مناجاة - تَرَى مَحْبُوبَكَ يا إِلهِي بَيْنَ أَيْدِي أَعْدائِكَ وَتَسْمَعُ حَنِينَهُ

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

مناجاة (٣٢) – من آثار حضرة بهاءالله – مناجاة، ١٣٨ بديع، رقم ٣٢، الصفحة ٣١

تَرَى مَحْبُوبَكَ يا إِلهِي بَيْنَ أَيْدِي أَعْدائِكَ وَتَسْمَعُ حَنِينَهُ بَيْنَ أَشْقِياءِ خَلْقِكَ، أَيْ رَبِّ هذا لَهُوَ الَّذِيْ زَيَّنْتَ الأَلْواحَ بِاسْمِهِ وَنَزَّلْتَ البَيانَ لِثَنائِهِ وَبَكِيتَ فِيْ كُلِّ الأَحْيانِ لِفِراقِهِ، إِذًا تَراهُ يا إِلهِي وَحْدَهُ بَيْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِكَ وَأَعْرَضُوا عَنْ حَضْرَتِكَ وَغَفَلُوا عَنْ بَدَائِعِ رَحْمَتِكَ، يا إِلهِي هذا هُوَ الَّذِيْ قُلْتَ فِيْ حَقِّهِ لَوْلاهُ مَا نُزِّلَتِ الكُتُبُ وَما أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ، فَلَمَّا ظَهَرَ بِأَمْرِكَ وَنَطَقَ بِثَنائِكَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَشْرارُ خَلْقِكَ بِأَسْيافِ البَغْضآءِ يا مالِكَ الأَسْمآءِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الَّذِينَ هَتَكُوا سِتْرَ الكِبْرِياءِ وَنَبَذُوا عَنْ وَرَائِهِمْ عَهْدَكَ وَمِيثاقَكَ يا فاطِرَ السَّمآءِ، وَهذا هُو الَّذِيْ أَنْفَقْتَ رُوحَكَ لِنَفْسِهِ وَقَبِلْتَ ضُرَّ العالَمِينَ لِظُهُورِهِ وَنَادَيْتَ الْكُلَّ بِاسْمِهِ، فَلَمَّا أَتَى مِنْ سَماءِ العَظَمَةِ وَالاقْتِدارِ بَسَطَ عَلَيْهِ عِبادُكَ أَيادِيَ الظُّلْمِ وَالنِّفاقِ وَوَرَدَ عَلَيْهِ ما لا يَتِمُّ بِالأَوْراقِ، تَرَى يا مَحْبُوبَ الآفاقِ مَحْبُوبَكَ تَحْتَ مَخالِبِ المُنْكِرِينَ وَرَجآءَ قَلْبِكَ تَحْتَ سُيُوفِ الظَّالِمِينَ، وَالآنَ يُخاطِبُنِي مِنْ أَعْلى المَقامِ يا أَيُّها المَسْجُونُ نَفْسِي لِسَجْنِكَ الفِدَاءُ، يا أَيُّها المَظْلُومُ ذاتِي لِبَلائِكَ الفِداءُ، أَنْتَ الَّذِيْ لِسَجْنِكَ ظَهَرَتْ أَعْلامُ قُدْرَتِكَ وَأَشْرَقَتْ مِنْ أُفُقِ البَلآءِ شَمْسُ ظُهُورِكَ عَلَى شَأْنٍ خَضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِكَ، كُلَّما مُنِعْتَ عَنِ الذِّكْرِ وَالبَيانِ ازْدادَ ذِكْرُكَ وَارْتَفَعَ نِدائُكَ وَكُلَّما حالَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ العِبادِ حُجُباتُ أَهْلِ العِنادِ أَشْرَقْتَ بِنُورِ وَجْهِكَ مِنْ أُفُقِ سَمآءِ فَضْلِكَ، أَنْتَ القَيُّومُ بِلِسانِ اللّهِ العَزِيزِ المَحْبُوبِ وَأَنْتَ المَقْصُودُ بِما جَرَى مِنْ القَلَمِ الَّذِيْ بَشَّرَ العِبادَ بِاسْمِكَ المَكْنُونِ وَزَيَّنَ الإِبْداعَ بِطِرازِ حُبِّكَ العَزِيزِ المَنِيعِ، قَدْ قَرَّتْ عَيْنُ العالَمِ مِنْ طَلْعَتِكَ النَّوْرآءِ وَلكِنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى إِطْفآءِ نُورِكَ يا مَنْ بِيَدِكَ زِمامُ العالَمِينَ، قَدْ نَطَقَتِ الذَّرَّاتُ بِثَنائِكَ وَاشْتَعَلَتِ الكائِناتُ مِنْ رَشَحاتِ بَحْرِ حُبِّكَ وَلكِنَّ النَّاسَ أَرادُوا إِخْمادَ نَارِكَ، لا وَنَفْسِكَ هُمُ العُجَزآءُ وَأَنْتَ القَدِيرُ وَهُمُ الفُقَرآءُ وَأَنْتَ الغَنِيُّ وَهُمُ الضُّعَفآءُ وَأَنْتَ القَوِيُّ، لا يَمْنَعُكَ عَمَّا أَرَدْتَهُ أَمْرٌ وَلا يَضُرُّكَ نِفاقُ العالَمِينَ، مِنْ نَفَحاتِ بَيانِكَ تَزَيَّنَ رِضْوانُ العرْفانِ وَمِنْ رَشَحاتِ قَلَمِكَ اهْتَزَّ كُلُّ عَظْمٍ رَمِيمٍ، لا تَحْزَنْ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْكَ وَلا تأْخُذْهُمْ بِما ارْتَكبُوا فِيْ أَيَّامِكَ أَنِ اصْبِرْ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

المصادر
المحتوى
OV