بسم اللّه الرحمن الرحيم
ألحمد للّه المبدع المنشئ الفرد القديم المخترع الّذي قد كان لم يزل بلا وجود شيء هو كائن بلا حكم شيء لا يساوقه في الذّات أحد ولا يماثله في الصّفات شيء كان عليمًا بالأشياء قبل وجود العلم والخلق وكان قديرًا على كلّ شيء قبل وجود المقدور والشّأن قد أَيَّنَ الأمثال بلا أين مثله وَكَيَّفَ الكَيْفَ في الأشياء بلا كيف عدله إن قلت هو هو قد دلّت الأحديّة ذات الإبداع والإنّيّة حقيقة الاختراع ولا يدلّ الصّفة في شأن عليك ولا يحكي الآية في حكم إلّا على خلقك أنت الدّائم الفرد والصّمد الوتر والقيّوم الحيّ لا يدلّ المثل في كينونيّات الخلق إلّا على إنشائك ولا يشير الهندسة في ذاتيّات العباد إلّا إلى اختراعك
فسبحانك وتعاليت عمّا يقول المشبّهون علوًّا كبيرًا يا إلهي بانجذاب أنوار جبروتيّتك قد لاحظت جمال صمدانيّتك وبنفحات قدس لاهوتيّتك قد استويت على مقام رحمانيّتك أنت الأقرب بنفسي من كلّ شيء وأنت القائم على نفسي فوق كلّ شي ذاتيّتك المشيرة يا إلهى مجتثّة عن الوصف والعرفان وكينونيّتك المتجلّية منقطعة عن الإشارة والبيان أنت الدّائم لم تزل بلا وجود شيء في الإنشاء وأنت القادر لا يزال بلا مثال شيء في الأعيان
فسبحانك سبحانك لك الأسماء والمثال ولك الكبرياء والآلآء ومنك الثّناء والبهاء وحدك لا شريك لك تعاليت وتقدّست عمّا يصفون يا إلهى أنت الّذي قد تجلّيت لي بكنه رحمتك وأيّدتني بآيات قوّتك وكرّمتني بسيوف قهاريّتك لكنت عزيزًا بين عبادك وأنت تعلم يا إلهي ما فعل الجاحدون بي في أيّام سلطنتك وما رأيت من المنافقين في أيّام قدرتك اللّهمّ إنّي أشكو حزني الدّائم القديم وأشهد أنّ الّذين يصفونك بالصّفات المعدودة لم يصفوك والّذين ينزّهونك عن الأسماء المكروهة لم ينزّهوك إذ حكم النّفي بعد الوجود حدّ خلقك والأسماء والصّفات بشهادة أنفسها مقطوعة عنك ومعدومة في رتبة ذاتيّتك ولم تزل ما لك وصف في الوجود ولا ذكر في كلمة المفقود وإنّك الآن لكنت مثل ما كان ما لك وصف ولا ذكر
فسبحانك سبحانك إنّ الّذين يعبدونك بذكر الأسماء يشركون بك ولا يعبدونك والّذين يشيرون إليك بذكر أنفسهم ينقطعون عن مقام تجلّيك ولا يحبّونك لأنّك لم تزل كنت فردًا أحدًا لن تقترن بشيء من الخلق ولن تقارن بشيء من آيات العبد فكلّ يصفونك بما أنت وصفت لهم نفسك فكيف إذا تحقّق وتذّوت فسبحانك قد وصفت نفسك بما تجلّيت لخلقك وهي شأن من إبداعك ومقام من اختراعك فسبحانك لما كان وصفك لا يمكن عندك فكيف يمكن عند عبادك الّذين لا يعلمون إلّا مقامات أنفسهم ولا يدركون إلّا تجلّيات بواطنهم
فسبحانك سبحانك افترى الواصفون وكذب القائلون في حقّك لن يعرفك أحد من الخلق ولا يمكن معرفتك في أعلى جواهر مجرّدات الأمر والخلق إذ ذاتيّة إنّيّتك قد دلّت بإنّيّة ذاتيّتك ونفسانيّة كينونيّتك قد حكت عن كينونيّة نفسانيّتك ولا تزال ان وصفك كان نفسك ولم تزل ان نفسك يكون ذاتك
فسبحانك سبحانك إن أوحّدك يكذّبني نفسك وكلّ أولي العلم من عبادك بأنّ العبد في بحبوحة الكثرات واختلاف الآيات وكثرة العلامات وغلظة المقامات فكيف يقدر أن يوحّد ربّه الّذي لا يدركه شيء ولا يقارنه شيء ولا يصفه شيء ولا يوحّد ذاته شيء
فسبحانك سبحانك يا إلهي ما لي السّبيل لا بذكر الدّليل ولا بالصّمت في تلقاء وجهك يا جليل إن أسبّحك يزجرني سرّي بأنّ نفسك سيئة وأنت من كلمات نفسك أردت أن تسبّح ربّك فالويل لي ثمّ الويل لي ما لي وللتّسبيح في تلقاء عرش عظمتك فسبحانك سبحانك لا أعلم من ذكرك كلمة ولا من ثنائك حرفًا لأنّ كلّ ما يعرف فؤادي ويشهد سرّي وتقرّ علانيتي من آياتك ومناجاتك هي شأن الخلق ولا يليق بمحضر قدسك ولا بالورد على ساحة عزّك
فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ يَا إِلَهِي أَنْتَ الحَقُّ لَمْ تَزَلْ وَمَا سِوَاكَ مُحْتَاجٌ فَقِيرٌ وَأَنَا ذَا يَا إِلَهِي انْقَطَعْتُ عَنْ كُلِّ النَّاسِ بِالتَّوَسُّلِ إِلَى حَبْلِكَ وَأَعْرَضْتُ عَنْ كُلِّ المَوْجُوْدَاتِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى تِلْقَاءِ مَدْيَنِ رَحْمَتِكَ فَأَلْهِمْنِي اللَّهُمَّ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الفَضْلِ وَالعَطَاءِ وَالعَظَمَةِ وَالبَهَاءِ وَالجَلَالِ وَالكِبْرِيَاءِ فَإِنِّي لَا أَجِدُ دُوْنَكَ عَالِمًا مُقْتَدِرًا وَاحْرُسْنِي اللَّهُمَّ بِكُلِّ مَنْعِكَ وَكِفَايَتِكَ وَجُنُودِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَإِنِّي لَا أَجِدُ دُوْنَكَ مُعْتَمَدًا وَلَا سِوَاكَ مَلْجَأٍ وَأَنْتَ أَنْتَ اللّهُ رَبِّي تَعْلَمُ حَاجَتِي وَتَشْهَدُ مَقَامِي وَأَحَاطَ عِلْمُكَ بِمَا نَزَلَ عَلَيَّ مِنْ قَضَائِكَ وَبَلَاءِ الدُّنْيَا بِإِذْنِكَ جُوْدًا وَإِكْرَامًا
اللّهمّ إنّ فضلك كان على قدر مسكنتي وإنّ عفوك كان على قدر معصيتي فأنت تعلم يا إلهي حدّ ذلك وإنّي لأعلم باليقين أنّك إن تجعل كلّ ما أحاط علمك غيرى نار الحديد وتجعل سرادقها في مقام محدودة وسعت السّموات والأرض كلّها ثمّ تكبّر جسمي بشأن الّذي تملأ محال النّار كلّها وتعذّبني فيها في كلّ آنٍ بكلّ سطواتك ونقماتك ما أنت تقدر به حين الآخذ إلى دوام عزّ أزليّتك سرمد الأبد لكنت مستحقًّا بذلك جزاء ذكري بين يديك من دون جزاء سيّئاتي وأعمالي الّتي لا تأمر بها فسبحانك أنت تعلم ذلك لا سواك ما كان ظنّي بك بعدلك إذ لا طاقة لشيء في السّموات والأرض بحكم العدل من عندك لأنّك إن أردت أن تحكم بشيء بعدلك ففي الحين تعذّب كلّ من في السّموات والأرض من سطوته
فسبحانك سبحانك يا إلهي ما كان ظنيّ بك إلّا فضلك وما كان معاملتك مع أحد إلّا بإحسانك وفضلك فسبحانك أنت الّذي ما تعاملت بالكافرين بعدلك فكيف ترضى وتحكم للّذين يؤمنون بك و بآياتك ويسجدون لك وحدك لا شريك لك
فسبحانك سبحانك أن استغفرك دخلت في ذنب لو استغفرك لها سرمد الأبد لا شأن بالعفو لأنّ تلك الكلمة مدلّ بوجودي بين يديك و يحكي عن جرأتي في تلقاء عزّ قهاريّتك لديك فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ما لي والاستغفار بين يديك ولو لا فضلك ورحمتك لكنت من المنسيين فسبحانك يا إلهي أن اذكرك فباليقين ذنب لأنّ وجودي ذنب فكيف إذا اكتسبت الذّنب ذنبًا أُخرى وأن أصمت بين يديك فكان الحكم بمثل الأوّل لأنّ كل ما نسب من الخلق ذنب من ذنب على ذنب لن يليق شأن منها بالصّعود إليك ولا بالورود على بساط عزّتك لأنّ أعلى جواهر الممكنات قد تذّوتت من أثر الإبداع وأعلى شوامخ الموجودات قد تلجلجت من ظهور الإبداع وإنّها بحقيقتها مقطوعة عنك مفتقرة إليك ودالّة بالقطع عن طلعتك وحاكية عن المنع في مقابلة عمال أحديّتك وناطقة بالعجز عن تحميدك وساجدة لعظمة وجهك وحده لا إله إلّا أنت اللّهمّ إنّك لتعلم أنّي ما اعتقدت في شأن إلّا ما نزّلت فى كتابك حيث قلت وقولك الحقّ: لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيْفُ الخَبِيرُ اللّهمّ إنك تعلم أن بعضًا من الحكماء قد ذهبوا إلى وحدة الوجود بين الموجود والمفقود
فسبحانك سبحانك تعاليت وتقدست عمّا يصف المشبّهون نفسك فما أجد كلمة أدنى عن قولهم لأنّك لم تزل كنت بلا ذكر شيء ولا تزال إنّك كائن بلا وجود شيء وإنّ وجود الخلق بنفسه قد وجد بالاحداث من دون أن يمسسه نور من ذاتك و لا إشارة من كينونيّتك بل أنت تجلّيت لديه لا من شيء قبله وحققت الحقّ به جودًا وإكرامًا
فسبحانك سبحانك لو كان الأمر كما يقولون فمن أين يستدلّون بوحدانيّتك
فسبحانك سبحانك إنّ وجود الإثنينيّة بنفسها شاهدة بالافتراق ومعلنة بالانقطاع وما لك وصف في وجود الخلق وما كان لهم وصف في تلقاء وجود ذاتك إذ وجودك لم يزل كان ولم يكن معك شيء وإنّ وجود الخلق مقترن بالحدوث ومعلن بالعدم
فسبحانك سبحانك لمّا تجلّيت لهم بهم بأعلى طلعة مشيّتك لن يعرفوا فَصْلًا من ذلك ولا وَصْلًا لِجَنَابِكَ ولذا يعترفون بالرّبط بينك وبين خلقك
فسبحانك سبحانك كَأَنَّهُم حُمُرٌ مُسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ حُكْمِ عَدْل قَسْوَرَةٍ فإن كان الرّبط ذاتك يلزم الاقتران
فسبحانك سبحانك وإن كان خلقك فيبطل حكم ما افترى المشبّهون في آيات خلقك فَسُبْحَانَكَ يَا إِلَهِي أَنْتَ حَقٌّ وَمَا سِوَاكَ خَلْقٌ وَمَا كَانَ رَبْطٌ بَيْنَكَ وَبَيْن أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ دُوْن خَلْقِك
وإن كان بعض العرفاء من الصّدرائيين الّذين لا يعرفون قدرك لمّا يتعمّقون في حكم الرّبط يقولون كلمة تكاد السّموات أن يتفطرن وتنشق الأرض وتخرّ الجبال فسبحانك حاش الظّنّ بك قد سوّلتهم أنفسهم بما يلقيهم الشّيطان ويحسبون أنّهم يحسنون ويهتدون
فسبحانك سبحانك أنت المبدع البديع قد أبدعت الخلق بمشيّتك لا من شيء قبلها وجعلت علّة نفسها هي نفسها لا شيئا سواها فسبحانك كلّ زعموا في عرفانهم ما لا تحبّ وترضى فبعض قد افتروا وقالوا أنّ علّة الأشياء هي ذاتك كأنّهم لا يعرفون كلمة العدل من أوليائك ولا يشعرون بحكم الاقتران في تلقاء جمالك ولا يدركون بأنّ العلّة لو لا يشار المعلول في رتبة الظّهور لم يوجد ولا يذّوت
فسبحانك سبحانك ما هي إلّا فتنتك تضلّ من تشاء وتهدي من تشاء قلت وقولك الحقّ وَمَنْ يُضْلِلْ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ... الخ ...