(سورة الملوك) إتّقوا الله يا أيّها الملوك ولا تتجاوزوا عن حدود الله ثمّ اتّبعوا بما أمرتم به في الكتاب

حضرة بهاء الله
أصلي عربي

إتّقوا الله يا معشر الملوك ولا تحرموا أنفسكم عن هذا الفضل الأكبر فألقوا ما في أيديكم فتمسّكوا بعروة الله العليّ العظيم وتوجّهوا بقلوبكم إلى وجه الله ثمّ اتركوا ما أمركم به هواكم ولا تكوننّ من الخاسرين. أن يا عبد فاذكر لهم نبأ عليّ إذ جاءهم بالحقّ ومعه كتاب عزّ حكيم، وفي يديه حجّة من الله وبرهانه ودلائل قدس كريم، وأنتم يا أيّها الملوك ما تذكّرتم بذكر الله في أيّامه وما اهتديتم بأنوار الّتي ظهرت ولاحت عن أفق سماء منير، وما تجسّستم في أمره بعد الّذي كان هذا خير لكم عمّا تطلع الشّمس عليها إن أنتم من العالمين، وكنتم في غفلة عن ذلك إلى أن أفتوا عليه علماء العجم وقتلوه بالظّلم هؤلاء الظّالمين، واسترقى روحه إلى الله وبكت من هذا الظّلم عيون أهل الفردوس ثمّ ملئكة المقرّبين، إيّاكم أن لا تغفلوا من بعد كما غفلتم من قبل فارجعوا إلى الله بارئكم ولا تكوننّ من الغافلين، قل قد أشرقت شمس الولاية وفصّلت نقطة العلم والحكمة وظهرت حجّة الله العزيز الحكيم، قل قد لاح قمر البقاء في قطب السّماء واستضاءت منه أهل ملأ العالين، وقد ظهر الوجه عن خلف الحجبات واستنار منه كلّ من في السّموات والأرضين، وأنتم ما توجّهتم إليه بعد الّذي خلقتم له يا معشر السّلاطين، إذا اتّبعوا قولي ثمّ اسمعوه بقلوبكم ولا تكوننّ من المعرضين لأنّ افتخاركم لم يكن في سلطنتكم بل بقربكم إلى الله واتّباعكم أمره في ما نزّل على ألواح قدس حفيظ، ولو أنّ واحدا منكم يحكم على الأرض كلّها وكلّ ما فيها وعليها من بحرها وبرّها وجبلها وسهلها ولن يذكر عند الله ما ينفعه شيء من ذلك إن أنتم من العارفين، واعلموا بأنّ شرافة العبد في قربه إلى الله ومن دون ذلك لن ينفعه أبدا ولو يحكم على الخلائق أجمعين، قل قد هبّت عليكم نسائم الله عن شطر الفردوس وأنتم في غفلة عنها وكنتم من الغافلين، وقد جاءتكم الهداية من الله وأنتم ما استهديتم بها وكنتم من المعرضين، وقد أضاء سراج الله في مشكوة الأمر وأنتم ما استنورتم به وما تقرّبتم إليه وكنتم على فراش الغفلة لمن الرّاقدين، إذا قوموا برجل الاستقامة وتداركوا ما فات عنكم ثمّ أقبلوا إلى ساحة القدس في شاطئ بحر عظيم ليظهر لكم لئالئ العلم والحكمة الّتي كنزها الله في صدف صدر منير، هذا خير النّصح لكم فاجعلوه بضاعة لأنفسكم لتكوننّ من المهتدين، إيّاكم أن لا تمنعوا عن قلوبكم نسمة الله الّتي بها تحيى قلوب المقبلين، فاستمعوا ما أنصحناكم به في هذا اللّوح ليسمع الله عنكم ويفتح على وجوهكم أبواب الرّحمة وإنّه لهو الرّحمن الرّحيم، اتّقوا الله يا أيّها الملوك ولا تتجاوزوا عن حدود الله ثمّ اتّبعوا بما أمرتم به في الكتاب ولا تكوننّ من المتجاوزين، إيّاكم أن لا تظلموا على أحد قدر خردل واسلكوا سبيل العدل وإنّه لسبيل مستقيم، ثمّ أصلحوا ذات بينكم وقلّلوا في العساكر ليقلّ مصارفكم وتكوننّ من المستريحين، وإن ترتفعوا الاختلاف بينكم لن تحتاجوا إلى كثرة الجيوش إلّا على قدر الّذي تحرسون بها بلدانكم وممالككم اتّقوا الله ولا تسرفوا في شيء ولا تكوننّ من المسرفين، وعلمنا بأنّكم تزدادون مصارفكم في كلّ يوم وتحمّلونها على الرّعيّة وهذا فوق طاقتهم وإنّ هذا لظلم عظيم، اعدلوا يا أيها الملوك بين النّاس وكونوا مظاهر العدل في الأرض وهذا ينبغي لكم ويليق لشأنكم لو أنتم من المنصفين، إيّاكم أن لا تظلموا على الّذين هم هاجروا إليكم ودخلوا في ظلّكم اتّقوا الله وكونوا من المتّقين، لا تطمئنّوا بقدرتكم وعساكركم وخزائنكم فاطمئنّوا بالله بارئكم ثمّ استنصروا به في أموركم وما النّصر إلّا من عنده ينصر من يشاء بجنود السّموات والأرضين، ثمّ اعلموا بأنّ الفقراء أمانات الله بينكم إيّاكم أن لا تخانوا في أماناته ولا تظلموهم ولا تكوننّ من الخائنين، ستسئلون عن أمانته في يوم الّذي تنصب فيه ميزان العدل ويؤتى كلّ ذي حقّ حقه ويوزن فيه كلّ الأعمال من كلّ غنيّ وفقير، وإن لن تستنصحوا بما أنصحناكم في هذا الكتاب بلسان بدع مبين يأخذكم العذاب من كلّ الجهات ويأتيكم الله بعدله إذا لا تقدرون أن تقوموا معه وتكوننّ من العاجزين، فارحموا على أنفسكم وأنفس العباد ثمّ احكموا بينهم بما حكم الله في لوح قدس منيع الّذي قدّر فيه مقادير كلّ شيء وفصّل فيه من كلّ شيء تفصيلا وذكرى لعباده الموقنين، ثمّ استبصروا في أمرنا وتبيّنوا في ما ورد علينا ثمّ احكموا بيننا وبين أعدائنا بالعدل وكونوا من العادلين، وإن لن تمنعوا الظّالم عن ظلمه ولن تأخذوا حقّ المظلوم فبأيّ شيء تفتخرون بين العباد وتكوننّ من المفتخرين، أيكون افتخاركم بأن تأكلوا وتشربوا وتجتمعوا الزّخارف في خزائنكم أو ٱلتّزيّن بأحجار الحمر والصّفر أو لؤلؤ بيض ثمين ولو كان الافتخار بهذه الاشياء الفانية فينبغي للتّراب أن يفتخر عليكم لأنّه يبذل وينفق عليكم كلّ ذلك من مقدّر قدير وقدّر الله كلّ ذلك في بطنه ويخرج لكم من فضله إذا فانظروا في شأنكم وما تفتخرون به إن أنتم من النّاظرين، لا فوالّذي في قبضته جبروت الممكنات لم يكن الفخر لكم إلّا بأن تتّبعوا سنن الله في أنفسكم ولا تدعوا أحكام الله بينكم مهجورا وتكوننّ من الرّاشدين...

المصادر
المحتوى
المرفقات
Audio
OV