هَذا دُعاءٌ قَدْ نُزِّلَ حِيْنَ الإفْطارِ مِنْ لَدى الله العَزيْزِ المُخْتارِ:
سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهي أَسْئَلُكَ بالَّذيْنَ جَعَلْتَ صِيامَهُمْ في حُبِّكَ وَرِضائِكَ وإظْهارِ أَمْرِكَ وَاتِّباعِ آياتِكَ وَأَحْكامِكَ وإِفْطارَهُمْ قُرْبَكَ وَلِقائَكَ، فَوَعِزَّتِكَ إِنَّهُمْ في أَيَّامِهِمْ كُلِّها صائِمُوْنَ وَإِلَى شَطْرِ رِضائِكَ مُتَوَجِّهُوْنَ وَلَوْ يَخْرُجُ مِنْ فَمِ إِرَادَتِكَ مُخاطِبًا إِيَّاهُمْ: يا قَوْمِ صُوْمُوا حُبًّا لِجَمالِي، وَلا تُعَلِّقُهُ بِالمْيقاتِ وَالحُدُوْدِ، فَوَعِزَّتِكَ هُمْ يَصُوْمُوْنَ وَلا يَأْكُلُوْنَ إِلَى أَنْ يَمُوْتُوْا لأَنَّهُمْ ذاقُوا حَلاوَةَ نِدائِكَ وَذِكْرِكَ وَثَنائِكَ وَالْكَلِمَةِ الَّتي خَرَجَتْ مِنْ شَفَتَيْ مَشيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ أَسْئَلُكَ بِنَفْسِكَ العَليِّ الأَعْلى ثُمَّ بِظُهُوْرِكَ كَرَّةً أُخْرَى الَّذي بِهِ انْقَلَبَ مَلَكُوْتُ الأَسْمآءِ وَجَبَرُوْتُ الصِّفاتِ وَأَخَذَ السُّكْرُ سُكَّانَ الأَرَضِيْنَ وَالسَّمواتِ وَالزَّلزالُ مَنْ في مَلَكُوْتِ الأَمْرِ وَالخَلْقِ إِلاّ مَنْ صامَ عَنْ كُلِّ ما يَكْرَهُهُ رِضاكَ وَأَمْسَكَ نَفْسَهُ عَنِ التَّوَجُهِ إِلَى ما سِواكَ بِأَنْ تَجْعَلَنا مِنْهُمْ وَتَكْتُبَ أَسْمائَنا فِي اللَّوْحِ الَّذي كَتَبْتَ أَسْمائَهُمْ، وَإِنَّكَ يا إِلهي بِبَدائِعِ قُدْرَتِكَ وَسَلْطَنَتِكَ وَعَظَمَتِكَ أَخْرَجْتَ أَسْمَائَهُمْ مِنْ بَحْرِ اسْمِكَ وَخَلَقْتَ ذَواتَهُمْ مِنْ جَوْهَرِ حُبِّكَ وَكَيْنُوناتِهِمْ مِنْ ساذَجِ أَمْرِكَ وما تُعَاقِبُ وَصْلَهُمْ بِظُهُوْراتِ الفَصْلِ وَالانْفِصالِ، وَما قُدِّرَ لِقُرْبِهِمْ بُعْدٌ ولا لِبَقائِهِمْ زَوالٌ، إِنَّهُمْ عِبادٌ لَمْ يَزَلْ يَحْكُوْنَ عَنْكَ وَلا تَزالُ يَطُوْفُوْنَ في حَوْلِكَ وَيُهَرْوِلُوْنَ حَوْلَ حَرَمِ لِقائِكَ وَكَعْبَةِ وَصْلِكَ، وما جَعَلْتَ الفَرْقَ يا إِلهيْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ إِلاَّ بِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا أَنْوارَ وَجْهِكَ تَوَجَّهُوا إِليْكَ وَسَجَدُوا لِجَمالِكَ خاشِعينَ لِعَظَمَتِكَ وَمُنْقَطِعينَ عَمَّا سِواكَ. أَيْ رَبِّ هذا يَوْمٌ فيْهِ صُمْنا بِأَمْرِكَ وَإِرادَتِكَ بِما نَزَّلْتَهُ في مُحْكَمِ كِتابِكَ وَأَمْسَكْنا النَّفْسَ عَنِ الهَوى وَعمَّا يَكْرَهُهُ رِضاكَ إِلَى أَنِ انْتَهى اليَوْمُ وَبَلَغَ حيْنُ الإِفْطارِ، إِذًا أَسْئَلُكَ يا مَحْبُوْبَ قُلُوْبِ العاشِقيْنَ وَيا حَبيْبَ أَفْئِدَةِ العارِفيْنَ وَيا وَلَهَ صُدُوْرِ المُشْتاقيْنَ وَيا مَقْصُوْدَ الْقاصِدِيْنَ بِأَنْ تُطَيِّرَنا في هَوآءِ قُرْبِكَ وَلِقائِكَ وَتَقْبَلَ عَنَّا ما عَمِلْناهُ فِي حُبِّكَ وَرِضائِكَ، ثُمَّ اكْتُبْنا مِنَ الَّذيْنَهُمْ أَقَرُّوْا بِوَحْدانِيَّتِكَ وَاعْتَرَفُوْا بِفَرْدانِيَّتِكَ وَخَضَعُوْا لِعَظَمَتِكَ وَكِبْريائِكَ وَعاذُوْا بِحَضْرَتِكَ وَلاذُوْا بِجِنابِكَ وَأَنْفَقُوا أَرْواحَهُمْ شَوْقًا لِلِقائِكَ وَالحُضُوْرِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَنَبَذُوْا الدُّنْيا عَنْ وَرائِهِمْ لِحُبِّكَ وَقَطَعُوا النِّسْبَةَ مِنْ كُلِّ ذي نِسْبَةٍ مُتَوَجِّهينَ إِلَيْكَ، أُوْلئِكَ العِبادُ الَّذيْنَ إِذَا يُذْكَرُ لَهُمْ اسْمُكَ يَذُوْبُ قُلُوْبُهُمْ شَغَفًا لِجَمالِكَ وَتَفيْضُ عُيُوْنُهُمْ طَلَبًا لِقُرْبِكَ وَلِقَائِكَ، أَيْ رَبِّ هذه لِساني تَشْهَدُ بِوَحْدانيَّتِكَ وَفَرْدانِيَّتِكَ وَهَذِهِ عَيْني نَاظِرَةٌ إِلَى شَطْرِ مَواهِبِكَ وَأَلْطافِكَ وَهذِهِ أُذُنِي مُتَرَصِّدَةٌ لإِصْغاءِ نِدائِكَ وَكَلِمَتِكَ، لأَنِّي أَيْقَنْتُ يا إِلهي بِأَنَّ الكَلِمَةَ الَّتي خَرَجَتْ مِنْ فَمِ مَشيَّتِكَ ما قَدَّرْتَ لَها مِنْ نَفادٍ وَتَسْمَعُها في كُلِّ الأَحْيانِ الآذانُ التَّي قَدَّسْتَها لاسْتِماعِ كَلِماتِكَ وَإِصْغآءِ آياتِكَ، وَإِنَّ هذِهِ يا إِلهي يَدي قَدِ رَفَعْتُها إِلَى سَمآءِ مَكْرُمَتِكَ وَأَلْطافِكَ، أَتَطْرُدُ يا إِلهي هذَا الفَقيْرَ الَّذي ما اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ مَحْبُوبًا سِويكَ وَلا مُعْطِيًا دُوْنَكَ وَلا سُلْطانًا غَيْرَكَ وَلا ظِلاًّ إِلاّ في جِوارِ رَحْمَتِكَ وَلا مَأْمَنًا إِلاّ لَدى بابِكَ الَّذي فَتَحْتَهُ على وَجْهِ مَنْ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ، لا فَوَعِزَّتِكَ أَنا الَّذي أَكُوْنُ مُطْمَئِنًّا بِفَضْلِكَ، وَلَوْ تُعَذِّبُني بِدَوامِ مُلْكِكَ وَيَسْئَلُني أَحَدٌ مِنْكَ لَيَنْطِقُ أَرْكانيْ كُلُّها بِأَنَّهُ لَهُوَ المَحْبُوْبُ في فِعْلِهِ والمُطاعُ في حُكْمِهِ وَالرَّحْمنُ في سَجيَّتِه وَالرَّحيْمُ عَلى خَلْقِهِ، فَوَعِزَّتِكَ يا مَحْبُوْبَ قُلُوْبِ المُشْتاقيْنَ لَوْ تَطْرُدُني عَنْ بابِكَ وَتَدَعُنيْ تَحْتَ أَسْيافِ طُغاةِ خَلْقِكَ وَعُصاةِ بَريَّتِكَ وَيَسْئَلُني أَحَدٌ مِنْكَ يُناديْ كُلُّ شَعْرٍ كانَ في أَعْضائي بِأَنَّهُ هُوَ مَحْبُوْبُ العالَميْنَ وَإِنَّهُ لَهُوَ الفَضَّالُ القَديْمُ وَإِنَّهُ قَرَّبَني وَلَوْ أَبْعَدَني وَأَجارَني وَلَوْ أَطْرَدَني وَلَمْ أَجِدْ لِنَفْسي رَاحِمًا أَرْحَمُ مِنْهُ، بِهِ اسْتَغْنَيْتُ عَنْ دُوْنِهِ وَاسْتَعْلَيْتُ عَلَى ما سِواهُ، فَطُوْبى يا إِلهي لِمَنِ اسْتَغْنَى بِكَ عَنْ مَلَكُوْتِ مُلْكِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، وَالغَنِّيُ مَنْ تَمَسَّكَ بِحَبْلِ غَنائِكَ وَخَضَعَ لِحَضْرَتِكَ وَاكْتَفى بِكَ عَمَّنْ سِويكَ، وَالفَقيْرُ مَنِ اسْتَغْنى عَنْكَ وَاسْتَكْبَرَ عَلَيْكَ وَأَعْرَضَ عَنْ حَضْرَتِكَ وَكَفَرَ بِآياتِكَ، فَيا إِلهي وَمَحْبُوْبيْ فَاجْعَلْني مِنْ الَّذيْنَ تُحَرِّكُهُمْ أَرْياحُ مَشيَّتِكَ كَيْفَ تَشَآءُ وَلا تَجْعَلْنِي مِنَ الَّذِينَ تُحَرِّكُهُمُ أَرْيَاحُ النَّفْسُ وَالْهَوَى وَتَذْهَبُ بِهِمْ كَيْفَ تَشَآءُ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَزيْزُ الكَريْمُ. فَلَكَ الحَمْدُ يا إِلهي عَلى ما وَفَّقْتَني بِالصِّيامِ في هذا الشَّهْرِ الَّذي نَسَبْتَهُ إِلَى اسْمِكَ الأَعْلى وَسَمَّيْتَهُ بِالْعَلاءِ وَأَمَرْتَ بِأَنْ يَصُوْمُوا فِيْهِ عِبادُكَ وَبَريَّتُكَ وَيَسْتَقْرِبُنَّ بِهِ إِلَيْكَ وَبِهِ انْتَهَتِ الأَيَّامُ وَالشُّهُوْرُ كَمَا ابْتَدَيْتَ أَوَّلُها بِاسْمِكَ الأبهى لِيَشْهَدُنَّ كُلٌّ بِأَنَّكَ أَنْتَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالباطِنُ وَيُوْقِنُنَّ بِأَنَّ ما حُقِّقَ إِعْزازُ الأَسْمآءِ إِلاّ بِعِزِّ أَمْرِكَ وَالكَلِمَةِ الَّتي فُصِّلَتْ بِمَشيَّتِكَ وَظَهَرَتْ بِإِرادَتِكَ، وَجَعَلْتَ يا إِلهي هَذا الشَّهْرَ بَيْنَهُمْ ذِكْرًا مِنْ عِنْدِكَ وَشَرَفًا مِنْ لَدُنْكَ وَعلامَةً مِنْ حَضْرَتِكَ لِئَلاَّ يَنْسَوْنَ عَظَمَتَكَ وَاقْتِدارَكَ وَسَلْطَنَتَكَ وَإِعْزازَكَ وَيُوْقِنُنَّ بِأَنَّكَ أَنْتَ الَّذي كُنْتَ حاكِمًا في أَزَلِ الآزالِ وَتَكُوْنُ حاكِمًا كَما كُنْتَ، لا يَمْنَعُكَ عَنْ حُكُوْمَتِكَ شَيْءٌ عَمَّا خُلِقَ في السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَلا عَنْ إِرادَتِكَ مَنْ في مَلَكُوْتِ الأَمْرِ وَالخَلْقِ. فَيا إِلهي أَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذي بِهِ ناحَتْ قَبائِلُ الأَرْضِ كُلُّها إِلاّ مَنْ عَصَمْتَهُ بِعِصْمَتِكَ الكُبْرى وَحَفِظْتَهُ في ظِلِّ رَحْمَتِكَ العُظْمى بِأَنْ تَجْعَلَنا مُسْتَقيْمًا عَلى أَمْرِكَ وَثابِتًا عَلى حُبِّكَ عَلى شَأْنٍ لَوْ يَعْتَرِضُ عَلَيْكَ عِبادُكَ وَيُعْرِضُ عَنْكَ بَريَّتُكَ بِحَيْثُ لا يَبْقى عَلى الأَرْضِ مَنْ يَدْعُوْكَ وَيُقْبِلُ إِلَيْكَ وَيَتَوَجَّهُ إِلَى حَرَمِ أُنْسِكَ وَكَعْبَةِ قُدْسِكَ لأَقُوْمُ بِنَفْسي وَحْدَهُ عَلى نُصْرَةِ أَمْرِكَ وَإِعْلاءِ كَلِمَتِكَ وَإِظْهارِ سَلْطَنَتِكَ وَثَناءِ نَفْسِكَ، وَلَوْ أَنِّيْ يا إِلهي كُلَّما أُريْدُ أَنْ أُسَمِّيْكَ بِاسْمٍ أَتَحَيَّرُ فيْ نَفْسي لأَنِّي أُشاهِدُ بِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مِنْ صِفاتِكَ العُلْيا وَكُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمائِكَ الحُسْنى أَنْسِبُها إِلَى نَفْسِكَ وَأَدْعُوْكَ بِها تِلْقآءِ وَجْهِكَ هذا لَمْ يَكُنْ إِلاّ عَلى قَدْرِ عِرْفاني لأَنِّي لَمَّا عَرَفْتُها مَمْدُوْحَةً نَسَبْتُها إِلَيْكَ وَإِلاّ تَعَالى تَعَالى شَأْنُكَ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ بِدُوْنِكَ أَوْ تُعْرَفَ بِسِويكَ أَوْ يَرْتَقيْ إِلَيْكَ وَصْفُ خَلْقِكَ وَثَناءُ عِبادِكَ، وَكُلُّ ما يَظْهَرُ مِنَ العِبادِ إِنَّهُ مَحْدُوْدٌ بِحُدُوْدَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَمَخْلُوْقٌ مِنْ تَوَهُّماتِهِمْ وَظُنُوْنِهِمْ، فَآهٍ آهٍ يا مَحْبُوبي مِنْ عَجْزيْ عَنْ ذِكْرِكَ وَتَقْصيريْ في أَيَّامِكَ، لَوْ أَقُوْلُ يا إِلهي إِنَّكَ أَنْتَ عَليْمٌ أُشاهِدُ لَوْ تُشيْرُ بِإِصْبَعٍ مِنْ أَصابِعِ مَشيَّتِكِ إِلَى صَخْرَةٍ صَمَّآءَ لَيَظْهَرُ مِنْها عِلْمُ ما كانَ وما يَكُوْنُ، وَلَوْ أَقُوْلُ إِنَّكَ أَنْتَ قَديْرٌ أُشاهِدُ لَوْ يَخْرُجُ مِنْ فَمِ إِرادَتِكَ كَلِمَةٌ لَتَنْقَلِبُ مِنْها السَّمواتُ وَالأَرْضُ، فَوَعِزَّتِكَ يا مَحْبُوْبَ العارِفيْنَ كُلُّ عَليْمٍ لَوْ لا يُقِرُّ عِنْدَ عِلْمِكَ بِالجَهْلِ إِنَّهُ أَجْهَلُ العِبادِ وَكلُّ مُقْتَدِرٍ لا يُقِرُّ بِعَجْزِهِ لَدى ظُهُوْراتِ قُدْرَتِكَ إِنَّهُ لأَعْجَزُ بَريَّتِكَ وَأَغْفَلُ خَلْقِكَ، مَعَ عِلْمي بِذلِكَ وَإِيْقاني بِهذا كَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَذْكُرَكَ بِذِكْرٍ أَو أَصِفَكَ بِوَصْفٍ أَو أُثْنيَكَ بِثَنآءٍ، إِذًا مَعَ هَذا العَجْزِ قَدْ سَرُعْتُ إِلَى ظِلِّ قُدْرَتِكَ وَبِهذا الفَقْرِ قَدِ اسْتَظْلَلْتُ في ظِلِّ غَنائِكَ وَبِهذَا الضَّعْفِ قَدْ قُمْتُ لَدى سُرادِقِ قُوَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ، أَتَطْرُدُ هذا الفَقيْرَ بَعْدَ الَّذي ما اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ مُعيْنًا سِواكَ. أَتُبْعِدُ هذا الغَريْبَ بَعْدَ الَّذي لَمْ يَجِدْ لِنَفْسِه مَحْبُوْبًا دُوْنَكَ، أَيْ رَبِّ أَنْتَ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَأَنا لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ، فَارْحَمْني بِرَحْمَتِكَ ثُمَّ أَلْهِمْني ما يَسْكُنُ بِهِ قَلْبي في أَيَّامِكَ وَيَسْتَريْحُ بِهِ نَفْسي عِنْدَ ظُهُوْراتِ وَجْهِكَ، أَيْ رَبِّ قَدِ اسْتَضاءَ كُلُّ الأَشْياءِ مِنْ بَوارِقِ أَنْوارِ طَلْعَتِكَ وَقَدِ أَلاحَ كُلُّ مَنْ في الأَرْضِ والسَّماءِ مِنْ ظُهُوْراتِ عِزِّ أَحَديَّتِكَ بِحَيْثُ لا أَرى مِنْ شَيْءٍ إِلاّ وَقَدْ أُشاهِدُ فِيْهِ تَجَليَّكَ الَّذي مَسْتُوْرٌ عَنْ أَنْظُرِ النَّائِميْنَ مِنْ عِبادِكَ، أَيْ رَبِّ لا تَحْرِمْني بَعْدَ الَّذي أَحاطَ فَضْلُكَ كُلَّ الوُجُوْدِ مِنَ الغَيْبِ والشُّهُوْدِ، أَتُبْعِدُني يا إِلهي بَعْدَ الَّذي دَعَوْتَ الكُلَّ إِلَى نَفْسِكَ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْكَ وَالتَّمَسُّكِ بِحَبْلِكَ، أَتَطْرُدُنِي يا مَحْبُوْبي بَعْدَ الَّذي وَعَدْتَ في مُحْكَمِ كِتابِكَ وَبَدايِعِ آياتِكَ بِأَنْ تَجْمَعَ المُشْتاقيْنَ في سُرادِقِ عُطُوْفَتِكَ وَالمُريْديْنَ في ظِلِّ مَواهِبِكَ وَالقاصِديْنَ فِي خِيامِ فَضْلِكَ وأَلْطافِكَ. فَوَعِزَّتِكَ يا إِلهي إِنَّ صَرِيْخي يَمْنَعُ قَلْبِي وَحَنيْنَ قَلْبي قَدْ أَخَذَ الزِّمامَ عَنْ كَفِّي، كُلَّما أُسَكِّنُ نَفْسي وَأُبَشِّرُها بِبَدائِعِ رَحْمَتِكَ وَشُئُوناتِ عُطُوفَتِكَ وَظُهُوْراتِ مَكْرُمَتِكَ أَضْطَرِبُ مِنْ ظُهُوْراتُ عَدْلِكَ وَشُئُوناتُ قَهْرِكَ وَأُشاهِدُ بِأَنَّكَ أَنْتَ المَذْكُوْرُ بِهذَيْنِ الاسْمَيْنَ وَالمَوصُوْفُ بِهذَيْنِ الوَصْفَيْنِ ولا تُبالي بِأَنْ تُدْعى بِاسْمِكَ الغَفَّارِ أَوْ بِاسْمِكَ القَهَّارِ، فَوَعِزَّتِكَ لَوْلا عِلْمي بِأَنَّ رَحْمَتَكَ سَبَقَتْ كُلَّ شَيْءٍ لَتَنْعَدِمُ أَرْكاني وَتَنْفَطِرُ كَيْنُونَتي وَتَضْمَحِلُّ حَقيْقَتي وَلكِنْ لَمَّا أُشاهِدُ فَضْلَكَ سَبَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَرَحْمَتَكَ أَحاطَتْ كُلَّ الوُجُوْدِ تَطْمَئِنُّ نَفْسي وَكَيْنُوْنَتي، فآهٍ آهٍ يا إِلهي عَمَّا فاتَ مِنِّي في أَيَّامِكَ، فآهٍ آهٍ يا مَقْصُوْدي عَمَّا فاتَ مِنِّي في خِدْمَتِكَ وَطَاعَتِكَ في هذِهِ الأَيَّام الَّتِي ما رَأَتْ شِبْهَها عُيُوْنُ أَصْفِيائِكَ وَأُمَنائِكَ، أَيْ رَبِّ أَسْئَلُكَ بِكَ وَبِمَظْهَرِ أَمْرِكَ الَّذي اسْتَقَرَّ على عَرْشِ رَحْمانيَّتِكَ بِأَنْ تُوَفِّقَني عَلى خِدْمَتِكَ وَرِضائِكَ، ثُمَّ احْفَظْني عَنِ الَّذيْنَ أَعْرَضُوا عَنْ نَفْسِكَ وَكَفَرُوا بِآياتِكَ وَأَنْكَرُوا حَقَّكَ وَجاحَدُوا بُرْهانَكَ وَنَبَذُوا عَهْدَكَ وَميْثاقَكَ، كَبِّرِ اللَّهُمَّ يا إِلهي عَلى مَظْهَرِ هُوِيَّتِكَ وَمَطْلَعِ أَحَديَّتِكَ وَمَعْدِنِ عِلْمِكَ وَمَهْبَطِ وَحْيِكَ وَمَخْزَنِ إِلْهامِكَ وَمَقَرِّ سَلْطَنَتِكَ وَمَشْرِقِ أُلوهيَّتِكَ النُقْطَةِ الأُولى وَالطَّلْعَةِ الأَعْلى وَأَصْلِ القِدَمِ وَمُحْيي الأُمَمِ، وَعَلى أَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَبِآياتِهِ الَّذي جَعَلْتَهُ عَرْشًا لاسْتِواءِ كَلِمَتِكَ العُلْيا وَمَحَلاًّ لِظُهُورِ أَسْمائِكَ الحُسْنى وَمَشْرِقًا لإِشْراقِ شُمُوسِ عِنايَتِكَ وَمَطْلَعًا لِطُلُوعِ أَسْمائِكَ وَصِفاتِكَ وَمَخْزنًا لِلآلئ عِلْمِكَ وَأَحْكامِكَ، وَعَلى آخِرِ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الَّذي كانَ وُفُوْدُهُ عَلَيْهِ كَوُفُوْدِهِ عَلَيْهِ وَظُهُوْرُكَ فيْهِ كَظُهُوْرِكَ فِيْهِ إلاَّ أَنَّهُ اسْتضاءَ مِنْ أَنْوارِ وَجْهِهِ وَسَجَدَ لِذاتِهِ وَأَقَرَّ بِعُبُوديَّةِ لِنَفْسِهِ، وَعلَى الَّذيْنَهُمُ اسْتَشْهَدُوا في سَبيْلِهِ وَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ حُبًّا لِجَمالِهِ، نَشْهَدُ يا إِلهي بِأَنَّهُمْ عِبادٌ آمَنُوا بِكَ وَبِآياتِكَ وَقَصَدُوا حَرَمَ لِقائِكَ وَأَقْبَلُوا إِلَى وَجْهِكَ وَتَوَجَّهُوا إِلَى شَطْرِ قُرْبِكَ وَسَلَكُوا مَناهِجَ رِضَائِكَ وَعَبَدُوكَ بِما أَنْتَ أَرَدْتَهُ وَانْقَطَعُوا عَمَّنْ سِويكَ، أَيْ رَبِّ فَأَنْزِلْ عَلى أَرْواحِهِمْ وَأَجْسادِهِمْ في كُلِّ حيْنٍ مِنْ بَدائِعِ رَحْمَتِكَ الكُبْرى، وَإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشاءُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ العَزيْزُ الْمُقْتَدِرُ المُسْتَعانُ، أَيْ رَبِّ أَسْئَلُكَ بِهِ وَبِهِمْ وَبِالَّذِي أَقَمْتَهُ عَلَى مَقامِ أَمْرِكَ وَجَعَلْتَهُ قَيُّومًا عَلَى مَنْ في سَمائِكَ وَأَرْضِكَ بِأَنْ تُطَهِّرَنا عَنِ العِصْيانِ وَتُقَدِّرَ لَنا مَقَرَّ صِدْقٍ عِنْدَكَ وأَلْحِقْنا بِعِبادِكَ الَّذِينَ ما مَنَعَتْهُمْ مَكارِهُ الدُّنْيا وَشَدائِدُها عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَيْكَ، وَإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ المُتَعاليْ المُهَيْمِنُ الغَفُورُ الرَّحيْمُ.