مناجاة - سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهِي تَرَى ما عَجِزَتْ أَلْسُنُ ما سِوَاكَ عَنْ

حضرة بهاء الله
أصلي عربي

مناجاة (١٠١) – من آثار حضرة بهاءالله – مناجاة، ١٣٨ بديع، رقم ١٠١، الصفحة ١١٤

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهِي تَرَى ما عَجِزَتْ أَلْسُنُ ما سِوَاكَ عَنْ ذِكْرِهِ، وَتَشْهَدُ ما تَكَلْكَلَ عَن بَيانِهِ غَيْرُكَ، بِحَيْثُ تَمَوَّجَتْ بُحُورُ الابْتِلآءِ وَتَهَيَّجَتْ أَرْيَاحُ القَضَاءِ وَتَمْطُرُ مِنَ السَّحَابِ سِهَامُ الافْتِتَانِ وَمِنْ سَمَاءِ القَدَرِ رِماحُ الامْتِحَانِ، أَيْ رَبِّ تَرَى عِبَادَكَ الَّذِينَ آمَنُوا بِكَ وَبِآياتِكَ كَيْفَ وَقَعُوا بَيْنَ مَخالِيبِ أَعْدائِكَ وَسَدُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ أَبْوابَ الرَّخَآءِ وَتَرَكُوهُمْ فِي هذا الحِصْنِ الَّذِيْ مُنِعَ عَنْهُ الرَّاحَةُ وَالرَّجآءُ، وَوَرَدَ عَلَيْهِمْ فِي سَبِيلِكَ ما لا وَرَدَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ قَبلُ، وَيَشْهَدُ بِذلِكَ سُكَّانُ العَرْشِ وَالثَّرى وَأَهْلُ مَلإِ الأَعْلی، فَيَا إِلهِي هؤُلآءِ عِبادٌ الَّذِينَ انْقَطَعُوا عَنْ دِيارِهِمْ حُبًّا لِجَمَالِكَ، وَاهْتَزَّهُمْ أَرْياحُ شَوْقِكَ إِلى مَقامٍ انْقَطَعُوا عَنْ كُلِّ نِسْبَةٍ فِي سَبِيلِكَ، وَحارَبَهُمْ طُغَاةُ عِبادِكَ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ، وَأَخْرَجُوهُمْ عَنْ كُلِّ الدِّيارِ وَجَعَلُوهُمْ أُسَارَى بِأَيادِي الفَجَرَةِ مِنْ عِبادِكَ وَالكَفَرَةِ مِنْ أَشْقِيآءِ أَهْلِ أَرْضِكَ، إِلى أَنْ أَدْخَلُوْهُمْ فِي هذا المَقامِ الَّذِيْ لَنْ يُوجَدَ أَرْدَى مِنْهُ فِي مَمْلَكَتِكَ، وَأَخَذَتْهُمُ البَلايا عَلَى شَأْنٍ يَبْكِي السَّحَابُ عَلَيهِمْ وَيَنُوحُ الرَّعْدُ لِلْقَضَايا الَّتِيْ مَسَّتْهُمْ فِي حُبِّكَ وَرِضَائِكَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ يا إِلهِي لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضِكَ مَنْ يُنْسَبُ إِلَيْكَ إِلاَّ هؤُلآءِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ عِدَّةٌ وَبَقِيَ عِدَّةٌ أُخْرى، وَلَوْ أَنَّ يا إِلهِي لِمِثْلِنا لا يَلِيقُ أَنْ نَنْسِبَ أَنْفُسَنا إِلى نَفْسِكَ لأنَّ الخَطَايا وَالغَفْلَةَ عَنْ أَمْرِكَ مَنَعَتْنا عَنِ الوُرُودِ فِي لُجَّةِ بَحْرِ أَحَدِيَّتِكَ وَالتَّسَبُّحِ فِي غَمَرَاتِ عِزِّ رَحْمَتِكَ، وَلكِنْ يا إِلهِي يَشْهَدُ أَلسُنُنَا وَقُلُوبُنَا وَجَوارِحُنَا بِأَنَّ رَحْمَتَكَ أَحَاطَتْ كُلَّ الأَشْيآءِ وَرَأْفَتَكَ سَبَقَتْ مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، أَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الأَعْظَمِ الَّذِيْ بِهِ انْقَلَبَتِ الكائِنَاتُ وَاهْتَزَّتِ المَوجُوداتُ، بِأَنْ تُنَزِّلَ مِنْ سَحَابِ رَحْمَتِكَ ما يُطَهِّرُ هؤُلآءِ عَنْ كُلِّ بَلآءٍ وَمَكْرُوهٍ، ثُمَّ أَصْعِدْهُمْ إِلى مَقَامٍ لا يَشْغَلُهُمُ البَلآيا عَنْ بَدَائِعِ ذِكْرِكَ وَلا الرَّزَايا عَنِ التَّوَجُّهِ إِلى ساحَةِ عِزِّ أَحَدِيَّتِكَ، فَوَعِزَّتِكَ يا مَحْبُوبَ البَهآءِ وَمَقْصُودَ البَهآءِ إِنِّي بِنَفْسِي أَقُولُ فِي كُلِّ الأَحْيَانِ يا لَيْتَ تَقَرَّبْتُ إِلَيْكَ فِي يَوْمٍ قَبْلَ هذا، وَلَكنْ لَمَّا أَسْمَعُ ضَجِيجَ المُخْلِصِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ وَالمُقَرَّبِينَ مِنْ عِبادِكَ الَّذِينَ ما اتَّخَذُوا لأنْفُسِهِمْ وَلِيًّا إِلاَّ أَنْتَ وَلا مَلْجَأً إِلاَّ أَنْتَ، ثُمَّ اخْتارُوا فِي سَبِيلِكَ لأَنْفُسِهِمْ ما لا اخْتَارَهُ أَحَدٌ عِنْدَ ظُهُورِ مَظَاهِرِ عِزِّ أَحَدِيَّتِكَ وَمَطَالِعِ قُدْسِ رَبُوبِيَّتِكَ، لِذا يَحْزَنُ قَلْبِي وَيُكَدَّرُ فُؤَادِيْ وَأُنادِيْكَ بِقُدْرَتِكَ الَّتِيْ أَحَاطَتْ كُلَّ الوُجُودِ مِنَ الغَيْبِ وَالشُّهُودِ، بِأَنْ تَحْفَظَهُمْ عَنْ كُلِّ ما يَكْرَهُ رِضَائُكَ وَهذا لا لأَنْفُسِهِمْ بَلْ لِيَبْقى بِهِمْ اسْمُكَ بَيْنَ عِبادِكَ وَذِكْرُكَ فِي بِلادِكَ، وَإِنَّكَ تَعْلَمُ يا إِلهِي بِأَنَّ كُلَّ العِبادِ قَدْ أَعْرَضُوا عَنْكَ وَقامُوا بِالمُحَارَبَةِ عَلَى نَفْسِكَ وَلَيْسَ لَكَ عِبَادٌ لِيُطِيعَكَ إِلاَّ هؤُلآءِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِظُهُورِكَ الَّذِيْ بِهِ انْقَلَبَتِ الوُجُودُ وَاضْطَرَبَتِ النُّفُوسُ وَتَبَلْبَلَتِ الرُّقُودُ، فَيَا إِلهِي أَنْتَ الكَرِيْمُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ، فَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ ما يَطْمَئِنُّ بِهِ قُلُوبُهُمْ وَتَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ وَتُجَدَّدُ أَرْواحُهُمْ وَتُطَيَّبُ أَجْسَادُهُمْ، إِنَّكَ أَنْتَ مَوْليهُمْ وَمَوْلَى العالَمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ.

المصادر
المحتوى
OV