لَكَ الحَمْدُ يا إِلهِي بِمَا وَفَيْتَ بِمَا رُقِمَ مِنْ قَلَمِ أَمْرِكَ فِي الأَلْواحِ الَّتِيْ أَرْسَلْتَهَا إِلى خِيرَةِ خَلْقِكَ الَّذِينَ بِهِمْ فُتِحَتْ أَبْوابُ رَحْمَتِكَ وَأَشْرَقَتْ شَمْسُ هِدايَتِكَ، وَلَكَ الحَمْدُ يا إِلهِي عَلَى ما أَظْهَرْتَ مَا كانَ مَكْنُونًا فِي أَزَلِ الآزَالِ فِي سُرَادِقِ العِزَّةِ وَالعَظَمَةِ وَالإِجْلالِ، وَبِهِ زَيَّنْتَ سَمَاءَ أَمْرِكَ وَأَلْواحَ كِتَابِ بُرْهَانِكَ، فَلَمَّا جَاءَ الوَعْدُ وَظَهَرَ المَوْعُودُ أَنْكَرُوهُ عِبَادُكَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الإِيمَانَ بِمَظْهَرِ نَفْسِكَ الَّذِيْ جَعَلْتَهُ مُبَشِّرًا لِهذَا الظُّهُورِ الَّذِيْ مِنْهُ قَرَّتْ عُيُونُ أَهْلِ خِبَاءِ أَحَدِيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ لَمْ أَدْرِ بِأَيِّ حُجَّةٍ آمَنُوا بِكَ وَبِآياتِكَ وَبِأَيِّ بُرْهانٍ كَفَرُوا بِسُلْطَانِكَ، كُلَّما أَدْعُوهُمْ إِلَيْكَ وَأَقُولُ يا قَوْمِ فَانْظُرُوا بِمَا عِنْدَكُمْ مِنْ آياتِ اللَّهِ رَبِّكُمْ وَبِما نُزِّلَ مِنْ سَمَاءِ المَشِيَّةِ وَالاقْتِدَارِ يَعتَرِضُونَ عَلَيْكَ وَيُعْرِضُونَ عَنْكَ بَعْدَ الَّذِيْ أَنْتَ تَعْلَمُ بِأَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ الَّتِيْ خَرَجَتْ مِنْ فَمِ إِرادَتِكَ تَتَضَوَّعُ مِنْها نَفَحَاتُ رَحْمَتِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ بِالَّذِيْ لَمْ يَكنْ لَهْ شَأْنٌ لِيَتَكَلَّمَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ خُدَّامِ بابِكَ وَكَيْفَ المَقَامُ الَّذِيْ فِيْهِ يَنْطِقُ لِسَانُ عَظَمَتِكَ، أَيْ رَبِّ طَهِّرْ قُلُوبَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ لِيَنْظُرُوا بِعُيُونِهِمْ وَيَفْقَهُوا بِقُلُوبِهِمْ لَعَلَّ يَجْذِبُهُمْ آياتُكَ إِلى مَشْرِقِ وَحْيِكَ وَيُقَرِّبُهُمْ إِلى سَلْسَبِيلِ عِرْفانِكَ، أَيْ رَبِّ أَنتَ الَّذِيْ أَخَذْتَ عَهْدِيْ مِنهُمْ فِي كُلِّ سَطْرٍ مِنْ كِتابِكَ وَأَكَّدْتَ ذلِكَ عَلَى شَأْنٍ انْقَطَعَ عَنْهُ اعْتِذارُ خَلْقِكَ، قُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ لا يُعَادَلُ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِهِ ما نُزِّلَ فِي البَيانِ، إِذًا تَرَى يا إِلهِي ما ارْتَكبُوا فِيْ أَمْرِكَ، وَبِمَا اكتَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ فِي أَيَّامِكَ يَنُوحُ مِنْ ظُلْمِهِمْ سِدْرَةُ أَمْرِكَ وَسُكَّانُ سُرَادِقِ عَظَمَتِكَ وَأَهْلُ مَدَائِنِ أَسْمَائِكَ، لَمْ أَدْرِ يا إِلهِي بِأَيِّ حُجَّةٍ قَامُوا عَلَى الظُّلْمِ وَبِأَيِّ بُرْهَانٍ أَعْرَضُوا عَنْ مَطْلَعِ آياتِكَ، أَسئَلُكَ يا مَالِكَ الأَسْمآءِ وَفَاطِرَ السَّمآءِ بِأَنْ تُؤَيِّدَهُمْ عَلَى الإِنْصَافِ فِي أَمْرِكَ، لَعَلَّ يَجِدُونَ عَرْفَ قَمِيصِ رَحْمَتِكَ وَيَتَوَجَّهُونَ إِلى أُفُقِ الَّذِيْ فِيهِ أَضَاءَ أَنوارُ طَلْعَتِكَ، أَيْ رَبِّ إِنَّهُمْ ضُعَفآءُ وَأَنتَ القَوِيُّ القَدِيرُ، وَهُمْ فُقَرآءُ وَأَنْتَ الغَنِيُّ الْكَرِيمُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ يا إِلهِي بِأَنِّي ما أَرَدْتُ لِنَفْسِي أَمْرًا فِي أَيَّامِي، فَدَيْتُ رُوحِي وَذاتِي لإِعْلآءِ كَلِمَتِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَارْتِفاعِ ذِكْرِكَ بَيْنَ عِبادِكَ، وَأَرْسَلْتَنِي بِحُجَّةٍ بِها اهْتَزَّ مِنَ الشَّوْقِ مَطَالِعُ وَحْيِكَ وَمَشَارِقُ إِلْهامِكَ وَبِها ثَبَتَ بُرْهَانُكَ وَتَمَّتْ نِعْمَتُكَ وَكَمُلَ أَمْرُكَ وَنُزِّلَتْ آياتُكَ وَظَهَرَتْ بَيِّنَاتُكَ، وَأَنتَ تَعْلَمُ يا إِلهِي بِأَنِّي ما أَرَدْتُ إِلاَّ ما أَرَدْتَ وَما أُرِيْدُ إِلاَّ ما تُرِيْدُ، إِنْ أَنْطِقُ بَيْنَ عِبادِكَ ما أَلْهَمْتَنِي بِجُودِكَ وَأَمَرْتَنِيْ بِذِكْرِهِ بَيْنَ خَلْقِكَ يَعْتَرِضُ عَلَيَّ طُغَاةُ بَرِيَّتِك وإِنْ أَصْمُتُ عَنْ بَدَائِعِ ذِكْرِكَ يَقُومُ كُلُّ جَوَارِحِي بِثَنائِكَ، لَمْ أَدْرِ بِأَيِّ مَاءٍ خَلَقْتَنِي وَبِأَيِّ نارٍ أَوْقَدْتَنِي، فَوَعِزَّتِكَ لا أَصْمُتُ عَنْ ذِكْرِكَ وَلَوْ يَقُومُ عَلَيَّ مَنْ فِي سَمَائِكَ وَأَرْضِكَ، أَذْكُرُكَ فِي كُلِّ الأَحْوالِ مُنْقَطِعًا عَنِ العالَمِينَ، وَالحَمْدُ لَكَ يا مَحْبُوبَ أَفئِدَةِ العَارِفِينَ.