مناجاة - لَكَ الحَمْدُ يا إِلهِي وَإِلهَ العالَمِينَ وَمَقْصُودِي وَمَقْصُودَ العارِفِينَ

حضرة بهاء الله
أصلي عربي

مناجاة (١٧٦) – من آثار حضرة بهاءالله – مناجاة، ١٣٨ بديع، رقم ١٧٦، الصفحة ١٧٩

لَكَ الحَمْدُ يا إِلهِي وَإِلهَ العالَمِينَ وَمَقْصُودِي وَمَقْصُودَ العارِفِينَ وَمَحْبُوبِيْ وَمَحْبُوبَ المُوَحِّدِينَ وَمَعْبُودِيْ وَمَعْبُودَ المُقَرَّبِيْنَ وَمُنايَ وَمُنَى المُخْلِصِيْنَ وَرَجائِي وَرَجاءَ الآمِلِينَ وَمَلاذِي وَمَلاذَ القاصِدِيْنَ وَمَلْجَأيْ وَمَلْجَأَ اللآئِذِينَ وَمَقْصَدِيْ وَمَقْصَدَ المُتَوَجِّهِينَ وَمَنْظَرِيْ وَمَنْظَرَ النَّاظِرِيْنَ وَجَنَّتِي وَجَنَّةَ البالِغِينَ وَكَعْبَتِيْ وَكَعْبَةَ المُشْتاقِينَ وَجَذْبِي وَجَذْبَ العاشِقِينَ وَنُورِيْ وَنُورَ الهائِمِينَ التَّائِبِينَ وَوَلَهِيْ وَوَلَهَ الذَّاكرِينَ وَكَهْفِيْ وَكَهْفَ الهارِبِينَ وَحِصْنِيْ وَحِصْنَ الخائِفِينَ وَرَبِّيْ وَرَبَّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرَضِيْنَ، بِما جَعَلْتَنِيْ مُنْجَذِبًا بِآياتِكَ وَمُتَوَجِّهًا إِلى أُفُقٍ مِنْهُ أَشْرَقَتْ أَنْوارُ شَمْسِ وِجْهَتِكَ وَمُقْبِلاً إِذْ كانَ مُعْرِضًا أَكثَرُ خَلْقِكَ، أَنْتَ الَّذِيْ يا إِلهِي فَتَحْتَ بابَ السَّمآءِ بِمِفْتاحِ اسْمِكَ الأَقْدَسِ الأَعَزِّ الأَعْظَمِ الأَبْهى وَدَعَوْتَ الكُلَّ إِلى بَحْرِ اللِّقآءِ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ نِدائُكَ الأَحْلى أَخَذَ جَذْبُ النِّدآءِ مَنْ فِي مَلَكُوتِ الأَسْمآءِ وَالمَلأِ الأَعْلی، وَبِهِ مَرَّ عَرْفُ قَمِيصِ ظُهُورِكَ عَلَى العاشِقِينَ مِنْ خَلْقِكَ وَالمُشْتاقِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، قامُوا وَسَرُعُوا إِلى بَحْرِ وِصالِكَ وَأُفُقِ جَمالِكَ وَخِباءِ ظُهُورِكَ وَمَجْدِكَ وَفُسْطاطِ عِزِّكَ وَلِقائِكَ، وَأَسْكَرَهُمْ رَحِيقُ الوِصالِ عَلَى شَأْنٍ انْقَطَعُوا عَمَّا عِنْدَهُمْ وَما عِنْدَ النَّاسِ، أُولئِكَ عِبادٌ ما مَنَعَتْهُمْ سَطْوَةُ الفَراعِنَةِ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلى سُرادِقِ عَظَمَتِكَ وَما خَوَّفَتْهُمْ جُنُودُ الجَبابِرَةِ عَنِ النَّظَرِ إِلى مَشْرِقِ آياتِكَ وَمَطْلَعِ بَيَّناتِكَ، وَعِزَّتِكَ يا إِلهَ الوُجُودِ وَمُرَبِّيَ الغَيْبِ وَالشُّهُودِ إِنَّ الَّذِيْ شَرِبَ كَوْثَرَ حُبِّكَ مِنْ يَدِ عَطائِكَ لا تَمْنَعُهُ شؤُوناتُ خَلْقِكَ وَلا يَضْطَرِبُ مِنْ إِعْراضِ مَنْ فِي مَمْلَكَتِكَ، يُنادِيْ بِأَعْلى النِّدآءِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمآءِ وَيُبَشِّرُ النَّاسَ بِأَمْواجِ بَحْرِ عَطائِكَ وَإِشْراقاتِ شُمُوسِ سَمآءِ مَواهِبِكَ، إِنَّ السَّعِيدَ مَنْ أَقْبَلَ إِلى كَعْبَةِ لِقائِكَ وَانْقَطَعَ عَنْ سَوائِكَ وَالعَزِيزَ مَنِ اعْتَرَفَ بِعِزِّكَ وَتَوَجَّهَ إِلى شَمْسِ عِنايَتِكَ وَالعَلِيمَ مَنِ اطَّلَعَ بِظُهُورِكَ وَأَقَرَّ بِشُئُوناتِكَ وَآياتِكَ وَبَيِّناتِكَ وَالبَصيرَ مَنْ تَنَوَّرَتْ عَيْناهُ بِنُورِ جَمالِكَ وَعَرَفَكَ إِذِ ارْتَفَعَ نِدائُكَ وَالسَّميعَ مَنْ فازَ بِإِصْغآءِ بَيانِكَ وَتَقَرَّبَ إِلى طَمْطامِ بَحْرِ آياتِكَ، أَيْ رَبِّ هذا غَرِيْبٌ سَرُعَ إِلى وَطَنِهِ الأَعْلى فِي ظِلِّ رَحْمَتِكَ وَمَرِيضٌ تَوَجَّهَ إِلى بَحْرِ شِفائِكَ، فَانْظُرْ يا إِلهِي وَمُضْرِمَ النَّارِ فِي كَبِدِيْ إِلى عَبَراتِ عَيْنَيَّ وَزَفَراتِ قَلْبِي وَاحْتِراقِ كَبِدِيْ وَاشْتِعالِ جَوارِحِي، وَعِزَّتِكَ يا بَهآءَ العالَمِ إِنَّ البَهآءَ يَحْتَرِقُ فِي كُلِّ حِينٍ بِنارِ مَحَبَّتِكَ عَلَى شَأْنٍ لَوْ يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ وَيَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ بِسَمْعِ الفِطْرَةِ ليَسْمَعُ زَفِيرَ النَّارِ مِنْ كُلِّ عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِهِ، قَدْ أَخَذَنِيْ جَذْبُ بَيانِكَ وَسُكْرُ رَحِيقِ أَلْطافِكَ عَلَى شَأْنٍ لا يَنْقَطِعُ نِدائِي وَلا تَرْجِعُ إِلَيَّ يَدُ رَجائِيْ، أَيْ رَبِّ تَرَى عَيْنِيْ ناظِرَةً إِلى شَطْرِ فَضْلِكَ وَسَمْعِي مُتَوَجِّهًا إِلى مَلَكُوتِ بَيانِكَ وَلِسانِيْ ناطِقًا بِثَنائِكَ وَوَجْهِيْ مُتَوَجِّهًا إِلى وَجْهِكَ بَعْدَ فَنآءِ ما خُلِقَ بِكَلِمَتِكَ وَيَديْ مُرتَفِعَةً إِلى سَمآءِ جُودِكَ وَعَطائِكَ، هَلْ تَمْنَعُ الغَرِيبَ الَّذِيْ دَعَوْتَهُ إِلى الوَطَنِ الأَعْلى فِي ظِلِّ جَناحَيْ رَحْمَتِكَ، وَهَلْ تَطْرُدُ المِسْكِينَ الَّذِيْ سَرُعَ إِلى شَاطِئِ بَحْرِ غَنائِكَ، وَهَلْ تُغْلِقُ بابَ فَضْلِكَ عَلَى وُجُوهِ خَلْقِكَ بَعْدَ إِذْ فَتَحْتَهُ بِعِزِّكَ وَسُلْطانِكَ، وَهَلْ تُسَكِّرُ أَبْصارَ بَرِيَّتِكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ إِلى مَشْرِقِ جَمالِكَ وَمَطْلَعِ أَنْوارِ وَجْهِك؟ لا وَعِزَّتِكَ لَيْسَ هذا ظَنِّيْ وَظَنَّ المُقَرَّبِينَ مِنْ عِبادِكَ وَالمُخْلِصِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ تَعْلَمُ وَتَرَى وَتَسْمَعُ بِأَنَّ عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ ارْتَفَعَ نِدائِي وَعِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ ارْتَفَعَ ضَجِيجِيْ وَصَرِيْخِيْ، هَلْ خَلَقْتَنِيْ يا إِلهِي لِلْبَلآءِ أَوْ لإِظْهارِ أَمْرِكَ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشآءِ، تَسْمَعُ وَتَرَى يا إِلهِيْ حَنِيْنِيْ وَأَنِيْنِيْ وَعَجْزِيْ وَفَقْرِيْ وَفاقَتِيْ وَضُرِّيْ وَمَسْكَنَتِي، وَعِزَّتِكَ إِنَّ البُكآءَ مَنَعَنِيْ عَنْ ذِكْرِكَ وَثَنائِكَ وَارْتَفَعَ نَحِيبُهُ عَلَى شَأْنٍ تَحَيَّرَتْ بِهِ الثَّكْلى وَمَنَعَها عَنْ بُكائِها وَزَفَراتِها، أَيْ رَبِّ أَسْئَلُكَ بِالسَّفِينَةِ الَّتِيْ بِها ظَهَرَ سُلْطانُ مَشِيَّتِكَ وَنُفُوذُ إِرادَتِكَ وَتَمُرُّ بِقُدْرَتِكَ عَلَى البَرِّ وَالبَحْرِ بِأَنْ لا تَأْخُذَنِي بِجَرِيراتِي العُظْمى وَخَطِيَئاتِي ‌الْكُبْری، وَعِزَّتِكَ قَدْ شَجَّعَتْنِيْ بُحُورُ غُفْرانِكَ وَرَحْمَتِكَ وَما سَبَقَ مِنْ مُعامَلَتِكَ مَعَ المُخْلِصِينَ مِنْ أَصْفِيائِكَ وَالمُوَحِّدِينَ مِنْ سُفَرائِكَ، أَيْ رَبِّ أَرى أَنَّ ظُهُوراتِ عِنايَتِكَ اجْتَذَبَتْنِيْ وَرَحِيقَ بَيانِكَ أَخَذَنِيْ مِنْ كُلِّ الجِهاتِ بِحَيْثُ لا أَرى مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ وَقَدْ يُعَرِّفُنِيْ وَيُذَكِّرُنِيْ بِآياتِكَ وَظُهُوراتِكَ وَشُئُوناتِكَ، وَعِزَّتِكَ كُلَّما يَتَوَجَّهُ طَرَفُ طَرْفِي إِلى سَمائِكَ يُذَكِّرُنِي بِعُلُوِّكَ وَارْتِفاعِكَ وَسُمُوِّكَ وَاسْتِعْلائِكَ، وَكُلَّما أَلْتَفِتُ إِلى الأَرْضِ إِنَّها تُعَرِّفُنِيْ ظُهُوراتِ قُدْرَتِكَ وَبُرُوزاتِ نِعْمَتِكَ، وَكُلَّما أَنْظُرُ البَحْرَ يُكُلِّمُنِيْ فِي عَظَمَتِكَ وَاقْتِدارِكَ وَسَلْطَنَتِكَ وَكِبْرِيائِكَ، وَلَمَّا أَتَوَجَّهُ إِلى الجِبالِ تُرِينِي أَلْوِيَةَ نَصْرِكَ وَأَعلامَ عِزِّكَ وَعِزَّتِكَ، يا مَنْ فِي قَبْضَتِكَ زِمامُ العالَمِ وَأَزِمَّةُ الأُمَمِ، قَدْ أَخَذَتْنِيْ حَرارَةُ حُبِّكَ وَسُكْرُ رَحِيقِ تَوحِيدِكَ عَلَى شَأْنٍ أَسْمَعُ مِنْ هَزِيزِ الأَرْياحِ ذِكْرَكَ وَثَنائَكَ وَمِنْ خَرِيْرِ المآءِ نَعْتَكَ وَأَوْصافَكَ وَمِنْ حَفِيْفِ الأَشْجارِ أَسْرارَ قَضائِكَ الَّتِيْ أَوُدَعْتَها فِي مَمْلَكَتِكَ، سُبْحانَكَ يا إِلهَ الأَسْمآءِ وفَاطِرَ السَّماءِ لَكَ الحَمْدُ بِما عَرَّفْتَ عِبادَكَ هذا اليَوْمَ الَّذِيْ فيْهِ جَرى كَوْثَرُ الحَيَوانِ مِنْ إِصْبَعِ كَرَمِكَ وَظَهَرَ رَبِيْعُ المُكاشَفَةِ وَاللِّقاءِ بِظُهُورِكَ لِمَنْ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ أَيْ رَبِّ هذا يَومٌ قَدْ جَعَلْتَ نُورَهُ مُقَدَّسًا عَنِ الشَّمْسِ وَإِشْراقِها، أَشْهَدُ أَنَّهُ تَنَوَّرَ مِنْ نُوْرِ وَجْهِكَ وَإِشْراقِ أَنْوارِ صُبْحِ ظُهُورِكَ، وَهذا يَوْمٌ فِيهِ تَرَدَّى كُلُّ مَأْيُوسٍ بِرِدآءِ الرَّجآءِ وَتَزَيَّنَ كُلُّ عَلِيلٍ بِقَمِيصِ الشِّفاءِ وَتَقَرَّبَ كُلُّ فَقِيرٍ إِلى بَحْرِ الغَنآءِ، وَجَمالِكَ يا سُلْطانَ القِدَمِ وَالمُسْتَوِيْ عَلَى العَرْشِ الأَعْظَمِ إِنَّ مَطْلَعَ آياتِكَ وَمَظْهَرَ شُئُوناتِكَ مَعَ بَحْرِ عِلْمِهِ وَسَمآءِ عِرْفانِهِ اعْتَرَفَ بِعَجْزِهِ عَنْ عِرْفانِ أَدْنى آيَةٍ مِنْ آياتِكَ الَّتِي تُنْسَبُ إِلى قَلَمِكَ الأَعْلى فَكَيْفَ ذاتِكَ الأَبْهى وَكَيْنُونَتِكَ العُلْيا، لَمْ أَدْرِ يا إِلهِي بِأَيِّ ذِكْرٍ أَذْكُرُكَ وَبِأَيِّ وَصْفٍ أَصِفُكَ وَبِأَيِّ ثَنآءٍ أُثْنِيْكَ لَوْ أَصِفُكَ بِالأَسْمآءِ أَرى أَنَّ مَلَكُوتَها خُلِقَ بِحَركةِ إِصْبَعِكَ وَتَرتَعِدُ فَرآئِصُهُ مِنْ خَشْيَتِكَ، وَلَوْ أُثْنِيكَ بِالصِّفاتِ أُشاهِدُ أَنَّها خَلْقُكَ وَفِي قَبْضَتِكَ وَلا يَنْبَغِيْ لِمَظاهِرِها أَنْ تَقُومَ تِلْقآءَ بَابِ مَدْيَنِ ظُهُورِكَ وَكَيْفَ المَقامِ الَّذِيْ فِيْهِ اسْتَوَيْتَ عَلَى عَرْشِ عَظَمَتِكَ، وَعِزَّتِكَ يا مالِكَ الأَسْمآءِ وَفَاطِرَ السَّمآءِ، كُلُّ ما تَزَيَّنَ بِقَمِيْصِ الأَلْفاظِ إِنَّهُ خُلِقَ فِي مَمْلَكَتِكَ وَذُوِّتَ بِإِرادَتِكَ وَلا يَنْبَغِيْ لِحَضْرَتِكَ وَلا يَلِيقُ لِجَنابِكَ، فَلَمَّا ثَبَتَ تَقْدِيسُ نَفْسِك العُلْيا عَنْ كُلِّ ما خُلِقَ فِي الإِنشآءِ وَخَطَرَ فِي قُلُوبِ الأَصْفِياءِ وَأَفْئِدَةِ الأَوْلِياءِ يَلُوحُ أُفُقُ التَّوحِيدِ وَيَظْهَرُ لِكُلِّ حُرٍّ وَعَبِيْدٍ أَنَّكَ وَاحِدٌ فِي ذاتِكَ وَوَاحِدٌ فِي أَمْرِكَ وَواحِدٌ فِي ظُهُورِكَ طُوبى لِمَنِ انْقَطَعَ فِي حُبِّكَ عَنْ سَوائِكَ وَسَرُعَ إِلى أُفُقِ ظُهُورِكَ وَفَازَ بِهذِهِ الكَأْسِ الَّتِيْ جَعَلَتِ البُحُورَ كُلَّها دُونَ مَقامِها، أَسْئَلُكَ يا إِلهِي بِقُوَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ وَسُلْطانِكَ الَّذِيْ أَحاطَ مَنْ فِي سَمآئِكَ وَأَرْضِكَ بِأَنْ تُعَرِّفَ العِبادَ هذا السَّبِيلَ المُبِينَ وَهذا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ ليَعْتَرِفُوا بِوَحْدانِيَّتِكَ وَفَرْدانِيَّتِكَ بِيَقِينٍ لا تَعْتَرِيهِ أَوْهامُ المُرِيبِينَ وَلا تَحْجُبُهُ ظُنُونُ الهآئِمِينَ، أَيْ رَبِّ أَنِرْ أَبْصارَ عِبادِكَ وَقُلُوبَهُمْ بِنُورِ عِرْفانِكَ لِيَطَّلِعُوا بِهذا المَقامِ الأَسْنى وَالأُفُقِ الأَبْهى لِئَلا يَمْنَعَهُمُ النُّعاقُ عَنِ النَّظَرِ إِلى إِشْراقِ نُورِ التَّوْحِيدِ وَلا يَصُدَّهُمْ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلى أُفُقِ التَّجْرِيْدِ، أَيْ رَبِّ هذا يَوْمٌ بَشَّرْتَ الكُلَّ فِيهِ بِظُهُورِكَ وَطُلُوعِكَ وَإِشْراقِكَ وَأَخَذْتَ عَهْدَ مَشْرِقِ وَحْيِكَ فِي كُتُبِكَ وَزُبُرِكَ وَصُحُفِكَ وَأَلواحِكَ وَجَعَلْتَ البَيانَ مُبَشِّرًا لِهذا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ الأَبْهى وَهذا الطُّلُوعِ الأَنْوَرِ الأَسْنی، فَلَمَّا أَنارَ أُفُقُ العالَمِ وَأَتى الاسْمُ الأَعْظَمُ كَفَرُوا بِهِ وَبِآياتِهِ إِلاَّ مَنْ أَخَذَتْهُ حَلاوَةُ ذِكْرِكَ وَثَنائِكَ وَوَرَدَ عَلَيْهِ ما لا يُحْصِيهِ إِلاَّ عِلْمُكَ المُهَيْمِنُ عَلَى مَنْ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ يا إِلهِي بِأَنَّ مُنْزِلَ البَيانِ وَصَّى مَنْ فِي الإِمْكانِ بِأَمْرِكَ وَظُهُورِكَ وَسُلْطانِكَ، قَالَ وَقَوْلُهُ الأَحْلى إِيَّاكُمْ أَنْ يَمْنَعَكُمُ البَيانُ وَحُرُوفاتُهُ عَنِ الرَّحْمنِ وَسُلْطانِهِ، وَقالَ إِنَّهُ لَوْ يَأْتِي بِآيَةٍ لا تُنْكِرُوهُ أَسْرِعُوا إِلَيْهِ لَعَلَّ يُنْزِلُ لَكُمْ مِنْ فَضلِهِ ما أَرادَ وَإِنَّهُ لَمالِكُ العِبادِ وَمَلِيكُ الإِيِجادِ إِذًا تَرَى يا مَحْبُوبَ العالَمِ وَالظاهِرُ بِالاسْمِ الأَعْظَمِ إِنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَلَكُوتِ الآياتِ عَلَى شَأْنٍ شَهِدَتِ الذَّرَّاتُ بِأَنَّها مَلَئَتِ الآفاقَ، مَعَ هذا الظُّهُورِ الأَظْهَرِ الأَبْهى وَهذِهِ الآياتِ الَّتِيْ لا يُحْصِيها إِلاَّ عِلْمُكَ يا مالِكَ الأَسْمآءِ تَرَى وَتُشاهِدُ إِعْراضَهُمْ عَنْ مَشْرِقِ ذاتِكَ وَاعْتِراضَهُمْ عَلَى مَنْبَعِ عِلْمِكَ وَآياتِكَ، قَدْ أَخَذَتْهُمُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ عَلَى شَأْنٍ أَنْكَرُوا ظُهُوراتِكَ وَبُرُوزاتِكَ وَآثارَكَ الَّتِي يَرى كُلُّ بَصِيرٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ما يَشْهَدُ بِعَظَمَتِكَ وَسُلْطانِكَ وَيَعْتَرِفُ بِظُهُورِكَ وَاقْتِدارِكَ وَقالُوا فِي حَقِّهِ مَا ناحَ بِهِ سُكَّانُ سُرادِقِ الأَبْهى وَالمَلإِ الأَعْلى وَذابَتْ مِنْ أَقْوالِهِمْ أَكْبادُ أَصْفِيآئِكَ وَقُلُوبُ أَوْليائِكَ وَأَخَذَتْهُمُ الغَفْلَةُ عَلَى شَأْنٍ نَبَذُوا آياتِكَ الكُبْرى وَأَخَذُوا أَوْهامَهُمْ يا مالِكَ الأَسْماءِ وَمَليْكَ العَرْشِ وَالثَّری، وَأَنْتَ الَّذِيْ يا إِلهِي وَمَحْبُوبَ فُؤآدِي زَيَّنْتَ بِذِكْرِ هذَا الْيَوْمِ لَوْحَكَ الَّذِيْ ما اَطَّلَعَ بِهِ إِلاَّ نَفْسُكَ وَسَمَّيْتَهُ بِيَوْمِ اللَّهِ لِئَلا يُرى فِيْهِ إِلاَّ نَفْسُكَ العُلْيا وَلا يُذْكرَ فيْهِ إِلاَّ ذِكْرُكَ الأَحْلی، فَلَمَّا ظَهَرَ أَخَذَتِ الزَّلازِلُ أَرْكانَ القَبآئِلِ وانْصَعَقَ فِيهِ كُلُّ عالِمٍ وَتَحَيَّرَ كُلُّ عارِفٍ إِلاَّ مَنْ تَقَرَّبَ بِحَوْلِكَ وَأَخَذَ رَحِيْقَ وَحْيِكَ مِنْ يَدِ فَضْلِكَ وَشَرِبَ بِاسْمِكَ وَقالَ لَكَ الحَمْدُ يا مَقْصُودَ العالَمِينَ، وَلَكَ الثَّنآءُ يا وَلَهَ أَفْئِدَةِ المُشْتاقِينَ، يا إِلهِي وَسَيِّدِي وَغايَةَ رَجآئِي وَمُنْتَهى أَمَلِي تَرَى وَتَسْمَعُ حَنِينَ المَظْلُومِ مِنَ البِئْرِ الظَّلْمآءِ الَّتِيْ بُنِيَتْ مِنْ أَوْهامِ أَعْدائِكَ وَفِي حُفْرَةٍ عَمْياءِ الَّتِي حُفِرَتْ مِنْ ظُنُونِ طُغاةِ خَلْقِكَ، وَجَمالِكَ يا أَيُّها الظَّاهرُ بِالجَلالِ إِنِّي لا أَجْزَعُ مِنَ البَلايا فِي حُبِّكَ وَلا مِنَ الرَّزايا فِي سَبِيْلِكَ بَلِ اخْتَرْتُها بِحَوْلِكَ وَأَفْتَخِرُ بِها بَيْنَ المُقَرَّبِينَ مِنْ خَلْقِكَ وَالمُخْلِصِينَ مِنْ عِبادِكَ، وَلكِنْ يا مُرَبِّيَ العالَمِ وَمالِكَ الأُمَمِ أَسْئَلُكَ فِي هذا الحِينِ الَّذِيْ أَكُونُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجآءِ أَذْيالَ رِدآءِ كَرَمِكَ وَرَحْمَتِكَ بِأَنْ تَغْفِرَ عِبادَكَ الَّذِينَ طارُوا فِي هَوآءِ قُرْبِكَ وَتَوَجَّهُوا إِلى أَنْوارِ وَجْهِكَ وَأَقْبَلُوا إِلى أُفُقِ رِضآئِكَ وَتَقَرَّبُوا إِلى بَحْرِ رَحْمَتِكَ وَنَطَقُوا فِي أَيَّامِهِمْ بِذِكْرِكَ وَاشْتَعَلُوا بِنارِ حُبِّكَ، قَدِّرِ اللَّهُمَّ يا إِلهِي لَهُمْ قَبْلَ صُعُودِهِمْ وَبَعْدَهُ ما يَنْبَغِي لِعُلُوِّ كَرَمِكَ وَسُمُوِّ عِنايَتِكَ، أَيْ رَبِّ أَسْكِنِ الَّذِيْنَ صَعِدُوا إِلَيْكَ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلى فِي ظِلِّ خِبآءِ مَجْدِكَ وَسُرادِقِ عِزِّكَ، أَيْ رَبِّ رَشِّحْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَحْرِ عَفْوِكَ ما يَجْعَلُهُمْ مُسْتَحِقِّينَ لإِبْقآئِهِمْ بِدَوامِ المُلْكَ فِي مَلَكُوتِكَ الأَعْلى وَجَبَرُوتِكَ الأَسْنى وَإِنَّكَ أَنْتَ فَعَّالٌ لِمَا تَشآءُ، أَيْ رَبِّ لا تَحْرِمْ أَحِبَّائَكَ مِنْ نَفَحاتِ هذا اليَوْمِ الَّذِيْ فِيْهِ ظَهَرَتْ أَسْرارُ اسْمِكَ القَيُّومِ وَما كانَ مَخْزُونًا فِي خَزآئِنِ عِلْمِكَ، أَيْ رَبِّ هذا يَوْمٌ اهْتَزَّ فِيهِ كُلُّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ وَتَقُولُ يا مُنْزِلَ الآياتِ وَسُلْطانَ الكائِناتِ إِنِّي أَجِدُ عَرْفَ وِصالِكَ كَأَنَّكَ أَظْهَرْتَ نَفْسَكَ وَفَتَحْتَ بابَ لِقائِكَ عَلَى مَنْ فِي سَمآئِكَ وَأَرْضِكَ، أَيْ رَبِّ مِنْ عَرْفِ قَمِيصِكَ أَيْقَنْتُ بِأَنَّ العالَمَ تَشَرَّفَ بِقُدُومِكَ وَفازَ بِنَفَحاتِ وَصْلِكَ، وَلكِنْ يا مَحْبُوبَ العالَمِ وَمَقْصُودَ الأُمَمِ لَمْ أَدْرِ بِأَيِّ مَقامٍ اسْتَقَرَّ عَرْشُ عَظَمَتِكَ وَأَيُّ مَقَرٍّ فازَ بِقُدُومِكَ وَتَنَوَّرَ بِأَنْوارِ وَجْهِكَ وَعِزَّتِكَ يا مَوْلَى الوُجُودِ وَمالِكَ الغَيْبِ وَالشُّهُودِ قَدْ تَحَيَّرَ كُلُّ ذِيْ عِلْمٍ فِي عِرْفانِكَ وَكُلُّ ذِيْ حِكْمَةٍ فِي إِدْراكَ آياتِ عَظَمَتِكَ عَلَى شَأْنٍ اعْتَرَفَ الكُلُّ بِالقُصُورِ عَنِ العِرْفانِ وَبِالعَجْزِ عَنِ الصُّعُودِ إِلى سَمآءٍ فيها تَجَلَّتْ شَمْسٌ مِنْ شُمُوسِ مَظاهِرِ عِلْمِكَ وَمَشارِقِ حِكْمَتِكَ ما لأَحَدٍ وَذِكْرُ هذا المَقامِ الأَعْلى وَالمَقَرِّ الأَسْنى المَقامِ الَّذِيْ جَعَلْتَهُ فَوْقَ عِرْفانِ خَلْقِكَ وَشَهاداتِ عِبادِكَ، لَمْ يَزَلْ كانَ مَسْتُورًا عَنِ الإِدْراكَ وَالعُلُومِ وَمَخْتومًا بِخِتامِ اسْمِكَ القَّيُّومِ، وَعِزَّتِكَ وَسَلْطَنَتِكَ المُهَيْمِنَةِ عَلَى المُلْكِ وَالمَلَكُوتِ لَوْ أَحَدٌ مِن أَصْفِيائِكَ وَسُفَرآئِكَ يَتَفَكَّرُ فِي شُئُوناتِ قَلَمِكَ الأَعْلى الَّذِيْ تُحَرِّكُهُ إِصْبَعُ إِرادَتِكَ وَيَتَفَكَّرُ فِي أَسْرارِهِ وَآثارِهِ وما يَظْهَرُ مِنْهُ لَيَتَحَيَّرُ عَلَى شَأْنٍ يَرَى اللِّسانَ عاجِزًا عَنِ الذِّكْرِ وَالبَيانِ وَالقَلْبَ قاصِرًا عَنِ العِرْفانِ، لأنَّهُ يَرى مَرَّةً يَجْرِيْ مِنْهُ مآءُ الحَيَوانِ فِي الإِمْكانِ وَسُمِّيَ مِنْ عِنْدِكَ بِالصُّورِ وَيَقُومُ بِهِ مَنْ فِي القُبُورِ وَطَوْرًا تَظْهَرُ مِنْهُ النَّارُ كأَنَّها أُوْقِدَتْ مِنْ نارِ الظُّهُورِ وَتَكَلَّمَ الكَلِيْمُ فِي الطُّورِ، فَما أَعْجَبَ شُئُوناتِ قُوَّتِكَ وَما أَعْظَمَ ظُهُوراتِ قُدْرَتِكَ، كُلُّ عَلِيمٍ اعْتَرَفَ بِالجَهْلِ عِنْدَ إِشْراقاتِ أَنْوارِ شَمْسِ عِلْمِكَ، وَكُلُّ قَوِيٍّ اعْتَرَفَ بِالعَجْزِ عِنْدَ أَمْواجِ بَحْرِ قُوَّتِكَ، وَكُلُّ غَنِيٍّ اعْتَرَفَ بِالفَقْرِ لَدى ظُهُوراتِ خَزآئِنِ غَنآئِكَ، وَكُلُّ عارفٍ أَقَرَّ بِالفَنآءِ لَدى تَجَلِّياتِ أَنْوارِ جَمالِكَ، وَكُلُّ عَزيزٍ أَقَرَّ بِالذُّلِّ عِنْدَ إِشْراقِ شَمْسِ عِزِّكَ، وَكُلُّ ذِي عَظَمَةٍ اعْتَرَفَ بِفَنآئِهِ وَفَنآءِ غَيْرِهِ وَبَقآءِ عَظَمَتِكَ وَسُلْطانِكَ وَعُلُوِّكَ وَاقْتِدارِكَ، يا إِلهِي وَإِلهَ كُلِّ شَيْءٍ وَسُلْطانِي وَسُلْطانَ كُلِّ شَيْءٍ وَمَحْبُوبِي وَمَقْصُودِي تَعْلَمُ أَنِّيْ أَذْكُرُكَ اليَوْمَ مِنْ قِبَلِ المُنْقَطِعِينَ مِنْ خَلْقِكَ وَأَصِفُكَ بِلِسانِ المُوَحِّدِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ لَعَلَّ يَسْطَعُ مِنْ زَفَراتِ قُلُوبِهِمْ فِي حُبِّكَ وَهَواكَ ما يَحْتَرِقُ بِهِ كُلُّ ما يَمْنَعُ عِبادَكَ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلى جَبَرُوتِ عِرْفانِكَ وَمَلَكُوتِ آياتِكَ، فَيا إِلهِي وَإِلهَ الأَسْمآءِ وَفاطِرَ الأَرْضِ وَالسَّمآءِ هذا يَوْمٌ فِيهِ يُناجِيكَ مَنِ اشْتَعَلَ صَدْرُهُ مِنْ نارِ وَصْلِكَ، فَأَيْنَ الفَصْلُ يا إِلهِي لِيُعْرَفَ بِهِ الوَصْلُ عِنْدَ ظُهُورِ نُورِ فَرْدانِيَّتِكَ وَبُرُوزِ إِشْراقِ شَمْسِ وَحْدانِيَّتِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ يا إِلهِي عَنْ كُلِّ ذلِكَ وَعَنْ كُلِّ ما جَرى وَيَجْرِيْ عَلَيْهِ قَلَمِي فِي أَيَّامِكَ، أَشْهَدُ بِأَنَّكَ ما جَعَلْتَ المُنَاجاةَ شَأْنِي بَلْ شَأْنَ مَنْ سَبَقَنِي بِأَمْرِكَ وَإِرادَتِكَ وَجَعَلْتَ الآياتِ مَخْصُوصَةً بِهذا الظُّهُورِ العَظِيمِ وَالنَّبَأِ الَّذِيْ تَزَيَّنَتْ بِهِ صَحآئِفُ مَجْدِكَ وَلَوْحُكَ الحَفِيظُ، يا مُضْرِمَ النَّارِ فِي صَدْرِ البَهآءِ وَمُظْهِرَ النُّورِ فِي قَلْبِ البَهآءِ أَشْكُرُكَ بِما عَلَّمْتَ عِبادَكَ ذِكْرَكَ وَسُبُلَ مُناجاتِكَ مِنْ لِسانِكَ الأَقْدَسِ الأَعْلَى وَبَيانِكَ الأَعَزِّ الأَسْنی، لَوْلا إِذْنُكَ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَصِفَكَ بِالعِزِّ وَالكِبريآءِ وَلَوْلا تَعْلِيمُكَ مَنْ يَعْرِفُ سُبُلَ الرِّضاءِ فِي مَلَكُوتِ الإِنشآءِ، أَسْئَلُكَ يا مالِكَ الجُودِ وَسُلْطانَ الوُجُودِ بِأَنْ تَحْفَظَ عِبادَكَ مِنْ خَطَراتِ قُلوبِهِمْ، ثُمَّ أَصْعِدْهُمْ إِلى مَقامٍ لا تَزِلُّ أَقْدامُهُمْ مِنْ ظُهُوراتِ فِعْلِكَ الَّتِيْ اقْتَضَتْها شُئُوناتُ حِكْمَتِكَ وَسَتَرْتَ أَسْرارَها عَنْ وَجْهِ بَرِيَّتِكَ وَخَلْقِكَ، أَيْ رَبِّ لا تَمْنَعْهُمْ عَنْ بَحْرِ عِلْمِكَ وَلا تَحْرِمْهُمْ عَمّا قَدَّرْتَهُ لِلْمُقَرَّبِينَ مِنْ أَصْفِيائِكَ وَالمُخْلِصِينَ مِنْ أُمَنآئِكَ، ثُمَّ ارْزُقْهُمْ مِنْ بَحْرِ الاطْمِئْنانِ ما يَسْكُنُ بِهِ اضْطِرابُهُمْ، وَبَدِّلِ اللَّهُمَّ يا إِلهِي ظُلْمَةَ أَوْهامِهِمْ، بِنُورِ اليَقِينِ ثُمَّ اجْعَلْهُمْ قَائِمِينَ مُسْتَقِيمِينَ عَلَى صِراطِكَ المُسْتَقِيمِ لِئَلاّ يَمْنَعَهُمُ الكِتابُ عَنْ مُنْزِلِهِ وَالأَسْمآءُ عَنْ خالِقِها وَرازِقِها ومَبْدَئِها وَسُلطانِها وَمُظْهِرِها وَمُهْلِكها وَمُعِزِّها وَمُذِلِّها وَالمُقْتَدِرِ عَليها وَالمُهَيْمِنِ عَلَى مُسَمَّياتِها، إِنَّكَ يا إِلهِي وَرَبِّي أَنْزَلْتَ الكِتابَ لإِظْهارِ أَمْرِيْ وَإِعْلآءِ كَلِمَتِي وَبِهِ أَخَذْتَ عَهْدَ نَفْسِيْ عَنْ كُلِّ ما خُلِقَ فِي مَمْلَكَتِكَ، وَتَرَى يا مَحْبُوبَ العالَمِ أَنَّ طُغاةَ خَلْقِكَ جَعَلُوهُ حِصْنًا لَهُمْ وَبِهِ أَعْرَضُوا عَنْ جَمالِكَ وَكَفَروا بِآياتِكَ، وَأَنْتَ الَّذِيْ يا إِلهِي وَصَّيْتَهُمْ فِي كِتابِكَ العَظِيمِ وَقُلْتَ يا مَلأَ البَيانِ اتَّقُوا الرَّحْمنَ وَلا تَكْفُرُوا بِالَّذِيْ جَعَلْتُ البَيانَ وَرَقَةً مِنْ أَوْراقِ جَنَّتِهِ، وَإِنَّهُ كانَ هَدِيَّةً مِنْ عِنْدِيْ إِلَيْهِ إِنْ فازَ بِالقَبُولِ إِنَّهُ لَهُو الفَضَّالُ وَإِنْ طُرِدَ وَما فازَ إِنَّهُ لَهُو الحاكِمُ بِالحَقِّ وَالمَحْمُودُ فِي أَفْعالِهِ وَالمُطَاعُ فِي أَوامِرِهِ لَيْسَ لأحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، فَيا إِلهِي تَرَى المَظْلُومَ بَيْنَ أَيْدِي الَّذِينَ أَنْكَروا حَقَّكَ وَأَعْرَضُوا عَنْ سُلْطانِكَ، إِنَّ الَّذِيْ تَطُوفُ الحُجَّةُ حَوْلَهُ وَالبُرْهانُ يُنادِيْ بِأَعْلى النِّدآءِ بَيْنَ الإِمْكانِ بِاسْمِهِ وَسُلْطانِهِ قَدْ فَعَلُوا فِي أَيَّامِهِ ما لا يَقْدِرُ القَلَمُ أَنْ يَقُومَ بِوَصْفِهِ وَارْتَكبُوا ما ناحَ بِهِ الرُّوحُ وَصاحَ مَنْ فِي المَلَكُوتِ وَأَهْلُ سُرادِقِ الجَبَرُوتِ، لَوْ يَتَوَجَّهُ أَحَدٌ بِسَمْعِ الفِطْرَةِ لَيَسْمَعُ حَنِينَ الأَشْيآءِ وَأَنِينَها بِما وَرَدَ عَلَى مَظْلُومِ الآفاقِ مِنَ الَّذِينَ أَخَذْتَ مِنْهُمُ المِيثاقَ فِي يَوْمِ الطَّلاقِ، هَلْ مِنْ مُنْصِفٍ يا إِلهِي يُنْصِفُ فِي أَمْرِكَ وَهَلْ مِنْ ذِي بَصَرٍ يَنْظُرُ بِعَيْنِكَ؟ وَهَلْ مِنْ ذِي سَمْعٍ يَسْمَعُ بِأُذُنِكَ وَهَلْ مِنْ ذِيْ لِسانٍ يَنْطِقُ بِالحَقِّ فِي أَيَّامِكَ؟ وَعِزَّتِكَ يا أَيُّهَا النَّاظِرُ مِنْ أُفُقِكَ الأَبْهى وَالسَّامِعُ ما تَنْطِقُ بِهِ سِدْرَةُ المُنْتَهى لَوْ أَحَدٌ يَنْظُرُ إلى كُتُبِكَ الَّتِي سَمَّيْتَها بِالبَيانِ وَيَتَفَكَّرُ فِيما نُزِّلَ فِيها لَيَجِدُ كُلَّ كِتابٍ مِنْها مُبَشِّرًا بِظُهُوريْ وَناطِقًا بِاسْمي وَشاهِدًا لِنَفْسِي وَمُنَادِيًا بِأَمْرِيْ وَذِكْرِيْ وَطُلوعي وَإِشْراقي، وَمَعَ إِعْلانِكَ يا إِلهِي وَبَيانِكَ يا مَحْبُوبِي سَمِعْتَ وَرَأَيْتَ ما قالُوا فِي حَقِّيْ وَارْتَكبُوا فِي أَيَّامِيْ، أَيْ رَبِّ أَشْهَدُ فِي مَوْقِفِي هذا رَغْمًا لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، وَهذا يَوْمُكَ الَّذِي تَزَيَّنَ بِذِكْرِهِ صَحَائِفُكَ وَكُتُبُكَ وَأَلْواحُكَ وَالَّذِيْ يَنْطِقُ إِنَّهُ لَهُو الكَنْزُ المَخْزُونُ وَالغَيْبُ المَكْنُونُ وَاللَّوْحُ المَحْفوظُ وَالسِّرُّ المَسْتُورُ وَالكِتابُ المَمْهُورُ، وَإِنَّهُ لَهُو المُطاعُ فِي كُلِّ ما حَكَمَ وَأَمَرَ وَأَظْهَرَ وَالمَحْبُوبُ فِيما يَأْمُرُ بِسُلْطانِهِ وَيَحْكُمُ بِقُدْرَتِهِ، مَنْ يَتَوَقَّفُ أَقَلَّ مِنْ آنٍ إِنَّهُ أَنْكَرَ حَقَّكَ وَكُلَّ ما أَنْزَلْتَهُ فِي كُتُبِكَ وَصُحُفِكَ وَأَرْسَلْتَها مَعَ أَصْفِيآئِكَ وَأَنْبِيآئِكَ وَسُفَرآئِكَ وَأُمَنآئِكَ، أَسْئَلُكَ يا مَنْ بِيَدِكَ مَلَكُوتُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَفِي قَبْضَتِكَ مَنْ فِي جَبَرُوتِ الأَمْرِ وَالخَلْقِ بِأَنْ لا تَمْنَعَ لِحاظَ أَلْطافِكَ عَنِ الَّذِينَ حَمَلُوا الشَّدآئِدَ فِي سَبِيلِكَ وَذاقُوا كَأْسَ البَلايا فِي حُبِّكَ وَدَخَلُوا السِّجْنَ بِاسْمِكَ وَوَرَدَ عَلَيْهِمْ ما لا وَرَدَ عَلَى خَلْقِكَ وَبَرِيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ إِنَّهُمْ عِبادُكَ الَّذِينَ أَجابُوا إِذِ ارْتَفَعَ نِدآئُكَ وَتَوَجَّهُوا إِذْ أَشْرَقَتْ أَنْوارُ وَجْهِكَ وَأَقْبَلُوا إِذْ لاحَ أُفُقُكَ الأَعْلى بَاسْمِكَ الَّذِيْ بِهِ انْصَعَقَ مَنْ فِي أَرْضِكَ وَسَمائِكَ، أَيْ رَبِّ قَدِّرْ لَهُمْ ما قَدَّرْتَهُ لأَصْفِيائِكَ الَّذِينَ اسْتَقْبَلُوا سِهَامَ المُشْرِكينَ فِي أَمْرِكَ وَحُبِّكَ وَسَرُعُوا إِلى مَشْرِقِ البَلآءِ بِاسْمِكَ وَذِكْرِكَ، أَنْتَ الَّذِيْ يا إِلهِي وَعَدْتَ فِي مُحْكَمِ آياتِكَ بِأَنْ تَذْكُرَهُمْ فِي كِتابِكَ جَزآءَ أَعْمالِهِمْ فِي أَيَّامِكَ، صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَيْهِمْ وَكَبِّرِ اللَّهُمَّ عَلَى وُجُوهِهِمْ بِتَكْبِيرٍ أَشْرَقَتْ شَمْسُهُ مِنْ أُفُقِ فَمِ مَشِيَّتِكَ وَظَهَرَتْ أَنْوارُهُ مِنْ مَلَكُوتِ بَيانِكَ، أَيْ رَبِّ أَغْمِسْهُمْ فِي بَحْرِ رَحْمَتِكَ وَنَوِّرْهُمْ بِأَنْوارِ فَجْرِ ظُهُورِكَ، ثُمَّ اغْفِرْ يا إِلهِي آبائَهُمْ وَأُمَّهاتِهِمْ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَأَلطافِكَ، ثُمَّ أَرْسِلْ عَلَيْهِمْ عَنْ يَمِينِ جَنَّتِكَ العُلْيا نَفَحَاتِ قَمِيْصِ جَمالِكَ الأَبْهی، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشآءُ وَإِنَّكَ أَنْتَ الحاكِمُ الآمِرُ المُعْطِ الغَفُورُ الكَرِيمُ، وَالحَمْدُ لَكَ يا مَحْبُوبَ العالَمِ وَيا أَيُّها المَذْكُورُ فِي قُلوبِ العارِفِينَ.

المصادر
المحتوى
OV