هو العليم
أَنْ يَا وَفَا أَنْ اشْكُرْ رَبَّكَ بِمَا أَيَّدَكَ عَلَى أَمْرِهِ وَعَرَّفَكَ مَظْهَرَ نَفْسِهِ وَأَقَامَكَ عَلَى ثَنَاءِ ذِكْرِهِ الأَعْظَمِ فِي هَذَا النَّبَأِ العَظِيمِ فَطُوَبى لَكَ يَا وَفَا بِمَا وَفَيْتَ بِمِيْثَاقِ اللّهِ وَعَهْدِهِ بَعْدَ الَّذِي كُلٌّ نَقَضُوا عَهْدَ اللّهِ وَكَفَرُوا بِالَّذِي آمَنُوا بَعْدَ الَّذِي ظَهَرَ بِكُلِّ الآيَاتِ وَأَشْرَقَ عَنْ أُفُقِ الأَمْرِ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ وَلَكِنْ فَاسْعَ بِأَنْ تَصِلَ إِلَى أَصْلِ الوَفَا وَهُوَ الإِيْقَانُ بِالقَلْبِ وَالإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ بِمَا شَهِدَ اللّهُ لِنَفْسِهِ الأَعْلَى بِأَنِّي أَنَا حَيٌّ فِي أُفُقِ الأَبْهَى وَمَنْ فَازَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَقَدْ فَازَ بِكُلِّ الخَيْرِ وَيَنْزِلَ عَلَيْهِ الرُّوْحُ فِي كُلِّ بُكُورٍ وَأَصْيْلٍ وَيُؤَيَّدُهُ عَلَى ذِكْرِ رَبِّهِ وَيَفْتَحُ لِسَانَهُ عَلَى البَيَانِ فِي أَمْرِ رَبِّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَبَدًا إِلَّا لِمَنْ طَهَّرَ قَلْبَهُ عَنْ كُلِّ مَا خُلِقَ بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ وَانْقَطَعَ بِكُلِّهِ إِلَى اللّهِ المَلِكِ العَزِيزِ الجَمِيْلِ
قُمْ عَلَى الأَمْرِ وَقُلْ تَاللّهِ إِنَّ هَذَا لَنُقْطَةُ الأُوْلَى قَدْ ظَهَرَ فِي قَمِيْصِهِ الأُخْرَى بِاسْمِهِ الأَبْهَى وَإِذًا فِي هَذَا الأُفُقِ يَشْهَدُ وَيَرَى وَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ مُحِيطٌ وَإِنَّهُ لَهُوَ المَذْكُورُ فِي المَلَأِ الأَعْلَى بِالنَّبَأِ العَظِيْمِ وَفِي مَمَالِكَ البَقَاءِ بِجَمَالِ القَدِيْمِ وَلَدَى العَرْشِ بِهَذَا الاسْمِ الَّذِي مِنْهُ زَلَّتْ أَقْدَامُ العَارِفِينَ قُلْ تَاللّهِ قَدْ تَمَّتْ حُجَّةُ اللّهِ فِي هَذَا الظُّهُورِ لِكُلّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ آيةٌ مِنْ سَمَآءِ قُدْسٍ رَفِيعٍ وَمِنْ دُوْنِهِ قَدْ نُزِّلَ مُعَادِلُ مَا نُزِّلَ فِي البَيَانِ خَافُوا عَنِ اللّهِ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم وَلَا تَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ أَنِ افْتَحُوا عُيُونَكُم لِتَشْهَدُوا جَمَالَ القِدَمِ مِنْ هَذَا المَنْظَرِ المُشْرِقِ المُنِيرِ قُلْ تَاللّهِ قَدْ نُزِّلَ هَيْكَلُ المَوْعُودِ عَلَى غَمَامِ الحَمْرَاءِ وَعَنْ يَمِيْنِهِ جُنُودُ الوَحْيِ وَعَنْ يَسَارِهِ مَلَائِكَةُ الإِلْهَامِ وَقُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدَى اللّهِ المُقْتَدِرِ القَدِيرِ وَبِذَلِكَ زَلَّتْ كُلُّ الأَقْدَامِ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللّهُ بِفَضْلِهِ وَجَعَلَهُ مِنَ الَّذِينَ عَرَفُوا اللّهَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْقَطَعُوا عَنِ العَالَمِينَ اسْمَعْ كَلِمَاتِ رَبِّكَ طَهِّرْ صَدْرَكَ عَنْ كُلِّ الإِشَارَاتِ لِتَجَلَّى عَلَيْهِ أَنْوَارُ شَمْسِ ذِكْرِ اسْمِ رَبِّكَ وَتَكُونَ مِنَ المُوْقِنِينَ
ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنْ حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْنَا كِتَابُكَ وَشَهِدْنَا مَا فِيْهِ وَكُنَّا مِنَ الشَّاهِدِينَ وَعَرَفْنَا مَا فِيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الَّتِي سَئَلْتَ عَنْهَا وَإِنَّا كُنَّا مُجِيبِينَ وَلِكُلِّ نَفْسٍ اليَوْمَ يَلْزَمُ بِأَنْ يَسْئَلَ عَنِ اللّهِ فِيْمَا يِحْتَاج بِهِ وَإِنَّ رَبَّكَ يُجِيبُهُ بِآياتِ بِدْعٍ مُبِينٍ
وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ فِي المِعَادِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ العَوْدَ مِثْلُ البِدْءِ وَكَمَا أَنْتَ تَشْهَدُ البِدْءَ كَذَلِكَ فَاشْهَدِ العَوْدَ وَكُنْ مِنَ الشَّاهِدِينَ بَلْ فَاشْهَدْ البِدْءَ نَفْسَ العَوْدِ وَكَذَلِكَ بِالعَكْسِ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيْرَةٍ مُنِيرٍ ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ كُلَّ الأَشْيَاء فِي كُلِّ حِيْنٍ تَبْدَءُ وَتَعُودُ بِأَمْرِ رَبِّكَ المُقْتَدِرِ القَدِيرِ وَأَمَّا عَوْدُ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ اللّهِ فِي أَلْوَاحِهِ المُقَدَّس المَنِيْع وَأَخْبَرَ بِهِ عِبَادَهُ هُوَ عَوْدُ المُمْكِنَاتِ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ وَهَذَا أَصْلُ العَوْدِ كَمَا شَهِدْتَ فِي أَيّاَم اللّهِ وَكُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَإِنَّهُ لَوْ يُعِيْدُ كُلَّ الأَسْمَاءِ فِي اسْمٍ وَكُلَّ النُّفُوسِ فِي نَفْسٍ لَيَقْدِرُ وَإِنَّهُ لَهُوَ المُقْتَدِرُ القَدِيرُ وَهَذَا العَوْدٌ يُحَقَّقُ بِأَمْرِهِ فِيْمَا أَرَادَ وَإِنَّهُ لَهُوَ الفَاعِلُ المُرِيدُ وَإِنَّكَ لَا تَشْهَدُ فِي الرَّجْعِ وَالعَوْدِ إِلَّا مَا حُقِّقَ بِهِ هَذَانِ وَهُوَ كَلِمَةُ رَبِّكَ العَزِيزِ العَلِيمِ مَثَلاً إِنَّهُ لَوْ يَأْخُذُ كَفًّا مِنَ الطِّيْنِ وَيَقُوْلُ هَذَا لَهُوَ الَّذِي اتَّبَعْتُمُوهُ مِنْ قَبْلُ هَذَا لَحَقٌّ بِمِثْلِ وُجُودِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَإِنَّكَ لَا تَنْظُرْ فِي هَذَا المَقَام إِلَى الحُدُودِ وَالإِشْارَاتِ بَلْ فَانْظُرْ بِمَا حُقِّقَ بِهِ الأَمْرُ وَكُنْ مِنَ المُتَفَرِّسِينَ إِذًا نُصَرِّحُ لَكَ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ مُبِينٍ لِتَطَّلِعَ بِمَا أَرَدْتَ مِنْ مَوْلَاكَ القَدِيْم فَانْظُرْ فِي يُوْمِ القِيَامَةِ لَوْ يَحْكُمُ اللّهَ عَلَى أَدْنَى الخَلْقِ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ بِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِالبَيَانِ إِنَّكَ لَا تَكُنْ مُرِيبًا فِي ذَلِكَ وَكُنْ مِنَ المُوقِنِينَ وَلَا تَنْظُرْ إِلَى الحُدُودِ وَالأَسْمَاءِ فِي هَذَا المَقَام بَلْ بِمَا حُقِّقَ بِهِ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ وَهُوَ الإِيْمَانُ بِاللّهِ وَعِرْفَانُ نَفْسِهِ وَالإِيْقَانُ بِأَمْرِهِ المُبْرَمِ الحَكِيمِ فَاشْهَدْ فِي ظُهُورِ نُقْطَةِ البَيَانِ - جَلَّ كِبْرِيَائُهُ - إِنَّهُ حَكَمَ لِأَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِأَنَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللّهِ هَلْ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ وَيَقُوْلَ هَذَا عَجَمِيٌّ وَهُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ هَذَا سُمِّيَ بِالحُسَيْنِ وَهُوَ كَانَ مُحَمَّدًا فِي الإِسْمِ؟ لَا فَوَ نَفْسِ اللّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ وَإِنَّ فَطِنَ البَصِيرَ لَنْ يَنْظُرَ إِلَى الحُدُودِ وَالأَسْمَاءِ بَلْ يَنْظُرُ بِمَا كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَمْرُ اللّهِ وَكَذَلِكَ يَنْظُرُ فِي الحُسَيْنِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللّهِ المُقْتَدِرِ المُتَعَالِي العَلِيْمِ الحَكِيْمِ وَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ فِي البَيَانِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللّهِ لِذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ هُوَ هُوَ أَوْ بِأَنَّهُ عَوْدُهُ وَرَجْعُهُ وَهَذَا الَمَقُام مُقَدَّسٌ عَنِ الحُدُودِ وَالأَسْمَاءِ لَا يُرَى فِي هَذَا إِلَّا اللّهُ الوَاحِدُ الفَرْدُ العَلِيْمُ ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّهُ فِي يَوْمِ الظُّهُورِ لَوْ يَحْكُمُ عَلَى وَرَقَةٍ مِنَ الأَوْرَاقِ كُلَّ الأَسْمَاءِ مِنْ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُوْلَ لِمَ وَبِمَ وَمَنْ قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِاللّهِ وَكَانَ مِنَ المُنْكِرِينَ إِيَّاكَ إِيَّاكَ إِنَّكَ لَا تَكُنْ بِمِثْلِ أَهْلِ البَيَانِ لِأَنَّ أَكْثَرَهُم قَدْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا وَنَسُوا عَهْدَ اللّهِ وَمِيْثَاقِهِ وَأَشْرَكُوا بِاللّهِ الوَاحِدِ الفَرْدِ الخَبِيْرِ وَمَا عَرَفُوا نُقْطَةَ البَيَانِ لِأَنَّهُم لَوْ عَرَفُوهُ بِنَفْسِهِ مَا كَفَرُوا بِظُهُورِهِ فِي هَذَا الهَيْكَلِ المُشْرِقِ المُنِيرِ وَإِنَّهُم لَمَّا كَانُوا نَاظِرًا إِلَى الأَسْمَاءِ فَلَمَّا بَدَّلَ اسْمَهُ الأَعْلَى بِالأَبْهَى عَمَتْ عُيُونُهُم وَمَا عَرَفُوهُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَكَانُوا مِنَ الخَاسِرِينَ وَإِنَّهُم لَوْ عَرَفُوا نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَبِمَا ظَهَرَ مِنْ عِنْدِهِ مَا أَنْكَرُوهُ فِي هَذَا الإِسْمِ المُبَارَكِ البَدِيعِ الَّذِي جَعَلَهُ اللّهُ سَيْفَ أَمْرِهِ بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ وَيُفْصَلُ بِهِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ مِنْ يَوْمَئِذٍ إِلَى يَوْمِ الَّذِي يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ يَوْمَ الظُّهُورِ يَعُودُ كُلُّ الأَشْيَاءِ عَمَّا سِوَى اللّهِ وَكُلُّهَا فِي صُقْعٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعْلَاهَا أَوْ أَدْنَاهَا وَهَذَا لَعَوْدٌ لَنْ يَعْرِفَهُ أَحَدٌ إِلَّا بَعْد أَمْرِ اللّهِ وَإِنَّهُ لَهُوَ الآمِرُ فِيْمَا يُرْيِد وَبَعْدَ إِلْقَاءِ كَلِمَةِ اللّهِ عَلَى المُمْكِنَاتِ مَنْ سَمِعَ وَأَجَابَ إِنَّهُ مِنْ أَعْلَى الخَلْقِ وَلَوْ يَكُوْنُ مِنَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الرَّمَادَ وَمَنْ أَعْرَضَ هُوَ مِنْ أَدْنى العِبَادِ وَلَوْ يَكُونُ عِنْدَ النَّاسِ وَلِيًّا وَيَكُوْنُ عِنْدَهُ كُتُبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينِ فَانْظُرْ بِعَيْنِ اللّهِ فِيْمَا نَزَّلْنَاهُ لَكَ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكَ وَلَا تَنْظُرْ إِلَى الخَلْقِ وَمَا عِنْدَهُم وَإِنَّ مَثَلَهُم اليَوْمَ كَمَثَلِ عَمِيٍّ يَمْشِي فِي ظِلِّ الشَّمْسِ وَيَسْئَلُ مَا هِيَ؟ وَهَلْ هِيَ أَشْرَقَتْ؟ يَنْفِي وَيُنْكِرُ وَلَا يَكُوْنُ مِنَ المُسْتَشْعِرِينَ لَنْ يَعْرفَ الشَّمْسَ وَلَنْ يَعْرِفَ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَيَصِيْحُ فِي نَفْسِهِ وَيَعْتَرِضُ وَيَكُوْنُ مِنَ المُعِرِضِينَ هَذَا شَأْنُ هَذَا الخَلْقِ دَعْهُم بِأَنْفُسِهِم وَقُلْ لَكُم مَا أَرَدْتُم وَلَنَا مَا نُرِيْدُ فَسَحْقًا لِلْقَوْمِ المُشْرِكِينَ ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ ظُهُورَ القَبْلِ حُكْمُ العَوْدِ وَالحَيَاتِ عَلَى الأَرْوَاحِ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ شَيءٍ عَوْدٌ وَرَجْعٌ وَلَكِنْ إِنَّا لَا نُحِبُّ بِأَنْ نَذْكُرَ مَا لَا ذُكِرَ فِي البَيَانِ لَئَلَّا يُرْفَعُ ضَجِيْجُ المُبْغِضِينَ فَيَالَيْتَ يُرْفَعُ مَا حَالَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَارِئِهِم لِيَشْهَدُوا سَلْطَنَةَ اللّهِ وَعَظَمَتَهُ وَيَشْرَبُوا مِنْ مَعِينِ الكَوْثَرِ وَالسَّلْسَبِيلِ وَيَتَرَشَّحُ عَلَيْهِم بُحُورُ المَعَانِي وَيُطَهِّرُهُم عَنْ رِجْسِ كُلِّ مُشْرِكٍ مُرِيبٍ
وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ مِنَ العَوَالِمِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ للّهِ عَوَالمَ لَا نِهَايَةَ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهَا وَمَا أَحَاطَ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا نَفْسِهِ العَلِيْمُ الحَكِيْمُ تَفَكَّرْ فِي النَّوْمِ وَإِنَّهُ آيَة الأَعْظَم بَيْنَ النَّاسِ لَوْ يَكُونُنَّ مِنَ المُتَفَكَّرِينَ مَثَلَاً إِنَّكَ تَرَى فِي نَوْمِكَ أَمْرًا فِي لِيْلٍ وَتَجِدُهُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَينِ أَوْ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ يَكُونُ العَالَمُ الَّذِي أَنْتَ رَأَيْتَ فِيْهِ مَا رَأَيْتَ هَذَا العَالَمَ الَّذِي تَكُوْنُ فِيْهِ فَيَلْزَمُ مَا رَأَيْتَ فِي نَوْمِكَ يَكُوْنُ مَوْجُودًا فِي هَذَا العَالَمِ فِي حِيْنِ الَّذِي تَرَاهُ فِي النَّوْمِ وَتَكُونُ مِنَ الشَّاهِدِينَ مع إِنَّكَ تَرَى أَمْرًا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي العَالَمِ وَيَظْهَرُ مِنْ بَعْدُ إِذًا حُقِّقَ بِأَنَّ عَالَمَ الَّذِي أَنْتَ رَأَيْتَ فِيْهِ مَا رَأَيْتَ يَكُونُ عَالَمًا آخَرَ الَّذِي لَا لَهُ أَوَّلَ وَلَا آخِرَ وَإِنَّكَ إِنْ تَقُوْلَ هَذَا العَالَمُ فِي نَفْسِكَ وَمُسْتَويٌّ فِيْهَا بِأَمْر مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ قَدِيرٍ لَحَقٌّ وَلَوْ تَقُولُ بِأَنَّ الرُّوْحَ لَمَّا تَجَرَّدَ عَنِ العَلَائِقِ فِي النَّومِ سَيَّرَهُ اللّهُ فِي عَالَم الَّذِي يَكُونُ مَسْتُورًا فِي سِرِّ هَذَا العَالَمِ لَحَقٌّ وَإِنَّ للّهِ عَالَمٌ بَعْدَ عَالَمٍ وَخَلْقٌ بَعْدَ خَلْقٍ وَقَدَّرَ فِي كُلِّ عَالَمٍ مَا لَا يُحْصِيْهِ أَحَدٌ إِلَّا نَفْسُهُ المُحْصِي العَلِيْمُ وَإِنَّكَ فَكِّرْ فِيْمَا أَلْقَيْنَاكَ لِتَعْرِفَ مَرَادَ اللّهِ رَبِّكَ وَرَبِّ العَالَمِينَ وَفِيْهِ كُنِزَ أَسْرَارُ الحِكْمَةِ وَإِنَّا مَا فَصَّلْنَاهُ لِحُزْنِ الَّذِي أَحَاطَنِي مِنَ الَّذِينَ خُلِقُوا بِقَوْلِي إِنْ أَنْتُم مِنَ السَّامِعِينَ فَهَلْ مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرَنِي وَيَدْفَعُ عَنِّي سُيُوفَ هَؤُلَاءِ المُعْرِضِينَ؟ وَهَلْ مِنْ ذِي بَصَرٍ يَنْظُرُ كَلِمَاتِ اللّهِ بِبَصَرِهِ وَيَنْقَطِعُ عَنْ أَنْظُرِ الخَلَائِق أَجْمَعِيْنَ؟ وَإِنَّكَ يَا عَبْدُ نَبِّئْ عِبَادَ اللّهِ بِأَنْ لَا يَنْكِرُوا مَا لَا يَعْقِلُوهُ قُلْ فَاسْئَلُوا اللّهَ بِأَنْ يَفْتَحَ عَلَى قُلُوبِكُم أَبْوَابَ المَعَانِي لِتَعْرِفُوا مَا لَا عَرَفَهُ أَحَدٌ وَإِنَّهُ لَهُوَ المُعْطِي الغَفُورُ الرَّحِيْمُ
وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ فِي أَوَامِرِ اللّهِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ كُلَّمَا حُدِّدَ فِي الكِتَابِ حَقٌ لَا رَيْبَ فِيْهِ وَعَلَى الكُلِّ فَرْضٌ بِأَنْ يَعْمَلُوا بِمَا نُزِّلَ مِنْ لَدُنِ مُنْزِلٍ عَلِيمٍ وَمَنْ يَتْرُكُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ إِنَّ اللّهَ بَرِيءٌ عَنْهُ وَنَحْنُ بُرَءَاءُ مِنْهُ لِأَنَّ أَثْمَار الشَّجَرَةِ هِيَ أَوْامِرُهُ وَلَنْ يَتَجَاوَز عَنْهُ إِلَّا كُلّ غَافِلٌ بَعِيدٌ
وَأَمَّا الجَنَّةَ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيْهِ وَهِيَ اليَوْم فِي هَذَا العَالَم حُبِّي وَرِضَائِي وَمَنْ فَازَ بِهِ لَيَنْصُرُهُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ المَوْتِ يُدْخِلُهُ فِي جِنَّةٍ أَرْضُهَا كَأَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَخْدِمُنَّهُ حُوْرِيَّاتُ العِزَّةِ وَالتَّقْدِيْسِ فِي كُلِّ بُكُورٍ وَأَصِيلٍ وَيَسْتَشْرِقُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حِيْنٍ شَمْسُ جَمَالِ رَبِّهِ وَيَسْتَضِيءُ مِنْهَا عَلَى شَأْنٍ لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ كَذَلِكَ كَانَ الأَمْرُ وَلَكِنَّ النَّاسَ هُم فِي حِجَابٍ عَظِيمٍ وَكَذَلِكَ فَاعْرَفِ النَّارَ وَكُنْ مِنَ المُوْقِنِينَ وَلِكُلِّ عَمَلٍ جَزَاءٌ عِنْدَ رَبِّكَ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ نَفْسُ أَمْرِ اللّهِ وَنَهْيِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلأَعْمَالِ جَزَاءٌ وَثَمَرٌ لَيَكُونُ أَمْرُهُ تَعَالَى لَغُوًا فَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلَكِنَّ المُنْقَطِعِينَ لَنْ يَشْهَدُنَّ العَمَلَ إِلَّا نَفْسَ الجَزَاءِ وَإِنَّا لَوْ نُفَصِّلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ نُكْتَبَ أَلْوَاحًا عَدِيْدَةً
تَاللّهِ الحَقِّ إِنَّ القَلَمَ لَنْ يُحَرَّكَ بِمَا وَرَدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَبْكِي وَأَبْكِي ثُمَّ تَبْكِي عَيْنُ العَظَمَةِ خَلْفَ سُرَادِقِ الأَسْمَاءِ عَلَى عَرْشِ اسْمِهِ العَظِيْمِ وَإِنَّكَ صَفِّ قَلْبَكَ إِنَّا نُفَجِّرُ مِنْهُ يَنَابِيْعَ الحِكْمَةِ وَالبَيَانِ لِتَنْطِقَ بِهَا بَيْنَ العَالَمِينَ أَنِ افْتَحْ اللِّسَانَ عَلَى البَيَانِ فِي ذِكْرِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ وَلَا تَخَفْ مِنْ أَحَدٍ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ العَزِيزِ الحَكِيْمِ قُلْ يَا قَوْمِ أَن اعْمَلُوا مَا عَرَفْتُم فِي البَيَانِ الفَارِسِيِّ وَمَا لَا عَرَفْتَمُوهُ فَاسْئَلُوا مِنْ هَذَا الذِّكْرِ الحَكِيْم لِيُبَيِّنَ لَكُم مَا أَرَادَ اللّهُ فِي كِتَابِهِ وَإِنَّ عِنْدَهُ مَا كُنِزَ فِي البَيَانِ مِنْ لَدُنِ مُقْتَدِرٍ قَدِيْرٍ
وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ فِيْمَا أَخْبَرْنَا العِبَادَ حَيْنَ الخُرُوجِ عَنِ العِرَاقِ فِي أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَابَتْ تَتَحَرَّكُ طُيُورُ اللَّيْلِ وَتُرْفَعُ رَايَاُت السَّامِرِيِّ تَاللّهِ قَدْ تَحَرَّكَ الطُّيُورُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَنَادَى السَّامِرِيُّ فَطُوْبَى لِمَنْ عَرَفَ وَكَانَ مِنَ العَارِفِينَ ثُمَّ أَخْبَرْنَاهُم بِالعِجْلِ تَاللّهِ كُلُّ مَا أَخْبَرْنَاهُم قَدْ ظَهَرَ وَلَا مَرَدَّ لَهُ إِلَّا بِأَنْ يَظْهَرَ لِأَنَّهُ جَرَى مِنْ إِصْبَعِ عِزٍّ قَدِيرٍ وَإِنَّكَ أَنْتَ فَاسْئَل اللّهَ بِأَنْ يَحْفَظَكَ مِنْ شَرِّ هَؤُلَاءِ وَيُقَدِّسَكَ مِنْ إِشَارَاتِ المُعْرِضِينَ فَاشْدُدْ ظَهْرَكَ لِنُصْرَةِ الأَمْرِ وَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِ مَلَأِ البَيَانِ لِأَنَّهُم لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا وَمَا اطَّلَعُوا بِأَصْلِ الأَمْرِ فِي هَذَا النَّبَأِ الأَعْظَم كَذَلِكَ أَلْهَمْنَاكَ وَأَلْقَيْنَاكَ مَا تَغْنَى بِهِ عَنْ ذِكْرِ العَالَمِينَ
وَالبَهَآءُ عَلَيْكَ وَعَلَى الَّذِيْنَهُم يَسْمَعُونَ قَوْلَكَ
فِي اللّهِ رَبِّكَ وَيَكُونُنَّ مِنَ الرَّاسِخِينَ
وَالحَمْدُ للّهِ رَبِّ
العَالَمِينَ