الْكَلِمَاتُ الْفِرْدَوْسِيَّةُ
(معرّب عن الفارسية)
هُوَ النَّاطِقُ بِالْحَقِّ فِي مَلَكُوتِ الْبَيَانِ
يَا مَشَارِقَ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَمَطَالِعَ الصِّدْقِ وَالأَلْطَافِ إِنَّ الْمَظْلُومَ يَبْكِي وَيَقُولُ يَنُوحُ وَيُنَادِي: إِلَهِي إِلَهِي زَيِّن رُؤُوسَ أَوْلِيَائِكَ بِإِكْلِيلِ الانْقِطَاعِ وَهَيَاكِلَهُمْ بِطِرَازِ التَّقْوَى. يَنْبَغِي لأَهْلِ الْبَهَاءِ أَنْ يَنْصُرُوا الرَّبَّ بِبَيَانِهِمْ وَيَعِظُوا النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ. أَثَرُ الأَعْمَالِ أَنْفَذُ مِنْ أَثَرِ الأَقْوَالِ.
يَا حَيْدَرُ قَبْلَ عَلِيٍّ عَلَيْكَ ثَنَآءُ اللهِ وَبَهَاؤُهُ. قُلْ إِنَّ الإِنْسَانَ يَرْتَفِعُ بِأَمَانَتِهِ وَعِفَّتِهِ وَعَقْلِهِ وَأَخْلاَقِهِ وَيَهْبِطُ بِخِيَانَتِهِ وَكَذِبِهِ وَجَهْلِهِ وَنِفَاقِهِ. لَعَمْرِي لاَ يَسْمُو الإِنْسَانُ بِالزِّينَةِ وَالثَّرْوَةِ بَلْ بِالآدَابِ وَالْمَعْرِفَةِ.
إِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ إِيرَانَ تَرَبَّوْا عَلَى الْكَذِبِ وَالظُّنُونِ. أَيْنَ مَقَامُ تِلْكَ النُّفُوسِ مِنْ مَقَامِ رِجَالٍ عَبَرُوا خَلِيجَ الأَسْمَآءِ وَرَفَعُوا الْخِبَآءَ عَلَى شَاطِئِ بَحْرِ التَّقْدِيسِ. وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّ تِلْكَ النُّفُوسَ الْمَوْجُودَةَ لَمْ تَكُنْ وَلَنْ تَكُونَ لائِقَةً لاسْتِمَاعِ تَغْرِيدِ حَمَامَاتِ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾. وَإِنَّ أَكْثَرَ الْعِبَادِ يَأْتَنِسُونَ بِالأَوْهَامِ يُرَجِّحُونَ قَطْرَةً مِنْ بَحْرِ الْوَهْمِ عَلَى بَحْرِ الإِيقَانِ يَتَمَسَّكُونَ بِالاسْمِ وَهُمْ مَحْرُومُونَ عَنِ الْمَعْنَى. يَتَشَبَّثُونَ بِالظُّنُونِ وَهُمْ مَمْنُوعُونَ عَنْ مَشْرِقِ الآيَاتِ الإِلَهِيَّةِ. عَسَى اللهُ أَنْ يُؤَيِّدَكُمْ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ عَلَى كَسْرِ أَصْنَامِ الأَوْهَامِ وَخَرْقِ سُبُحَاتِ الأَنَامِ.
الأَمْرُ بِيَدِ اللهِ مُظْهِرِ الْوَحْيِ وَالإِلْهَامِ وَمَالِكِ يَوْمِ الْقِيَامِ. قَدْ سَمِعْنَا مَا ذَكَرَهُ جَنَابُ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُبَلِّغِينَ. قَدْ نَطَقَ بِالْحَقِّ. فَإِنَّ بَعْضَاً مِنَ النُّفُوسِ الْغَافِلَةِ يَسِيرُونَ فِي الْبِلاَدِ بِاسْمِ الْحَقِّ وَيَشْتَغِلُونَ بِتَضْيِيعِ أَمْرِهِ وَسَمُّوا ذَلِكَ بِالنُّصْرَةِ وَالتَّبْلِيغِ. مَعَ أَنَّ أَنْجُمَ شَرَائِطِ الْمُبَلِّغِينَ مُشْرِقَةٌ وَلاَئِحَةٌ مِنْ آفَاقِ سَمَوَاتِ الأَلْوَاحِ الإِلَهِيَّةِ. وَقَدْ شَهِدَ كُلُّ مُنْصِفٍ وَاطَّلَعَ كُلُّ بَصِيرٍ بِأَنَّ الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ قَدْ تَكَلَّمَ وَعَلَّمَ الأَنَامَ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ مَا هُوَ سَبَبُ ارْتِفَاعِ مَقَامَاتِ الإِنْسَانِ وَمَرَاتِبِهِ وَأَنَّ أَهْلَ الْبَهَاءِ كَالشَّمْعِ بَيْنَ الْجَمْعِ مُشْرِقُونَ وَلاَئِحُونَ وَبِإِرَادَةِ اللهِ مُتَمَسِّكُونَ. وَهَذَا الْمَقَامُ سُلْطَانُ الْمَقَامَاتِ. طُوبَى لِمَنْ نَبَذَ مَا عِنْدَ الْعَالَمِ رَجَاءَ مَا عِنْدَ اللهِ مَالِكِ الْقِدَمِ. قُلْ: إِلَهِي إِلَهِي تَرَانِي طَائِفَاً حَوْلَ إِرَادَتِكَ وَنَاظِرَاً إِلَى أُفُقِ جُودِكَ وَمُنْتَظِرَاً تَجَلِّيَاتِ أَنْوَارِ نَيِّرِ عَطَائِكَ. أَسْأَلُكَ يَا مَحْبُوبَ أَفْئِدَةِ الْعَارِفِينَ وَمَقْصُودَ الْمُقَرَّبِينَ أَنْ تَجْعَلَ أَوْلِيَاءَكَ مُنْقَطِعِينَ عَنْ إِرَادَتِهِمْ مُتَمَسِّكِينَ بِإرَادَتِكَ. أَيْ رَبِّ زَيِّنْهُمْ بِطِرَازِ التَّقْوَى وَنَوِّرْهُمْ بِنُورِ الانْقِطَاعِ. ثُمَّ أَيِّدْهُمْ بِجُنُودِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ لإِعْلآءِ كَلِمَتِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَإِظْهَارِ أَمْرِكَ بَيْنَ عِبَادِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَآءُ وَفِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ الأُمُورِ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ.
يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى الْوَجْهِ. قَدْ وَرَدَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَا كَانَ سَبَبَاً لِلْحُزْنِ الأَكْبَرِ. ظَهَرَ مِنْ بَعْضِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْحَقِّ مَا ارْتَعَدَتْ بِهِ فَرَائِصُ الصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ وَالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ. وَمَعَ ظُهُورِ كَمَالِ الْعِنَايَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَعْلُومِ وَإِجْرَآءِ الْعَطَآءِ لَهُ فَعَلَ مَا بَكَتْ بِهِ عَيْنُ اللهِ وَلَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ مَا يُوجِبُ التَّذَكُّرَ وَالانْتِبَاهَ وَسَتَرْنَاهُ سِنِينَ لَعَلَّهُ يَنْتَبِهُ وَيَرْجِعُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِذَلِكَ أَثَرٌ. وَقَامَ أَخِيرَاً بِتَضْيِيعِ أَمْرِ اللهِ أَمَامَ وُجُوهِ الْخَلْقِ وَهَتْكِ سِتْرِ الإِنْصَافِ وَلَمْ يَرْحَمْ نَفْسَهُ وَلاَ أَمْرَ اللهِ. وَالآنَ قَدْ غَلَبَ حُزْنُ أَعْمَالِ بَعْضِ الآخَرِينَ عَلَى حُزْنِ أَعْمَالِهِ. أَطْلُبُ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يُؤَيِّدَ النُّفُوسَ الْغَافِلَةَ عَلَى الرُّجُوعِ وَالإِنَابَةِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفَّارُ وَهُوَ الْفَضَّالُ الْكَرِيمُ.
يَجِبُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ أَنْ يَتَمَسَّكَ الْكُلُّ بِالاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ وَيَشْتَغِلُوا بِنُصْرَةِ أَمْرِ اللهِ لَعَلَّ النُّفُوسَ الْغَافِلَةَ تَفُوزُ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْفَلاَحِ الأَبَدِيِّ.
وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّ اخْتِلاَفَ الأَحْزَابِ قَدْ صَارَ سَبَبَاً وَعِلَّةً لِلضَّعْفِ. وَكُلُّ حِزْبٍ اتَّخَذَ سَبِيلاً وَتَمَسَّكَ بِعُرْوَةٍ وَمَعَ الْجَهْلِ وَالْعَمَى يَحْسَبُونَ أَنْفُسَهُمْ أُولِي الْبَصَرِ وَالْعِلْمِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الأَحْزَابِ عُرَفَآءُ مِلَّةِ الإِسْلاَمِ فَإِنَّ بَعْضَ تِلْكَ النُّفُوسِ تَشَبَّثُوا بِمَا هُوَ سَبَبُ الْخُمُودِ وَالانْزِوَآءِ. لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ ذَلِكَ يَحُطُّ مِنْ مَقَامِهِمْ وَيَزِيدُ فِي غُرُورِهِمْ. لاَ بُدّ أَنْ يَظْهَرَ مِنَ الإِنْسَانِ ثَمَرٌ لأَنَّ الإِنْسَانَ الْخَالِي مَنَ الثَّمَرِ كَمَا نَطَقَ بِهِ حَضْرَةُ الرُّوحِ بِمَثَابَةِ الشَّجَرِ بِلاَ ثَمَرٍ. وَالشَّجَرُ بِلاَ ثَمَرٍ لاَئِقٌ لِلنَّارِ. وَلَقَدْ ذَكَرَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ فِي مَقَامَاتِ التَّوْحِيدِ مَا هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِظُهُورِ خُمُودِ الْعِبَادِ وَأَوْهَامِهِمْ. وَفِي الْحَقِيقَةِ رَفَعُوا الْفَرْقَ وَحَسِبُوا أَنْفُسَهُمْ الْحَقَّ. وَالْحَقُّ مُقَدَّسٌ عَنِ الْكُلِّ وَآيَاتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي الْكُلِّ. وَمِنْهُ الآيَاتُ وَلَيْسَتْ نَفْسَهُ. وَالْكُلُّ مَذْكُورٌ وَمَشْهُودٌ فِي دَفْتَرِ الْكَوْنِ. وَصُورَةُ الْعَالَمِ أَعْظَمُ كِتَابٍ يُدْرِكُ مِنْهُ كُلُّ ذِي بَصَرٍ مَا هُوَ سَبَبُ الْوُصُولِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالنَّبَإِ الْعَظِيمِ. انْظُرُوا إِلَى تَجَلِّيَاتِ الشَّمْسِ فَإِنَّ أَنْوَارَهَا أَحَاطَتِ الْوُجُودَ وَلَكِنَّ ظُهُورَ التَّجِلِّيَاتِ مِنْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ نَفْسَها وَكُلُّ مَا يُشَاهَدُ فِي الْوُجُودِ حَاكٍ عَنْ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ وَهُوَ مُقَدَّسٌ عَنِ الْكُلِّ.
قَالَ حَضْرَةُ الْمَسِيحِ أَعْطَيْتَ الأَطْفَالَ مَا حُرِمَ مِنْهُ الْعُلَمَآءُ وَالْحُكَمَآءُ. قَالَ الْحَكِيمُ السَّبْزَوارِيُّ لَوْ تُوجَدُ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ وَإِلاَّ فَزَمْزَمَةُ سِدْرَةِ الطُّورِ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ شَجَرَةٍ. وَقَدْ خَاطَبْنَا ذَلِكَ الْحَكِيمَ الْمَذْكُورَ الْمَشْهُورَ فِي لَوْحِ أَحَدِ الْحُكَمَاءِ السَّائِلِ عَنْ بَسِيطَةِ الْحَقِيقَةِ بِأَنَّهُ إِذَا َكانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ صَدَرَتْ مِنْكَ فَلِمَ لَمْ تَسْمَعْ نِدَآءَ سِدْرَةِ الإِنْسَانِ الْمُرْتَفِعَ مِنْ أَعْلَى مَقَامِ الْعَالَمِ. وَإِنْ كُنْتَ سَمِعْتَ وَمنَعَكَ عَنِ الْجَوَابِ الْخَوْفُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى رُوحِكَ فَمِثْلُ هَذَا الشَّخْصِ لَمْ يَكُنْ وَلَنْ يَكُونَ لائِقَاً لِلذِّكْرِ وَإِنْ لِمْ تَسْمَعْ فَإِنَّكَ مَحْرُومٌ عَنِ السَّمْعِ.
وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّهُمْ فِي الْقَوْلِ فَخْرُ الْعَالَمِ وَفِي الْعَمَلِ عَارُ الأُمَمِ**. إِنَّا نَفَخْنَا فِي الصُّورِ وَهُوَ قَلَمِيَ الأَعْلَى وَانْصَعَقَ مِنْهُ الْعِبَادُ إِلاَّ مَنْ حَفِظَهُ اللهُ فَضْلاً مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ الْفَضَّالُ الْقَدِيمُ. قُلْ يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ هَلْ تَعْتَرِضُونَ عَلَى قَلَمٍ إِذَا ارْتَفَعَ صَرِيرُهُ اسْتَعَدَّ مَلَكُوتُ الْبَيَانِ لإِصْغَائِهِ وَخَضَعَ كُلُّ ذِكْرٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ الْعَزِيزِ الْعَظِيمِ. اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَتَّبِعُوا الظُّنُونَ وَالأَوْهَامَ. اتَّبِعُوا مَنْ أَتَاكُمْ بِعِلْمٍ مُبِينٍ وَيَقِينٍ مَتِينٍ.**
سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ كَنْزَ الإِنْسَانِ بَيَانُهُ. وَهَذَا الْمَظْلُومُ تَوَقَّفَ عَنْ إِظْهَارِهِ إِذْ الْمُنْكِرُونَ فِي الْمَكَامِنِ مُتَرَصِّدُونَ**. أَلحِفْظُ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينِ. إِنَّا تَوَكَّلْنَا عَلَيْهِ وَفَوَّضْنَا الأُمُورَ إِلَيْهِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَحَسْبُ كُلِّ شَيْءٍ. هُوَ الَّذِي بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ أَشْرَقَ نَيِّرُ الاقْتِدَارِ مِنْ أُفُقِ الْعَالَمِ. طُوبَى لِمَنْ شَهِدَ وَعَرَفَ وَوَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ وَالْمُنْكِرِينَ.** وَلَكِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لاَ يَزَالُ يُحِبُّ الْحُكَمَآءَ أَعْنِي الَّذِينَ لَيْسَتْ حِكْمَتُهُمْ مَحْضَ الْقَوْلِ بَلِ الَّذينَ ظَهَرَتْ مِنْهُمْ فِي الوُجُودِ الآثارُ وَالأَثْمَارُ البَاقِيَةُ. يَلْزَمُ الْكُلَّ أَنْ يَحْتَرِمُوا تِلْكَ النُّفُوسَ الْمُبَارَكَةَ. طُوبَى لِلْعَامِلِينَ وَطُوبَى لِلْعَارِفِينَ وَطُوبَى لِمَنْ أَنْصَفَ فِي الأُمُورِ وَتَمَسَّكَ بِحَبْلِ عَدْلِيَ الْمَتِينِ. إِنَّ أَهْلَ إِيرَانَ تَرَكُوا الْحَافِظَ وَالْمُعِينَ وَتَمَسَّكُوا وَاشْتَغَلُوا بِأَوْهَامِ الْجَاهِلِينَ. بِحَيْثُ تَشَبَّثُوا بِأَوْهَامٍ تَشَبُّثَاً لاَ يُمْكِنُ زَوَالُهُ إِلاَّ بِذِرَاعَيّ قُدْرَةِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ. فَاطْلُبْ مِنْهُ أَنْ يَرْفَعَ حُجُبَاتِ الأَحْزَابِ بِإِصْبَعِ الاقْتِدَارِ لِيَجِدَ الْكُلُّ أَسْبَابَ الْحِفْظِ وَالْعُلُوِّ وَالسُّمُوِّ وَيُسْرِعُوا إِلَى شَطْرِ الْمَحْبُوبِ الْوَاحِدِ الأَحَدِ.
في الوِرْقِ الأَوَّلِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى الْمَذْكُورَةُ وَالْمَسْطُورَةُ مِنَ الْقَلَمِ الأَبْهَى هِيَ:
حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ خَشْيَةَ اللهِ الْحِفْظُ الْمُبِينُ وَالْحِصْنُ الْمَتِينُ لِعُمُومِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَهِيَ السَّبَبُ الأَكْبَرُ لِحِفْظِ الْبَشَرِ وَالْعِلَّةُ الْكُبْرَى لِصِيَانَةِ الْوَرَى. نَعَمْ إِنَّ فِي الْوُجُودِ آَيَةً تَمْنَعُ الإِنْسَانَ وَتَحْرُسُهُ عَمَّا لا يَنْبَغِي وَلاَ يَلِيقُ. وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْحَيَاءِ غَيْرَ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِعِدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَلَمْ يَكُنِ الْكُلُّ حَائِزَاً لِهَذَا الْمَقَامِ وَلَنْ يَكُونَ.
إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى فِي هَذَا الْحِينِ يَنْصَحُ مَظَاهِرَ الْقُدْرَةِ وَمَشَارِقَ الاقْتِدَارِ مِنَ الْمُلُوكِ وَالسَّلاَطِينِ وَالرُّؤَسَآءِ وَالأُمَرَآءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْعُرَفَآءِ وَيُوصِيهِمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالدِّينِ. إِذْ هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِنَظْمِ الْعَالَمِ وَاطْمِئْنَانِ مَنْ فِي الإِمْكَانِ. فَإِنَّ ضَعْفَ أَرْكَانِ الدِّينِ صَارَ سَبَبَاً لِقُوَّةِ الْجُهَّالِ وَجُرْأَتِهِمْ وَجَسَارَتِهِمْ. حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ مَا نَقَصَ مِنْ عُلُوِّ مَقَامِ الدِّينِ يَزْدَادُ مِنْ غَفْلَةِ الأَشْرَارِ وَيَؤُولُ الأَمْرُ أَخِيرَاً إِلَى الْهَرْجِ وَالْمَرْجِ. اسْمَعُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ثُمَّ اعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَنْظَارِ.
كَلِمَةُ اللهِ
يَا ابْنَ الإِنْسَانِ لَوْ تَكُونُ نَاظِرَاً إِلَى الْفَضْلِ ضَعْ مَا يَنْفَعُكَ وَخُذْ مَا يِنْتَفِعُ بِهِ الْعِبَادُ وَإِنْ تَكُنْ نَاظِرَاً إِلَى الْعَدْلِ اخْتَرْ لِدُونِكَ مَا تَخْتَارُهُ لِنَفْسِكَ. إِنَّ الإِنْسَانَ مَرَّةً يَرْفَعُهُ الْخُضُوعُ إِلَى سَمَآءِ الْعِزَّةِ وَالاقْتِدَارِ. وَأُخْرَى يُنْزِلُهُ الْغُرُورُ إِلَى أَسْفَلِ مَقَامِ الذِّلَّةِ وَالانْكِسَارِ.
يَا حِزْبَ اللهِ إنَّ الْيَوْمَ عَظِيمٌ وَالنِّدَاءُ مُرْتَفِعٌ. وَفِي لَوْحٍ مِنَ الأَلْوَاحِ نُزِّلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا مِنْ سَمَآءِ الْمَشِيَّةِ وَلَوْ بُدِّلَتْ قُوَّةُ الرُّوحِ بِتَمَامِهَا بِالْقُوَّةِ السَّامِعَةِ لأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا لائِقَةٌ لإِصْغَآءِ هَذَا النِّدَآءِ الْمُرْتَفِعِ مِنَ الأُفُقِ الأَعْلَى. وَإِلاَّ فَهَذِهِ الآذَانُ الْمُدَنَّسَةُ لَمْ تَكُنْ لائِقَةً لإِصْغَائِهَا وَلَنْ تَكُونَ طُوبَى لِلسَّامِعِينَ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ.
يَا حِزْبَ اللهِ اسْأَلُوا الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يَحْفَظَ مَظَاهِرَ السَّطْوَةِ وَالْقُوَّةِ مِنْ شَرِّ النَّفْسِ وَالْهَوَى. وَيُنَوِّرُهُمْ بِأَنْوَارِ الْعَدْلِ وَالْهُدَى.
صَدَرَ مِنْ حَضْرَةِ مُحَمَّد شَاهَ مَعَ عُلُوِّ مَقَامِهِ أَمْرَانِ مُنْكَرَانِ الأَوَّلُ نَفْيُ سُلْطَانِ مَمَالِكِ الْفَضْلِ وَالْعَطَاءِ حَضْرَةِ النُّقْطَةِ الأُولَى. وَالثَّانِي قَتْلُ سَيِّدِ مَدِينَةِ التَّدْبِيرِ وَالإِنْشَاءِ5. وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّ خَطَأَهُ وَعَطَاءَهُ عَظِيمَانِ. إِنَّ السُّلْطَانَ الَّذِي لاَ يَمْنَعُهُ غُرُورُ الاقْتِدَارِ وَالاخْتِيَارِ عَنِ الْعَدْلِ وَلاَ تَحْرِمُهُ النِّعْمَةُ وَالثَّرْوَةُ وَالْعِزَّةُ وَالصُّفُوفُ وَالأُلُوفُ عَنْ تَجَلِّيَاتِ نَيِّرِ الإِنْصَافِ هُوَ حَائِزٌ لِلْمَقَامِ الأَعْلَى وَالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا فِي الْمَلأِ الأَعْلَى. وَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ إِعَانَةُ ذَلِكَ الْوُجُودِ الْمُبَارَكِ وَمَحَبَّتُهُ طُوبَى لِمَلِكٍ مَلَكَ زِمَامَ نَفْسِهِ وَغَلَبَ غَضَبَهُ وَفَضَّلَ الْعَدْلَ عَلَى الظُّلْمِ وَالإِنْصَافِ عَلَى الاعْتِسَافِ.
إِنَّ الْعَطِيَّةَ الْكُبْرَى وَالنِّعْمَةَ الْعُظْمَى فِي الرُّتْبَةِ الأُولَى لَمْ تَزَلْ هِيَ الْعَقْلُ. وَهُوَ الْحَافِظُ لِلْوُجُودِ وَمُعِينُهُ وَنَاصِرُهُ فَالْعَقْلُ رَسُولُ الرَّحْمَنِ وَمَظْهَرُ اسْمِ الْعَلاَّمِ وَبِهِ ظَهَرَ مَقَامُ الإِنْسَانِ. وَهُوَ الْعَالِمُ وَالْمُعَلِّمُ الأَوَّلُ فِي مَدْرَسَةِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُرْشِدُ وَالْحَائِزُ لِلرُّتْبَةِ الْعُلْيَا. وَبِيُمْنِ تَرْبِيَتِهِ أَصْبَحَ عُنْصُرُ التُّرَابِ جَوْهَرَةً نَفِيسَةً إِلَى أَنْ جَاوَزَ الأَفْلاَكَ وَهُوَ الْخَطِيبُ الأَوَّلُ فِي مَدِينَةِ الْعَدْلِ.
وَفِي سَنَةِ التِّسْعِ نَوَّرَ الْعَالَمَ بِبِشَارَةِ الظُّهُورِ. وَهُوَ الْعَالَمُ الْوَحِيدُ الَّذِي ارْتَقَى فِي أَوَّلِ الْعَالَمِ عَلَى مِرْقَاةِ الْمَعَانِي. وَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ الْبَيَانِ بِإِرَادَةِ الرَّحْمَنِ نَطَقَ بِحَرْفَيْنِ. فَمِنَ الأَوَّلِ ظَهَرَتْ بِشَارَةُ الْوَعْدِ وَمِنَ الثَّانِي خَوْفُ الْوَعِيدِ. وَمِنَ الْوَعْدِ وَالْوِعِيدِ ظَهَرَ الْخَوْفُ وَالرَّجَآءُ وَعَلَى هَذَيْنِ الأَسَاسَيْنِ اسْتَقَرَّ وَاسْتَحْكَمَ نِظَامُ الْعَالَمِ تَعَالَى الْحَكِيمُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
كَلِمَةُ اللهِ
أَلْعَدْلُ سِرَاجُ الْعِبَادِ فَلاَ تُطْفِئُوهُ بِأَرْيَاحِ الظُّلْمِ وَالاعْتِسَافِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ ظُهُورُ الاتِّحَادِ بَيْنَ الْعِبَادِ. وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا تَمَوَّجَ بَحْرُ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَإِنَّ دَفَاتِرَ الْعَالَمِ لاَ تَكْفِي تَفْسِيرَهَا. إِذَا تَزَيَّنَ الْعَالَمُ بِهَذَا الطِّرَازِ تُشَاهَدُ شَمْسُ كَلِمَةِ يَوْمَ يُغْنِي اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ طَالِعَةً وَمُشْرِقَةً مِنْ أُفُقِ سَمَآءِ الدُّنْيَا. اعْرَفُوا مَقَامَ هَذَا الْبَيَانِ لأَنَّهُ ثَمَرَةٌ عُلْيَا مِنْ أَثْمَارِ شَجَرَةِ الْقَلَمِ الأَعْلَى. طُوبَى لِنَفْسٍ سَمِعَتْ وَفَازَتْ. حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ مَا نُزِّلَ مِنْ سَمَآءِ الْمَشِيَّةِ الإِلهِيَّةِ هُوَ السَّبَبُ لِنَظْمِ الْعَالَمِ وَالْعِلَّةُ لاتِّحَادِ الأُمَمِ وَاتِّفَاقِهِمْ. كَذَلِكَ نَطَقَ لِسَانُ الْمَظْلُومِ فِي سِجْنِهِ الْعَظِيمِ.
كَلِمَةُ اللهِ
يَا عُلَمَاءَ الأُمَمِ غُضُّوا الأَعْيُنَ عَنِ التَّجَانُبِ وَالابْتِعَادِ وَانْظُرُوا إِلَى التَّقَارُبِ وَالاتِّحَادِ. وَتَمَسَّكُوا بِالأَسْبَابِ الَّتِي تَوجبُ الرَّاحَةَ وَالاطْمِئْنَانَ لِعُمُومِ أَهْلِ الإِمْكَانِ. إِنَّ وَجْهَ الأَرْضِ عِبَارَةٌ عَنْ شِبْرٍ وَاحِدٍ وَوَطَنٍ وَاحِدٍ وَمَقَامٍ وَاحِدٍ فَتَجَاوَزُوا عَنِ الافْتِخَارِ الْمُوجِبِ لِلاخْتِلاَفِ. وَتَوَجَّهُوا إِلَى مَا هُوَ عِلَّةُ الاتِّفَاقِ فَالافْتِخَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْبَهَآءِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالأَخْلاَقِ وَالْحِكْمَةِ لاَ بِالْوَطَنِ وَالْمَقَامِ. يَا أَهْلَ الأَرْضِ اعْرَفُوا قَدْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ السَّفِينَةِ لِبَحْرِ الْمَعْرِفَةِ وَبِمَثَابَةِ الشَّمْسِ لِعَالَمِ الْبَصِيرَةِ.
كَلِمَةُ اللهِ
فِي الوِرْقِ الثَّامِنِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
إِنَّ دَارَ التَّعْلِيمِ فِي الابْتِدَاءِ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُعَلِّمَ الأَطْفَالَ شَرَائِطَ الدِّينِ لِيَمْنَعَهُمُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ عَنِ الْمنَاهِي وَيُزَيِّنَاهُم بِطِرَازِ الأَوَامِرِ. وَلَكِنْ بِمِقْدَارٍ لاَ يَنْتَهِي إِلَى التَّعَصُّبِ وَالْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصَاً مِنَ الْحُدُودِ فِي الْكِتَابِ صَرَاحَةً يَجِبُ عَلَى أُمَنَاءِ بَيْتِ الْعَدْلِ التَّشَاوُرُ فِيهِ وَإِجْرَآءُ مَا يَسْتَحْسِنُونَهُ. إِنَّهُ يُلْهِمُهُمْ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْمُدَبِّرُ الْعَلِيمُ. مِنْ قَبْلُ قُلْنَا إِنَّ التَّكَلُّمَ مُقَدَّرٌ بِلِسَانَيْنِ. وَيَجِبُ بَذْلُ الْجَهْدِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى لِسَانٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ خُطُوطُ الْعَالَمِ لِكَيْلا تَضِيعَ حَيَاةُ النَّاسِ فِي تَحْصِيلِ الأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَةِ بَاطِلاً حَتَّى يُصْبِحَ جَمِيعُ الأَرْضِ مَدِينَةً وَاحِدَةً وَإِقْلِيمَاً وَاحِدَاً.
كَلِمَةُ اللهِ
فِي الوِرْقِ التَّاسِعِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ الْمَحْبُوبَ فِي كُلِّ أَمْرٍ مَنَ الأُمُورِ هُوَ الاعْتِدَالُ. وَمَتَى تَجَاوَزَ صَارَ سَبَبَ الأَضْرَارِ. انْظُرُوا إِلَى تَمَدُّنِ أَهْلِ الْغَرْبِ كَيْفَ أَصْبَحَ سَبَبَاً لاضْطِرَابِ الْعَالَمِ وَوَحْشَتِهِمْ حَيْثُ هُيِّئَتْ آلاَتٌ جَهَنَّمِيَّةٌ وَظَهَرَتْ قَسَاوَةٌ لِقَتْلِ النُّفُوسِ بِدَرَجَةٍ لَمْ تَرَ عَيْنُ الْعَالَمِ شِبْهَهَا. وَلَمْ تَسْمَعْ آذَانُ الأُمَمِ نَظِيرَهَا. وَإِنَّ إِصْلاَحَ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْقَوِيَّةِ الْقَاهِرَةِ مُسْتَحِيلٌ إِلاَّ بِاتِّحَادِ أَحْزَابِ الْعَالَمِ فِي الأُمُورِ أَوْ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ. اسْمَعُوا نِدَاءَ الْمَظْلُومِ وَتَمَسَّكُوا بِالصُّلْحِ الأَكْبَرِ.
إِنَّ فِي الأَرْضِ أَسْبَابَاً عَجِيبَةً غَرِيبَةً. وَلَكِنَّهَا مَسْتُورَةٌ عَنِ الأَفْئِدَةِ وَالْعُقُولِ. وَتِلْكَ الأَسْبَابُ قَادِرَةٌ عَلَى تَبْدِيلِ هَوَاءِ الأَرْضِ كُلِّهَا. وَسَمِّيَّتُهَا سَبَبٌ لِلْهَلاَكِ.
سُبْحَانَ اللهِ قَدْ شُوهِدَ أَمْرٌ عَجِيبٌ. وَهُوَ أَنَّ الْبَرْقَ أَوْ مَا يُمَاثِلُهُ مُطِيعٌ لِلْقَائِدِ وَيَتَحَرَّكُ بِأَمْرِهِ تَعَالَى الْقَادِرُ الَّذِي أَظْهَرَ مَا أَرَادَ بِأَمْرِهِ الْمُحْكَمِ الْمَتِينِ.
يَا أَهْلَ الْبَهَآءِ إِنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِنَ الأَوَامِرِ الْمُنْزَلَةِ حِصْنٌ مُحْكَمٌ لِحِفْظِ الْوُجُودِ. إِنَّ الْمَظْلُومَ مَا أَرَادَ إِلاَّ حِفْظَكُمْ وَارْتِقَاءَكُمْ. نُوصِي رِجَالَ بَيْتِ الْعَدْلِ وَنَأْمُرُهُمْ بِحِفْظِ الْعِبَادِ وَصِيَانَةِ الإِمَاءِ وَالأَطْفَالِ. وَيَجِبُ أَنْ يُرَاعُوا فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ مَصَالِحَ الْعِبَادِ. طُوبَى لأَمِيرٍ أَخَذَ يَدَ الأَسِيرِ وَلِغَنِيٍّ تَوَجَّهَ إِلَى الْفَقِيرِ وَلِعَادِلٍ أَخَذَ حَقَّ الْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ وَلأَمِينٍ عَمِلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ.
يَا حَيْدَرُ قَبْلَ عَلِيٍّ عَلَيْكَ بَهَائِي وَثَنَائِي. إِنَّ النَّصَائِحَ وَالْمَوَاعِظَ قَدْ أَحَاطَتِ الْعَالَمَ وَمَعَ ذَلِكَ صَارَتْ سَبَبَاً لِلأَحْزَانِ لاَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ لأَنَّ بَعْضَاً مِنْ مُدَّعِي الْمَحَبَّةِ طَغَوْا وَأَوْرَدُوا عَلَيْنَا مَا لَمْ يَرِدْ مِنَ الْمِلَلِ السَّابِقَةِ وَلاَ مِنْ عُلَمَاءِ إِيرَانَ.
قُلْنَا مِنْ قَبْلُ لَيْسَ بَلِيَّتِي سِجْنِي وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ أَعْدَائِي بَلْ عَمَلَ أَحِبَّائِي الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى نَفْسِي وَيَرْتَكِبُونَ مَا يَنُوحُ بِهِ قَلْبِي وَقَلَمِي. وَقَدْ تَكَرَّرَ نُزُولُ أَمْثَالِ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ وَلَكِنْ مَا أَفَادَتِ الْغَافِلِينَ نَفْعَاً لأَنَّهُمْ أُسَرَآءُ النَّفْسِ وَالْهَوَى.
اسْأَلِ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَ الْكُلَّ عَلَى الرُّجُوعِ وَالإِنَابَةِ. فَمَا دَامَتِ النَّفْسُ بَاقِيَةً عَلَى مُشْتَهَيَاتِهَا فَلاَ مَحَالَةَ مِنَ الْجُرْمِ وَالْخَطَأِ. وَالْمَأْمُولُ أَنْ تُدْرِكَ الْكُلَّ يَدُ الْعَطِيَّةِ الإِلَهِيَّةِ وَالرَّحْمَةِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَتُزَيِّنَ الْكُلَّ بِطِرَازِ الْعَفْوِ وَالْعَطَاءِ. وَكَذَلِكَ تَحْفَظَهُمْ مِمَّا يُوجِبُ تَضْيِيعَ أَمْرِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ. إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
كَلِمَةُ اللهِ
فِي الوِرْقِ العَاشِرِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
يَا أَهْلَ الأَرْضِ إِنَّ الانْزِوَآءَ وَالرِّيَاضَاتِ الشَّاقَةَ غَيْرُ فَائِزَةٍ بِعِزِّ الْقَبُولِ. وَأَرْبَابُ الْبَصَرِ وَالْعَقْلِ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا هُوَ سَبَبُ الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ. وَظَهَرَتْ أَمْثَالُ هَذِهِ الأُمُورِ مِنْ أَصْلاَبِ الظُّنُونِ وَتَوَلَّدَتْ مِنْ بُطُونِ الأَوْهَامِ. وَلَمْ تَلِقْ لأَهْلِ الْعِلْمِ وَلَنْ تَلِيقَ.
وَقَدْ سَكَنَ بَعْضٌ مِنَ الْعِبَادِ سَابِقَاً وَلاَحِقَاً فِي كُهُوفِ الْجِبَالِ وَتَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ الآخَرُ إِلَى الْقُبُورِ فِي اللَّيَالِي. قُلْ اسْمَعُوا نُصْحَ الْمَظْلُومِ وَاتْرُكُوا مَا عِنْدَكُمْ وَتَمَسَّكُوا بِمَا يَقُولُهُ النَّاصِحُ الأَمِينُ. لاَ تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ عَمَّا خُلِقَ لَكُمْ. إِنَّ الإِنْفَاقَ عِنْدَ اللهِ مَحْبُوبٌ وَمَقْبُولٌ وَيُعَدُّ مِن سَيِّدِ الأَعْمَالِ. انْظُرُوا ثُمَّ اذْكُرُوا مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقانِ ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولِئَكِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. وَفِي الْحَقِيقَةِ إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْمُبَارَكَةَ شَمْسُ الْكَلِمَاتِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. طُوبَى لِمَنْ اخْتَارَ أَخَاهُ عَلَى نَفْسِهِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَهَآءِ فِي السَّفِينَةِ الْحَمْرَآءِ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ.
كَلِمَةُ اللهِ
في الوِرْقِ الحَادِي عَشَرَ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
إِنَّا نَأْمُرُ مَظَاهِرَ الأَسْمَآءِ وَالصِّفَاتِ أَنْ يَتَمَسَّكَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنَ الآنِ فَصَاعِدَاً بِمَا ظَهَرَ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ وَلاَ يَكُونُوا أَسْبَابَ الاخْتِلاَفِ. وَأَنْ يَظَلُّوا إِلَى الآخِرِ الَّذِي لاَ آخِرَ لَهُ نَاظِرِينَ إِلَى آفَاقِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمُشْرِقَاتِ الَّتِي نُزِّلَتْ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ. فَإِنَّ الاخْتِلاَفَ سَبَبٌ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَعِلَّةٌ لانْقِلاَبِ الْعِبَادِ. اسْمَعُوا نِدَآءَ الْمَظْلُومِ وَلاَ تَتَجَاوَزُوا عَنْهُ فَإِذَا تَفَكَّرَتْ نَفْسٌ فِيمَا نُزِّلَ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي هَذَا الظُّهُورِ تَيَقَّنَتْ بِأَنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ إِثْبَاتَ مَقَامٍ أَوْ شَأْنٍ لِنَفْسِهِ. بَلْ أَرَدْنَا بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْعَالِيَاتِ أَنْ نَجْذِبَ النُّفُوسَ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى وَنَجْعَلَهَا مُسْتَعِدَّةً لإِصْغَآءِ مَا هُوَ سَبَبُ التَّنْزِيهِ وَالتَّطْهِيرِ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنَ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ الَّذِي يَحْدُثُ مِنِ اخْتِلاَفِ الْمَذَاهِبِ**. يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَلْبِي وَقَلَمِي وَظَاهِرِي وَبَاطِنِي.** فَلْيَتَوَجَّهِ الْكُلُّ إِنْ شَاءَ اللهُ إِلَى الْخَزَائِنِ الْمَكْنُونَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ.
يَا أَهْلَ الْبَهَآءِ إِنَّ الْقُوَّةَ الْمُفَكِّرَةَ هِيَ مَخْزَنُ الصَّنَائِعِ وَالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ فَاجْتَهِدُوا حَتَّى تَظْهَرَ مِنْ هَذَا الْمَعْدِنِ الْحَقِيقِيِّ لآلِئُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ. وَتَكُونَ سَبَبَ الرَّاحَةِ وَالاتِّحَادِ لِلأَحْزَابِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْعَالَمِ. وَإِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالْعِزَّةِ وَالْعَذَابِ أَمَرَ الْكُلَّ بِالْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ وَالشَّفَقَةِ وَالاتِّحَادِ.
وَكُلُّ يَوْمٍ ظَهَرَ قَلِيلٌ مِنَ السُّمُوِّ وَالْعُلُوِّ خَرَجَتْ نُفُوسٌ مَسْتُورَةٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَتَفَوَّهُوا بِمُفْتَرَيَاتٍ أَحَدِّ مِنَ السَّيْفِ مُتَمَسِّكِينَ بِالْكَلِمَاتِ الْمَرْدُودَةِ الْمَجْعُولَةِ وَعَنْ بَحْرِ الآيَاتِ الإِلَهِيَّةِ مَحْرُومُونَ وَمَمْنُوعُونَ.
وَلَوْ لَمْ تَحُلْ تِلْكَ الْحُجُبَاتُ لَسُخِّرَتْ إِيرَانُ بِالْبيَانِ فِي سَنَتَيْنِ أَوْ أَزْيَدَ وَارْتَفَعَ مَقَامُ الدَّوْلَةِ وَالْمِلَّةِ لأَنَّ الْمَقْصُودَ كَانَ يَظْهَرُ بِكَمَالِ الظُّهُورِ مِنْ غَيْرِ سِتْرٍ وَخَفَآءٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ قُلْنَا كُلَّ مَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ. تَارَةً بِالتَّصْرِيحِ وَأُخْرَى بِالتَّلْوِيحِ وَإِنَّ مِنْ بَعْدِ إِصْلاَحِ إِيرَانَ كَانَتْ تَتَضَوَّعُ نَفَحَاتُ الْكَلِمَةِ فِي سَائِرِ الْمَمَالِكِ لأَنَّ مَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى كَانَ وَلاَ يَزَالُ هُوَ السَّبَبُ لِعُلُوِّ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَسُمُوِّهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ. وَهُوَ الدِّرْيَاقُ الأَعْظَمُ لِكُلِّ الأَمْرَاضِ لَوْ هُمْ يَفْقَهُونَ وَيَشْعُرُونَ.
وَقَدْ فَازَ بِالْحُضُورِ وَاللِّقَاءِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ حَضَرَاتُ الأَفْنَانِ7 وَالأَمِينُ8 عَلَيْهِمْ بَهَائِي وَعِنَايَتِي وَكَذَلِكَ حَضَرَ نَبِيلُ ابْنُ نَبِيلِ9وَابْنُ سَمَنْدَرَ10عَلَيْهِمْ بَهَاءُ اللهِ وَعِنَايَتُهُ وَرُزِقُوا مِنْ كَأْسِ الْوِصَالِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُقَدِّرَ لَهُمْ خَيْرَ الآخِرَةِ وَالأُولَى وَيُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَمَاءِ فَضْلِهِ وَسَحَابِ رَحْمَتِهِ بَرَكَةً مِنْ عِنْدِهِ وَرَحْمَةً مِنْ لَدُنْهُ إِنَّهُ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَهُوَ الْفَضَّالُ الْكَرِيمُ.
يَا حَيْدَرُ قَبْلَ عَلِيٍّ إِنَّ رَقِيمَتَكَ الأُخْرَى الَّتِي أَرْسَلْتَهَا بِاسْمِ الْجُودِ11 فَازَتْ بِسَاحَةِ الأَقْدَسِ. وَللهِ الْحَمْدُ كَانَتْ مُزَيَّنَةً بِنُورِ التَّوْحِيدِ وَالتَّقْدِيسِ وَمُشْتِعَلَةً بِنَارِ الْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ. فَاطْلُبْ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يَهَبَ لِلأَبْصَارِ قُوَّةً وَيُنَوِّرَهَا بِأَنْوَارٍ جَدِيدَةٍ لَعَلَّهَا تَفُوزُ بِمَا لاَ شَبِيهَ لَهُ وَلاَ مَثِيلَ. إِنَّ آيَاتِ أُمِّ الْكِتَابِ الْيَوْمَ مُشْرِقَةٌ وَلاَئِحَةٌ كَالشَّمْسِ وَلاَ تَشْتَبِهُ قَطُّ بِمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا. إِنَّ الْمَظْلُومَ لاَ يُحِبُّ أَنْ يَسْتَدِلَّ فِي أَمْرِهِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ غَيْرِهِ هُوَ الْمُحِيطُ وَمَا سِوَاهُ مُحَاطٌ. قُلْ يَا قَوْمِ اقْرَؤُا مَا عِنْدَكُمْ وَنَقْرَأُ مَا عِنْدَنَا لَعَمْرُ اللهِ لاَ يُذْكَرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ أَذْكَارُ الْعَالَمِ وَمَا عِنْدَ الأُمَمِ، يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَنْ يَنْطِقُ فِي كُلِّ شَأْنٍ. إِنَّهُ هُوَ اللهُ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ الْمُعْرِضِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ لَمْ يُعْلَمْ بِأَيِّ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ أَعْرَضُوا عَنْ سَيِّدِ الإِمْكَانِ. فَإِنَّ مَقَامَ هَذَا الأَمْرِ فَوْقَ مَقَامِ مَا ظَهَرَ وَيَظْهَرُ.
وَلَوْ حَضَرَ الْيَوْمَ نُقْطَةُ الْبَيَانِ وَتَوَقَّفَ فِي التَّصْدِيقِ – وَالْعِيَاذُ بِاللهِ – لَكَانَ مِصْدَاقَاً لِلْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي نُزِّلَتْ مِنْ مَطْلِعِ بَيَانِهِ حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ الْحقُّ: حَقٌّ لِمَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ أَنْ يَرُدَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَى مِنْهُ فَوْقَ الأَرْضِ. قُلْ أَيُّهَا الْجُهَلاَءُ إِنَّ حَضْرَتَهُ يَنْطِقُ الْيَوْمَ بِأَنَّنِي أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. فَبِضَاعَةُ عِرْفَانِ النَّاسِ مُزْجَاةٌ وَقُوَّةُ إِدْرَاكِهِمْ ضَعِيفَةٌ. شَهِدَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بِفَقْرِهِمْ وَغَنَاءِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ وَهُوَ الْحَقُّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. قَدْ نُزِّلَ أُمُّ الْكِتَابِ وَالْوَهَّابُ فِي مَقَامٍ مَحْمُودٍ. قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَالْقَوْمُ لاَ يَفْقَهُونَ. قَدْ أَتَتِ الآيَاتُ وَمُنْزِلُهَا فِي حُزْنٍ مَشْهُودٍ. قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ مَا نَاحَ بِهِ الْوُجُودُ. قُلْ يَا يِحْيَى فَأتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ ذَا عِلْمٍ رَشِيدٍ. هَذَا مَا نَطَقَ بِهِ مُبَشِّرِي مِنْ قَبْلُ. وَفِي هَذَا الْحِينِ يَقُولُ إِنَّنِي أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. أَنْصِفْ يَا أَخِي هَلْ كُنْتَ ذَا بَيَانٍ عِنْدَ أَمْوَاجِ بَحْرِ بَيَانِي وَهَلْ كُنْتَ ذَا نِدَآءٍ لَدَى صَرِيرِ قَلَمِي وَهَلْ كُنْتَ ذَا قُدْرَةٍ عِنْدَ ظُهُورَاتِ قُدْرَتِي. أَنْصِفْ بِاللهِ ثُمَّ اذْكُرْ إِذْ كُنْتَ قَائِمَاً لَدَى الْمَظْلُومِ وَنُلْقِي عَلَيْكَ آيَاتِ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ إِيَّاكَ أَنْ يَمْنَعَكَ مَطْلِعُ الْكَذِبِ عَنْ هَذَا الصِّدْقِ الْمُبِينِ.
يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى الْوَجْهِ قُلْ أَيُّهَا الْعِبَادُ الْغَافِلُونَ قَدْ حُرِمْتُمْ بِقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرِ الآيَاتِ الإِلَهِيَّةِ وَمُنِعْتُمْ بِذَرَّةٍ عَنْ تَجَلِيَّاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ الْحَقِيقَةِ. لَوْلاَ الْبَهَاءُ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَمَامَ الْوُجُوهِ أَنْصِفُوا وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الظَّالِمِينَ. بِهِ مَاجَتِ الْبِحَارُ وَظَهَرْتِ الأَسْرَارُ وَنَطَقَتِ الأَشْجَارُ الْمُلْكُ وَالْمَلَكُوتُ للهِ مُنْزِلِ الآيَاتِ وَمُظْهِرِ الْبَيِّنَاتِ.
انْظُرُوا إِلَى الْبَيَانِ الْفَارِسِيِّ لِحَضْرَةِ الْمُبَشِّرِ وَطَالِعُوهُ بِبَصَرِ الْعَدْلِ**. إِنَّهُ يَهْدِيكُمْ إِلَى صِرَاطٍ يَنْطِقُ فِي هَذَا الْحِينِ بِمَا نَطَقَ لِسَانُهُ مِنْ قَبْلُ إِذْ كَانَ مُسْتَوِيَاً عَلَى عَرْشِ اسْمِهِ الْعَظِيمِ.** وَلَقَدْ ذَكَرْتَ أَوْلِيَاءَ تِلْكَ الْجِهَاتِ فِلِلّهِ الْحَمْدُ فَازَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِذِكْرِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ. وَلَقَدْ جَرَتْ أَسْمَاءُ الْكُلِّ مِنْ لِسَانِ الْعَظَمَةِ في مَلَكُوتِ الْبَيَانِ. طُوبَى لَهُمْ وَنَعِيمَاً لَهُمْ بِمَا شَرِبُوا رَحِيقَ الْوَحْيِ وَالإِلْهَامِ مِنْ أَيَادِي عَطَآءِ رَبِّهِمِ الْمُشْفِقِ الْكَرِيمِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَهُمْ عَلَى الاسْتِقَامَةِ الْكُبْرَى. وَيُمِدَّهُمْ بِجُنُودِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ. كَبِّرْ مِنْ قِبَلِي عَلَيْهِمْ وَبَشِّرْهُمْ بِمَا أَشْرَقَ وَلاَحَ نَيِّرُ الذِّكْرِ مِنْ أُفُقِ سَمَآءِ عَطَاءِ رَبِّهِمِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ. وَذَكَرْتَ جَنَابَ حُسَيْن إِنَّا زَيَّنَّا هَيْكَلَهُ بِطِرَازِ الْعَفْوِ وَرَأْسَهُ بِإِكْلِيلِ الْغُفْرَانِ لَهُ أَنْ يُبَاهِي بَيْنَ الأَنَامِ بِهَذَا الْفَضْلِ الْمُشْرِقِ اللاَّئِحِ الْمُبِينِ. قُلْ لاَ تَحْزَنْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ الْمُبَارَكَةِ كَأَنَّهُ وُلِدَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فِي هَذَا الْحِينِ. قُلْ لِيْسَ لَكَ ذَنْبٌ وَلاَ خَطَأٌ. قَدْ طَهَّرَكَ اللهُ مِنْ كَوْثَرِ بَيَانِهِ فِي سِجْنِهِ الْعَظِيمِ نَسْأَلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُؤَيِّدَكَ عَلَى ذِكْرِهِ وَثَنَائِهِ. وَيُمِدَّكَ بِجُنُودِ الْغَيْبِ إِنَّهُ هُوَ الْقَوِيُّ الْقَدِيرُ.
ذَكَرْتُمْ أَهْلَ طَار. إِنَّا أَقْبَلْنَا إِلَى عِبَادِ اللهِ هُنَاكَ وَنُوصِيهِمْ فِي أَوَّلِ الْبَيَانِ بِمَا أَنْزَلَهُ نُقْطَةُ الْبَيَانِ لِهَذَا الظُّهُورِ الَّذِي بِهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأَسْمَاءِ وَسَقَطَتْ أَصْنَامُ الأَوْهَامِ. وَنَطَقَ لِسَانُ الْعَظَمَةِ مِنْ أُفُقِهِ الأَعْلَى تَاللهِ قَدْ ظَهَرَ الْكَنْزُ الْمَكْنُونُ وَالسِّرُّ الْمَخْزُونُ الَّذِي بِهِ ابْتَسَمَ ثَغْرُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. قَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: وَقَدْ كَتَبْتُ جَوْهَرَةً فِي ذِكْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يُسْتَشَارُ بِإِشَارَتِي وَلاَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْبَيَانِ. وَنُوصِيهِمْ بِالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَالأَمَاَنِة وَالدِّيَانَةِ وَمَا تَرْتَفِعُ بِهِ كَلِمَةُ اللهِ وَمَقَاماتُهُمْ بَيْنَ العِبادِ وَأَنَا النَّاصِحُ بِالْعَدْلِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَنْ جَرَى مِنْ قَلَمِهِ فُرَاتُ الرَّحْمَةِ وَمِنْ بَيَانِهِ كَوْثَرُ الْحَيَوَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ. تَعَالَى هَذَا الْفَضْلُ الأَعْظَمُ وَتَبَاهَى هَذَا الْعَطَآءُ الْمُبِينُ. يَا أَهْلَ طَارَ اسْمَعُوا نِدَآءَ الْمُخْتَارِ إِنَّهُ يُذَكِّرُكُمْ بِمَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِنَّهُ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ مِنْ سِجْنِ عَكَّاءَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مَا تَبْقَى بِهِ أَذْكَارُكُمْ وَأَسْمَاؤُكُمْ فِي كِتَابٍ لاَ يَأْخُذُهُ الْمَحْوُ وَلاَ تُبَدِّلُهُ شُبُهَاتُ الْمُعْرِضِينَ. ضَعُوا مَا عِنْدَ الْقَوْمِ وَخُذُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ. هَذَا يَوْمٌ فِيهِ تُنَادِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وَتَقُولُ يَا قَوْمِ انْظُرُوا أَثْمَارِي وَأَوْرَاقِي ثُمَّ اسْتَمِعُوا حَفِيفِي إِيَّاكُمْ أَنْ تَمْنَعَكُمْ شُبُهَاتُ الْقَوْمِ عَنْ نُورِ الْيَقِينِ وَبَحْرُ الْبَيَانِ يُنَادِي وَيَقُولُ يَا أَهْلَ الأَرْضِ انْظُرُوا إِلَى أَمْوَاجِي وَمَا ظَهَرَ مِنِّي مِنْ لآلِئِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَكُونُوا مِنْ الْغَافِلِينَ.
لَقَدْ قَامَ الْيَوْمَ عِيدٌ عَظِيمٌ فِي الْمَلأِ الأَعْلَى إِذْ ظَهَرَ كُلُّ مَا وُعِدَ بِهِ فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ. وَهُوَ يَوْمُ الْفَرَحِ الأَكْبَرِ. يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَقْصِدُوا بِسَاطَ الْقُرْبِ بِكَمَالِ الْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ وَالسُّرُورِ وَالانْبِسَاطِ. وَيُنَجُّوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ نَارِ الْبُعْدِ.
يَا أَهْلَ طَارَ خُذُوا بِقُوِّةِ اسْمِي الأَعْظَمْ كُؤُوسَ الْعِرْفَانِ. ثُمَّ اشْرَبُوا مِنْهَا رَغْمَاً لأَهْلِ الإِمْكَانِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ وَأَنْكَرُوا حُجَّتَهُ وَبُرْهَانَهُ وَجَادَلُوا بِآيَاتِهِ الَّتِي أَحَاطَتْ عَلَى مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. يُشَاهَدُ الْمُعْرِضُونَ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ بِمَثَابَةِ حِزْبِ الشِّيعَةِ. وَيَمْشُونَ عَلَى قَدَمِهِمْ. ذَرُوهُمْ فِي أَوْهَامِهِمْ وَظُنُونِهِمْ إِنَّهُمْ مِنَ الأَخْسَرِينَ فِي كِتَابِ اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. فَجَمِيعُ عُلَمَآءِ الشِّيعَةِ مُشْتَغِلُونَ الآنَ عَلَى الْمَنَابِرِ بِسَبِّ الْحَقِّ وَلَعْنِهِ فَسُبْحَانَ اللهِ إِنَّ دَوْلَتْ آبَادِي أَصْبَحَ أَيْضَاً مُتَابِعَاً لِهَؤُلاَءِ فَارْتَقَى عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَكَلَّمَ بِمَا صَاحَ بِهِ اللَّوْحُ وَنَاحَ الْقَلَمُ. تَفَكَّرُوا فِي عَمَلِهِ وَعَمَلِ أَشْرَفَ عَلَيْهِ بَهَائِي وَعِنَايَتِي. وَكَذَلِكَ تَفَكَّرُوا فِي الأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَصَدُوا بِهَذَا الاسْمِ مَقَرَّ الْفِدَآءِ وَأَنْفَقُوا أَرْوَاحَهُمْ فِي سَبِيلِ مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ. فَالأَمْرُ ظَاهِرٌ وَلاَئِحٌ كَالشَّمْسِ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ صَارُوا حِجَابَ أَنْفُسِهِمْ. نَسْأَلُ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ عَلَى الرُّجُوعِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. يَا أَهْلَ طَارَ إِنَّا نُكَبِّرُ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى وُجُوهِكُمْ وَنَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَسْقِيكُمْ رَحِيقَ الاسْتِقَامَةِ مِنْ أَيَادِي عَطَائِهِ إِنَّهُ هُوَ الْفَيَّاضُ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ. دَعُوا غَيْرَ الْبَالِغِينَ مِنَ الأَنَامِ الَّذِينَ يَتَحَرَّكُونَ بِالْهَوَى وَيَتَشَبَّثُونَ بِمَطَالِعِ الأَوْهَامِ. إِنَّهُ مُؤَيِّدُكُمْ وَمُعِينُكُمْ. إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا يَشَآءُ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْفَرْدُ الْوَاحِدُ الْعَزِيزُ الْعَظِيمُ. الْبَهَآءُ مِنْ لَدُنّا عَلَى الَّذِينَ أَقْبَلُوا إِلَى مَشْرِقِ الظُّهُورِ وَأَقَرُّوا وَاعْتَرَفُوا بِمَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُ الْبَيَانِ فِي مَلَكُوتِ الْعِرْفَانِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ.