مناجاة - (من ألواح الصيام) سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهِي هَذِهِ أَيّامٌ فِيْها

حضرة بهاء الله
أصلي عربي

مناجاة (٥٦) – من آثار حضرة بهاءالله – مناجاة، ١٣٨ بديع، رقم ٥٦، الصفحة ٥٨

سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهِي هَذِهِ أَيّامٌ فِيْها فَرَضْتَ الصِّيامَ لِكُلِّ الأَنامِ، لِيُزَكى بِها أَنْفُسُهُمْ وَيَنْقَطِعُنَّ عَمَّا سِواكَ وَيَصْعَدَ مِنْ قُلُوبِهِمْ ما يَكوْنُ لائِقًا لِمَكامِنِ عِزِّ أَحَدِيَّتِكَ وَقابِلاً لِمَقَرِّ ظُهُورِ فَرْدانِيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ فَاجْعَلْ هذَا الصِّيامَ كَوْثَرَ الْحَيَوانِ وَقَدِّرْ فِيهِ أَثَرَهُ وَطَهِّرْ بِهِ أَفْئِدَةَ عِبادِكَ الَّذِيْنَ ما مَنَعَهُمْ مَكارِهُ الدُّنْيا عَنِ التَّوَجُّهِ إِلى شَطْرِ اسْمِكَ الأَبْهى وَمَا اضْطَرَبُوا مِنْ ضَوْضاءِ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا بِآياتِكَ الْكبْرَى بَعْدَ الَّذِيْ أَرْسَلْتَ مَظْهَرَ نَفْسِكَ بِسَلْطَنَتِكَ وَاقْتِدارِكَ وَعَظَمَتِكَ وَإِجْلالِكَ، أُولئِكَ إِذا سَمِعُوْا نِدائَكَ سَرُعُوْا إِلى شَطْرِ رَحْمَتِكَ وَما أَمْسَكَتْهُمُ الشُّؤُوناتُ الْعَرَضِيَّةِ وَالْحُدُوداتُ الْبَشَرِيَّةِ، وَأَنَا الَّذِيْ يا إِلهِي أَكُوْنُ مُقِرًّا بِوَحْدانِيَّتِكَ وَمُعْتَرِفًا بِفَرْدانِيَّتِكَ وَخاضِعًا لَدى ظُهُوراتِ عَظَمَتِكَ وَخاشِعًا عِنْدَ بَوارِقِ أَنْوارِ عِزِّ أَحْدِيَّتِكَ، آمَنْتُ بِكَ بَعْدَ الَّذِيْ عَرَّفْتَنِي نَفْسَكَ وَأَظْهَرْتَهُ بِسُلْطانِكَ وَقُدْرَتِكَ، وَتَوَجَّهْتُ إِلَيْهِ مُنْقَطِعًا عَنْ كُلِّ الْجِهاتِ وَمُتَمَسِّكًا بِحَبْلِ أَلْطافِكَ وَمَواهِبِكَ، وَآمَنْتُ بِهِ وَبِما نُزِّلَ عَلَيْهِ مِنْ بَدائِعِ أَحْكامِكَ وَأَوامِرِكَ وَصُمْتُ بِحُبِّكَ وَاتِّباعًا لأَمْرِكَ وَأَفْطَرْتُ بِذِكْرِكَ وَرِضائِكَ، أَيْ رَبِّ لا تَجْعَلْنِيْ مِنَ الَّذِينَ هُمْ صامُوْا فِي الأَيَّامِ وَسَجَدُوا لِوَجْهِكَ فِي اللَّيالِيْ وَكَفَرُوْا بِنَفْسِكَ وَأَنْكَرُوْا آياتِكَ وَجاحَدُوا بُرْهانَكَ وَحَرَّفُوْا كَلِماتِكَ، أَيْ رَبِّ فَافْتَحْ عَيْنِيْ وَعَيْنَ مَنْ أَرادَكَ لِنَعْرِفَكَ بِعَيْنِكَ وَهذا ما أَمَرْتَنا بِهِ فِي الْكِتابِ الَّذِيْ أَنْزَلْتَهُ عَلَى مَنِ اصْطَفَيْتَهُ بِأَمْرِكَ وَاخْتَصَصْتَهُ بَيْنَ بَرِيَّتِكَ وَارْتَضَيْتَهُ لِسَلْطَنَتِكَ وَاجْتَبَيْتَهُ وَأَرْسَلْتَهُ عَلَى بَرِيَّتِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ يا إِلهِي بِما وَفَّقْتَنا عَلَى الإِقْرارِ بِهِ وَالتَّصْدِيْقِ بِما نُزِّلَ عَلَيْهِ وَشَرَّفْتَنا بِلِقاءِ مَنْ وَعَدْتَنا بِهِ فِي كُتُبِكَ وَأَلْواحِكَ، وَإِذًا يا إِلهِي قَدْ تَوَجَّهْتُ إِلَيْكَ وَتَمَسَّكْتُ بِعُرْوَةِ عَطْفِكَ وَجُوْدِكَ وَتَشَبَّثْتُ بِذَيْلِ أَلْطافِكَ وَمَواهِبِكَ، أَسْئَلُكَ بِأَنْ لا تُخَيِّبَنِيْ عَمَّا قَدَّرْتَهُ لِعِبادِكَ الَّذِيِنَ هُمْ أَقْبَلُوا إِلى حَرَمِ وَصْلِكَ وَكَعْبَةِ لِقائِكَ وَصامُوْا فِي حُبِّكَ، وَلَوْ إِنِّيْ يا إِلهِي أَعْتَرِفُ بِأَنَّ كُلَّ ما يَظْهَرُ مِنِّيْ لَمْ يَكنْ قابِلاً لِسُلْطانِكَ وَلا يَلِيْقُ لِحَضْرَتِكَ، وَلكِنْ أَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِيْ بِهِ تَجَلَّيْتَ على كُلِّ الأَشْياءِ بِأَسْمائِكَ الْحُسْنى فِي هذَا الظُّهُورِ الَّذِيْ أَظْهَرْتَ جَمالَكَ بِاسْمِكَ الأَبْهی، بِأَنْ تُشْرِبَنِيْ خَمْرَ رَحْمَتِكَ وَرَحِيقَ مَكْرُمَتِكَ الَّذِيْ جَرَى عَنْ يَمِيْنِ مَشِيَّتِكَ لأَتَوَجَّهَ بِكُلِّيْ إِلَيْكَ وَأَنْقَطِعَ عَمَّا سِواكَ عَلَى شَأْنٍ لا أَرَى الدُّنْيا وَما خُلِقَ فِيها إِلاَّ كيَوْمِ ما خَلَقْتَها، ثُمَّ أَسْئَلُكَ يا إِلهِي بِأَنْ تُنْزِلَ مِنْ سَمآءِ إِرادَتِكَ وَسَحابِ رَحْمَتِكَ ما يُذْهِبُ عَنَّا رَوائِحَ العِصْيانِ يا مَنْ سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالرَّحْمنِ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ العَزِيْزُ الْمَنَّانُ، أَيْ رَبِّ لا تَطْرُدْ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْكَ وَلا تُبْعِدْ مَنْ تَقَرَّبَ بِكَ وَلا تُخَيِّبْ مَنْ رَفَعَ أَيادِيَ الرَّجاءِ إِلى شَطْرِ فَضْلِكَ وَمَواهِبِكَ وَلا تَحْرِمْ عِبادَكَ الْمُخْلِصِيْنَ عَنْ بَدائِعِ فَضْلِكَ وَإِفْضالِكَ، أَيْ رَبِّ أَنْتَ الْغَفُورُ وَأَنْتَ الْكرِيْمُ وَأَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشاءُ وَما سِواكَ عُجَزَآءُ لَدَی ظُهُوراتِ قُدْرَتِكَ وَفُقَدآءُ لَدَى آثارِ غَنائِكَ وَعُدَمآءُ عِنْدَ ظُهُوراتِ عِزِّ سَلْطَنَتِكَ وَضُعَفآءُ عِنْدَ شُؤُوناتِ قُدْرَتِكَ، أَيْ رَبِّ هَلْ دُوْنَكَ مِنْ مَهْرَبٍ لِنَهْرُبَ إِلَيْهِ أَوْ سِواكَ مِنْ مَلْجَأٍ لأَسْرُعَ إِلَيْهِ، لا وَعِزَّتِكَ لا عاصِمَ إِلاَّ أَنْتَ وَلا مَفَرَّ إِلاَّ أَنْتَ وَلا مَهْرَبَ إِلاَّ إِلَيْكَ، أَيْ رَبِّ أَذِقْنِيْ حَلاوَةَ ذِكْرِكَ وَثَنائِكَ فَوَعِزَّتِكَ مَنْ ذاقَ حَلاوَتَهُ انْقَطَعَ عَنِ الدُّنْيا وَما خُلِقَ فِيْها وَتَوَجَّهَ إِلَيْكَ مُطَهَّرًا عَنْ ذِكْرِ دُوْنِكَ، يا إِلهِي فَأَلْهِمْنِيْ مِنْ بَدَائِعِ ذِكْرِكَ لأَذْكُرَكَ بِها وَلا تَجْعَلْنِيْ مِنَ الَّذِيْنَ يَقْرَئُونَ آياتِكَ وَلا يَجِدُونَ ما قُدِّرَ فِيْها مِنْ نِعْمَتِكَ الْمَكْنُوْنَةِ الَّتِيْ تَحْيَى بِها أَفْئِدَةُ بَرِيَّتِكَ وَقُلُوْبُ عِبادِكَ، أَيْ رَبِّ فَاجْعَلْنِيْ مِنَ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمْ نَفَحاتُ أَيَّامِكَ عَلَى شَأنٍ أَنْفَقُوا أَرْوَاحَهُمْ فِي سَبِيلِكَ وَسَرُعُوا إِلى مَشْهَدِ الفَنَآءِ شَوْقًا لِجَمالِكَ وَطَلَبًا لِوِصالِكَ، وَإِذا قِيْلَ لَهُمْ فِي الطَّرِيْقِ إِلى أَيِّ مَقَرٍّ تَذْهَبُوْنَ قالُوا إِلى اللّهِ الْمَلِكِ الْمَهَيْمِنِ الْقَيُّوم، وَما مَنَعَهُمْ ظُلْمُ الَّذِينَ أَعْرَضُوْا عَنْكَ وَبَغَوْا عَلَيْكَ عَنْ حُبِّهِمْ إِيَّاكَ وَتَوَجُّهِهِمْ إِلَيْكَ وَإِقْبالِهِمْ إِلى شَطْرِ رَحْمَتِكَ، أُوْلئِكَ عِبادٌ يُصَلِّيَنَّ عَلَيْهِمُ الْمَلأُ الأَعْلى وَيُكبِّرَنَّ أَهْلُ مَدائِنِ الْبَقاءِ ثُمَّ الَّذِينَ رُقِمَ عَلَى جَبِيْنِهِمْ مِنْ قَلَمِكَ الأَعْلى هؤُلاءِ أَهْلُ الْبَهاءِ وَبِهِمْ ظَهَرَتْ أنْوارُ الْهُدی، وَكذلِكَ قُدِّرَ فِي لَوْحِ الْقَضآءِ بِأَمْرِكَ وَإِرادَتِكَ، فَيا إِلهِي كَبِّرْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الَّذِيْنَ طافُوْا فِي حَوْلِهِمْ فِي حَياتِهِمْ وَمَماتِهِمْ ثُمَّ ارْزُقْهُمْ ما قَدَّرْتَهُ لِخِيْرَةِ خَلْقِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشآءُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيْزُ الْوَهَّابُ، أَيْ رَبِّ لا تَجْعَلْ هذا الْصَّوْمَ آخِرَ صَوْمِنا وَآخِرَ عَهْدِنا ثُمَّ اقْبَلْ ما عَمِلْناهُ فِي حُبِّكَ وَرِضائِكَ وَما تُرِكَ عَنَّا بِما غَلَبَتْ عَلَيْنا شُئُوناتُ النَّفْسِ وَالْهَوی، ثُمَّ اسْتَقِمْنا عَلَى حُبِّكَ وَرِضائِكَ ثُمَّ احْفَظْنا مِنْ شَرِّ الَّذِيْنَ هُمْ كَفَرُوا بِكَ وَبِآياتِكَ الْكُبْرى وَإِنَّكَ أَنْتَ رَبُّ الآخِرَةِ وَالأُوْلى لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَلِيُّ الأَعْلَی، وَكَبِّرِ الْلَّهُمَّ يا إِلهِي عَلَى النُّقْطَةِ الأَوَّلِيَّةِ وَالسِّرِّ الأَحَدِيَّةِ وَالْغَيْبِ الْهُوِيَّةِ وَمَطْلَعِ الأُلُوهِيَّةِ وَمَظْهَرِ الرُّبُوْبِيَّةِ الَّذِيْ بِهِ فَصَّلْتَ عِلْمَ ما كانَ وَما يَكوْنُ، وَظَهَرَتْ لالِئُ عِلْمِكَ الْمَكْنُوْنِ وَسِرُّ اسْمِكَ الْمَخْزُوْنِ وَجَعَلْتَهُ مُبَشِّرًا لِلَّذِيْ بِاسْمِهِ أُلِّفَ الْكافُ بِرُكْنِها النُّونِ، وَبِهِ ظَهَرَتْ سَلْطَنَتُكَ وَعَظَمَتُكَ وَاقْتِدارُكَ وَنُزِّلَتْ آياتُكَ وَفُصِّلَتْ أَحْكامُكَ وَنُشِرَتْ آثارُكَ وَحُقِّقَتْ كَلِمَتُكَ وَبُعِثَتْ قُلُوْبُ أَصْفِيائِكَ وَحُشِرَ مَنْ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ، الَّذِيْ سَمَّيْتَهُ بعَلِيِّ قَبْلَ نَبِيْل فِي مَلَكُوتِ أَسْمائِكَ وَبِرُوحِ الرُّوحِ فِي أَلْواحِ قَضائِكَ، وَأَقَمْتَهُ مَقامَ نَفْسِك وَرَجَعَتْ كُلُّ الأَسْماءِ إِلى اسْمِهِ بِأَمْرِكَ وَقُدْرَتِكَ، وَبِهِ انْتَهَتْ أَسْماؤُكَ وَصِفاتُكَ وَلَهُ أَسْماءٌ فِي سُرادِقِ عِفَّتِكَ وَفِي عَوالِمِ غَيْبِكَ وَمَدائِنِ تَقَدِيْسِكَ، وَعَلَى الَّذِيْنَ هُمْ آمَنُوْا بِهِ وَبِآياتِهِ وَتَوَجَّهُوْا إِلَيْهِ مُنْقَطِعِيْنَ عَمَّا سِواكَ، مِنَ الَّذِيْنَ اعْتَرَفُوْا بوَحْدانِيَّتِكَ فِي ظُهُوْرِهِ كَرَّةً أُخْرى الَّذِيْ كانَ مَذْكوْرًا فِي أَلْواحِهِ وَكُتُبِهِ وَصُحُفِهِ وَفِي كُلِّ ما نُزِّلَ عَلَيْهِ مِنْ بَدائِعِ آياتِكَ وَجَواهِرِ كَلِماتِكَ، وَأَمَرْتَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ عَهْدَ نَفْسِهِ قَبْلَ عَهْدِ نَفْسِهِ وَنُزِّلَ الْبَيانُ فِي ذِكْرِهِ وَشَأْنِهِ وَإِثْباتِ حَقِّهِ وَإِظْهارِ سَلْطَنَتِهِ وَإِتْقانِ أمْرِهِ، طُوْبى لِمَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَعَمِلَ ما أُمِرَ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ يا إِلهَ الْعالَمِيْنَ وَمَقْصُوْدَ الْعارفِيْنَ، فَلَكَ الْحَمْدُ يا إِلهِي بِما وَفَّقْتَنَا عَلَى عِرْفانِهِ وَحُبِّهِ، إِذًا أَسْئَلُكَ بِهِ وَبِمَظاهِرِ أُلُوْهِيَّتِكَ وَمَطالِعِ رُبُوبِيَّتِكَ وَمَخازِنِ وَحْيِكَ وَمَكامِنِ إِلْهامِكَ بِأَنْ تُوَفِّقَنا عَلَى خِدْمَتِهِ وَطاعَتِهِ وَتَجْعَلَنا ناصِرِينَ لأمْرِهِ وَمُخْذِلِينَ لأَعْدائِهِ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشآءُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ المُسْتَعانُ.

المصادر
المحتوى
OV