مناجاة - (من ألواح النيروز) سُبْحَانَكَ يا مَنْ ناداكَ أَلْسُنُ الكائِناتِ

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

مناجاة (٥٨) – من آثار حضرة بهاءالله – مناجاة، ١٣٨ بديع، رقم ٥٨، الصفحة ٦٤

سُبْحَانَكَ يا مَنْ ناداكَ أَلْسُنُ الكائِناتِ فِي أَزَلِ اللاَّبَداياتِ وَأبَدِ اللاَّنِهاياتِ، وَما وَصَلَ نِدآءُ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلى هَوآءِ بَقاءِ قُدْسِ كِبْرِيائِكَ، وَفُتِحَتْ عُيونُ المَوْجُوداتِ لِمُشاهَدَةِ أَنْوارِ جَمالِكَ، وَما وَقَعَتْ عَيْنُ نَفْسٍ إِلى بَوارِقِ ظُهُوراتِ شَمْسِ وِجْهَتِكَ، وَرَفَعَتْ أَيادِي المُقَرَّبِينَ بِدَوامِ عِزِّ سَلْطَنَتِكَ وَبَقاءِ قُدْسِ حُكُومَتِكَ، وَما بَلَغَتْ يَدُ أَحَدٍ إِلى ذَيْلِ رِدآءِ سُلْطانِ رُبُوبِيَّتِكَ، مَعَ الَّذِيْ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ بِبَدائِعِ جُودِكَ وَإِحسانِكَ قائِمًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَمُهَيْمِنًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَتَكُونُ أَقْرَبَ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ نَفْسِهِ إِلَيْهِ، فَسُبْحَانَكَ مِنْ أَنْ يُنْظَرَ بَدِيعُ جَمَالِكَ إِلاَّ بِلَحَظاتِ عَيْنِ فَرْدانِيَّتِكَ أَوْ يُسْمَعَ نَغَماتُ عِزِّ سَلْطَنتِكَ إِلاَّ بِبَدائِعِ سَمْعِ أَحَدِيَّتِكَ، فَسُبْحَانَكَ مِنْ أَنْ تَقَعَ عَلَى جَمَالِكَ عَيْنُ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْ يَصْعَدَ إِلى هَوآءِ عِزِّ عِرفانِكَ فُؤادُ نَفْسٍ مِنْ بَرِيَّتِكَ، لأنَّ أَطْيارَ قُلوبِ المُقَرَّبِينَ لَوْ تَطيرُ بِدَوامِ سُلْطانِ قَيُّومِيَّتِكَ أَوْ تَتَعارَجُ بِبَقآءِ قُدْسِ أُلُوهِيَّتِكَ لا تَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الإِمْكانِ وَحُدُودِ الأَكْوانِ فَكَيْفَ يَقْدِرُ مَنْ خُلِقَ بِحُدُودِ الإِبْداعِ أَنْ يَصِلَ إِلى مَلِيكِ مَلَكُوتِ الاخْتِراعِ أَوْ يَصْعَدَ إِلى سُلْطانِ جَبَرُوتِ العِزَّةِ وَالارْتِفاعِ، سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ يا مَحْبُوبِيْ لَمَّا جَعَلْتَ مُنْتَهَى وَطَنِ البَالِغِينَ إِقْرَارَهُمْ بِالعَجْزِ عَنِ البُلُوغِ إِلى رَفارِفِ قُدْسِ سُلْطانِ أَحَدِيَّتِكَ وَمُنْتَهَى مَقَرِّ العَارِفِينَ اعْتِرافَهُمْ بِالقُصُورِ عَنِ الوُصُولِ إِلى مَكامِنِ عِزِّ عِرفانِكَ أَسْئَلُكَ بِهذا العَجْزِ الَّذِيْ أَحْبَبْتَهُ فِي نَفْسِكَ وَجَعَلْتَهُ مَقَرَّ الواصِلِينَ وَالوارِدِينَ وَبِأَنْوارِ وَجْهِكَ الَّتيْ أَحاطَتِ المُمْكِناتِ وَبِمَشِيَّتِكَ الَّتيْ بِها خَلَقْتَ المَوْجُوداتِ بِأَنْ لا تُخَيِّبَ آمِلِيكَ عَنْ بَدائِعِ رَحْمَتِكَ وَلا تَحْرِمَ قاصِدِيكَ عَنْ جَواهِرِ فَضْلِكَ، ثُمَّ أَوْقِدْ فِي قُلُوبِهِمْ مَشاعِلَ حُبِّكَ لِيَحْتَرِقَ بِهَا كُلُّ الأَذْكارِ دُونَ بَدائعِ ذِكْرِكَ وَيَمْحُوَ عَنْ قُلُوبِهِمْ كُلُّ الآثارِ سِوى جَوْهَرِ آثارِ قُدْسِ سَلْطَنَتِكَ حَتّى لا يُسْمَعَ فِي المُلْكِ إِلاَّ نَغَماتُ عِزِّ رَحْمانِيَّتِكَ وَلا يُشَاهَدَ فِي الأَرْضِ إِلاَّ سَواذِجُ أَنْوارِ جَمَالِكَ وَلا يُرى فِي نَفْسٍ دُونَ طِرازِ جَمالِكَ وَظُهُورِ إِجْلالِكَ لَعَلَّ لا تَنْظُرُ مِنْ عبادِكَ إِلاَّ ما تَرْضى بِهِ نَفْسُكَ وَيُحِبُّهُ سُلْطانُ مَشِيَّتِكَ، سُبْحَانَكَ يا سَيِّدِي فَوَعِزَّتِكَ لأَيْقَنْتُ بِأَنَّكَ لَوْ تَقْطَعُ نَفَحاتِ قُدْسِ عِنَايَتِكَ وَنَسَماتِ جُودِ إِفْضَالِكَ عَنِ المُمكناتِ فِي أَقَلِّ مِنْ آنٍ لَيَفْنى كُلُّ المَوْجُوداتِ وَيَنْعَدِمُ كُلُّ مَنْ فِي الأَرَضِيِنَ وَالسَّمَواتِ، فَتَعالى بَدائِعُ قُدْرَتِكَ الغالِبَةِ فَتَعالى سُلْطانُ قُوَّتِكَ المَنِيعَةِ فَتَباهى مَلِيكُ عَظَمَتِكَ المُحِيطَةِ وَمَشيَّتِكَ النَّافِذَةِ بِحَيْثُ لَوْ تُحْصِى فِي بَصَرِ أَحَدٍ مِنْ عِبادِكَ كُلَّ الأَبْصارِ وَتَدَعُ فِي قَلْبِهِ كُلَّ القُلُوبِ وَيُشاهِدُ فِي نَفْسِهِ كُلَّ ما خَلَقْتَ بِقُدْرَتِكَ وَذَرَأْتَ بِقُوَّتِكَ وَيَتَفَرَّسُ فِي أَقالِيمِ خَلْقِكَ وَمَمالِكَ صُنْعِكَ فِي أَزَلِ الآزالِ لَنْ يَجِدَ شَيْئًا إِلاَّ وَقْدَ يُشَاهِدُ سُلْطانَ قُدْرَتِكَ قائِمًا عَلَيْهِ وَمَليكَ إِحاطَتِكَ قاهِرًا عَلَيهِ، فَها أَنَا ذا يا إِلهِي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى التُّرابِ بَيْنَ يَدَيكَ وَأَعْتَرِفُ بِعَجْزِ نَفْسي وَاقْتِدارِ نَفْسِكَ وَفَقْرِ ذاتي وَغَناءِ ذاتِكَ وَفَنآءِ رُوحِي وَبَقاءِ رُوحِكَ وَمُنْتَهى ذُلِّيْ وَمُنْتَهَى عِزَّتِكَ وَبِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ وَحدَكَ لا شَبِيهَ لَكَ وَحْدَكَ لا نِدَّ لَكَ وَحْدَكَ لا ضِدَّ لَكَ، لَمْ تَزَلْ كُنْتَ بِعُلُوِّ ارْتِفاعِ قَيُّومِيَّتِكَ مُقَدَّسًا عَنْ ذِكْرِ ما سِواكَ وَلا تَزالُ تَكُونُ فِي سُمُوِّ اسْتِرْفاعِ أَحَدِيَّتِكَ مُنَزَّهًا عَنْ وَصْفِ ما دُونَكَ، فَوَعِزَّتِكَ يا مَحْبُوبِي لا يَنْبَغِي ذِكْرُ المَوْجُوداتِ لِنَفْسِكَ الأَعْلى وَلا يَلِيقُ وَصْفُ المُمْكِناتِ لِبَهائِكَ الأَبْهى بَلْ ذِكْرُ دُونِكَ شِرْكٌ فِي ساحَةِ قَدْسِ رُبُوبِيَّتِكَ وَنَعْتُ غَيْرِكَ ذَنْبٌ عِنْدَ ظُهُورِ سُلْطانِ أُلُوهِيَّتِكَ لأَنَّ بِالذِّكْرِ يُثْبَتُ الوُجُودُ تِلْقآءَ مَدْيَنِ تَوْحِيدِكَ، وَهذا شِرْكٌ مَحْضٌ وَكفْرٌ صِرفٌ وَذَنْبٌ بَحْتٌ وَبَغْيٌ باتٌّ، حِينَئِذٍ أَشْهَدُ بِنَفْسِي وَرُوحِي وَذاتِي بِأَنَّ مَطالِعَ قُدْسِ فَردانِيَّتِكَ وَمَظاهِرَ عِزِّ وَحْدانِيَّتِكَ لَوْ يَطِيرُنَّ بِدَوامِ سَلْطَنَتِكَ وَبَقاءِ قَيُّومِيَّتِكَ لَنْ يَصِلُوا إِلى هَواءِ قُربِ الَّذِيْ فِيهِ تَجَلَّيْتَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمآءِ أَعْظَمِكَ، فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ عَن بَديِعِ جَلالِكَ فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ عَنْ مَنِيعِ إِجْلالِكَ فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ عَن عُلُوِّ سَلْطَنَتِكَ وَسُمُوِّ شَوْكَتِكَ وَاقْتِدارِكَ، وَإِنَّ أَعْلى أَفْئِدَةِ العارِفِينَ وَما عَرَفُوا مِنْ جَواهِرِ عِرفانِكَ وَأَبْهى حَقائِقِ البالِغِينَ وَما بَلَغُوا إِلى أَسْرارِ حِكْمَتِكَ قَدْ خُلِقَتْ مِنْ رُوح الَّذِيْ نُفِخَ مِنْ قَلَمِ صُنْعِكَ، وَما خُلِقَ مِنْ قَلَمِكَ كَيْفَ يَعْرِفُ ما قَدَّرْتَ فِيهِ مِنْ جَواهِرِ أَمْرِكَ أَوْ أَنامِلَ الَّتِيْ كانَتْ قَيُّومَةً عَلَيْهِ وَعَلَى ما فِيهِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ إِلى هذا المَقامِ فَكَيْفَ يَبْلُغُ إِلى يَدِكَ الَّتِيْ كانَتْ قاهِرَةً عَلَى أَنامِلِ قُوَّتِكَ أَوْ يَصِلُ إِلى إِرادَتِكَ الَّتِيْ كانَتْ غَالِبةً عَلَى يَدِكَ فَسُبْحانَكَ سُبْحَانَكَ يا إِلهِي بَعْدَ الَّذِيْ انْقَطَعَتْ أَفْئِدَةُ العُرَفآءِ عَنْ عِرْفانِ صُنْعِكَ الَّذِيْ خَلَقْتَهُ بِإِرادَتِكَ فَكَيْفَ الصُّعُودُ إِلى سَمَواتِ قُدْسِ مَشِيَّتِكَ أَوِ الْوُرُودُ فِي سُرادِقِ عِرْفانِ نَفْسِكَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهِي وَسَيِّدِيْ وَمالِكِي وَسُلْطانِي حِينَئِذٍ لَمَّا اعْتَرَفْتُ بِعَجْزِي وَعَجْزِ المُمْكِناتِ وَأَقْرَرْتُ بِفَقْرِي وَفَقْرِ المَوْجُوداتِ أُنادِيكَ بِلِسانِي وَأَلْسُنِ كُلِّ مَنْ فِي الأَرَضِينَ وَالسَّمَواتِ وَأَدْعُوكَ بِقَلْبِي وَقُلُوبِ كُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي ظِلِّ الأَسْمآءِ وَالصِّفاتِ بِأَنْ لا تُغْلِقَ عَلَى وُجُوهِنا أَبْوابَ فَضْلِكَ وَإِفْضالِكَ وَلا تَقْطَعَ عَنْ أَرْواحِنا نَسَماتِ جُودِكَ وَأَلْطافِكَ وَلا تَشْتَغِلَ قُلوبُنا بِغَيْرِكَ وَلا أَفْئِدَتُنا بِذِكْرِ سِواكَ، فَوَعِزَّتِكَ يا إِلهِي لَوْ تَجْعَلُنِي سُلْطانًا فِي مَمْلَكَتِكَ وَتُجْلِسُنِي عَلَى عَرْشِ فَرْدانِيَّتِكَ وَتَضَعُ زِمامَ كُلِّ الوُجُودِ فِي قَبْضَتِي بِاقْتِدارِكَ وَتَجْعَلُنِي فِي أَقَلِّ ما يُحْصى مَشْغُولاً بِذلِكَ وَغافِلاً عَنْ بَدائِعِ ذِكْرِكَ الأَعْلى فِي اسْمِكَ الأَعْظَمِ الأَتَمِّ العَلِيِّ الأَعْلی، فَوَعِزَّتِكَ لَنْ تَرضى نَفْسِيْ وَلَنْ يَسْكُنَ قَلْبِي بَلْ أَجِدُ ذاتِي فِي تِلْكَ الحالَةِ أَذَلَّ مِنْ كُلِّ ذَلِيلٍ وَأَفْقَرَ مِنْ كُلِّ فَقيرٍ، سُبْحَانَكَ يا إِلهِي لَمّا عَرَّفْتَنِي هذا أَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِيْ ما حَمَلَهُ الأَلْواحُ وَما جَرَى عَلَى قَلْبِ أَحَدٍ وَلِسانِ نَفْسٍ وَلَمْ يَزَلْ كانَ خَفِيًّا بِخَفآءِ ذاتِكَ وَمُتَعالِيًا بِعُلُوِّ نَفْسِكَ بِأَنْ تَرْفَعَ فِي هذِهِ السَّنَةِ أَعْلامَ نَصْرِكَ وَراياتِ انْتِصارِكَ لِيَغْنِيَنَّ كُلٌّ بِغَنائِكَ وَيَسْتَرْفِعُنَّ بِعُلُوِّ سُلْطانِ رِفْعَتِكَ وَيَقُومُنَّ عَلَى أَمْرِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ الْمُتَعالِ العَزِيزُ المُهَيْمِنُ السُّلْطانُ.

المصادر
المحتوى
OV