سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهِي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ كُنْتَ كَنْزًا مَكْنُونًا فِيْ غَيْبِ ذاتِيَّتِكَ وَرَمْزًا مَخْزُونًا فِيْ كَيْنُونَتِكَ، فَلَمَّا أَرَدْتَ أَنْ تُعْرَفَ فَخَلَقْتَ العالَمَ الأَكْبَرَ وَالأَصْغَرَ وَاخْتَرْتَ مِنْهُما الإِنْسانَ. وَجَعَلْتَهُ حاكِيًا عَنْهُما يا رَبَّنا الرَّحْمنَ، وَأَقَمْتَهُ مَقامَ نَفْسِكَ بَيْنَ مَلإِ الأَكْوانِ وَجَعَلْتَهُ مَطْلَعَ أَسْرارِكَ وَمَشْرِقَ وَحْيِكَ وَإِلْهامِكَ وَمَظْهَرَ أسْمائِكَ وَصِفاتِكَ الَّذِيْ بِهِ زَيَّنْتَ دِيْباجَ كِتابِ الإِبْداعِ يا مالِكَ الاخْتِراعِ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ لَهُو البِحارُ المُنْجَمِدُ وَالمُنْجَمِدُ البِحارُ لأنَّ بِسُكُونِهِ عَلَى أَمْرِكَ وَاسْتِقْرارِهِ عَلَى ما أَرَيْتَهُ فِيْ رِياضِ المُكاشَفَةِ وَالشُّهُودِ عِنْدَ تَجَلِّي أَنْوارِ أَحَدِيَّتِكَ قَدْ تَحَرَّكَتِ العِبادُ شَوْقًا إِلى مَلَكُوتِكَ وَسَرُعَ مَنْ فِيْ البِلادِ مُقْبِلاً إِلى جَبَرُوتِكَ، وَبِحَرَكَتِهِ فِيْ سَبِيلِكَ اسْتَقامَ المُخْلِصُونَ بِأَرْجُلٍ حَدِيدَةٍ لإِظْهارِ أَمْرِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَإِبْرازِ سَلْطَنَتِكَ فِيْ مَمْلَكَتِكَ، ما أَعْظَمَ يا إِلهِي هذا الصُّنْعَ الأَكْبَرَ وَما أَكْمَلَ هذا الخَلْقَ الَّذِيْ مِنْهُ تَحَيَّرَتْ أَفْئِدَةُ أَهْلِ العِبَرِ وَالفِكْرِ، فَلَمَّا أَتَى المِيقاتُ وَظَهَرَ القَضآءُ بَعْدَ القَدَرِ بِالإمْضاءِ أَنْطَقْتَهُ بِثَنائِكَ وَأَسْرارِكَ بَيْنَ مَلإِ الإِنْشآءِ يا مالِكَ الأَسْمآءِ وَفاطِرَ الأَرْضِ وَالسَّمآءِ، وَبِهِ نَطَقَ كُلُّ شَيْءٍ بِذِكْرِكَ وَثَنائِكَ وَتَوَجَّهَ كُلُّ نَفْسٍ إِلى مَلَكُوتِ أَمْرِكَ وَسُلْطانِكَ، مَرَّةً أَظْهَرْتَهُ يا إِلهِي وَزَيَّنْتَ هَيْكَلَهُ بِطِرازِ اسْمِ الكَلِيمِ وَأَظْهَرْتَ مِنْهُ ما أَرَدْتَهُ بِمَشِيَّتِكَ وَقَدَّرْتَهُ بِتَقْدِيرِكَ، وَطَوْرًا زَيَّنْتَهُ بِاسْمِ الرُّوحِ وَأَنْزَلْتَهُ مِنْ سَمآءِ مَشِيَّتِكَ لِتَرْبِيَةِ بَرِيَّتِكَ وَبِهِ نَفَخْتَ رُوحَ الحَيَوانِ فِيْ أَفْئِدَةِ المُقْبِلِينَ مِنْ خَلْقِكَ وَالمُخْلِصيِنَ مِنْ عِبادِكَ، وَتارَةً أَظْهَرْتَهُ بِطِرازِ اسْمِ الحَبِيبِ وَأَشْرَقْتَهُ مِنْ أُفُقِ الحِجازِ إِظْهارًا لأَمْرِكَ وَإِبْرازًا لِقُدْرَتِكَ وَبَلَّغْتَ بِهِ العِبادَ ما يَجْعَلُهُمْ مُرْتَقِيًا إِلى مَعارِجِ تَوْحِيدِكَ وَمُرْتَغِبًا بَدائِعَ عُلُومِكَ وَعِلْمِكَ، أَشْهَدُ يا إِلهَ العالَمِينَ وَمَقْصُودَ القاصِدِينَ بِأَنَّ مَثَلَهُمْ بَيْنَ خَلْقِكَ كَمَثَلِ الشَّمْسِ كُلَّما تَطْلُعُ وَتَغْرُبُ إِنَّها هِيَ شَمْسٌ وَاحِدَةٌ، مَنْ يَرَى الفَرْقَ إِنَّهُ ما بَلَغَ إِلى الغايَةِ القُصْوَى وَما فازَ بِالذُّرْوَةِ العُلْيا وَمُنِعَ عَنْ أَسْرارِ التَّوْحِيدِ وَأَنْوارِ التَّجْرِيدِ وَالتَّفْرِيِدِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ ما قَدَّرْتَ لَهُمْ شَبِيهًا فِيْ أَرْضِكَ وَلا نَظِيرًا فِيْ خَلْقِكَ لِيُثْبَتَ تَنْزِيهُ ذاتِكَ عَنِ المِثْلِيَّةِ وَتَقْدِيسُ نَفْسِكَ عَنِ الشِّبْهِيَّةِ، سُبْحانَكَ سُبْحانَكَ يا إِلهِي كَيْفَ أَذْكُرُكَ وَأَحْمَدُكَ فِيِما أظْهَرْتَهُ بِقُدْرَتِكَ وَأَشْرَقْتَهُ مِنْ أُفُقِ سَمآءِ مَشِيَّتِكَ وَجَعَلْتَهُ مَشْرِقَ آياتِكَ وَمَطْلَعَ ظُهُوراتِ أَسْمائِكَ وَصِفاتِكَ، وَما أَعْظَمَ حَيْرَتِيْ يا إِلهِي فِيْ عِرْفانِهِ وَعِرْفانِ ما أَوْدَعْتَهُ فِيهِ بِقُدْرَتِكَ وَاقْتِدارِكَ، مَرَّةً أَرَى أَنَّهُ ماءٌ حَيَوانٌ قَدْ نُزِّلَ مِنْ سَمآءِ فَضلِكَ وَسَحابِ رَحْمَتِكَ لِحَياةِ بَرِيَّتِكَ وَإِبْقاءِهِمْ بِبَقآءِ مَلَكُوتِكَ، مَنْ فازَ بِقَطْرَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ قامَ مِنَ الأَمْواتِ وَأَقْبَلَ إِلى شَطْرِ أَلْطافِكَ وَمَواهِبِكَ مُنْقَطِعًا عَنْ سِواكَ، وَمَرَّةً أَرَى كَأَنَّهُ نارٌ أُوْقِدَتْ فِيْ سِدْرَةِ فَردانِيَّتِكَ وَمِنْها ظَهَرَ الاحْتِراقُ فِيْ أَكْبادِ العُشَّاقِ إِذْ طَلَعَ نَيِّرُ الآفاقِ مِنْ أُفُقِ العِراقِ، أَشْهَدُ يا إِلهِي بِهِ احْتَرَقَتْ أَحْجابُ البَشَرِ وَأَقْبَلُوا إِلى المَنْظَرِ الأَكْبَرِ، أَسْئَلُكَ يا مالِكَ القَدَرِ بِأَنْ لا تَجْعَلَنِي مَحْرُوْمًا عَنْ نَفَحاتِ أَيَّامِكَ الَّتِيْ فِيها فاحَتْ فَوْحاتُ قَمِيصِ رَحْمانِيَّتِكَ وَلا تَمْنَعَنِي عَنْ بَحْرِكَ الأَعْظَمِ الَّذِيْ كُلُّ قَطْرَةٍ مِنْهُ تُنادِي وَتَقُولُ طُوبى لِمَنْ أَيْقَظَتْهُ نَسْمَةُ اللّهِ الَّتِيْ مَرَّتْ مِنْ جِهَةِ فَضْلِهِ عَلَى المُقْبِلِينَ مِنْ خَلْقِهِ، أَيْ رَبِّ تَرَى عِبادَكَ أُسَرآءَ بِأَيادِي أَنْفُسِهِمْ وَأَهْوائِهِمْ خَلِّصْهُمْ يا إِلهِي بِسُلْطانِكَ وَقُدْرَتِكَ لِيُقْبِلُوا إِلَيْكَ عِنْدَ ظُهُورِ مَظْهَرِ أَسْمَائِكَ وَصِفاتِكَ، أَيْ رَبِّ فَانْظُرْ هذا الفَقِيرَ بِلَحَظاتِ أَعْيُنِ غَنَائِكَ وَنَوِّرْ قَلْبَهُ بِنُورِ مَعْرِفَتِكَ لِيَعْرِفَ حَقائِقَ اللاَّهُوتِ وَأَسْرارَ الجَبَرُوتِ وَظُهُوراتِ المَلَكُوتِ وَشُئُوناتِ النَّاسُوتِ تِلْقاءَ ظُهُورِ مَظْهَرِ نَفْسِكَ، ثُمَّ اجْعَلْهُ يا إِلهِي مُقْبِلاً إِلى أُفُقِ عِنايَتِكَ وَمُسْتَقِيمًا عَلَى حُبِّكَ وَناطِقًا بِذِكْرِكَ وَمُتَمَسِّكًا بِحَبْلِ حُبِّكَ وَمُتَشَبِّثًا بِذَيْلِ كَرَمِكَ وَمُنادِيًا بِاسْمِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَمُثْنِيًا بِثَنائِكَ فِيْ دِيارِكَ عَلَى شَأْنٍ لا تَمْنَعُهُ الأَحْجابُ عَنِ اسْمِكَ الوَهَّابِ وَلا تَحْجُبُهُ السُّبُحَاتُ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَيْكَ يا مَنْ بِيَدِكَ جَبَروُتُ الآياتِ وَمَلَكُوتُ الأَسْمآءِ وَالصِّفاتِ، خُذْ يا إِلهِي يَدَ هذا المُقْبِلِ الَّذِيْ أَقْبَلَ إِلى وَجْهِكَ ثُمَّ أَنْقِذْهُ مِنْ غَمَراتِ الأَوْهامِ لِيَطْلَعَ مِنْ أُفُقِ قَلْبِهِ نُورُ الإِيْقانِ فِي الأَيَّامِ الَّتِيْ فِيها أَظْلَمَتْ شَمْسُ عِرفانِ خَلْقِكَ عِنْدَ إِشْراقِ شَمْسِ أَحَدِيَّتِكَ وَخَسَفَ قَمَرُ العِلْمِ عِنْدَ ظُهُورِ عِلْمِكَ المَكْنُونِ وَسِرِّكَ المَصُونِ وَرَمْزِكَ المَخْزُونِ وَسَقَطَتْ أَنْجُمُ الأَعْمالِ عِنْدَ ظُهُورِ نُورِ فَرْدانِيَّتِكَ وَتَجَلِّي عِزِّ وَحْدانِيَّتِكَ، أَسْئَلُكَ يا إِلهِي بِالكَلِمَةِ العُلْيا الَّتِيْ جَعَلْتَها إِكْسِيرًا فِيْ مَمْلَكَتِكَ وَبِهِ انْقَلَبَ نُحاسُ الوُجُودِ بِالذَّهَبِ الإِبْرِيزِ يا مَنْ بِيَدِكَ مَلَكُوتُ الغَيْبِ وَالشُّهُودِ بِأَنْ تَجْعَلَ مُخْتارِي ما اخْتَرْتَهُ وَمُرادِيْ ما أَرَدْتَهُ لأَكُونَ راضِيًا بِرِضائِكَ وَبِما قَدَّرْتَهُ لِي بِجُودِكَ وَإِحْسانِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشاءُ وَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ، طُوبى لِعارِفٍ عَرَفَكَ وَوَجَدَ عَرْفَكَ وَأَقْبَلَ إِلى مَلَكُوتِكَ وَذاقَ ما كَمُلَ فِيهِ بِفَضْلِكَ وَإِحْسانِكَ، طُوبى لِمَنْ عَرَفَ مَجْدَكَ الأَعْظَمَ وَما مَنَعَتْهُ سُبُحاتُ الأُمَمِ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَيْكَ يا مالِكَ القِدَمِ وَمُصَوِّرَ الرِّمَمِ، طُوبى لِمَنِ اسْتَنْشَقَ نَفَحاتِكَ وَانْجَذَبَ مِنْ آياتِكَ فِيْ أَيَّامِكَ، طُوبى لِمَنْ أَقْبَلَ إِلَيْكَ وَوَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ وَالحَمْدُ لَكَ يا إِلهَ العالَمِينَ.