مناجاة - سُبْحَانَكَ يا إِلهِي تَعْلَمُ بِأَنِّي ما أَرَدْتُ فِي أَمْرِكَ نَفْسِيْ

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

مناجاة (٦٥) – من آثار حضرة بهاءالله – مناجاة، ١٣٨ بديع، رقم ٦٥، الصفحة ٧٤

سُبْحَانَكَ يا إِلهِي تَعْلَمُ بِأَنِّي ما أَرَدْتُ فِي أَمْرِكَ نَفْسِيْ بَل نَفْسَكَ وَلا إِظْهارَ شَأْنِي بَلْ إِظْهارَ شَأْنِكَ وَما قَصَدْتُ راحَتِي وَسُرُورِي وَبَهْجَتِي فِي سَبِيلِكَ وَرِضائِكَ، وَكُنْتُ فِي كُلِّ الأَحْوالِ ناظِرًا إِلى أَوامِرِكَ وَمُتَوَجِّهًا إِلى ما أَمَرْتَنِي بِهِ فِي أَلْواحِكَ، وَما أَصْبَحْتُ إِلاَّ بِذِكْرِكَ وَثَنائِكَ وَما أَمْسَيْتُ إِلاَّ وَقَدْ كُنْتُ مُسْتَنْشِقًا نَفَحاتِ رَحْمَتِكَ فَلمَّا انْقَلَبَتِ الأَكْوانُ وَأَهْلُها وَالأَرْضُ وَما عَلَيْها كادَتْ أَنْ تَنْقَطِعَ نَسَماتُ اسْمِكَ السُّبْحانِ عَنِ الأَشْطارِ وَتَرْكُدَ أَرْياحُ رَحْمَتِكَ عَنِ الأَقْطارِ، أَقَمْتَنِي بِقُدْرَتِكَ بَيْنَ عِبادِكَ وَأَمَرْتَنِي بِإِظْهارِ سَلْطَنَتِكَ بَيْنَ بَرِيَّتِكَ، قُمْتُ بِحَولِكَ وَقُوَّتِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَنادَيْتُ الكُلَّ إِلى نَفْسِكَ، وَبَشَّرْتُ كُلَّ العِبادِ بِأَلْطافِكَ وَمَواهِبِكَ وَدَعوتُهُمْ إِلى هذا البَحْرِ الَّذِيْ كُلُّ قَطْرَةٍ مِنْهُ تُنادِي بِأَعْلى النِّداءِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِأَنَّهُ مُحْيِي العالَمِينَ وَمُبْعِثُ العالَمِينَ وَمَعْبُودُ العالَمِينَ وَمَحْبُوبُ العارِفِينَ وَمَقْصُودُ المُقَرَّبِينَ، وَكُلَّمَا أَحاطَتْ هذا السِّراجَ هُبُوبُ أَرْياحِ البَغْضآءِ مِنَ الأَشْقِيآءِ إِنَّهُ ما مُنِعَ عَنْ نُورِهِ حُبًّا لِجَمالِكَ، وَكُلَّمَا ازْدادَ الظُّلْمُ زَادَ شَوقِي فِي إِظْهارِ أَمْرِكَ، وَكُلَّمَا اشْتَدَّ البَلاءُ فَوَعِزَّتِكَ زَادَ البَهآءُ فِي إِظْهارِ سَلْطَنَتِكَ وَإَبْرازِ قُدْرَتِكَ إِلى أَنْ أَدْخَلُوهُ الظَّالِمُونَ فِي سِجْنِ العَكَّا، وَجَعَلُوا أَهْلِي أُسارى فِي الزَّورآءِ، فَوَعِزَّتِكَ يا إِلهِي كُلَّما وَرَدَ عَلَيَّ بَلاءٌ فِي سَبِيلِكَ زَادَ سُرُوري وَبَهْجَتِي، فَوَنَفْسِكَ يا مالِكَ المُلُوكِ ما مَنَعَنِي المُلُوكَ عَنْ ذِكْرِكَ وَثَنائِكَ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيَّ كُلُّهُمْ كما اجْتَمَعُوا بِأَسْيافٍ شاحِذَةٍ وَرِماحٍ نافِذَةٍ لا أَتَوَقَّفُ فِي ذِكْرِكَ بَيْنَ سَمائِكَ وَأَرْضِكَ وَأَقُولُ يا مَحْبُوبِي هذا وَجْهِيْ قَدْ فَدَيْتُهُ لِوَجْهِكَ وَهذِهِ نَفْسِيْ قَدْ فَدَيْتُها لِنَفْسِكَ وَهذا دَمِي يَغْلِي فِي أَعْضائِي شَوقًا لِسَفْكِهِ فِي حُبِّكَ وَسَبِيلِكَ، وَلَوْ أَنْتَ تَرَانِي يا إِلهِي فِي مَحَلِّ الَّذِيْ لا يُسْمَعُ مِنْ أَرْجاءِهِ إِلاَّ تَرجِيعُ الصَّدَى وَسُدَّتْ فِيهِ عَلَى وُجُوهِنا أَبْوابُ الرَّخاءِ وَنَكُونُ فِي ظاهِرِ الأَمْرِ فِي الظُّلُماتِ الدَّهْمآءِ، وَلكِنَّ نَفْسِي اشْتَعَلَتْ فِي حُبِّكَ عَلَى شَأْنٍ لا تَسْكُنُ نارُ حُبِّها وَلَهِيبُ شَوْقِها تَنْطِقُ بِأَعْلَى الصَّوْتِ بَيْنَ العِبادِ وَتَدْعُوهُمْ إِلَيْكَ فِي كُلِّ الأَحْوالِ، أَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الأَعْظَمِ بِأَنْ تَفْتَحَ أَبْصارَ عِبادِكَ لِيَرَوْكَ مُشْرِقَاً عَنْ أُفُقِ عَظَمَتِكَ وَكِبْرِيائِكَ وَلا يَمْنَعُهُمْ نَعِيبُ الغُرابِ عَنْ هَدِيرِ وَرْقآءِ عِزِّ أَحَدِيَّتِكَ وَلا مَاءُ الآسِنِ عَنْ زُلالِ خَمْرِ أَلْطافِكَ وَكَوْثَرِ مَواهِبِكَ، ثُمَّ اجْتَمِعْهُمْ عَلَى هذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّتِيْ أَخَذْتَ عَهْدَها مِنْ أَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَنَزَّلْتَ حُكْمَها فِي أَلْواحِكَ وَصُحُفِكَ، ثُمَّ أَصْعِدْهُمْ إِلى مَقامِ الَّذِيْ يُمَيِّزُونَ نِدائَكَ، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشآءُ وَإِنَّكَ أَنْتَ العَلِيُّ الأَبْهی.

المصادر
المحتوى
OV