فيا ليت إنّك كنت حينئذ حاضرا لدى العرش...

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

قسم من سورة الاحزان

فيا ليت إنّك كنت حينئذ حاضرا لدى العرش و‌سمعت لحنات البقاء كيف يظهر عن هيكل البهاء تاللّه الحقّ لو‌ يطهّر آذان الممكنات و‌يسمعنّ نغمة منها لينصعقنّ كلّهم على التّراب بين يدي ربّك العزيز الوهّاب و‌لكن لمّا اعترضوا على اللّه جعلهم اللّه محروما عن بدايع فضله و‌ما كانوا حينئذ بين يدي ربّك إلّا ككفّ طين مطروحا وإنّك لو تفكّر فيما يخرج من أفواههم تاللّه تسمع ما لا سمعت من اليهود حين الّذي أرسلنا إليهم الرّوح بكتاب مبينا و‌لا من ملأ الإنجيل حين الّذي أشرقنا عليهم شمس البقاء عن أفق البطحاء وأرسلناه إليهم بأنوار كانت على العالمين مشهودا و‌لا من ملأ الفرقان حين الّذي شقّت سماء العرفان و‌أتى اللّه على ظلل اسمه الرّحمن بجمال عليّ بالحقّ

فلمّا بلغنا إلى هذا الإسم المبارك الأمنع الأرفع الأقدس الّذي كان بالحقّ بديعا قد ظهر في نفسي حالتان أُشَاهِدُ بِأَنَّ قَلْبِي اشْتَعَلَ مِنْ نَارِ الأَحْزَانِ بِمَا وَرَدَ عَلَى جَمَالِ الرَّحْمَنِ مِنْ مَلَأِ الفُرْقَانِ كَأَنَّ كُلَّ أَرْكَانِي يَشْتَعِلُ حِيْنَئِذٍ بِنَارِ الَّتِي لَوْ أُلْقِي زِمَامُهَا لَتُحْرِقُ كُلَّ مَنْ فِي المُلْكِ و‌كَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ شَهِيدًا و‌كَذَلِكَ أُشْاهِدُ بِأَنْ يَبْكِي عَيْنِي ثُمَّ كُلُّ جَوَارِحِي حَتَّى يَمْطُرَ مِنْ شَعَرَاتِي قَطَرَاتُ الدُّمُوعِ بِمَا مَسَّتْهُ البَأْسَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ الأَشْقِيَاءِ الَّذِينَ هُمْ قَتَلُوا اللّهَ و‌مَا عَرَفُوهُ وفِي حِيْنِ الَّذِي افْتَخَرُوا بِاسْمٍ مِنَ أَسْمَائِهِ عَلَّقُوهُ فِي الهَوَاءِ وضَرَبُوا عَلَيْهِ رِصَاصِ البَغْضَاءِ

فَيَا لَيْتَ مَا خُلِقَ الإِبْدَاعُ و‌مَا ذُوِّتَ الاخْتِرَاعُ ومَا بُعِثَ نَبِيٌّ ومَا أُرْسِلَ رَسُولٌ ومَا حُقِّقَ أَمْرٌ بَيْنَ العِبَادِ ومَا ظَهَرَ اسْمُ اللّهِ بَيْنَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ ومَا نُزِّلَتْ صَحَائِفُ ولَا كُتُبٌ ولَا زُبُرٌ ولَا أَلْوَاٌح ولَا رِقَاعٌ ومَا ابْتُلِيَ جَمَالُ القِدَمِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الأَشْقِيَاءِ ومَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ جَهْرَةً و‌ارْتَكَبُوا مَا لَا ارْتَكَبَهُ أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ جَمِيعًا تَاللّهِ الحَقِّ يَا عَلِيُّ لَوْ تَنْظُرُ فِي كُلِّ أَرْكَانِي و‌جَوَارِحِي وكَبْدِي وقَلْبِي و‌حَشَائِي لَتَجِدُ أَثَرَ رِصَاصٍ الَّذِي وَرَدَ عَلَى هَيْكَلِ اللّهِ فآهٍ آهٍ إِذًا بَقِيَ مُنْزِلُ الآيَاتِ عَنِ الإِنْزَالِ وهَذَا البَحْرُ عَنِ الأَمْوَاجِ و‌هَذِهِ السِّدْرَةُ عَنِ الأَثْمَارِ و‌هَذِهِ السَّحَابُ عَنِ الأَمْطَارِ و‌هَذِهِ الشَّمْسُ عَنِ الأَنْوَارِ وهَذِهِ السَّمَاءُ عَنِ الارْتِفَاعِ و‌كَذَلِكَ كَانَ الأَمُرُ حِيْنَئِذٍ مَقْضِيًّا

فَيَا لَيْتَ كُنْتُ فَانِيًا و‌مَا وَلَدَتْنِي أُمِّي ومَا سَمِعْتُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الَّذِينَ هُمْ عَبَدُوا الأَسْمَاءَ و‌قَتَلُوا مُنْزِلَهَا و‌خَالِقَهَا ومُحَقِّقَهَا و‌مُرْسِلَهَا فَأُفٍّ لَهُمْ وبِمَا اتَّبَعُوا أَنْفُسَهُم و‌هَويٰهُمْ و‌ظَهَرَ مِنْهُمْ مَا خَرَّتِ الحُوْرِيَّاتُ عَنْ غُرُفَاتِهِنَّ و‌وَضَعَ الرُّوْحُ وَجْهَهُ عَلَى التُّرَابِ بِمَا وَرَدَ عَلَى رَبِّ الأَرْبَابِ مِنْ هَؤُلَاءِ الذِّئَابِ إِذًا يَبْكِي كُلُّ شَيءٍ لِبُكَائِي لِنَفْسِهِ و‌يَضُجُّ كُلُّ الأَشْيَاءِ لِضَجِيجِي لِفِرَاقِهِ قَدْ بَلَغْتُ فِي الحُزْنِ عَلَى مَقَامٍ لَنْ يَخْرُجَ مِنْ فَمِي نَغَمَاتُ البَقَاءِ و‌لَا عَنْ قَلْبِي نَفَحَاتُ الرَّوْحِي و‌لَوْ لا عِصْمَتِي نَفْسِي لَانْفَطَرَتْ أَرْكَانِي و‌كُنْتُ مَعْدُومًا

و‌إذًا يبكي ظهور قبلي في أفق الأبهى و‌يخاطبك أن يا عليّ تاللّه الحقّ لو تنظر إلى قلبي وكبدي و‌حشائي ثمّ سرّي و‌جهري و‌ظاهري و‌باطني لتجد آثار رماح البغضاء الّتي ورد على ظهوري الأخرى باسمي الأبهى إذا أنوح و‌ينوح كلّ من في الملأ الأعلى ببكائي عليه و‌أصيح ويصيح كلّ من في سرادق الأسماء لصيحتي واضجّ و‌يضجّ كلّ من في مدائن البقاء لضجيجي لهذا المظلوم الّذي وقع بين ملأ البيان تاللّه فعلوا به ما لا فعلوا أمّة الفرقان بنفسي فآه آه عمّا ورد عليه و‌على ما مسّته من هؤلاء إذا خرّت كلّ الوجود من الملك و‌الملكوت على التّراب بما ورد على هذا الجمال الّذي استقرّ على عرش الاقتراب فأفّ لهم و‌بما اكتسبت أيديهم في كلّ بكور و‌عشيّا

إذًا ينادي جمال القدم بأن يا قلم الأعلى غيّر الذّكر من هذا الذّكر الّذي به حزن كلّ الممكنات و‌كلّ ما وقع عليه اسم شيء ثمّ اجر على ذكر آخر فارحم على أهل ملأ الأعلى تاللّه الحقّ تكاد أن تنهدم العرش بعظمته والكرسيّ برفعته وإنّا لمّا سمعنا النّداء انتهينا ذكر الأحزان و‌رجعنا إلى ما كنّا في ذكره لتكون بذلك عليما

وإنّك أنت يا عليّ لا تحزن عمّا ألقيناك من مصائب الّتي وردت على ظهورنا الأولى ثمّ الأخرى فاشدد ظهرك لنصرة أمر اللّه و‌قم على الأمر بقوّة و‌استقامة منيعا

المصادر
المحتوى