
أَنْ يَا سَفِيرَ العَجَمِ فِي المَدِينَةِ أَزَعَمْتَ بِأَنَّ الأَمْرَ كَانَ بِيَدِي أَوْ يُبَدَّلُ أَمْرُ اللهِ بِسِجْنِي وَذُلِّي أَوْ بِإِفْقَادِي وَإِفْنَائِي فَبِئْسَ مَا ظَنَنْتَ فِي نَفْسِكَ وَكُنْتَ مِنَ الظَّانِّينَ، إِنَّهُ مَا مِنْ إِلهٍ إِلَّا هُوَ يَظْهَرُ أَمْرُهُ وَيَعْلُو بُرْهَانُهُ وَيُثْبِتُ مَا أَرَادَ وَيَرْفَعُهُ إِلَى مَقَامٍ الَّذِي يَنْقَطِعُ عَنْهُ أَيْدِيكَ وَأَيْدِي المُعْرِضِينَ
هَلْ تَظُنُّ بأَنَّكَ تُعْجِزُهُ فِي شَيْءٍ أَوْ تَمْنَعُهُ عَنْ حُكْمِهِ وَسُلْطَانِهِ أَوْ يَقْدِرُ أَنْ يَقُومَ مَعَ أَمْرِهِ كُلُّ مَنْ فِي السَّمواتِ وَالأَرَضِينَ، لا فَوَ نَفْسِهِ الحَقِّ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ عَمَّا خُلِقَ إِذًا فَارْجِعْ عنْ ظَنِّكَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا وَكُنْ مِنَ الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَجَعَلَكَ سَفِيرَ المُسْلِمينَ
ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ مَنْ فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ بِكَلِمَةِ أَمْرِهِ وَمَا خُلِقَ بِحُكْمِهِ كَيْفَ يَقُومُ مَعَهُ فَسُبْحانَ اللهِ عَمَّا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ يَا مَلأَ المُبْغِضِينَ، إِنْ كَانَ هذَا الأَمْرُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِهِ يَكْفِيهِ عُلَمَاءُكُمْ وَالَّذِينَ هُمْ اتَّبَعُوا هَواهُمْ وَكَانُوا مِنَ المُعْرِضِينَ
أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ مِنْ قَبْلُ وَحَكَى اللهُ عَنْهُ لِنَبِيِّهِ الَّذِي اصْطَفاهُ بَيْنَ خَلْقِهِ وَأَرْسَلَهُ عَلَيْهِمْ وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، قَالَ وَقَوْلُهُ الحَقُّ ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّناتِ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ وَهَذا مَا نَزَّلَ اللهُ عَلَى حَبِيبِهِ فِي كِتَابِهِ الحَكِيمِ
وَأَنْتُمْ مَا سَمِعْتُمْ أَمْرَ اللهِ وَحُكْمَهُ وَمَا اسْتَنْصَحْتُمْ بِنُصْحِ الَّذِي نُزِّلَ فِي الكِتَابِ وَكُنْتُمْ مِنَ الغَافِلينَ، وَكَمْ مِنْ عِبَادٍ قَتَلْتُمُوهُم فِي كُلِّ شُهُورٍ وَسِنِينَ وَكَمْ مِنْ ظُلْمٍ ارْتَكَبْتُمُوهُ فِي أَيَّامِكُمْ وَلَمْ يَرَ شِبْهَها عَيْنُ الإِبْدَاعِ وَلَنْ يُخْبِرَ مِثْلَها أَحَدٌ مِنَ المُؤَرِّخِينَ، وَكَمْ مِنْ رَضِيعٍ بَقِيَ مِنْ غَيْرِ أُمٍّ وَوَالِدٍ وَكَمْ مِنْ أَبٍ قُتِلَ ابْنُهُ مِنْ ظُلْمِكُم يَا مَلأَ الظَّالِمِينَ، وَكَمْ مِنْ أُخْتٍ ضَجَّتْ فِي فِراقِ أَخِيهَا وَكَمْ مِنْ امْرَأَةٍ بَقَتْ بِغَيْرِ زَوْجٍ وَمُعِينٍ
وَارْتَقَيْتُمْ فِي الظُّلْمِ إِلَى مَقَامٍ الَّذِي قَتَلْتُمُ الَّذِي مَا تَحَرَّفَ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِ اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، فَيَا لَيْتَ قَتَلْتُمُوهُ كَمَا يَقْتُلُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بَلْ قَتَلْتُمُوهُ بِقِسْمٍ الَّذِي مَا رَأَتْ بِمِثْلِهِ عُيُونُ النَّاسِ وَبَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَضَجَّتْ أَفْئِدَةُ المُقَرَّبِينَ، أَما كَانَ ابْنَ نَبِيِّكُمْ وَأَمَا كَانَ نِسْبَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ مُشْتَهِرًا بَيْنَكُمْ فَكَيْفَ فَعَلْتُمْ بِهِ مَا لا فَعَلَ أَحَدٌ مِنَ الأَوَّلِينَ، فَوَاللهِ مَا شَهِدَ عَيْنُ الوُجُودِ بِمِثْلِكُمْ تَقْتُلُونَ ابْنَ نَبِيِّكُمْ ثُمَّ تَفْرَحُونَ عَلَى مَقَاعِدِكُمْ وَتَكُونُنَّ مِنَ الفَرِحِينَ، وَتَلْعَنُونَ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ وَفَعَلُوا بِمِثْلِ مَا فَعَلْتُمْ ثُمَّ عَنْ أَنْفُسِكُمْ لَمِنَ الغَافِلِينَ
إِذًا فَأَنْصِفْ فِي نَفْسِك إِنَّ الَّذِينَ تَسُبُّونَهُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ هَلْ فَعَلُوا بِغَيْرِ مَا فَعَلْتُمْ، أُولئِكَ قَتَلُوا ابْنَ نَبِيِّهِمْ كَمَا قَتَلْتُمْ ابْنَ نَبِيِّكُمْ وَجَرَى مِنْكُمْ مَا جَرَى مِنْهُمْ فَمَا الفَرْقُ بَيْنَكُمْ يَا مَلأَ المُفْسِدينَ
فَلَمَّا قَتَلْتُمُوهُ قَامَ أَحَدٌ مِنْ أَحِبَّائِهِ عَلَى القِصَاصِ وَلَنْ يَعْرِفَهُ أَحَدٌ وَاخْتَفَى أَمْرُهُ عَنْ كُلِّ ذِي رُوحٍ وَقُضِيَ مِنْهُ مَا أُمْضِيَ إِذاً يَنْبَغِي بِأَنْ لا تَلُومُوا أَحَدَاً فِي ذلِكَ بَلْ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ فِيمَا فَعَلْتُمْ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ المُنْصِفِينَ، هَلْ فَعَلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ بِمِثْلِ مَا فَعَلتُمْ لا فَوَرَبِّ العَالَمِينَ