يا إِلهِي وَمَحْبُوبِيْ لا مَفَرَّ لأَحَدٍ عِنْدَ نُزُولِ أَحْكامِكَ وَلا مَهْرَبَ لِنَفْسٍ لَدى صُدُورِ أَوامِرِكَ، أَوْحَيْتَ القَلَمَ أَسْرارَ القِدَمِ وَأَمَرْتَهُ أَنْ يُعَلِّمَ الإِنْسَانَ ما لَمْ يَعْلَمْ وَيُشْرِبَهُمْ كَوْثَرَ المَعَانِي مِنْ كَأْسِ وَحْيِكَ وَإِلْهامِكَ، فَلَمَّا ظَهَرَ مِنْهُ عَلَى اللَّوحِ حَرْفٌ مِنْ عِلْمِكَ المَكْنُونِ ارْتَفَعَ ضَجِيجُ العُشَّاقِ مِنْ كُلِّ الأَشْطَارِ وَبِذلِكَ وَرَدَ عَلَى الأَخْيارِ ما بَكَتْ عَنْهُ سُكَّانُ سُرادِقِ مَجْدِكَ وَناحَتْ أَهْلُ مَدائِنِ أَمْرِكَ، تَرَى يا إِلهِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ مَطْلَعَ أَسْمائِكَ تَحْتَ سُيُوفِ أَعْدائِكَ وَفِي هذِهِ الحالَةِ يُنادِيْ مَنْ فِي أَرْضِكَ وَسَمائِكَ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْكَ، فَيا إِلهِي طَهِّرْ قُلُوبَ بَرِيَّتِكَ بِسَلْطَنَتِكَ وَاقْتِدارِكَ لِيُؤَثِّرَ فِيهِمْ كَلِماتُكَ، لَمْ أَدْرِ يا إِلهِي ما فِي قُلُوبِهِمْ وَما يَظُنُّونَ فِي حَقِّكَ كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا بِأَنَّكَ تَدْعُوهُمْ إِلى أُفُقِكَ الأَعْلَى لِيَزْدادَ بِذلِكَ شَأْنُكَ وَعِزُّكَ، وَإِنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا أَنَّكَ تَدْعُوهُمْ إِلى ما يَحْيى بِهِ قُلُوبُهُمْ وَتَبْقَى بِهِ أَنْفُسُهُمْ ما فَرُّوا عَنْ حُكُومَتِكَ وَما تَبَعَّدُوا عَنْ ظِلِّ سِدْرَةِ فَردانِيَّتِكَ، فَاكْشِفْ يا إِلهِي أَبْصَارَ خَلْقِكَ لِيَرَوْا مَظْهَرَ نَفْسِكَ مُقَدَّسًا عَمَّا عِنْدَهُمْ وَما يَدْعُوهُمْ إِلى أُفُقِ وَحْدانِيَّتِكَ إِلاَّ خالِصًا لِوَجْهِكَ فِي حِينِ الَّذِيْ لا يَطْمَئِنُّ لِنَفْسِهِ حَيوةً فِي أَقَلِّ مِنْ ساعَةٍ، لَوْ يُرِيْدُ نَفْسَهُ ما يُلْقِيْها بَيْنَ أَيْدِيْ أَعْدائِكَ، فَوَعِزَّتِكَ قَبِلْتُ البَلايا لإِحْياءِ مَنْ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ، إِنَّ الَّذِيْ أَحَبَّكَ لا يُحِبُّ نَفْسَهُ إِلاَّ لإِعْلآءِ أَمْرِكَ وَالَّذِيْ عَرَفَكَ لا يَعْرِفُ سِواكَ وَلا يَلْتَفِتُ إِلى دُونِكَ عَرِّفْ يا إِلهِي عِبادَكَ ما أَرَدْتَ لَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ ثُمَّ عَرِّفْهُمْ ما حَمَلَهُ مَصْدَرُ أَسْمائِكَ الحُسْنى لإِحْيآءِ أَنْفُسِهِمْ حُبًّا لِنَفْسِكَ لَعَلَّ إِلى كَوْثَرِ الحَيَوانِ هُمْ يَقْصُدُونَ وَإِلى شَطْرِ اسْمِكَ الرَّحْمنِ يَتَوَجَّهُونَ أَيْ رَبِّ لا تَدَعْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ فَاجْذِبْهُمْ بِجُودِكَ إِلى أُفُقِ سَمآءِ وَحْيِكَ هُمُ الفُقَرآءُ وَإِنَّكَ أَنْتَ الغَنِيُّ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.