ يقرهم على باطل حاشاه ثم حاشاه فما اتفق عليه اهل الظاهر من قول او فعل او اعتقاد فهو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب يعتريه وما كان من الباطن والاسرار ما يوافق الظاهر ويطابقه ولا يخالفه ولا يناقضه فهو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب يعتريه وما كان من الباطن ما يخالف الظاهر ويناقضه فاحدهما يثبت والآخر ينفي فذلك باطل يجب الاعراض عنه ولا يجوز الاصغاء إليه فانه مخالف للواقع وفي ذلك تكذيب على الله سبحانه ورسوله فما ينسب إلى من الباطن والظاهر ان كان يوافق ظاهر ما عليه الفرقة المحقة فذلك قولي وقد قلته وما خالف ظاهر ما عليه الفرقة المحقة فذلك ليس قولي وما قلته وانا بري‌ء إلى الله من ذلك القول والاعتقاد كما برئ الله ورسوله ايها الناس لا تختلفوا فتهلكوا ولا تناقضوا فتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين فنزل الخطيب فسكنت الانفاس واجتمعت الحواس وعلم المقياس وتبين للناس الحق الواضح وما يوسوس في صدورهم الخناس وبنوا على هذا الاساس ولم ‌يزل صيته في ازدياد ومحبته ترسخ في الفؤاد

وقد سافر إلى مشهد مولانا وسيدنا عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام ثلاث مرات واجتمع عليه علماء ذلك المشهد وهم الفحول الذين يرجع اليهم في الفروع والاصول وهم المشهورون المعروفون جلى ( على خ‌ل ) مقامهم وشهرة امرهم تغني عن ذكر اشخاصهم كالاخوة المقدمين المعظمين الميرزا هداية ‌الله والميرزا داود والميرزا عبد الجواد وخالهم المقدم المعظم فحل العلماء الآقا ابو محمد والسيد الجليل والمولى النبيل العالم الفاضل الزاهد العابد جناب الميرزا معصوم وغيرهم من العلماء الاعيان قد قدموا جناب الشيخ أعلى الله مقامه وانار برهانه وعظموه وبجلوه وراعوا احترامه واعزازه واكرامه معترفين له بالفضل والعلم الغزير وكذا سائر العلماء المجاورين في ذلك المشهد المقدس والمحل الاقدس من الطلبة والمحصلين لم يصدر منهم ابدا ما ينافي احترامه ولا اعظامه

ثم لما رجع إلى يزد وعزم التوجه إلى العراق مجيبا لامير المؤمنين عليه السلام حين دعاه في عالم الرؤيا صار يوم خروجه باهله وعياله من بلدة دار العبادة على اهلها يوم مشوم اصابهم كدر شديد وحزن عظيم وقد احتالوا وعالجوا لمنعه من الخروج حيلا ومعالجات لعله أعلى الله مقامه يبقى عندهم لانه كان بركتهم وبه دوام شوكتهم ولكنه ما افادت تلك المعالجات ولا الحيل شيئا وقد خرج عنهم وهم بين باك وباكية ومكدر ومحزون ولم ‌يفرح ولم‌ يرض احد فيما اعلم بخروجه فلما خرج ووصل إلى اصفهان وكنت بخدمته الشريفة تلقاه اهل اصفهان لا سيما علماؤهم وحكامهم واعيانهم باحسن ملقى وعظموه غاية التعظيم وبجلوه غاية التبجيل ولم ‌يكن احد فيها من يزري عليه او ينسب شيئا مما لا يحسن إليه وبلدة اصفهان اذ ذاك الزمان كهذا الزمان سرة ايران مجمع العلماء الفحول ومعدن فضلاء المعقول والمنقول وفي ذلك الزمان فيها روضة العلم مخضرة وسوق المعرفة والفضل عامرة وفيها من اعيان العلماء من الفقهاء والحكماء ما يعجز عن بيان وصفهم اللسان ولا يتحمل درك معالم فضلهم الجنان مثل جناب السيد الاجل السند الانبل مرجع الانام حجة الاسلام موئل الاصاغر والاكابر السيد محمد باقر ومثل العالم الفاضل العامل والكامل علامة الدهر ووحيد العصر ذو الفهم العالي المستقيم والمولى الولي الحميم الحاج محمد ابراهيم الملقب بالكرباسي والعالم العامل والفاضل الكامل الورع التقي الشيخ محمد تقي والعالم المتقن والفاضل المؤتمن قدوة العلماء الاطياب الميرزا باقر النواب والحكيم العظيم والعالم الحميم ذو الفهم الراسخ والفضل الباذخ العلي الولي الملا عليّ النوري والعالم الكامل الملا محمد عليّ النوري والفاضل الجليل الملا اسماعيل الملقب بواحد العين والعالم الاعلى الانور الازهر الملا عليّ ‌اكبر والمولى الاولي صاحب الرياسة الكبرى الآقا مير محمد حسين سلطان العلماء وغيرهم من العلماء العظام والفضلاء الفخام الذين هم المرجع في كل نقض وابرام وهؤلاء العظام قد سلكوا مع ذلك الشيخ الجليل ذي المجد الاثيل والاصل الاصيل احسن المسلك وراعوا معه غاية الاحترام والادب وسلموا قوله في كل مقصد ومطلب استنسخوا ( استحسنوا خ‌ل ) رسائله وكتبه ونشروا فضائله ومناقبه ومدحوه في كل مكان وكان بذكر محامده ومفاخره كل واحد منهم رطب اللسان وقد اشتهرت كتبه عندهم لا سيما شرح‌ الزيارة الجامعة وغيره من سائر الرسائل واجوبة المسائل ولم‌ يعثروا فيها على خلل ولم‌ يطلعوا على زلل مع انه أعلى الله مقامه قد خالف الحكماء الاشراقيين والرواقيين والمشائين في مسائل كثيرة واصر على بطلانها وهدم بنيانها والحكماء الذين في اصفهان كلهم حملة تلك المطالب ومروجوا تلك المسائل فمع ذلك كله لم يجسر احد ان يعيب على كلمة من كلماته او على مطلب من مطالبه وغاية ما كانوا يقولون ان المطلب واحد واللسان مختلف ولا يشكون ان ما عليه مولينا الشيخ حقا ولكنهم يدعون ان ذلك هو الذي يقوله الحكماء

وبالجملة كلهم اقروا له وصدقوه واعترفوا بفضله ولم‌ يذكره احد بعيب ولا دخل في قلب احد من جهته ريب وقد سأل جناب المولي العلي الملا عليّ النوري عن نسبة مقامه مع مقام المرحوم آقا محمد البيدآبادي فاجاب المرحوم بان التمييز لا يكون الا بعد بلوغ المميز لمقامهما وانا منحط عن مقامهما غير بالغ لمرتبتهما في الفضل والعلم فكيف يسعني الترجيح

وبالجملة قد جلس عندهم اربعين يوما باعز ما يكون وكان اكرم وارد عليهم واشرف وافد لديهم (خ‌ل‌) لا ينكرون فضله ولا مقامه من العلم ثم خرج من عندهم وهم يحبون بقاءه لديهم متأسفين لمفارقته متولهين لمجاورته ولكن ما وسعهم ان يكلفوا الشيخ ويصروا عليه بالبقاء عندهم لما اطلعوا على امر الرؤيا ووجود المستقبلين من طرف الشاهزادة ما كلما يتمني المرء يدركه

وبالجملة لما خرج وسار إلى ان وصل كرمانشاهان استقبله الشاه‌زاده المعظم في موكبه ومعه خلق عظيم ثم ادخله البلد بمن معه في عزة عظيمة وشأن كبير استقبلته علماء البلد كافة وحكامها (خ‌ل‌) واعيانها واشخاصها إلى ان دخل البلد فاستدعي والح عليه بالبقاء عنده وحيث كان مأمورا بالتشرف إلى اعتاب الائمة الاطياب لم يجبه الا بعد الرجوع عن زيارة المشاهد الشريفة فجهز له ما يبلغه ذلك وتشرف بتقبيل العتبات العاليات ورجع إلى كرمانشاهان فاستقبله الشاهزادة (خ‌ل‌) بطور يليق به واستقر فيها فبقي بين علمائها مدة مديدة وسنين عديدة متفقين على فضله وجلالته وعلو مقامه ونبالته وزهده وورعه وتقويه واعراضه عن الدنيا وانكبابه على ما يوجب التقرب إلى الله والزلفى ولم يذكر احد من اولئك الاعلام والفضلاء الكرام الفخام الاخوة الاربعة الذين هم الاربعة المتناسبة في الفضل والعلم والرياسة والجاه والمنزلة وحسن العقيدة وهم العالم الجليل الانور الازهر الآقا محمد جعفر والعالم الكامل الممجد المؤيد الآقا احمد والعالم الجليل النبيل الآقا محمد اسماعيل والعالم الكامل والفاضل الفاصل المؤيد بلطف الله الودود الآقا محمود اولاد العالم العلم المولى الاولي الولي الآقا محمد عليّ ابن استاد الكل ومرجعهم في الجل والقل ذو المزايا والمفاخر الآقا محمد باقر البهبهاني تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته وغيرهم من اجلاء العلماء القاطنين في تلك البلدة مع عامة الطلبة المشتغلين من المحصلين سلكوا معه احسن المسالك ونزلوه عندهم باحسن منازل الشرف ولم يزل عندهم عزيزا كريما ليس لاحد فيه مهمز ولا لقائل فيه مغمز وقد زار في مدة مقامه بكرمانشاهان ائمة العراق مرات عديدة وفي كل مرة يجتمع مع العلماء والفضلاء الساكنين في تلك الاعتاب مثل السيد السند الجليل والمولى الاولي النبيل العارف بمعارف التنزيل المجتهد المطلق عند المخالف والموافق المؤيد بلطف الله الخفي والجلي سيدنا مير سيد عليّ الطباطبائي والسيد الاوحد المؤيد الممجد السيد عليّ ‌محمد والشيخ المولى الاولي المؤتمن العالم المتقن الشيخ حسن بن الشيخ محمد عليّ سلطان والشيخ الافخر والعالم الاطهر الشيخ خلف ابن عسكر هؤلاء العلماء مجاوري سيد الشهداء عليه التحية والثناء والشيوخ الاجلاء النبلاء العلماء اولاد شيخنا الاجل ومولانا الاكمل الانبل الطاهر المطهر الشيخ جعفر والعالم الجليل المبرء عن كل شين مجمع الفخر والشرف الشيخ حسين نجف والشيخ الجليل والعالم النبيل حسن الاحوال الشيخ خضر شلال والسيد الاطهر والنور الازهر والبدر الانور جامع الفضل الجلل حائز مرتبتي العلم والعمل العارف بكتابي التكويني والتدويني السيد باقر القزويني وغيرهم من العلماء الاطهار والفضلاء الاخيار من ساكني مشهد النجف الاشرف على مشرفها آلاف التحية والشرف والسادة الاطهار والفضلاء الاخيار السيد الانور السيد رضا شبر والسيد العالم الجليل ذو التصانيف المشهورة والمؤلفات المعروفة السيد الاواه السيد عبد الله شبر والسيد العالم والفاضل الحاسم المولى الولي السيد لطفعلي والسادة الاعلام والفضلاء الكرام والنجباء الفخام السيد المولى المتقن السيد حسن والسيد الممجد المسدد السيد محمد ابني السيد الجليل المولي النبيل السيد المؤتمن السيد محسن والسيد العالم السيد هاشم ابن السيد راضي والشيخ الاجل والمولى الانبل والعالم الافضل المولى الاواه الشيخ اسد الله وسائر العلماء القاطنين في مشهد سيدنا ومولانا الكاظم عليه السلام وهولاء العلماء الاعلام والفضلاء الكرام في تلك العتبات المشرفات في كل مكان اذا حل مولانا الشيخ به كانوا يعظمونه ويمجدونه ويبجلونه وينزلونه احسن منازل التكريم والتوقير ولا سيما السيد الاول المير سيد عليّ كان رحمه الله يبالغ في تعظيمه وتكريمه وكان يسميه العالم الرباني وكان متحيرا في تبحره في العلوم ومعرفته بجوامع الرسوم ويقول انه لا ريب ان ذلك من تأييد الحي القيوم وكان أعلى الله مقامه يدرس مدة اقامته في مشهد الحسين عليه السلام في الرواق المقدس في شرح الرسالة العلمية للملا محسن الكاشاني وكان يحضر درسه علماء الطلبة والمحصلين وكانت الالسن متفقة في مدحه وجلالته وكونه جامعا للعلوم عارفا بحقايق الاشياء سالكا مسلك ائمة الهدى لم يتكلم احد عليه بما لا يحسن ولا يجسر احد ان يتفوه بما لا يليق ولقد اوتي لجناب السيد المذكور تغمده الله برحمته كراريس من بعض رسائل الشيخ وقيل له انظر ما ترى فيها من حق او باطل فاخذها وجعلها عنده يومين واتى بها في اليوم الثالث رافعا يديه إلى السماء مستشهدا بالله وبرسول الله صلّى الله عليه وآله وبامير المؤمنين وبفاطمة الزهراء وباقي الائمة واحدا بعد واحد مسميا باسمائهم مستشهدا بهم ومقسما بحقهم انه ما يعرف شيئا مما في هذه الكراريس من المطالب العالية والمقاصد السنية وليس ادراكها شغلي ولا تلك المطالب فني وانا ما اعرف الا المطالب الاصولية والفقهية ما لي والخوض في هذه اللجج الغائرة التي غرقت فيها سفن كثيرة واتفق في بعض سني زيارته (ره‌) لائمة العراق عليهم السلام اجتمع مع العالم العلم الهمام الحبر القمقام فخر المحققين وقدوة المجتهدين مولى الافاخم الآميرزا ابي ‌القاسم القمي وشاهد منه (ره‌) كمال الاكرام والاعظام وشهد له بالفضل الواسع لما نظر إلى بعض رسائله في الفقه وكذلك اجتمع مع الشيخ الجليل والعالم النبيل والفاضل الفاصل الواصل رئيس المحدثين البصير بمرايا الامور جناب الشيخ حسن بن المرحوم الشيخ حسين آل‌عصفور وفقه الله لمراضيه وهو امده الله وابقاه لم يزل في فضله وجلالة شأنه رطب اللسان إلى الآن وهكذا دأب سلوك اولئك الاعلام معه اشاد الله شأنه وانار برهانه ولم يعهد من احد منهم من هؤلاء الفحول الذين ذكرنا اسماء بعضهم واهملنا ذكر اكثرهم ان يزروا عليه بعيب او يدخل في احدهم من جهته ريب او يثبت له نقصا او يتكلموا بما لا يحسن او يتفوهوا بما لا يليق وهذا شيء معلوم يشهد عليه العدو والصديق والمؤالف والمخالف فاذا انكره احد فقد انكر الشمس في رابعة النهار وقد زاحم البديهي وصادم الضروري واتى بما ينكره كل احد فلو صدق هذا المنكر مصدق فقد صدق منكر الشمس عند الزوال ولا اظن احدا من العقلاء وان بلغ في التعصب والعناد ما بلغ ينكر ما قلنا ولا يصدق هذه الدعوي هذا حال العلماء الذين عاصرناهم وشاهدناهم وشاهدنا اتصالهم معه وحسن سلوكهم وهؤلاء هم علماء الشيعة وسناد الشريعة وهم المرجع في المهام والمعتمد في كل نقض وابرام وهم الرؤساء الذين عليهم مدار الاحكام من الحلال والحرام

واما العلماء العظام والفضلاء الفخام ممن لم نشاهدهم وشاهدوا مولانا الجليل واستادنا النبيل وعظموه ومجدوه واقروا له بالفضل وحسن الحال مثل السيد السناد والمولي العماد الذي عليه الاعتماد المولى الاولي المهتدي السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم ومنبع الرسوم الواحد في عصره والفريد في دهره تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته ومثل السيد الجليل والمولى النبيل والفاضل النحرير العالم الرباني الميرزا مهدي الشهرستاني ومثل الشيخ الاوحد والعالم الفرد الدر الافخر الشيخ جعفر النجفي ومثل العالم المحقق والفاضل المدقق العالم الرباني والفاضل الصمداني والفرد الذي ليس له ثاني فريد عصره وواحد دهره المحقق المدقق البصير بخفايا الامور جناب الشيخ حسين آل‌عصفور وهؤلاء الاعلام والامناء الكرام والفضلاء الذين عليهم النقض والابرام هم الرؤساء في عصرهم وكل واحد رئيس في قطر وان لم نشاهدهم وما فزنا بشرف ادراك خدمتهم حتى نرى سلوكهم معه حتى نشهد شهادة عيان ولكنا وجدنا كتاباتهم في الاجازات التي كتبوها له بعضهم بخطه فهي تدل على كمال اعتقادهم فيه

فمنها اجازة السيد الاجل الاول وهو بحر العلوم التي كتبها بيده ورأيتها بخطه وهذه صورتها الى ان قال : وبعد فلما كان من حكمة الله البالغة ونعمه السابغة ان جعل لحفظ دينه واحكامه علماء مستحفظين لشرايعه واحكامه صار يتلقى الخلف عن السلف ما استحفظوا من علوم اهل الحكمة والشرف فبلغوا بذلك اعلى المراتب ونالوا به اتم المواهب وكان ممن اخذ بالحظ الوافر الاسنى وفاز بالنصيب المتكاثر الاهنى زبدة العلماء العاملين ونخبة العرفاء الكاملين الاخ الاسعد الامجد الشيخ احمد بن الشيخ زين ‌الدين الاحسائي زيد فضله ومجده واعلى في طلب العلا جده وقد التمس مني ايده الله تعالى إلى ان قال : فسارعت إلى اجابته وقابلت التماسه بانجاح طلبته لما ظهر لي من ورعه وتقويه ونبله وعلاه فاجزت له وفقه الله لسعادة الدارين وحباه بكلما تقر به العين رواية الكتب الاربعة إلى آخر كلامه زيد في اكرامه وانعامه وهي اجازة ليست بمبسوطة ولا بمختصرة بل امر بين الامرين

ومنها اجازة السيد السند الثاني الميرزا مهدي الشهرستاني وهذه صورتها إلى ان قال : وبعد فيقول العبد الراجي عفو مولاه محمد مهدي الموسوي الشهرستاني اصلا والكربلائي مسكنا بفضل ربه العميم بصره الله عيوب نفسه وجعل يومه خيرا من امسه حيث ان الشيخ الجليل والعمدة النبيل والمهذب الاصيل العالم الفاضل والباذل الكامل المؤيد المسدد الشيخ احمد الاحسائي اطال الله بقاه واقام في معارج العز وادام ارتقاه ممن رتع في رياض العلوم وكرع من حياض زلال سلسبيل الاخبار النبوية قد استجازني فيما صحت لي روايته إلى ان قال رحمه الله : ولما كان دام عزه وعلاه اهلا لذلك فسارعت إلى اجابته وانجاح طلبته ولما كان اسعاف مأموله فرضا لفضله وجودة فطنته فاقول إلى آخر مقاله رضوان الله عليه ومنها اجازة الشيخ الافخر الشيخ جعفر رحمه الله وهذه صورتها إلى ان قال : اما بعد فان العالم العامل والفاضل الكامل زبدة العلماء العاملين وقدوة الفضلاء الصالحين الشيخ احمد بن المرحوم المبرور الشيخ زين ‌الدين قد عرض على نبذة من اوراق تعرض فيها لشرح بعض كتاب تبصرة المتعلمين لآية الله في العالمين ورسالة صنفها في الرد على الجبريين مقويا فيها رأي العدليين فرأيت تصنيفا رشيقا قد تضمن تحقيقا وتدقيقا قد دل على علو مقام مصنفه وجلالة شأن مؤلفه فلزمني ان اجيزه إلى آخرها

ومنها اجازة الشيخ الاجل العاري عن المين وهذه صورتها : وبعد فيقول فقير الله المجازي حسين ابن محمد بن احمد بن ابراهيم البحراني الدرازي إلى ان قال : التمس مني من له القدم الراسخ في علوم آل‌ بيت محمد الاعلام ومن كان حريصا على التعلق باذيال آثارهم عليهم الصلوة والسلام ان اكتب له اجازة وجيزة إلى ان قال : وهو العالم الامجد ذو المقام الانجد الشيخ احمد بن زين ‌الدين الاحسائي ذلل الله له شوامس المعاني وشيد به قصور تلك المباني وهو في الحقيقة حقيق بان يجيز ولا يجاز لعرافته في العلوم الالهية على الحقيقة لا المجاز ولسلوكه طريق اهل السلوك واوضح المجاز لكن اجابته مما اوجبته الاخوة الالهية الحقيقية المشتملة على الاخلاص والانجاز وكان في ارتكابها حفظا لهذا الدين وكمال الاحراز فاستخرت الله سبحانه وسألته الخيرة فيما اذن واجاز وان يجعله ممن بالمعلي والرقيب من قداح عنايته قد فاز وحاز فاجزت له إلى آخر ما قال تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته

وقد ذكرنا سابقا مقالة السيد الطيب الطاهر المولى العلي المير سيد عليّ وما شاهدناه من سلوكه معه أعلى الله مقامه ولكني عثرت على اجازة منه له فاحببت ان اوردها وهذه صورتها إلى ان قال : وبعد فيقول العبد الخاطي ابن محمد عليّ عليّ الطباطبائي اوتي كتابه بيمناه وجعل عقباه خيرا من دنياه ان من اغلاط الزمان وحسنات الدهر الخوان اجتماعي بالاخ الروحاني والخل الصمداني العالم العامل والفاضل الكامل ذي الفهم الصائب والذهن الثاقب الراقي اعلى درجات الورع والتقوى والعلم واليقين مولانا الشيخ احمد بن المرحوم الشيخ زين‌ الدين الاحسائي دام ظله العالي فسئلني بل امرني الى آخر ما قال أعلى الله مقامه

وهذه كلماتهم واجازاتهم وله أعلى الله مقامه اجازات كثيرة من علماء كثيرين تركت ذكرها خوفا للتطويل واقتصرت على ذكر كلمات هؤلاء الافاضل العظام والاكابر الفخام الذين هم الرؤساء في الاسلام فتبين لك مما بيناه ان جميع علماء الاسلام في جميع الاقطار المعروفة والبلدان المشهورة مثل البحرين والقطيف والاحساء والمشاهد المشرفة مثل النجف الاشرف ومشهد الحسين عليه السلام ومشهد الامامين الهمامين الكاظمين عليهما السلام وغيرها من سائر بلدان العراق مثل البصرة والحلة وبغداد والجزائر والفلاحية وعراق العجم مثل كرمانشاهان وهمدان وبروجرد وطهران وقم واصفهان وشيراز وكاشان وخراسان مثل طوس ونيشابور وسبزوار وطبس وتون وكرمان ويزد ورشت وقزوين وغيرها من ساير البلدان جميع علماءها ورؤسائها كلمتهم مجتمعة ومقالاتهم متفقة على جلالة شأنه ونبالة مكانه مع انتشار رسائله واشتهار كتبه ومصنفاته واجوبة مسائله وشرحه على الزيارة الجامعة وشرحه على الحكمة العرشية للملا صدرا وشرحه على المشاعر له وشرحه على الرسالة العلمية للملا محسن وسائر مصنفاته كلها بل اغلبها وصلت إلى هؤلاء الابرار والنجباء الاطهار ولم يطعن فيه احد ولم يذكره بعيب ابدا وقد اتفقت كلمة علماء الاسلام ممن شاهدوه على وثاقته وجلالته مع ما ظهر منه من الاخلاق الحسنة والاطوار المستحسنة والزهد البالغ والورع الكامل وجمعه بين حسن الخلق والخلق وقران العلم بالادب والخضوع والخشوع كما هو شأن العلماء كما قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وقال مولانا الصادق عليه السلام اذا تحقق العلم في الصدر خاف ومن خاف هرب ومن هرب نجا فوضح ما ذكرنا وثبت ما اردنا هذا نبأ من معي ونبأ من قبلي لعلهم يتذكرون

فعلى ما ذكرنا انعقد اجماع علماء الامة اي امة الاجابة الذين هم الشيعة الفرقة الناجية والفئة الزاكية على جلالة شأن مولانا ونبالة محل استادنا وانه عند الله من الفائزين وبآل الله من المقتدين وبهم من المحسوبين وما ادري ما حال من خالف جميع علماء الامة وفقهاء الملة ورؤساء الشريعة وحفاظ الدين على الحقيقة مراجع الاسلام والحجج من حجة الله على الانام لقد قال عز من قائل ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا وهل المؤمنون الا الشيعة وهل العلماء الا رؤساء المؤمنين فاذا اتفقت كلمتهم واجتمعت مقالتهم على شيء ولم يحصل لهم معارض اقوالهم متفقة وافعالهم متطابقة مع اقوالهم ومعذلك يكونون على ضلال وعلى خطأ فانه لا يكون ذلك ابدا فاجتماعهم وعدم المخالفة دليل كاشف على قول رئيسهم وهذا هو الاجماع الذي فيه حجة الله المعصوم المطهر عن ما لا يحبه الله فالويل الدائم لمن خالف اجماع الفرقة المحقة وشق عصى المسلمين وابدع في الدين.

تاريخ و مكان الولادة
رجب سنة ١١٦٦ هجرية (٢٤ ابريل - ٢٤ مايو سنة ١٧٣٥ ميلادية ) في بلدة الاحساء في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة العربية
تاريخ و مكان الوفاة
٢٧ يونيو ١٨٢٦ في منزل يقال له هدية بقرب المدينة المنورة
مكان الدفن
دفن في البقيع، خلف القبة الخضراء في الطرف الجنوبي ، تحت ميزاب المحراب مقابل بيت الاحزان، وكان شاهد قبره معروفا قبل هدم قباب البقيع في ١٩٢٥ م
عدد الزوجات
ثماني زوجات، بعضهم توفين في حياته، وطلق بعضهم، وقد ترك بعد وفاته ثلاث زوجات
عدد الاولاد
وكان مجموع اولاده تسع وعشرين، توفي اكثرهم عند الطفولة، وبعضهم في سن المراهقة او عند البلوغ، اما الاولاد الذين عاشوا فهم اربعة ذكور و ثلاثة إناث
المصادر
المحتوى