الإشراقات (معرب)

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

الإِشْرَاقَاتُ

(معرّب عن الفارسية)

هَذِهِ صَحِيفَةُ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ

هُوَ اللهُ تَعَالَى شَأْنُهُ الحِكْمَةُ والْبَيَانُ

أَلْحَمدُ للهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِالعَظَمَةِ وَالقُدْرَةِ وَالْجَمَالِ. وَتَوحَّدَ بِالعِزَّةِ وَالقُوَّةِ وَالجَلاَلِ. وَتَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الخَيَالُ أَوْ يُذْكَرَ لَهُ نَظِيرٌ وَمِثَالٌ. قَدْ أَوْضَحَ صِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ بِأَفْصَحِ بَيَانٍ وَمَقَالٍ. إِنَّهُ هُوَ الغَنِيُّ المُتَعَالِ. فَلَمَّا أَرَادَ الخَلْقَ البَدِيعَ فَصَّلَ النُّقْطَةَ الظَّاهِرَةَ المُشْرِقَةَ مِنْ أُفُقِ الإِرَادَةِ وَإِنَّها دَارَتْ فِي كُلِّ بَيْتٍ عَلَى كُلِّ هَيْئَةٍ إِلَى أَنْ بَلَغَتْ مُنْتَهَى المَقامِ أَمْرَاً مِنْ لَدَى اللهِ مَوْلَى الأَنَامِ. وَإِنَّها هِيَ مَرْكَزُ دَائِرَةِ الأَسْمَآءِ وَمِخْتَمُ ظُهُورَاتِ الحُرُوفِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَآءِ وَبِهَا بَرَزَ مَا دَلَّ عَلَى السِّرِّ الأَكْتَمِ وَالرَّمْزِ المُنَمْنَمِ. الظَّاهِرِ الحَاكِي عَنِ الاسْمِ الأَعْظَمِ فِي الصَّحِيفَةِ النَّوْرَاءِ وَالوَرَقَةِ المُقَدَّسَةِ المُبَارَكَةِ البَيْضَآءِ. فَلَمَّا اتَّصَلَتْ بالحَرْفِ الثَّانِي الْبَارِزِ فِي أَوَّلِ المَثَانِي دَارَتْ أَفْلاَكُ البَيَانِ وَالمَعَانِي وَسَطَعَ نُورُ اللهِ الأَبَدِيِّ. وَتَقَبَّبَ عَلَى وَجْهِ سَمَاءِ البُرهَانِ وَصَارَ مِنْهُ النِّيرَانُ. تَبَارَكَ الرَّحْمَنُ الَّذِي لاَ يُشَارُ بِإِشَارَةٍ وَلاَ يُعَبَّرُ بِعِبَارَةٍ وَلاَ يُعْرَفُ بِالأَذْكَارِ وَلاَ يُوصَفُ بِالآثَارِ. إِنَّهُ هُوَ الآمِرُ الوَهَّابُ فِي المَبْدَأِ وَالمَآبِ. وَجَعَلَ لَهُمَا حُفَّاظَاً وَحُرَّاسَاً مِنْ جُنُودِ القُدْرَةِ وَالاقْتِدَارِ إِنَّهُ هُوَ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ المُخْتَارُ.

قَدْ نُزِّلَتِ الخُطْبَةُ مَرَّتَيْنِ كَمَا نُزِّلَ المَثَانِي كَرَّتَيْنِ. والحَمْدُ للهِ الَّذِي أَظْهَرَ النُّقْطَةَ وَفَصَّلَ مِنْهَا عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَجَعَلَهَا مُنَادِيَةً بِاسْمِهِ وَمُبَشِّرَةً بِظُهُورِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي بِهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأُمَمِ وَسَطَعَ النُّورُ مِنْ أُفُقِ العَالَمِ. إِنَّهَا هِيَ النُّقْطَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ بَحْرَ النُّورِ لِلْمُخْلِصِينَ مِنْ عِبَادِهِ. وَكُرَةَ النَّارِ لِلْمُعْرِضِينَ مِنْ خَلْقِهِ وَالمُلْحِدِينَ مِنْ بَرِيَّتِهِ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرَاً وَمَائِدَةَ السَّمَاءِ نِفَاقَاً وَقَادُوا أَوْلِيَاءَهُم إِلَى بِئْسَ القَرَارِ. أُولَئِكَ عِبَادٌ أَظْهَرُوا النِّفَاقَ فِي الآفَاقِ. وَنَقَضُوا الْمِيثَاقَ فِي يَوْمٍ فِيهِ اسْتَوَى هَيْكَلُ الْقِدَمِ عَلَى العَرْشِ الأَعْظَمِ وَنَادَى المُنَادِ مِنْ الشَّطْرِ الأَيْمَنِ فِي الوَادِي المُقَدَّسِ. يَا مَلأَ البَيَانِ اتَّقُوا الرَّحْمَنَ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَمِنْ قَبْلِهِ الرُّوحُ وَمِنْ قَبْلِهِ الكَلِيمُ. وَهَذَا نُقْطَةُ البَيَانِ يُنَادِي أَمَامَ العَرْشِ وَيَقُولُ تَاللهِ قَدْ خُلِقْتُمْ لِذِكْرِ هَذَا النَّبَأِ الأَعْظَمِ وَهَذَا الصِّرَاطِ الأَقْوَمِ الَّذِي كَانَ مَكْنُونَاً فِي أَفْئِدَةِ الأَنْبِيَاءِ وَمَخْزُونَاً فِي صُدُورِ الأَصْفِيَاءِ. وَمَسْطُورَاً مِنْ القَلَمِ الأَعْلَى فِي أَلْواحِ رَبِّكُم مَالِكِ الأَسْمَآء. قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ يَا أَهْلَ النِّفَاقِ قَدْ ظَهَرَ مَنْ لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِنْ شَيْءٍ وَأَتَى مَنْ افْتَرَّ بِهِ ثَغْرُ الْعِرْفَانِ وَتَزَيَّنَ مَلَكُوتُ الْبَيَانِ. وَأَقْبَلَ كُلُّ مُقْبِلٍ إِلَى اللهِ مَالِكِ الأَدْيَانِ. وَقَامَ بِهِ كُلُّ قَاعِدٍ وَسَرُعَ كُلُّ سَطِيحٍ إِلَى طُورِ الإِيْقَانِ. هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ نِعْمَةً لِلأَبْرَارِ وَنَقْمَةً لِلأَشْرَارِ وَرَحْمَةً لِلْمُقْبِلِينَ وَغَضَبَاً لِلْمُنْكِرِينَ وَالْمُعْرِضِينَ. إِنَّهُ ظَهَرَ بِسُلْطَانٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأَنْزَلَ مَا لا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ. اتَّقُوا الرَّحْمَنَ يَا مَلأَ الْبَيَانِ وَلا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَهُ أُولُوا الْفُرْقَانِ الَّذِينَ ادَّعَوْا الإِيمَانَ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ. فَلَمَّا أَتَى مَالِكُ الأَنَامِ أَعْرَضُوا وَكَفَرُوا إِلَى أَنْ أَفْتَوْا عَلَيْهِ بِظُلْمٍ نَاحَ بِهِ أُمُّ الْكِتَابِ فِي الْمَآبِ. اذْكُرُوا ثُمَّ انْظُرُوا فِي أَعْمَالِهِم وَأَقْوَالِهِم وَمَرَاتِبِهِم وَمَقَامَاتِهِم وَمَا ظَهَرَ مِنْهُمْ إِذْ تَكَلَّمَ مُكَلِّمُ الطُّورِ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ. وَانْصَعَقَ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ عِدَّةَ أَحْرُفِ الْوَجْهِ. يَا مَلأَ الْبَيَانِ ضَعُوا أَوْهَامَكُم وَظُنُونَكُم، ثُمَّ انْظُرُوا بِطَرْفِ الإِنْصَافِ إِلَى أُفُقِ الظُّهُورِ وَمَا ظَهَرَ مِنْ عِنْدِهِ وَنُزِّلَ مِنْ لَدُنْه وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْدَائِهِ. هُوَ الَّذِي قَبِلَ الْبَلاَيَا كُلَّهَا لإِظْهَارِ أَمْرِهِ وَإِعْلآءِ كَلِمَتِهِ. قَدْ حُبِسَ مَرَّةً فِي الطَّاءِ (طهران) وَأُخْرَى فِي الْمِيمِ (مازندران)، ثُمَّ فِي الطَّاءِ مَرَّةً أُخْرَى لأَمْرِ اللهِ فَاطِرِ السَّمَاءِ وَكَانَ فِيهَا تَحْتَ السَّلاَسِلِ وَالأَغْلاَلِ شَوْقَاً لأَمْرِ اللهِ الْعَزِيزِ الْفَضَّالِ.

يَا مَلأَ البَيَانِ هَلْ نَسِيْتُمْ وَصَايَايَ وَمَا ظَهَرَ مِنْ قَلَمِي وَنَطَقَ بِهِ لِسَانِي. وَهَلْ بَدَّلْتُمْ يَقِينِي بِأَوْهَامِكُمْ وَسَبِيلِي بِأَهْوَائِكُمْ. وَهَلْ نَبَذْتُمْ أُصُولَ اللهِ وَذِكْرَهُ وَتَرَكْتُمْ أَحْكَامَ اللهِ وَأَوَامِرَهُ. اتَّقُوا اللهَ دَعُوا الظُّنُونَ لِمَظَاهِرِهَا وَالأَوْهَامَ لِمَطَالِعِهَا وَالشُّكُوكَ لِمَشَارِقِهَا. ثُمَّ أَقْبِلُوا بِوُجُوهٍ نَوْرَاءَ وَصُدُورِ بَيْضَاءَ إِلَى أُفُقٍ أَشْرَقَتْ مِنْهُ شَمْسُ الإِيقَانِ أَمْرَاً مِنْ لَدَى اللهِ مَالِكِ الأَدْيَانِ.

الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ العِصْمَةَ الكُبْرَى دِرْعَاً لِهَيْكَلِ أَمْرِهِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ. وَمَا قَدَّرَ لأَحَدٍ نَصِيبَاً مِنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ العُلْيَا وَالمَقَامِ الأَسْنَى. إِنَّهَا طِرَازٌ نَسَجَتْهُ أَنَامِلُ القُدْرَةِ لِنَفْسِهِ تَعَالَى. إَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ إِلاَّ لِمَنِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. مَنْ أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ بِمَا رُقِمَ فِي هَذَا الحِينِ مِنَ القَلَمِ الأَعْلَى إِنَّهُ مِنَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَأَصْحَابِ التَّجْرِيدِ فِي كِتَابِ اللهِ مَالِكِ المَبْدَأِ وَالمَآبِ.

وَلَمَّا بَلَغَ الكَلاَمُ هَذَا المَقَامَ سَطَعَتْ رَائِحَةُ العِرْفَانِ وَأَشْرَقَ نَيِّرُ التَّوْحِيدِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ البَيَانِ. طُوبَى لِمَنْ اجْتَذَبَهُ النِّدَاءُ إِلَى الذِّرْوَةِ العُلْيَا وَالغَايَةِ القُصْوَى. وَعَرَفَ مِنْ صَرِيْرِ قَلَمِي الأَعْلَى مَا أَرَادَه رَبُّ الآخِرَةِ وَالأُولَى. إِنَّ الذِي مَا شَرِبَ مِنْ رَحِيقِنَا المَخْتُومِ الذِي فَكَكْنَا خَتْمَه بِاسْمِنَا القَيُّومِ. إِنَّهُ مَا فَازَ بِأَنْوَارِ التَّوْحِيدِ وَمَا عَرَفَ المَقْصُودَ مِنْ كُتُبِ اللهِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَمَالِكِ الآخِرَةِ وَالأُولَى وَكَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ فِي كِتَابِ اللهِ العَلِيمِ الخَبِيرِ.

يَا أَيُّهَا السَّائِلُ الجَلِيلُ نَشْهَدُ أَنَّكَ تَمَسَّكْتَ بِالصَّبْرِ الجَمِيلِ فِي أَيَّامٍ فِيهَا مُنِعَ القَلَمُ عَنِ الجَرَيَانِ وَاللِّسَانُ عَنِ البَيَانِ فِي ذِكْرِ العِصْمَةِ الكُبْرَى وَالآيَةِ العُظْمِى التِي سَأَلْتَها عَنِ المَظْلُومِ لِيَكْشِفَ لَكَ قِنَاعَهَا وَغِطَاءَهَا وَيَذْكُرَ سِرَّهَا وَأَمْرَهَا وَمَقَامَهَا وَمَقَرَّها وَشَأْنَهَا وَعُلُوَّهَا وَسُمُوَّهَا. لَعَمْرُ اللهِ لَوْ نُظْهِرُ لَئَالِئَ البُرْهَانِ المَكْنُونَةَ فِي أَصْدَافِ بَحْرِ العِلْمِ وَالإِيقَانِ وَنُخْرِجُ طَلَعَاتِ المَعَانِي المَسْتُورَةَ فِي غُرَفَاتِ البَيَانِ فِي جَنَّةِ العِرْفَانِ لَتَرْتَفِعُ ضَوْضَاءُ العُلَمَاءِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ وَتَرَى حِزْبَ اللهِ بَيْنَ أَنْيَابِ الذِّئَابِ الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ فِي المَبْدَأِ وَالمَآبِ. بِذَلِكَ أَمْسَكْنَا القَلَمَ فِي بُرْهَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الزَّمَانِ حِكْمَةً مِنْ لَدَى الرَّحْمَنِ وَحِفْظَاً لأَوْلِيَائِي مِنَ الذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرَاً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُم دارَ البَوَارِ.

يَا أَيُّهَا السَّائِلُ النَّاظِرُ وَالذِي اجْتَذَبَ المَلأَ الأَعْلَى بِكَلِمَتِهِ العُلْيَا إِنَّ لِطُيُورِ مَمَالِكِ مَلَكُوتِي وَحَمَامَاتِ رِيَاضِ حِكْمَتِي تَغَرُّدَاتٍ وَنَغَمَاتٍ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا إِلاَّ اللهُ مَالِكُ المُلْكِ وَالجَبَرُوتِ. وَلَوْ يَظْهَرُ أَقَلُّ مِنْ سَمِّ الإِبْرَةِ لَيَقُولُ الظَّالِمُونَ مَا لاَ قَالَه الأَوَّلُونَ وَيَرْتَكِبُونَ مَا لاَ ارْتَكَبَهُ أَحَدٌ فِي الأَعْصَارِ وَالقُرُونِ. قَدْ أَنْكَرُوا فَضْلَ اللهِ وَبُرْهَانَهُ وَحُجَّةَ اللهِ وَآيَاتِهِ. ضَلُّوا وَأَضَلُّوا النَّاسَ وَلاَ يَشْعُرُونَ. يَعْبُدُونَ الأَوْهَامَ وَلاَ يَعْرِفُونَ. قَدْ اتَّخَذُوا الظُّنُونَ لأَنْفُسِهِم أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللهِ وَلاَ يَفْقَهُونَ. نَبَذُوا الْبَحْرَ الأَعْظَمَ مُسْرِعِينَ إِلَى الْغَدِيرِ وَلاَ يَعْلَمُونَ. يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُم مُعْرِضِينَ عَنِ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ. قُلْ تَاللهِ قَدْ أَتَى الرَّحْمَنُ بِقُدْرَةٍ وَسُلْطَانٍ. وَبِهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأَدْيَانِ. وَغَنَّ عَنْدَلِيبُ الْبَيَانِ عَلَى أَعْلَى غُصْنِ الْعِرْفَانِ. قَدْ ظَهَرَ مَنْ كَانَ مَكْنُونَاً فِي الْعِلْمِ وَمَسْطُورَاً فِي الْكِتَابِ. قُلْ هَذَا يَوْمٌ فِيهِ اسْتَوَى مُكَلِّمُ الطُّورِ عَلَى عَرْشِ الظُّهُورِ وَقَامَ النَّاسُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَهَذَا يَوْمٌ فِيهِ حَدَّثَتِ الأَرْضُ أَخْبَارَهَا وَأَظْهَرَتْ كُنُوزَهَا وَالبِحَارُ لآلِئَهَا وَالسِّدْرَةُ أَثْمَارَهَا وَالشَّمْسُ إِشْرَاقَهَا وَالأَقْمَارُ أَنْوَارَهَا وَالسَّمَاءُ أَنْجُمَها وَالسَّاعَةُ أَشْرَاطَهَا وَالْقِيَامَةُ سَطْوَتَهَا وَالأَقْلاَمُ آثَارَهَا وَالأَرْوَاحُ أَسْرَارَهَا. طُوبَى لِمَنْ عَرَفَهُ وَفَازَ بِهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ أَنْكَرَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَ عِبَادَهُ عَلَى الرُّجُوعِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

يَا أَيُّهَا الْمُقْبِلُ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى وَالشَّارِبُ رَحِيقِيَ الْمَخْتُومَ مِنْ أَيَادِي الْعَطَاءِ فَاعْلَمْ لِلْعِصْمَةِ مَعَانٍ شَتَّى وَمَقَامَاتٌ شَتَّى. إِنَّ الَّذِي عَصَمَهُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا الاسْمُ فِي مَقَامٍ وَكَذَلِكَ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ مِنَ الْخَطَأ وَالْعِصْيَانِ وَمِنَ الإِعْرَاضِ وَالْكُفْرِ وَمِنَ الشِّرْكِ وَأَمْثَالِهَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاءِ اسْمُ الْعِصْمَةِ. وَأَمَّا الْعِصْمَةُ الْكُبْرَى لِمَنْ كَانَ مَقَامُهُ مُقَدَّسَاً عَنِ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَمُنَزَّهَاً عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ. إِنَّهُ نُورٌ لاَ تَعْقُبُهُ الظُّلْمَةُ وَصَوَابٌ لاَ يَعْتَرِيهِ الْخَطَأُ. لَوْ يَحْكُمُ عَلَى الْمَاءِ حُكْمَ الْخَمْرِ وَعَلَى السَّمَاءِ حُكْمَ الأَرْضِ وَعَلَى النُّورِ حُكْمَ النَّارِ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ أَوْ يَقُولَ لِمَ وَبِمَ. وَالَّذِي اعْتَرَضَ إِنَّهُ مِنَ الْمُعْرِضِينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. إِنَّهُ لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَكُلٌّ عَنِ كُلٍّ يُسْئَلُونَ. إِنَّهُ أَتَى مِنْ سَمَاءِ الْغَيْبِ وَمَعَهُ رَايَةُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَجُنُودُ الْقُدْرَةِ وَالاخْتِيَارِ. وَلِدُونِهِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالأَحْكَامِ. لَوْ يَتَجَاوَزُ عَنْهَا عَلَى قَدْرِ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَيَحْبِطُ عَمَلُهُ. انْظُرْ ثُمَّ اذْكُرْ إِذْ أَتَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ قَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ وَكَذَلِكَ الصَّلَوةُ وَالصَّوْمُ وَالأَحْكَامُ الَّتِي أَشْرَقَتْ مِنْ أُفُقِ كِتَابِ اللهِ مَوْلَى الْعَالَمِ وَمُرَبِّيِ الأُمَمِ. لِلْكُلِّ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ اللهُ وَالَّذِي أَنْكَرَهُ كَفَرَ بِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ إِنَّهُ لَوْ يَحْكُمُ عَلَى الصَّوَابِ حُكْمَ الْخَطَأِ وَعَلَى الْكُفْرِ حُكْمَ الإِيمَانِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِهِ. هَذَا مَقَامٌ لاَ يُذْكَرُ وَلاَ يُوجَدُ فَيهَ الْخَطَأُ وَالْعِصْيَانُ. انْظُرْ فِي الآيَةِ الْمُبَارَكَةِ الْمُنْزَلَةِ الَّتِي وَجَبَ بِهَا حِجُّ الْبَيْتِ عَلَى الْكُلِّ. إِنَّ الَّذِينَ قَامُوا بَعْدَهُ عَلَى الأَمْرِ وَجَبَ عَلَيْهِم أَنْ يَعْمَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فِي الْكِتَابِ. لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ حُدُودِ اللهِ وَسُنَنِهِ وَالَّذِي تَجَاوَزَ إِنَّهُ مِنَ الْخَاطِئينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.

يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى أُفُقِ الأَمْرِ اعْلَمْ إِرَادَةَ اللهِ لَمْ تَكُنْ مَحْدُودَةً بِحُدُودِ الْعِبَادِ. إِنَّهُ لاَ يَمْشِي عَلَى طُرُقِهِم لِلْكُلِّ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِصِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ. إِنَّهُ لَوْ يَحْكُمُ عَلَى الْيَمِينِ حُكْمَ الْيَسَارِ أَوْ عَلَى الْجَنُوبِ حُكْمَ الشِّمَالِ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ إِنَّهُ مَحْمُودٌ فِي فِعْلِهِ وَمُطَاعٌ فِي أَمْرِهِ. لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حُكْمِهِ وَلاَ مُعِينٌ فِي سُلْطَانِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. ثُمَّ اعْلَمْ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِهِ لَيْسَ لَهُمْ حَرَكَةٌ وَلاَ سُكُونٌ إِلاَّ بِأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ.

يَا أَيُّهَا الطَّائِرُ فِي هَوَاءِ الْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ وَالنَّاظِرُ إِلَى أَنْوَارِ وَجْهِ رَبِّكَ مَالِكِ الإِيجَادِ اشْكُرِ اللهَ بِمَا كَشَفَ لَكَ مَا كَانَ مَكْنُونَاً مَسْتُورَاً فِي الْعِلْمِ لِيَعْلَمَ الْكُلُّ أَنَّهُ مَا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ فِي الْعِصْمَةِ الْكُبْرَى شَرِيكَاً وَلاَ وَزِيرَاً. إِنَّه هُوَ مَطْلِعُ الأَوَامِرِ وَالأَحْكَامِ وَمَصْدَرُ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ وَمَا سِوَاهُ مَأْمُورٌ مَحْكُومٌ وَهُوَ الْحَاكِمُ الآمِرُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِنَّكَ إِذَا اجْتَذَبَتْكَ نَفَحَاتُ آيَاتِ الظُّهُورِ وَأَخَذَكَ الْكَوْثَرُ الطَّهُورُ مِنْ أَيَادِي عَطَاءِ رَبِّكَ مَالِكِ يَوْمِ النُّشُورِ قُلْ إِلَهِي إِلَهِي لَكَ الْحَمْدُ بِمَا دَلَلْتَنِي إِلَيْكَ وَهَدَيْتَنِي إِلَى أُفُقِكَ وَأَوْضَحْتَ لِي سَبِيلَكَ وَأَظْهَرْتَ لِي دَلِيلَكَ وَجَعَلْتَنِي مُقْبِلاً إِلَيْكَ إِذْ أَعْرَضَ عَنْكَ أَكْثَرُ عِبَادِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ. ثُمَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ مِنْ عِنْدِكَ وَبُرْهَانٍ مِنْ لَدُنْكَ. لَكَ الْفَضْلُ يَا إِلَهَ الأَسْمَاءِ وَلَكَ الثَّنَاءُ يَا فَاطِرَ السَّمَاءِ بِمَا سَقَيْتَنِي رَحِيقَكَ الْمَخْتُومَ بِاسْمِكَ الْقَيُّومِ وَقَرَّبْتَنِي إِلَيْكَ وَعَرَّفْتَنِي مَشْرِقَ بَيَانِكَ وَمَطْلِعَ آيَاتِكَ وَمَصْدَرَ أَوَامِرِكَ وَأَحْكَامِكَ وَمَنْبَعَ حِكْمَتِكَ وَأَلْطَافِكَ. طُوبَى لأَرْضٍ فَازَتْ بِقُدُومِكَ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا عَرْشُ عَظَمَتِكَ وَتَضَوَّعَ فِيهَا عَرْفُ قَمِيصِكَ. وَعِزَّتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَقُدْرَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ لاَ أُحِبُّ الْبَصَرَ إِلاَّ لِمُشَاهَدَةِ جَمَالِكَ وَلاَ أُرِيدُ السَّمَعَ إِلاَّ لإِصْغَاءِ نِدَائِكَ وَآيَاتِكَ. إِلَهِي إِلَهِي لاَ تَحْرِمِ الْعُيُونَ عَمَّا خَلَقْتَهَا لَهُ وَلاَ الْوُجُوهَ عَنْ التَّوَجُّهِ إِلَى أُفُقِكَ وَالْقِيَامِ لَدَى بَابِ عَظَمَتِكَ وَالْحُضُورِ أَمَامَ عَرْشِكَ وَالْخُضُوعِ لَدَى إِشْرَاقَاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ فَضْلِكَ. أَيْ رَبِّ أَنَا الَّذِي شَهِدَ قَلْبِي وَكَبِدِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانُ ظَاهِرِي وَبَاطِنِي بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَفَرْدَانِيَّتِكَ وَبِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إَلاَّ أَنْتَ. قَدْ خَلَقْتَ الْخَلْقَ لِعِرْفَانِكَ وَخِدْمَةِ أَمْرِكَ لِتَرْتَفِعَ بِهِ مَقَامَاتُهُم فِي أَرْضِكَ وَتَرْتَقِي أَنْفُسُهُم بِمَا أَنْزَلْتَهُ فِي زُبُرِكَ وَكُتُبِكَ وَأَلْوَاحِكَ. فَلَمَّا أَظْهَرْتَ نَفْسَكَ وَأَنْزَلْتَ آيَاتِكَ أَعْرَضُوا عَنْكَ وَكَفَرُوا بِكَ وَبِمَا أَظْهَرْتَهُ بِقُدْرَتِكَ وَقُوَّتِكَ. وَقَامُوا عَلَى ضَرِّكَ وَإِطْفَاءِ نُورِكَ وَإِخْمَادِ نَارِ سِدْرَتِكَ وَبَلَغُوا فِي الظُّلْمِ مَقَامَاً أَرَادُوا سَفْكَ دَمِكَ وَهَتْكَ حُرْمَتِكَ. وَكَذِلَكَ مَنْ5 رَبَّيْتَهُ بِأَيَادِي عِنَايَتِكَ وَحَفَظْتَهُ مِنْ شَرِّ طُغَاةِ خَلْقِكَ وَبُغَاةِ عِبَادِكَ وَكَانَ أَنْ يُحَرِّرَ آيَاتِكَ أَمَامَ عَرْشِكَ فَآهٍ آهٍ عَمَّا ارْتَكَبَ فِي أَيَّامِكَ بِحَيْثُ نَقَضَ عَهْدَكَ وَمِيثَاقَكَ وَأَنْكَرَ آيَاتِكَ وَقَامَ عَلَى الإِعْرَاضِ وَارْتَكَبَ مَا نَاحَ بِهِ سُكَّانُ مَلَكُوتِكَ. فَلَمَّا خَابَ فِي نَفْسِهِ وَوَجَدَ رَائِحَةَ الْخُسْرَانِ صَاحَ وَقَالَ مَا تَحَيَّرَ بِهِ الْمُقَرَّبُونَ مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَأَهْلُ خِبَاءِ مَجْدِكَ. تَرَانِي يَا إِلَهِي كَالْحُوتِ الْمُتَبَلْبِلِ عَلَى التُّرَابِ أَغِثْنِي ثُمَّ ارْحَمْنِي يَا مُسْتَغَاثُ وَيَا مَنْ فِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ النَّاسِ مِنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ. كُلَّمَا أَتَفَكَّرُ فِي جَرِيرَاتِيَ الْعُظْمَى وَخطِيَّاتِيَ الْكُبْرَى يَأْخُذُنِي الْيَأْسُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَكُلَّمَا أَتَفَكَّرُ فِي بَحْرِ عَطَائِكَ وَسَمَاءِ جُودِكَ وَشَمْسِ فَضْلِكَ أَجِدُ عَرْفَ الرَّجَاءِ مِنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَالْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ. كَأَنَّ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا تُبَشِّرُنِي بِأَمْطَارِ سَحَابِ سَمَاءِ رَحْمَتِكَ. وَعِزَّتِكَ يَا سَنَدَ الْمُخْلِصِينَ وَمَقْصُودَ الْمُقَرَّبِينَ شَجَّعَتْنِي مَوَاهِبُكَ وَأَلْطَافُكَ وَظُهُورَاتُ فَضْلِكَ وَعِنَايَتِكَ. وَإِلاَّ مَا لِلْمَفْقُودِ أَنْ يَذْكُرَ مَنْ أَظْهَرَ الْوُجُودَ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِهِ. وَمَا لِلْمَعْدُومِ أَنْ يَصِفَ مَنْ ثَبَتَ بِالبُرْهَانِ أَنَّهُ لاَ يُوصَفُ بِالأَوْصَافِ وَلاَ يُذْكَرُ بِالأَذْكَارِ. لَمْ يَزَلْ كَانَ مُقَدَّسَاً عَنْ إِدْرَاكِ خَلْقِهِ وَمُنَزَّهَاً عَنْ عِرْفَانِ عِبَادِهِ أَيْ رَبِّ تَرَى الْمَيِّتَ أَمَامَ وَجْهِكَ لاَ تَجْعَلْهُ مَحْرُومَاً مِنْ كَأْسِ الْحَيَوانِ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ. وَالْعَلِيلَ تِلْقَاءَ عَرْشِكَ لاَ تَمْنَعْهُ عَنْ بَحْرِ شِفَائِكَ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُؤَيِّدَنِي فِي كُلِّ الأَحْوَالِ عَلَى ذِكْرِكَ وَثَنَائِكَ وَخِدْمَةِ أَمْرِكَ بَعْدَ عِلْمِي بِأَنَّ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْعَبْدِ مَحْدُودٌ بِحُدُودِ نَفْسِهِ وَلاَ يَلِيقُ لِحَضْرَتِكَ وَلاَ يَنْبَغِي لِبِسَاطِ عِزِّكَ وَعَظَمَتِكَ. وَعِزَّتِكَ لَوْلاَ ثَنَاؤُكَ لاَ يَنْفَعُنِي لِسَانِي وَلَوْلاَ خِدْمَتُكَ لاَ يَنْفَعُنِي وُجُودِي وَلاَ أُحِبُّ الْبَصَرَ إِلاَّ لِمُشَاهَدَةِ أَنْوَارِ أُفُقِكَ الأَعْلَى وَلاَ أُرِيدُ السَّمْعَ إِلاَّ لإِصْغَاءِ نِدَائِكَ الأَحْلَى. آهٍ آهٍ لَمْ أَدْرِ يَا إِلَهِي وَسَنَدِي وَرَجَائِي هَلْ قَدَّرْتَ لِي مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي وَيَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرِي وَيَفْرَحُ بِهِ قَلْبِي أَوْ قَضَاؤُكَ الْمُبْرَمُ مَنَعَنِي عَنِ الْحُضُورِ أَمَامَ عَرْشِكَ يَا مَالِكَ الْقِدَمِ وَسُلْطَانَ الأُمَمِ. وَعِزَّتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَعَظَمَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ قَدْ أَمَاتَتْنِي ظُلْمَةُ الْبُعْدِ أَيْنَ نُورُ قُرْبِكَ يَا مَقْصُودَ الْعَارِفِينَ وَأَهْلَكَتْنِي سَطْوَةُ الْهَجْرِ أَيْنَ ضِيَاءُ وِصَالِكَ يَا مَحْبُوبَ الْمُخْلِصِينَ. تَرَى يَا إِلَهِي مَا وَرَدَ عَلَيَّ فِي سَبِيلِكَ مِنَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا حَقَّكَ وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ وَجَادَلُوا بِآيَاتِكَ وَكَفَرُوا بِنِعْمَتِكَ بَعْدَ ظُهُورِهَا وَكَلِمَتِكَ بَعْدَ إِنْزَالِهَا وَبِحُجَّتِكَ بَعْدَ إِكْمَالِهَا. أَيْ رَبِّ يَشْهَدُ لِسَانُ لِسَانِي وَقَلْبُ قَلْبِي وَرُوحُ رُوحِي وَظَاهِرِي وَبَاطِنِي بِوَحْدَانِيِّتِكَ وَفَرْدَانِيَّتِكَ وَبِقُدْرَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ وَعَظَمَتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَبِعِزَّتِكَ وَرِفْعَتِكَ وَاخْتِيَارِكَ وَبِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ كَنْزَاً مَخْفِيَّاً عَنِ الأَبْصَارِ وَالإِدْرَاكِ وَلاَ تَزَالُ تَكُونُ بِمِثْلِ مَا كُنْتَ فِي أَزَلِ الآزَالِ. لاَ تُضْعِفُكَ قُوَّةُ الْعَالَمِ وَلاَ يُخَوِّفُكَ اقْتِدَارُ الأُمَمِ. أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ بَابَ الْعِلْمِ عَلَى وَجْهِ عِبَادِكَ لِعِرْفَانِ مَشْرِقِ وَحْيِكَ وَمَطْلِعِ آيَاتِكَ وَسَمَاءِ ظُهُورِكَ وَشَمْسِ جَمَالِكَ وَوَعَدْتَ مَنْ عَلَى الأَرْضِ فِي كُتُبِكَ وَزُبُرِكَ وَصُحُفِكَ بِظُهُورِ نَفْسِكَ وَكَشْفِ سُبُحَاتِ الْجَلاَلِ عَنْ وَجْهِكَ كَمَا أَخْبَرْتَ بِهِ حَبِيبَكَ الَّذِي بِهِ أَشْرَقَ نَيِّرُ الأَمْرِ مِنْ أُفُقِ الْحِجَازِ وَسَطَعَ نُورُ الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الْعِبَادِ بِقَوْلِكَ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. وَمِنْ قَبْلِهِ بَشَّرْتَ الْكَلِيمَ ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللهِ﴾ وَأَخْبَرْتَ بِهِ الرُّوحَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. لَوْ يَظْهَرُ مِنْ خَزَائِنِ قَلَمِكَ الأَعْلَى مَا أَنْزَلْتَهُ فِي ذِكْرِ هَذَا الذِّكْرِ الأَعْظَمِ وَنَبَئِكَ الْعَظِيمِ لَيَنْصَعِقُ أَهْلُ مَدَائِنِ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ. إِلاَّ مَنْ أَنْقَذْتَهُ بِاقْتِدَارِكَ وَحَفَظْتَهُ بِجُودِكَ وَفَضْلِكَ. أَشْهَدُ أَنَّكَ وَفَيْتَ بِعَهْدِكَ وَأَظْهَرْتَ الَّذِي بَشَّرَتْ بِظُهُورِهِ أَنْبِيَاؤُكَ وَأَصْفِيَاؤُكَ وَعِبَادُكَ. إِنَّهُ أَتَى مِنْ أُفُقِ الْعِزَّةِ وَالاقْتِدَارِ بِرَايَاتِ آيَاتِكَ وَأَعْلاَمِ بَيِّنَاتِكَ وَقَامَ أَمَامَ الْوُجُوهِ بِقُوَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ وَدَعَا الْكُلَّ إِلَى الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا وَالأُفُقِ الأَعْلَى بِحَيْثُ مَا مَنَعَهُ ظُلْمُ الْعُلَمَاءِ وَسطْوَةُ الأُمَرَاءِ. قَامَ بِالاسْتِقَامَةِ الْكُبْرَى وَنَطَقَ بِأَعْلَى النِّدَاءِ قَدْ أَتَى الْوَهَّابُ رَاكِبَاً عَلَى السَّحَابِ.

أَقْبِلُوا يَا أَهْلَ الأَرْضِ بِوُجُوهٍ بَيْضَاءَ وَقُلُوبٍ نَوْرَاءَ. طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِلِقَائِكَ وَشَرِبَ رَحِيقَ الْوِصَالِ مِنْ أَيَادِي عَطَائِكَ وَوَجَدَ عَرْفَ آيَاتِكَ وَنَطَقَ بِثَنَائِكَ وَطَارَ فِي هَوَائِكَ وَأَخَذَهُ جَذْبُ بَيَانِكَ وَأَدْخَلَهُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى مَقَامَ الْمُكَاشَفَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ أَمَامَ عَرْشِ عَظَمَتِكَ. أَيْ رَبِّ أَسْأَلُكَ بِالْعِصْمَةِ الْكُبْرَى الَّتِي جَعَلْتَها أُفُقَاً لِظُهُورِكَ وَبِكَلِمَتِكَ الْعُلْيَا الَّتِي بِهَا خَلَقْتَ الْخَلْقَ وَأَظْهَرْتَ الأَمْرَ وَبِهَذَا الاسْمِ الَّذِي بِهِ نَاحَتِ الأَسْمَاءُ وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الْعُرَفَاءِ أَنْ تَجْعَلَنِي مُنْقَطِعَاً عَنْ دُونِكَ بِحَيْثُ لاَ أَتَحَرَّكُ إِلاَّ بِإرَادَتِكَ وَلاَ أَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِمَشِيئَتِكَ وَلاَ أَسْمَعُ إِلاَّ ذِكْرَكَ وَثَنَاءَكَ لَكَ الْحَمْدُ يَا إِلَهِي وَلَكَ الشُّكْرُ يَا رَجَائِي بِمَا أَوْضَحْتَ لِي صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ وَأَظْهَرْتَ لِي نَبَأَكَ الْعَظِيمَ وَأَيَّدْتَنِي عَلَى الإِقْبَالِ إِلَى مَشْرِقِ وَحْيِكَ وَمَصْدَرِ أَمْرِكَ بَعْدَ إِعْرَاضِ عِبَادِكَ وَخَلْقِكَ. أَسْأَلُكَ يَا مَالِكَ مَلَكُوتِ الْبَقَاءِ بِصَرِيرِ قَلَمِكَ الأَعْلَى وَبِالنَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ النَّاطِقَةِ فِي الشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ وَبِالسَّفِينَةِ الَّتَي جَعَلْتَهَا مَخْصُوصَةً لأَهْلِ الْبَهَاءِ. أَنْ تَجْعَلَنِي مُسْتَقِيمَاً عَلَى حُبِّكَ وَرَاضِيَاً بِمَا قَدَّرْتَ لِي فِي كِتَابِكَ وَقَائِمَاً عَلَى خِدْمَتِكَ وَخِدْمَةِ أَوْلِيَائِكَ. ثُمَّ أَيِّدْ عِبَادَكَ يَا إِلَهِي عَلَى مَا يَرْتَفِعُ بِهِ أَمْرُكَ وَعَلَى عَمَلِ مَا أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَا تَشَاءُ وَفِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ الأَشْيَاءِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.

يَا أَيُّهَا الْجَلِيلُ قَدْ أَرَيْنَاكَ الْبَحْرَ وَأَمْوَاجَهُ وَالشَّمْسَ وَإِشْرَاقَهَا وَالسَّمَاءَ وَأَنْجُمَهَا وَالأَصْدَافَ وَلآلِئَهَا. اشْكُرِ اللهَ بِهَذَا الْفَضْلِ الأَعْظَمِ وَالْكَرَمِ الَّذِي أَحَاطَ عَلَى الْعَالَم. يَا أَيُّهَا الْمُتَوَجِّهُ إِلَى أَنْوَارِ الْوَجْهِ قَدْ أَحَاطَتِ الأَوْهَامُ عَلَى سُكَّانِ الأَرْضِ وَمَنَعَتْهُم عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى أُفُقِ الْيَقِينِ وَإِشْرَاقِهِ وَظُهُورَاتِهِ وَأَنْوَارِهِ. بِالظُّنُونِ مُنَعُوا عَنِ الْقَيُّومِ يَتَكَلَّمُونَ بِأَهْوَائِهِم وَلاَ يَشْعُرُونَ. مِنْهُم مَنْ قَالَ هَلْ الآيَاتُ نُزِّلَتْ قُلْ إِي وَرَبِّ السَّمَواتِ وَهَلْ أَتَتِ السَّاعَةُ بَلْ قَضَتْ وَمُظْهِرِ الْبَيِّنَاتِ. قَدْ جَاءَتِ الحَاقَّةُ وَأَتَى الحَقُّ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ. قَدْ بَرَزَتِ السَّاهِرَةُ وَالْبَرِيَّةُ فِي وَجَلٍ وَاضْطِرَابٍ. قَدْ أَتَتِ الزَّلاَزِلُ وَنَاحَتِ الْقَبَائِلُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْجَبَّارِ. قُلِ الصَّاخَّةُ صَاحَتْ وَالْيَوْمُ للهِ الوَاحِدِ المُخْتارِ. وَقَالَ هَلِ الطَّامَّةُ تَمَّتْ قُلْ إِي وَرَبِّ الأَرْبَابِ. وَهَلِ الْقِيَامَةُ قَامَتْ بَلْ الْقَيُّومُ بِمَلَكُوتِ الآيَاتِ. هَلْ تَرَى النَّاسَ صَرْعَى بَلَى وَرَبِّي الْعَلِيِّ الأَبْهَى. هَلْ انْقَعَرَتِ الأَعْجَازُ بَلْ نُسِفَتِ الْجِبَالُ وَمَالِكِ الصِّفَاتِ. قَالَ أَيْنَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ قُلْ الأُولَى لِقَائِي وَالأُخْرَى نَفْسُكَ يَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُ الْمُرْتَابُ. قَالَ إِنَّا مَا نَرَى الْمِيزَانَ قُلْ إِي وَرَبِّي الرَّحْمَنِ لاَ يَرَاهُ إِلاَّ أُولُوا الأَبْصَارِ. قَالَ هَلْ سَقَطَتِ النُّجُومُ قُلْ إِي إِذْ كَانَ الْقَيُّومُ فِي أَرْضِ السِّرِّ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَنْظَارِ. قَدْ ظَهَرَتِ الْعَلاَمَاتُ كُلُّهَا إِذْ أَخْرَجْنَا يَدَ الْقُدْرَةِ مِنْ جَيْبِ الْعَظَمَةِ وَالاقْتِدَارِ. قَدْ نَادَى الْمُنَادِ إِذْ أَتَى الْمِيعَادُ وَانْصَعَقَ الطُّورِيُّونَ فِي تِيهِ الْوُقُوفِ مِنْ سَطْوَةِ رَبِّكَ مَالِكِ الإِيجَادِ. يَقُولُ النَّاقُورُ هَلْ نُفِخَ فِي الصُّورِ قُلْ بَلَى وَسُلْطَانِ الظُّهُورِ إِذِ اسْتَقَرَّ عَلَى عَرْشِ اسْمِهِ الرَّحْمَن. قَدْ أَضَاءَ الدَّيْجُورُ مِنْ فَجْرِ رَحْمَةِ رَبِّكَ مَطْلِعِ الأَنْوَارِ. قَدْ مَرَّتْ نَسَمَةُ الرَّحْمَنِ وَاهْتَزَّتِ الأَرْوَاحُ فِي قُبُورِ الأَبْدَانِ كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَزِيزِ الْمَنَّانِ. قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَتَى انْفَطَرَتِ السَّمَاءُ. قُلْ إِذْ كُنْتُمْ فِي أَجْدَاثِ الْغَفْلَةِ وَالضَّلاَلِ. مِنَ الْمُشْرِكينَ مَنْ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَنْظُرُ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ قُلْ قَدْ عَمِيتَ لَيْسَ لَكَ الْيَومَ مِنْ مَلاذٍ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَلْ حُشِرَتِ النُّفُوسُ قُلْ إِي وَرَبِّي إِذْ كُنْتَ فِي مِهَادِ الأَوْهَامِ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَلْ نُزَّلَ الْكِتَابُ بِالْفِطْرَةِ قُلْ إِنَّهَا فِي الْحَيْرَةِ اتَّقُوا يَا أُولِي الأَلْبَابِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَحُشِرْتُ أَعْمَى قُلْ بَلَى وَرَاكِبِ السَّحَابِ. قَدْ زُيِّنَتِ الْجَنَّةُ بِأَوْرَادِ الْمَعَانِي وَسُعِّرَ السَّعِيرُ مِنْ نَارِ الْفُجَّارِ. قُلْ قَدْ أَشْرَقَ النُّورُ مِنْ أُفُقِ الظُّهُورِ وَأَضَاءَتِ الآفَاقُ إِذْ أَتَى مَالِكُ يَوْمِ الْمِيثَاقِ. قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ ارْتَابُوا وَرَبِحَ مَنْ أَقْبَلَ بِنُورِ الْيَقِينِ إِلَى مَطْلِعِ الإِيقَانِ. طُوبَى لَكَ يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ بِمَا نُزِّلَ لَكَ هَذَا اللَّوْحُ الَّذِي مِنْهُ تَطِيرُ الأَرْوَاحُ أَنِ احْفَظْهُ ثُمَّ اقْرَأْهُ لَعَمْرِي إِنَّهُ بَابُ رَحْمَةِ رَبِّكَ طُوبَى لِمَنْ يَقْرَؤُه فِي الْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ. إِنَّا سَمِعْنَا ذِكْرَكَ فِي هَذَا الأَمْرِ الَّذِي مِنْهُ انْدَكَّ جَبَلُ الْعِلْمِ وَزَلَّتِ الأَقْدَامُ. الْبَهَاءُ عَلَى أَهْلِ الْبَهَاءِ الَّذِينَ أَقْبَلُوا إِلَى الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ. قَدْ انْتَهَى اللَّوْحُ وَمَا انْتَهَى الْبَيَانُ اصْبِرْ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الصَّبَّارُ. هَذِهِ آيَاتٌ أَنْزَلْنَاهَا مِنْ قَبْلُ وَأَرْسَلْنَاهَا إِلَيْكَ لِتَعْرِفَ مَا نَطَقَتْ بِهِ الأَلْسِنَةِ الْكَذِبَةُ إِذْ أَتَى اللهُ بِقُدْرَةٍ وَسُلْطَانٍ. قَدْ تَزَعْزَعَ بُنْيَانُ الظُّنُونِ وَانْفَطَرَتْ سَمَاءُ الأَوْهَامِ وَالْقَوْمُ فِي مِرْيَةٍ وَشِقَاقٍ. قَدْ أَنْكَرُوا حُجَّةَ اللهِ وَبُرْهَانَهُ بَعْدَ إِذْ أَتَى مِنْ أُفُقِ الاقْتِدَارِ بِمَلَكُوتِ الآيَاتِ. تَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَارْتَكَبُوا مَا مُنِعُوا عَنْهُ فِي الْكِتَابِ. وَضَعُوا إِلَهَهُم أَخَذُوا أَهْوَاءَهُم أَلا إِنَّهُم فِي غَفْلَةٍ وَضَلاَلٍ. يَقْرَؤُنَ الآيَاتِ وَيُنْكِرُونَهَا. يَرَوْنَ الْبَيِّنَاتِ يُعْرِضُونَ عَنْهَا أَلاَ إِنَّهُمْ فِي رَيْبٍ عُجَابٍ. إِنَّا وَصَّيْنَا أَوْلِيَاءَنَا بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي كَانَ مَطْلِعَ الأَعْمَالِ وَالأَخْلاَقِ إِنَّهُ قَائِدُ جُنُودِ الْعَدْلِ فِي مَدِينَةِ الْبَهَاءِ. طُوبَى لِمَنْ دَخَلَ فِي ظِلِّ رَايَتِهِ النَّوْرَاءِ وَتَمَسَّكَ بِهِ إِنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ الْحَمْرَاءِ الَّتِي نُزِّلَ ذِكْرُهَا فِي قَيُّومِ الأَسْمَاءِ. قُلْ يَا حِزْبَ اللهِ زَيِّنُوا هَيَاكِلَكُمْ بِطِرَازِ الأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ ثُمَّ انْصُرُوا رَبَّكُمْ بِجُنُودِ الأَعْمَالِ وَالأَخْلاَقِ. إِنَّا مَنَعْنَاكُم عَنِ الْفَسَادِ وَالْجِدَالِ فِي كُتُبِي وَصُحُفِي وَزُبُرِي وَأَلْوَاحِي وَمَا أَرَدْنَا بِذَلِكَ إِلاَّ عُلُوَّكُمْ وَسُمُوَّكُمْ تَشْهَدُ بِذَلِكَ السَّمَاءُ وَأَنْجُمُهَا وَالشَّمْسُ وَإِشْرَاقُهَا وَالأَشْجَارُ وَأَوْرَاقُهَا وَالْبِحَارُ وَأَمْوَاجُهَا وَالأَرْضُ وَكُنُوزُهَا نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُمِدَّ أَوْلِيَاءَهُ وَيُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي لَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمُبَارَكِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ. وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُوَفِّقَ مَنْ حَوْلِي عَلَى عَمَلِ مَا أُمُرِوا بِهِ مِنْ قَلَمِي الأَعْلَى.

يَا جَلِيلُ عَلَيْكَ بَهَائِي وَعِنَايَتِي إِنَّا أَمَرْنَا العِبَادَ بِالْمَعْرُوفِ وَهُمْ عَمِلُوا مَا نَاحَ بِهِ قَلْبِي وَقَلَمِي. اسْمَعْ مَا نُزِّلَ مِنْ سَمَاءِ مَشِيَّتِي وَمَلَكُوتِ إِرَادَتِي. لَيْسَ حُزْنِي سِجْنِي وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ أَعَدَائِي بَلْ مِنَ الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَنْفُسَهُم إِلَى نَفْسِي وَيَرْتَكِبُونَ مَا تَصْعَدُ بِهِ زَفَرَاتِي وَتَنْزِلُ عَبَرَاتِي. قَدْ نَصَحْنَاهُمْ بِعِبَارَاتٍ شَتَّى فِي أَلْوَاحٍ شَتَّى. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَهُم وَيُقَرِّبَهُمْ وَيُؤَيِّدَهُم عَلَى مَا تَطْمَئِنُّ بِهِ الْقُلُوبُ وَتَسْتَرِيحُ بِهِ النُّفُوسُ وَيَمْنَعَهُمْ عَمَّا لاَ يَنْبَغِي لأَيَّامِهِ. قُلْ يَا أَوْلِيَائِي فِي بِلاَدِي اسْمَعُوا نُصْحَ مَنْ يَنْصَحُكُم لِوَجْهِ اللهِ إِنَّهُ خَلَقَكُم وَأَظْهَرَ لَكُمْ مَا يَرْفَعُكُم وَيَنْفَعُكُم وَعَلَّمَكُم صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ وَنَبَأَهُ الْعَظِيمَ.

يَا جَلِيلُ وَصِّ الْعِبادَ بِتَقْوَى اللهِ تَاللهِ هُوَ الْقَائِدُ الأَوَّلُ فِي عَسَاكِرِ رَبِّكَ وَجُنُودُهُ الأَخْلاَقُ الْمَرْضِيَّةُ وَالأَعْمَالُ الطَّيِّبَةُ وَبِهَا فُتِحَتْ فِي الأَعْصَارِ وَالْقُرُونِ مَدائِنُ الأَفْئِدَةِ وَالْقُلُوبِ وَنُصِبَتْ رَايَاتُ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى أَعْلَى الأَعْلاَمِ. إِنَّا نَذْكُرُ لَكَ الأَمَانَةَ وَمَقَامَهَا عِنْدَ اللهِ رَبِّكَ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. إِنَّا قَصَدْنَا يَوْمَاً مِنَ الأَيَّامِ جَزِيرَتَنَا الْخَضْرَاءَ وَلَمَّا وَرَدَنَا رَأَيْنَا أَنْهَارَهَا جَارِيَةً وَأَشْجَارَهَا مُلْتَفَّةً وَكَانَتِ الشَّمْسُ تَلْعَبُ فِي خِلاَلِ الأَشْجَارِ تَوَجَّهْنَا إِلَى الْيَمِينِ رَأَيْنَا مَا لاَ يَتَحَرَّكُ الْقَلَمُ عَلَى ذِكْرِهِ وَذِكْرِ مَا شَهِدَتْ عَيْنُ مَوْلَى الْوَرَى فِي ذَاكَ الْمَقَامِ الأَلْطَفِ الأَشْرَفِ الْمُبَارَكِ الأَعْلَى. ثُمَّ أَقْبَلْنَا إِلَى الْيَسَارِ شَاهَدْنَا طَلْعَةً مِنْ طَلَعَاتِ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى قَائِمَةً عَلَى عَمُودٍ مِنَ النُّورِ وَنَادَت بِأَعْلَى النِّدَاءِ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ انْظُرُوا جَمَالِي وَنُورِي وَظُهُورِي وَإِشْرَاقِي تَاللهِ الْحَقِّ أَنَا الأَمَانَةُ وَظُهُورُهَا وَحُسْنُهَا وَأَجْرٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا وَعَرَفَ شَأْنَهَا وَمَقَامَهَا وَتَشَبَّثَ بِذَيْلِهَا. أَنَا الزِّينَةُ الْكُبْرَى لأَهْلِ الْبَهَاءِ وَطِرَازُ الْعِزِّ لِمَنْ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ وَأَنَا السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِثَرْوَةِ الْعَالَمِ وَأُفُقُ الاطْمِئْنَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ. كَذَلِكَ أَنْزَلْنَا لَكَ مَا يُقَرِّبُ الْعِبَادَ إِلَى مَالِكِ الإِيجَادِ.

قَدْ تَوَجَّهَ الْقَلَمُ الأَعْلَى مِنْ اللُّغَةِ الْفُصْحَى "الْعَرَبِيَّةِ" إِلَى اللُّغَةِ النَّوْرَاءِ "الْفَارِسِيَّةِ" لِيَعْرِفَ الْجَلِيلُ عِنَايَةَ رَبِّهِ الْجَمِيلِ وَيَكُونَ مِنَ الشَّاكِرِينَ.

يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى قَد ارْتَفَعَ النِّدَاءُ وَالْقُوَّةُ السَّامِعَةُ قَلِيلَةٌ بَلْ مَفْقُودَةٌ وَهَذَا الْمَظْلُومُ يَذْكُرُ أَوْلِيَاءَ الرَّحْمَنِ وَهُوَ فِي فَمِ الثُّعْبَانِ وَوَرَدَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَا فَزَعَ وَجَزِعَ مِنْهُ الْمَلأُ الأَعْلَى. وَإِنَّ ظُلْمَ الْعَالَمِ وَضَرَّ الأُمَمِ لَمْ يَمْنَعْ مَالِكَ الْقِدَمِ عَنِ الذِّكْرِ وَلاَ عَمَّا أَرَادَ. وَالَّذَينَ تَوَارَوْا خَلْفَ الْحِجَابِ سِنِينَ وَأَعْوَامَاً لَمَّا شَاهَدُوا أُفُقَ الأَمْرِ مُنِيرَاً وَكَلِمَةَ اللهِ نَافِذَةً سَرُعُوا إِلَى الْفَضَاءِ شَاهِرِينَ سُيُوفَ الْبَغْضَاءِ وَارْتَكَبُوا مَا يَعْجَزُ الْقَلَمُ عَنْ ذِكْرِهِ وَيَقْصُرُ اللِّسَانُ عَنْ بَيَانِهِ. وَيَشْهَدُ الْمُنْصِفُونَ بِأَنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ قَامَ مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ أَمَامَ وُجُوهِ الْمُلوُكِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ وَالأُمَرَاءِ مِنْ غَيْرِ سِتْرٍ وَحِجَابٍ. وَدَعَا الْكُلَّ بِأَعْلَى النِّدَاءِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَاصِرٌ إِلاَّ قَلَمُهُ وَلاَ مُعِينٌ إِلاَّ نَفْسُهُ. وَأَمَّا الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى أَصْلِ الأَمْرِ فَإِنَّهُمْ قَامُوا عَلَى الإِعْرَاضِ وَهُمْ النَّاعِقُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ وَأَخْبَرَ عِبَادَهُ بِانْتِشَارِهِمْ وَضَوْضَائِهِمْ وَإِغْوَائِهِمْ. طُوبَى لِلَّذِينَ يُشَاهِدُونَ مَنْ فِي الْوُجُودِ مَعْدُومَاً وَمَفْقُودَاً تِلْقَاءَ ذِكْرِ مَالِكِ الْقِدَمِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِعُرْوَةِ اللهِ الْوُثْقَى بِحَيْثُ لاَ تَمْنَعُهُمْ الشُّبُهَاتُ وَلاَ الإِشَارَاتُ وَلاَ تَقِفُ فِي سَبِيلِهِمْ السُّيُوفُ وَالْمَدَافِعُ طُوبَى لِلرَّاسِخِينَ وَطُوبَى لِلثَّابِتِينَ.

لَقَدْ ذَكَرَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بِاسْتِدْعَاءٍ مِنْ جَنَابِكَ مَرَاتِبَ الْعِصْمَةِ الْكُبْرَى وَمَقَامَاتِهَا. وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَعْلَمَ الْكُلُّ بِيَقِينٍ مُبَينٍ أَنَّ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ ولاَ مَثِيلٌ وَلاَ شَرِيكٌ فِي مَقَامِهِ. وَأَنَّ الأَوْلِيَاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ خُلِقُوا بِكَلِمَتِهِ وَهُمْ أَعْلَمُ الْعِبَادِ وَأَفْضَلُهُم مِنْ بَعْدِهِ قَائِمُونَ بِمُنْتَهَى رُتْبَةِ الْعُبُودِيَّةِ فَبِحَضْرَتِهِ ثَبَتَ تَقْدِيسُ الذَّاتِ الإِلَهِيَّةِ عَنْ الشَّبِيهِ وَالْمَثِيلِ وَظَهَرَ تَنْزِيهُ كَيْنُونَتِهِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ. هَذَا هُوَ مَقَامُ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ وَالتَّفْرِيدِ الْمَعْنَوَيِّ وَقَدْ حُرِمَ الْحِزْبُ السَّابِقُ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ وَمُنِعَ عَنْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ. قَالَ حَضْرَةُ النُّقْطَةِ رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ لَوْ لَمْ يَنْطِقُ حَضْرَةُ الْخَاتَمِ بِكَلِمَةِ الْوِلاَيَةِ لَمَا خُلِقَتِ الْوِلاَيَةُ فَالْحِزْبُ السَّابِقُ كَانُوا مُشْرِكِينَ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ وَكَانُوا يَحْسَبُونَ أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْعِبَادِ مَعْ أَنَّهُمْ أَجْهَلُهُمْ فَكَانَ مِنْ جَزَاءِ هَؤُلاَءِ الْغَافِلِينَ أَنْ قَدْ أَصْبَحَتْ عَقَائِدُهُمْ وَمَرَاتِبُهُمْ وَمَقَامَاتُهُمْ وَاضِحَةً عِنْدَ كُلِّ ذِي خِبْرَةٍ وَمَعْلُومَةً عِنْدَ كُلِّ ذِي بَصِيرَةٍ فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ. فَاسْأَلِ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ عِبَادَ هَذَا الظُّهُورِ مِنْ ظُنُونِ الْحِزْبِ السَّابِقِ وَأَوْهَامِهِمْ وَأَنْ لاَ يَحْرِمَهُمْ مِنْ إِشْرَاقَاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ.

يَا جَلِيلُ إِنَّ مَظْلُومَ الْعَالَمِ يَقُولُ قَدْ سُتِرَ نَيِّرُ الْعَدْلِ وَاحْتَجَبَتْ شَمْسُ الإِنْصَافِ خَلْفَ السَّحَابِ وَقَامَ السَّارِقُ مَقَامَ الْحَارِسِ وَالْحَافِظِ وَجَلَسَ الْخَائِنُ مَكَانَ الأَمِينِ. وَفِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ جَلَسَ ظَالِمٌ عَلَى كُرْسِيِّ حُكُومَةِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يَصْدُرُ مِنْهُ فِي كُلِّ حِينٍ ضُرٌّ. لَعَمْرُ اللهِ قَدْ ارْتَكَبَ مَا كَانَ سَبَبَاً لِلْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَلَكِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى مَا مَنَعَهُ ظُلْمُ الْعَالَمِ وَلَنْ يَمْنَعَهُ.

وَلَقَدْ كَتَبْنَا بِمَحْضِ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ لأُمَرَاءِ الأَرْضِ وَوُزَرَائِهَا مَا يَضْمَنُ الْحِفْظَ وَالْحِرَاسَةَ وَالأَمْنَ وَالأَمَانَ لِلْعِبَادِ لَعَلَّهُمْ يَظَلُّوا مَحْفُوظِينَ مِنْ شَرِّ الظَّالِمِينَ إِنَّهُ هُوَ الَحَافِظُ النَّاصِرُ الْمُعِينُ.

وَيَجِبُ عَلَى رِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ أَنْ يَجْعَلُوا رَائِدَهُمْ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ مَا أَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي تَرْبِيَةِ الْعِبَادِ وَتَعْمِيرِ الْبِلاَدِ وَحِفْظِ النُّفُوسِ وَصِيَانَةِ النَّامُوسِ.

الإِشْرَاقُ الأَوَّلُ

لَمَّا أَشْرَقَتْ شَمْسُ الْحِكْمَةِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ السِّيَاسَةِ نَطَقَتْ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا: تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الثَّرْوَةِ وَأَصْحَابِ الْعِزَّةِ وَالْقُدْرَةِ مُلاَحَظَةُ حُرْمَةِ الدِّينِ بِأَحْسَنِ مَا يُمْكِنْ فِي الإِبْدَاعِ. فَإِنَّ الدِّينَ هُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وَالْحِصْنُ الْمَتِينُ لِحِفْظِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَرَاحَتِهِم إِذْ إِنَّ خَشْيَةَ اللهِ تَأْمُرُ النَّاسَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُم عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَوْ احْتَجَبَ سِرَاجُ الدِّينِ لَتَطَرَّقَ الْهَرْجُ وَالْمَرْجُ وَامْتَنَعَ نَيِّرُ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ عَنِ الإِشْرَاقِ وَشَمْسُ الأَمْنِ وَالاطْمِئْنَانِ عَنِ الإِنْوَارِ. شَهِدَ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ عَارِفٍ خَبِيرٍ.

الإِشْرَاقُ الثَّانِي

إِنَّا أَمَرْنَا الْكُلَّ بِالصُّلْحِ الأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِحِفْظِ الْبَشَرِ. إِنَّ سَلاَطِينَ الآفَاقِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّفِقُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَذَا الأَمْرِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِرَاحَةِ الْعَالَمِ وَحِفْظِ الأُمَمِ. فَهُمْ مَشَارِقُ قُدْرَةِ اللهِ وَمَطَالِعُ اقْتِدَارِهِ نَسْأَلُ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا هُوَ السَّبَبُ لِرَاحَةِ الْعِبَادِ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ قَبْلُ شَرْحٌ لِهَذَا الْبَابِ مِنْ الْقَلَمِ الأَعْلَى. طُوبَى لِلْعَامِلِينَ.

الإِشْرَاقُ الثَّالِثُ

إِجْرَاءُ الْحُدُودِ لأَنَّهُ السَّبَبُ الأَوَّلُ لِحَيَاةِ الْعَالَمِ فَإِنَّ سَمَاءَ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ تَسْتَضِيءُ وَتَسْتَنِيرُ بِنَيِّرينِ الْمَشُورَةِ وَالشَّفَقَةِ وَخَيْمَةُ نِظَامِ الْعَالَمِ تَقُومُ وَتَرْتَفِعُ عَلَى عِمَادَيْنِ الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ.

الإِشْرَاقُ الرَّابِعُ

إِنَّ الْجُنُودَ الْمَنْصُورَةَ فِي هَذَا الظُّهُورِ هِيَ الأَعْمَالُ وَالأَخْلاَقُ الْمَرْضِيَّةُ. وَإِنَّ قَائِدَ هَذِهِ الْجُنُودِ تَقْوَى اللهِ وَهِيَ الْمَالِكَةُ لِلْكُلِّ وَالْحَاكِمَةُ عَلَى الْكُلِّ.

الإِشْرَاقُ الْخَامِسُ

فِي مَعْرِفَةِ الْحُكُومَاتِ أَحْوَالَ مِأْمُورِيهَا وَإِعْطَائِهِمِ الْمَنَاصِبَ بِالْجَدَارَةِ وَالاسْتِحْقَاقِ. تَجِبُ عَلَى كُلِّ رَئِيسٍ وَسُلْطَانٍ مُرَاعَاةُ هَذَا الأَمْرِ حَتَّى لاَ يَغْتَصِبَ الْخَائِنُ مَقَامَ الأَمِينِ وَلاَ النَّاهِبُ مَكَانَ الْحَارِسِ فَبَعْضُ مَأْمُورِي الْحُكوُمَةِ الَّذِينَ أَتَوْا إِلَى السِّجْنِ الأَعْظَمِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ كَانُوا وَللهِ الْحَمْدُ مُزَيَّنِينَ بِطِرَازِ الْعَدْلِ وَبَعْضُهُم نَعُوذُ بِاللهِ. نَسْأَلُ الْحَقَّ أَنْ يَهْدِيَ الْكُلَّ عَسَى أَنْ لاَ يُحْرَمُوا مِنْ أَثْمَارِ سِدْرَةِ الأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ وَلاَ يُمْنَعُوا مِنْ أَنْوَارِ شَمْسِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ.

الإِشْرَاقُ السَّادِسُ

هُوَ اتِّحَادُ الْعِبَادِ وَاتِّفَاقُهُم. وَلاَ تَزَالُ بِالاتِّفَاقِ تَتَنَوَّرُ آفَاقُ الْعَالَمِ بِنُورِ الأَمْرِ. وَالسَّبَبُ الأَعْظَمُ لِذَلِكَ مَعْرِفَةُ بَعْضِهِمْ لُغَةَ بَعْضٍ وَخَطَّهُ.

إِنَّا أَمَرْنَا أُمَنَاءَ بَيْتِ الْعَدْلِ مِنْ قَبْلُ فِي الأَلْوَاحِ أَنْ يَخْتَارُوا لِسَانَاً مِنَ الأَلْسُنِ الْمَوْجُودَةِ أَوْ يَبْتَدِعُوا لِسَانَاً وَيَخْتَارُوا أَيْضَاً خَطَّاً مِنَ الْخُطُوطِ وَيُعَلِّمُوا الأَطْفَالَ بِهِ فِي مَدَارِسِ الْعَالَمِ حَتَّى يُشَاهَدَ الْعَالَمُ وَطَنَاً وَاحِدَاً وَإِقْلِيمَاً واحداً. إِنَّ أَبْهَى ثَمَرَةٍ لِشَجَرَةِ الْعِرْفَانِ هِيَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا: كُلُّكُمْ أَثْمَارُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَوْرَاقُ غُصْنٍ وَاحِدٍ. لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا هُوَ سَبَبُ عِمَارِ الْعَالَمِ وَاتِّحَادِ الأُمَمِ طُوبَى لِلْفَائِزِينَ وَطُوبَى لِلْعَامِلِينَ.

الإِشْرَاقُ السَّابِعُ

إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى يُوصِي الْكُلَّ بِتَعْلِيمِ الأَطْفَالِ وَتَرْبِيَتِهِم وَلَقَدْ نُزِّلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ سَمَاءِ الْمَشِيئَةِ الإِلَهِيَّةِ فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ بُعَيْدَ الْوُرُودِ فِي السِّجْنِ: كُتِبَ عَلَى كُلِّ أَبٍ تَرْبَيِةُ ابْنِهِ وِبِنْتِهِ بِالْعِلْمِ وَالْخَطِّ وَدُونِهِمَا عَمَّا حُدِّدَ فِي اللَّوْحِ وَالَّذِي تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلِلأُمَنَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ مَا يَكُونُ لازِمَاً لِتَرْبِيَتِهِمَا إِنْ كَانَ غَنِيَّاً وَإِلاَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ مَأْوَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ. إِنَّ الَّذِي رَبَّى ابْنَهُ أَوْ ابْنَاً مِنَ الأَبْنَاءِ كَأَنَّهُ رَبَّى أَحَدَ أَبْنَائِي عَلَيْهِ بَهَائِي وَعِنَايَتِي وَرَحْمَتِي الَّتِي سَبَقَتِ الْعَالَمِينَ.

الإِشْرَاقُ الثَّامِنُ

قَدْ سُطِرَتْ فِي هَذَا الْحِينِ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَتُعَدُّ مِنَ الْكِتَابِ الأَقْدَسِ. وَهِيَ أَنَّ أُمُورَ الْمِلَّةِ مُعَلَّقَةٌ وَمَنُوطَةٌ بِرِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ. أُولَئِكَ أُمَنَاءُ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَمَطَالِعُ الأَمْرِ فِي بِلاَدِهِ. يَا حِزْبَ اللهِ إَنَّ مُرَبِّي الْعَالَمِ هُوَ الْعَدْلُ لأَنَّهُ حَائِزٌ لِرُكْنَيِّ الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ. وَهَذَانِ الرُّكْنَانِ هُمَا الْيَنْبُوعَانِ لِحَيَاةِ أَهْلِ الْعَالَمِ. وَبِمَا أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَقْتَضِي أَمْرَاً وَكُلَّ حِينٍ يَسْتَدْعِي حِكْمَةً فَلِذَلِكَ تَرْجِعُ الأُمُورُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ لِيُقَرِّرَ مَا يَرَاهُ مُوافِقَاً لِمُقْتَضَى الْوَقْتِ. وَالَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى خِدْمَةِ الأَمْرِ لِوَجْهِ اللهِ أُولَئِكَ مُلْهَمُونَ بِالإِلْهَامَاتِ الْغَيْبِيَّةِ الإِلَهِيَّةِ. وَقَدْ فُرِضَ عَلَى الْكُلِّ إِطَاعَتُهُمْ وَالأُمُورُ السِّيَاسِيَّةُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ. وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَإِلَى مَا أَنْزَلَهُ اللهُ فِي الْكِتَابِ. يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ كُنْتُمْ وَلاَ زِلْتُمْ مَشَارِقَ مَحَبَّةِ اللهِ وَمَطالِعَ عِنَايَتِهِ فَلاَ تُدَنِّسُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِسَبِّ أَحَدٍ وَلَعْنِهِ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهَا. أَظْهِرُوا مَا عِنْدَكُم فَإِنْ قُبِلَ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ وَإِلاَّ فَالتَّعَرُّضُ بَاطِلٌ. ذَرُوهُ بِنَفْسِهِ مُقْبِلِينَ إِلَى اللهِ الْمُهَيْمِنَ الْقَيُّومِ. وَلاَ تَكُونُوا سَبَبَاً لِحُزْنِ أَحَدٍ فَضْلاً عَنِ الْفَسَادِ وَالنِّزَاعِ عَسَى أَنْ تَتَرَبُّوا فِي ظِلِّ سِدْرَةِ الْعِنَايَةِ الإِلَهِيَّةِ وَتَعْمَلُوا بِمَا أَرَادَهُ اللهُ كُلُّكُمْ أَوْرَاقُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَطَرَاتُ بَحْرٍ وَاحِدٍ.

الإِشْرَاقُ التَّاسِعُ

إِنَّ دِينَ اللهِ وَمَذْهَبَهُ قَدْ نُزِّلَ وَظَهَرَ مِنْ سَمَاءِ مَشِيئَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ لِمَحْضِ اتِّحَادِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَاتِّفَاقِهِمْ فَلاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَ الاخْتِلاَفِ وَالنِّفَاقِ. وَلَمْ يَزَلِ الدِّينُ الإِلَهِيُّ وَالشَّرِيعَةُ الرَّبَّانِيَّةُ السَّبَبَ الأَعْظَمَ وَالْوَسِيلَةَ الْكُبْرَى لِظُهُورِ نَيِّرِ الاتِّحَادِ وَإِشْرَاقِهِ. وَنُمُوُّ الْعَالَمِ وَتَرْبِيَةُ الأُمَمِ وَاطْمِئْنَانُ الْعِبَادِ وَرَاحَةُ مَنْ فِي الْبِلاَدِ مَنُوطٌ بِالأُصُولِ وَالأَحْكَامِ الإِلَهِيَّةِ. فَهِيَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِهَذِهِ الْعَطِيَّةِ الْكُبْرَى تَهَبُ كَأْسَ الْبَقَاءِ وَتُعْطِي الْحَيَاةَ الْخَالِدَةَ وَتَمْنَحُ النِّعْمَةَ السَّرْمَدِيَّةَ. فَلَيَبْذُلْ رُؤَسَاءُ الأَرْضِ وَعَلَى الْخُصُوصِ أُمَنَاءُ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ الْجَهْدَ الْجَهِيدَ لِصَيَانَةِ هَذَا الْمَقَامِ وَيَعْمَلُوا عَلَى إِعْلائِهِ وَحِفْظِهِ. وَكَذلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَفَقُّدُ أَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَالاطِّلاَعُ عَلَى أَعْمَالِ كُلِّ حِزْبٍ مِنَ الأَحْزَابِ وَأَحْوَالِهِمْ. نَطْلُبُ مِنْ مَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ أَعْنِي الْمُلُوكَ وَالرُّؤَسَاءَ أَنْ يَبْذُلُوا الْهِمَّةَ عَسَى أَنْ يَرْتَفِعَ الْخِلاَفُ مِنْ بَيْنِ الْبَرِيَّةِ وَيَسْتَنِيْرُ الآفَاقُ بِنُورِ الاتِّفَاقِ. يَجِبُ أَنْ يَتَمَسَّكَ الْكُلُّ وَيَعْمَلَ بِمَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى.

يَشْهَدُ الْحَقُّ وَذَرَّاتُ الْكَائِنَاتِ بِأَنَّنَا ذَكَرْنَا مَا هُوَ السَّبَبُ لِعُلُوِّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ وَرِفْعَتِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ وَحِفْظِهِمْ وَتَهْذِيبِهِمْ. وَنُزِّلَ ذَلِكَ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَ الْعِبَادَ. وَمَا يَطْلُبُهُ هَذَا الْمَظْلُومُ مِنَ الْكُلِّ هُوَ الْعَدْلُ وَالإِنْصَافُ وَأَنْ لاَ يَكْتَفُوا بِالإِصْغَاءِ بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَفَكَّرُوا فِيمَا ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْمَظْلُومِ. قَسَمَاً بِشَمْسِ الْبَيَانِ الَّتِي أَشْرَقَتْ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ مَلَكُوتِ الرَّحْمَنِ لَوْ وُجِدَ مُبَيِّنٌ أَوْ نَاطِقٌ مَا جَعَلْتُ نَفْسِي عُرْضَةً لِشَمَاتَةِ الْعِبَادِ وَاسْتِهْزَائِهِمْ وَمُفْتَرَياَتِهِمْ.

وَلَمَّا وَرَدْنَا الْعِرَاقَ الْفَيْنَا أَمْرَ اللهِ خَامِداً وَنَفَحَاتِ الْوَحْيِ مَقْطُوعةً وَشَاهَدْنَا الأَكْثَرِينَ جَامِدِينَ بَلْ أَمْوَاتَاً غَيْرَ أَحْيَاءٍ لِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ مَرَّةً أُخْرَى. وَجَرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْمُبَارَكَةُ مِنْ لِسَانِ الْعَظَمَةِ. نَفَخْنَا فِي الصُّورِ مَرَّةً أُخْرَى. وَأَحْيَيْنَا الآفَاقَ مِنْ نَفَحَاتِ الْوَحْيِ وَالإِلْهَامِ. وَالآنَ قَدْ خَرَجَتْ نُفُوسٌ مِنْ خَلْفِ كُلِّ حِجَابٍ مُسْرِعَةً بِقَصْدِ أَذَى هَذَا الْمَظْلُومِ فَمَنَعُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ الْكُبْرَى وَأَنْكَرُوهَا.

فَيَا أَهْلَ الإِنْصَافِ لَوْ يُنْكَرُ هَذَا الأَمْرُ فَأَيُّ أَمْرٍ فِي الأَرْضِ قَابِلٌ للإِثْبَاتِ أَوْ لائِقٌ لِلإِقْرَارِ. وَلَقَد اهْتَمَّ الْمُعْرِضُونَ بِجَمْعِ آيَاتِ هَذَا الظُّهُورِ وَأَخَذُوهَا بِالتَّمَلُّقِ مِمَّنْ وَجَدُوهَا عِنْدَهُ وَكَانُوا يَتَظَاهَرُونَ عِنْدَ أَهْلِ كُلِّ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُمْ مِنْهُم. قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّهُ أَتَى بِأَمْرٍ لاَ يُنْكِرُهُ ذُو بَصَرٍ وَذُو سَمْعٍ وَذُو عَدْلٍ وَذُو إِنْصَافٍ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَلَمُ الْقِدَمِ فِي هَذَا الْحِينَ الْمُبِينَ.

يَا جَلِيلُ عَلَيْكَ بَهَائِي إِنَّا نَأْمُرُ أَوْلِيَاءَ الْحَقِّ بِالأَعْمَالِ عَسَى أَنْ يُوفَّقُوا وَيَعْمَلُوا بِمَا نُزِّلَ مِنْ سَمَاءِ الأَمْرِ. وَإِنَّمَا يَنْفَعُ بَيَانُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ هُمْ بِهِ يَعْمَلُونَ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى وَيُوَفِّقَهُمْ عَلَى الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ فِي هَذَا الأَمْرِ الْمُبْرَمِ وَيُعَرِّفَهُمْ آيَاتِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ.

وَقَدْ شَرَّعَ حَضْرَةُ الْمُبَشِّرِ رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ أَحْكَامَاً وَلكِنَّهُ عَلَّقَهَا بِقَبُولِ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ. فَلِذَا أَجْرَى هَذَا الْمَظْلُومُ بَعْضَهَا وَنُزِّلَتْ فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ بِعِبَارَاتٍ أُخْرَى وَتَوَقَّفْنَا فِي الْبَعْضِ. الأَمْرُ بِيَدِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ.

وَنَزَّلَ أَيْضَاً بَعْضَ الأَحْكَامِ بِدْعَاً طُوبَى لِلْفَائِزِينَ وَطُوبَى لِلْعَامِلِينَ. يَجِبُ عَلَى حِزْبِ اللهِ أَنْ يَبْذُلُوا الْجَهْدَ الْبَلِيغَ لَعَلَّ بِكَوْثَرِ الْبَيَانِ وَنَصَائِحِ مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ تَخْمُدُ نَارُ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الْمَكْنُونَةِ فِي صُدُورِ الأَحْزَابِ. وَتَتَزَيَّنُ أَشْجَارُ الْوُجُودِ بِالأَثْمَارِ الْبَدِيعَةِ الْمَنِيعَةِ إِنَّهُ هُوَ النَّاصِحُ الْمُشْفِقُ الْكَرِيمُ. الْبَهَاءُ اللاَّئِحُ الْمُشْرِقُ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْعَطَاءِ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ وَعَلَى كُلِّ ثَابِتٍ مُسْتَقِيمٍ وَكُلِّ رَاسِخٍ عَلِيمٍ.

وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنِ الْفَوَائِدِ وَالأَرْبَاحِ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَدْ صَدَرَ الْبَيَانُ الآتِي مِنْ مَلَكُوتِ الرَّحْمَنِ مُنْذُ عِدَّةِ سِنِينَ خَاصَّاً لاسْمِ اللهِ زَيْنِ الْمُقَرَّبِينَ12 عَلَيْهِ بَهَاءُ اللهِ الأَبْهَى قَوْلُهُ تَعَالَى يُرَى أَكْثَرُ النَّاسِ مُحْتَاجَاً إِلَى هَذِهِ الْفِقْرَةِ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَ النَّاسِ لَتَتَعَطَّلُ وَتَتَعَوَّقُ الأُمُورُ. وَقَلَّمَا نَجِدُ مَنْ يَتَوَفَّقُ بِمُرَاعَاةِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَأَبْنَاءِ وَطَنِهِ أَوْ إِخْوَانِهِ لِيُقْرِضَهُم قَرْضَاً حَسَنَاً. لِذَا فَضْلاً عَلَى الْعِبَادِ قَرَّرْنَا الرِّبَا كَسَائِرِ الْمُعَامَلاَتِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَيْ رِبْحِ النُّقُودِ. فَمِنْ هَذَا الْحِينِ الَّذِي نُزِّلَ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ الْمُبِينُ مِنْ سَمَاءِ الْمَشِيئَةِ صَارَ رِبْحُ النُّقُودِ حَلاَلاً طَيِّبَاً طَاهِرَاً لِيَشْتَغِلَ أَهْلُ الأَرْضِ بِكَمَالِ الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَالْفَرَحِ وَالانْبِسَاطِ بِذِكْرِ مَحْبُوبِ الْعَالَمِينَ. إِنَّهُ يَحْكُمُ كَيْفَ يَشَاءُ وَأَحَلَّ الرِّبَا كَمَا حَرَّمَهُ مِنْ قَبْلُ فِي قَبْضَتِهِ مَلَكُوتُ الأُمْرِ يَفْعَلُ وَيَأْمُرُ وَهُوَ الآمِرُ الْعَلِيمُ.

يَا زَيْنَ الْمُقَرَّبِينَ اشْكُرْ رَبَّكَ بِهَذَا الْفَضْلِ الْمُبِينِ. إِنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ إِيرَانَ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِأَكْلِ الرِّبَا بِمَائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْحِيَلِ وَالْخُدَعِ وَلَكِنَّهُمْ زَيَّنُوا ظَاهِرَهُ بِطِرَازِ الْحِلِّيَّةِ حَسْبَ ظُنُونِهِمْ. يَلْعَبُونَ بِأَوَامِرِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ وَلاَ يَشْعُرُونَ. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ بِالاعْتِدَالِ وَالإِنْصَافِ وَقَدْ تَوَقَّفَ الْقَلَمُ الأَعْلَى فِي تَحْدِيدِهِ حِكْمَةً مِنْ عِنْدِهِ وَوُسْعَةً لِعِبَادِهِ. وَنُوصِي أَوْلِيَاءَ اللهِ بِالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَمَا يَظْهَرُ بِهِ رَحْمَةُ أَحِبَّائِهِ وَشَفَقَتُهُمْ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ هُوَ النَّاصِحُ المُشْفِقُ الْكَرِيمُ. نَرْجُو اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَ الْكُلَّ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا جَرَى مِنْ لِسَانِ الْحَقِّ فَإِنْ عَمِلُوا بِمَا ذُكِرَ لَيُعْطِيَنَّهُم اللهُ جَلَّ جَلالُهُ ضِعْفَ ذَلِكَ مِنْ سَمَاءِ الْفَضْلِ. إِنَّهُ هُوَ الْفَضَّالُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

وَلَكِنْ فُوِّضَ إِجْرَاءُ هَذِهِ الأُمُورُ إِلَى رِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ حَتَّى يَعْمَلُوا بِمُقْتَضَيَاتِ الْوَقْتِ وَالْحِكْمَةِ وَنُوصِي الْكُلَّ مَرَّةً أُخْرَى بِالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا. إِنَّهُمْ أَهْلُ الْبَهَاءِ وَأَصْحابُ السَّفِينَةِ الْحَمْرَاءِ عَلَيْهِمْ سَلاَمُ اللهِ مَوْلَى الأَسْمَاءِ وَفَاطِرِ السَّمَاءِ.

المصادر
المحتوى
OV