هو المحرّك فلك الحمد يا إلهي مما قدّرت كنز الحيوان...

حضرت بهاءالله
أصلي عربي

من آثار حضرة بهاءالله – لئالئ الحكمة، المجلد 3، لوح رقم (35)

هو المحرِّك

فَلَكَ الْحَمْدُ يا إِلهِيْ مِمّا قَدَّرْتَ كَنْزَ الْحَيَوانِ فِيْ جَنَّةِ الرِّضْوانِ وَفِيْهِ جَمَعْتَ النّارَ وَالْماءَ وَأَلَّفْتَ بَيْنَهُما بِقُدْرَتِكَ بِحَيْثُ لَنْ يُفارِقا بِدَوامِ عِزِّ أَزَلِيَّتِكَ وَبَقاءِ سَلْطَنَتِكَ، وَجَعَلْتَ خازِنَ هذا الْكَنْزِ ثُعْبانَ اقْتِدارِكَ وَحَيَّةَ حِفْظِكَ، وَنَفَخْتَ فِيْ هذا الْخازِنِ مِنْ لَطِيْفَةِ رُوْحِكَ بِحَيْثُ يَمُوْتُ كُلُّشَيْءٍ إِلاَّ هُوَ وَيَنُوْمُ كُلُّشَيْءٍ إِلاَّ هُوَ كَأَنَّهُ جُعِلَ آيةَ التَّحْرِيْكِ لأَنَّ فِيْهِ شَغَفٌ وَوَلَهٌ وَاضْطِرابٌ، إِذًا أَسْئَلُكَ يا إِلهِيْ بِاضْطِرابِ قُلُوْبِ الْعاشِقِيْنَ بِأَنْ تَرْزُقَ أَصْفِيائَكَ ما قَدَّرْتَ فِيْ هذا الْكَنْزِ الْمَخْفِيَّةِ المُشْهُوْرَةِ، ثُمَّ احْيِ مِنْ مائِهِ أَفْئِدَةَ أَحِبّائِكَ وَمِنْ نارِهِ تَحْدُثُ الْحَرارَةُ فِيْ قُلُوْبِ أَوِدّائِكَ، وَأَنْتَ الَّذِيْ يا إِلهِيْ حَتَّمْتَ عَلى الْعاصِيْنَ دُخُوْلَهُمْ فِيْ نارِكَ وَإِخْلادَهُمْ فِيْ نِيْرانِكَ، وَإِنِّيْ حِيْنَئِذٍ مِنْ قَبِيْلِ عاصِيْكَ أَقْبَلُ الدُّخُوْلَ فِيْ هذا النّارِ وَالْخُلُوْدَ فِيْ هذا النِّيْرانِ، وَلَوْ عِبادُكَ يَفِرُّوْنَ مِنَ الثُّعْبانِ وَسَمِّها وَإِنِّيْ فَوَعِزَّتِكَ أَشْتاقُ لِهذا الثُّعْبانِ وَلَدْغِها وَسُمُوْمِها وَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيْزُ الْعالِمُ الْخَبِيْرُ، فَسُبْحانَكَ يا إِلهِيْ أَسْئَلُكَ بِهذا الثُّعْبانِ بِأَنْ تُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوْبِ أَحِبّائِكَ ثُمَّ اجْمَعْهُمْ عَلى بِساطٍ واحِدٍ كَما أَلَّفْتَ بَيْنَ هذا النّارِ وَالْماءِ وَجَمَعْتَهُما عَلى مَقْعَدٍ واحِدٍ وَإِنَّكَ عَلى ذلِكَ لَمُقْتَدِرٌ قَدِيْرٌ، فَسُبْحانَكَ يا مَحْبُوْبِيْ وَمَقْصُوْدِيْ كَيْفَ أَذْكُرُكَ فِيْ عَجائِبِ ما خَلَقْتَ فِيْ هذا الصُّنْعِ الْمُظْلِمِ الْمُنِيْرِ وَغَرائِبِ ما صَنَعْتَ فِيْ هذا الْخَلْقِ الأَلْطَفِ الْعَظِيْمِ، كَأَنَّكَ جَعَلْتَهُ سِهامًا لِقُلُوْبِ عاشِقِيْكَ وَرِماحًا لأَكْبادِ مُخْلِصِيْكَ، وَكَأَنَّكَ يا مَحْبُوْبِيْ ما خَلَقْتَ فِيْهِ مِنْ رَحْمٍ وَلا مِنْ شَفَقَةٍ لأَنَّهُ لَدَغَ أَفْئِدَةَ الَّذِيْنَهُمْ أَرادُوا قُرْبَكَ وَلِقائَكَ وَلَسَعَ قُلُوْبَ الَّذِيْنَهُمْ تَوَجَّهُوا إِلى وَصْلِكَ وَجَمالِكَ، إِذًا خُذْ يا مَحْبُوْبِيْ حَقَّ عِبادِكَ وَدِمائِهِمْ مِنْ هذا الْكافِرِ الَّذِيْ تَحَصَّنَ فِيْ كَعْبَةِ الْحَرامِ وَاسْتُحْفِظَ فِيْ هذا الْمَشْعَرِ وَالْمَقامِ وَجَعَلْتَ عِبادَكَ مَمْنُوْعًا عَنِ الْوُرُوْدِ فِيْ هذا الْمَكانِ، فَوَعِزَّتِكَ لَنْ يَصِلَ أَيْدِيْ أَحَدٍ إِلَيْهِ إِلاَّ أَيْداكَ الْقادِرَةُ وَلَنْ يَبْلُغَ إِلَيْهِ نَفْسٌ سِوى حُكُوْمَتُكَ الْغالِبَةُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ يا سَيِّدِيْ كَمْ قَتَلَ مِنْ عِبادِكَ الأَصْفِياءِ وَكَمْ جَرَحَ مِنْ بَرِيَّتِكَ الأُمَناءِ وَكَمْ مِنْ هَياكِلَ الْمُقَدَّسَةِ طُرِحُوا عَلى الْفِراشِ مِنْ جَرْحِهِ وَكَمْ مِنْ وُجُوْهاتِ الْمُنَزَّهَةِ قَدْ وَقَعُوا عَلى التُّرابِ مِنْ ظُلْمِهِ، أَما وَعَدْتَ يا رَبِّيْ وَإِلهِيْ بِأَنْ تُدْخِلَ الْمُحْسِنِيْنَ فِيْ جَنَّتِكَ الأَعْلى وَتُنْزِلَ الْعاصِيْنَ فِيْ دَرَكِ السُّفْلى وَإِنِّيْ أُشاهِدُ حِيْنَئِذٍ بِأَنَّ هذا الْعاصِي ارْتَقى إِلى جَنَّةِ وَصْلِكَ وَلِقائِكَ وَسَكَنَ عَلى رِياضِ وَجْهِكَ وَكَأَنَّهُ سَمَنْدَرُ الْعِشْقِ يَتَچَمْچَمُ فِيْ نارِ جَمالِكَ وَيتَخَمْخَمُ عَلى رِضْوانِ طَلْعَتِكَ، فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ عَمّا عَلَّقْتَ بِهذا الْخَيْطِ قُلُوْبَ الْمُمْكِناتِ وَقَيَّدْتَ بِهذا الْحَبْلِ أَفْئِدَةَ الْمَوْجُوْداتِ، فَوَعِزَّتِكَ قَدْ تَحَيَّرْتُ مِنْ بَدائِعِ فِعْلِكَ فِيْهِ وَعَلَيْهِ وَعَنْ بَدائِعِ ما ظَنَّهُ فِيْ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ ما يَظُنُّ فِيْ نَفْسِهِ الْعِصْيانَ بَعْدَ الَّذِيْ سَفَكَ الدِّماءَ عَنْ كُلِّ الأَدْيانِ، بَلْ عَرَفَ فِيْ ذاتِهِ بِأَنَّهُ هُوَ مُوْجِدُ الإِحْسانِ وَيَطْلُبُ حِيْنَئِذٍ مِنْ عِبادِكَ جَزاءَ ما فَعَلَ بِهِمْ وَعَلَيْهِمْ، وَكَأَنَّكَ قَدَّرْتَ لَهُ وَحَكَمْتَ عَلَيْهِ بِأَنْ تُعْطِيْ جَزاءَ عِصْيانِهِ كُلَّ خَيْرِ الَّذِيْ قَدَّرْتَهُ بِقُوَّتِكَ وَقَضَيْتَهُ بِقُدْرَتِكَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَمْ أَدْرِ بِأَيِّ جِهَةٍ أَفِرُّ وَبِأَيِّ بابٍ أَهْرُبُ، لا فَوَنُوْرِكَ لَنْ أَهْرُبَ إِلاَّ إِلَيْكَ وَلَنْ أَفِرَّ إِلاّ عَلَيْكَ وَأَتَوَكَّلُ بِكَ فِيْ كُلِّ ذلِكَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيْزُ الْقَدِيْرُ.

المصادر
المحتوى