بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله محيي الأنام وخالق النور...

حضرت بهاءالله
النسخة العربية الأصلية

من آثار حضرة بهاءالله – لئالئ الحكمة، المجلد 3، لوح رقم (45)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الْحَمْدُ للهِ مُحْيِي الأَنامِ وَخالِقِ النُّوْرِ وَالظَّلامِ وَماحِيْ ظُلْمَةِ اللَّيالِيْ بِنُوْرِ الأَيّامِ وَمُخْرِجِ الأَثْمارِ مِنَ الأَكْمامِ، الَّذِيْ اخْتارَ مِنَ الأَيّامِ أَحَدَ عَشَرَ عَدَدَ الْهُوْ، وَهُوَ سِرُّ الْمُسْتَتِرُ وَلا يَعْرِفُهُ إِلاّ مَنِ اطَّلَعَ بِأَسْرارِ الْقَدَرِ، وَخَلَقَ فِيْ سِتَّةٍ مِنْها السَّمواتِ وَالأَرْضَ، وَبَقِيَ عَدَدُ الْها وَهِيَ الْمُنْزَلَةُ فِيْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَبِذلِكَ يُوْقِنُ كُلُّ ذِيْ بَصَرٍ بِأَنَّ ما خُلِقَ فِي السِّتَّةِ خُلِقَ لِمَظاهِرِ الْها الَّتِيْ هِيَ خَمْسَةُ آلِ الْعَبا، ثُمَّ زُيِّنَ الْهاءُ بِطِرازِ الْباءِ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ اللهِ الْمُطاعَةُ الْمَكْنُوْنَةُ الَّتِيْ كانَتْ مَبْدَأَ اسْتِنْطاقِ كَلِمَةِ الأَمْرِيَّةِ فِيْ عالَمِ الْخَلْقِ، وَتَجَلّى بِها عَلى كُلِّ الأَشْياءِ عَمّا خُلِقَ فِي الأَرْضِ وَالسَّماءِ، إِذًا ظَهَرَ التَّمْيِيْزُ وَالتَّفْصِيْلُ فِيْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنافِ الْمَوْجُوْداتِ وَالْمُمْكِناتِ الَّتِيْ ذُوِّتَتْ مِنَ الإِسْطَقِسّاتِ بِما قُدِّرَ مِنْ مالِكَ الأَسْماءِ وَالصِّفاتِ، وَالَّذِيْ أَقْبَلَ إِنَّهُ آمَنَ بالْمَعْبُودِ وَالَّذِيْ أَدْبَرَ إِنَّهُ أَبى عَنِ السُّجُوْدِ وَكَفَرَ بِاللهِ الْعَزِيْزِ الْوَدُوْدِ، فَلَمّا تَجَلّى بِها عَلى الأَيّامِ أَقْبَلَتْ أَيّامٌ مَعْدُوْداتٌ، وَبَعْدَ انْقِضاءِ الْواوِ جَعَلَ الْهاءَ عِيْدَ الإِسْلامِ وَذُخْرًا وَشَرَفًا لِلأَنامِ، فَلَمّا قُضِيَ عِيْدُ الْفِطْرِ أَشْرَقَ عَنِ الأُفُقِ الأَعْلى فَجْرُ عِيْدِنا الأَضْحى، سُبْحانَ مَنْ قَدَّرَهُ بِقَضائِهِ الْمَحْتُوْمِ لأَصْحابِ الْهُدى وَاخْتَصَّهُ لأُوْلِي النُّهى الَّذِيْنَ آمَنُوا بِاللهِ رَبِّ الآخِرَةِ وَالأُوْلى، وَجَعَلَهُ لِجَبِيْنِ الأَيّامِ غُرَّةَ الْغَرّاءَ وِلِدِيْباجِ كِتابِ الزَّمانِ النُّقْطَةَ الْبارِزَةَ عَنْها أَسْرارُ الْفُرْقانِ، وَلَها مَظْهَرٌ فِي التَّدْوِيْنِ وَالتَّكْوِيْنِ، طُوْبى لِمَنْ خَرَّجَ فَرِيْدَةَ الْبَيانِ مِنْ صَدَفِ الْجِنانِ حامِلِ التِّبْيانِ، وَجَعَلَ اللهُ يَوْمَ الأَوَّلَ آيَةَ التَّوْحِيْدِ وَمَظْهَرَ التَّفْرِيْدِ لِكُلِّ الْعَبِيْدِ لِتَشْهَدَنَّ كُلُّ الذَّرّاتِ بِأَنَّهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ خالِقُ الأَرَضِيْنَ وَالسَّمواتِ، ثُمَّ أَشْرَقَ عَلى أَيّامٍ أُخَرٍ وَجَعَلَها أَيّامَ التَّشْرِيْقِ لِهذا الْفَرِيْقِ، وَبِهذِهِ الثَّلثَةِ تَمَّتْ أَرْكانُ الأَرْبَعَةِ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ، نَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَمْ يَزَلْ كانَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ شَيْءٍ وَلا يَزالُ يَكُوْنُ كَما كانَ، قَدِ انْقَطَعَ السَّبِيْلُ إِلى عِرْفانِ ذاتِهِ وَقَصُرَ الدَّلِيْلُ عَن الْبُلُوْغِ إِلى إِدْراكِ كُنْهِهِ، السَّبِيْلُ مَسْدُودٌ وَالطَّلَبُ مَرْدُودٌ دَلِيْلُهُ آياتُهُ وَظُهُوْرُهُ إِثْباتُهُ الْغَنِيُّ عَنْ ذِكْرِ دُوْنِهِ وَالْمُسْتَغْنِيْ عَنْ وَصْفِ ما سِواهُ، قَدْ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ وَجَعَلَهُمْ مَظاهِرَ آياتِهِ وَمَطالِعَ أَسْمائِهِ وَصِفاتِهِ لِيَشْهَدَنَّ الْكُلُّ بِما شَهِدَ لِذاتِهِ قَبْلَ خَلْقِ سَمائِهِ وَأَرْضِهِ بِأَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ كانَ إِلهًا واحِدًا أَحَدًا فَرْدًا وِتْرًا دائِمًا أَبَدًا قَيُّوْمًا، وَقَدِ انْتَهَتِ الرُّسُلُ بِهادِي السُّبُلِ إِنَّهُ لَبِالْمَنْظَرِ الأَعْلى وَيَنْطِقُ مِنْ ذلِكَ الْمَقامِ الأَسْنى وَالأُفُقِ الأَبْهى، طُوْبى لَكُمْ بِما فُزْتُمْ فِيْ هذا الْعِيْدِ الأَعْظَمِ بِخِلَعِ الْعِرْفانِ وَآمَنْتُمْ بِرَبِّكُمُ الرَّحْمنِ وَبِما جاءَ بِهِ فَخْرُ الأَكْوانِ وَسُلْطانُ الإِمْكانِ الَّذِيْ بِهِ جُدِّدَتِ الأَدْيانُ وَمَرَّتْ نَفَحاتُ الْغُفْرانِ عَلى أَهْلِ الْعِصْيانِ، الَّذِيْ زُيِّنَ رَأْسُهُ بِإِكْلِيْلِ (لَوْلاكَ) النّاطِقُ فِيْ مَقامِ الصَّحْوِ (ما عَرَفْناكَ) وَفِيْ مَقامِ الْمَحْوِ (أَنا هُوَ وَهُوَ أَنا إِلاّ أَنَّهُ مُقَدَّسٌ عَنْ ذِكْرِ أَنا وَإِيّاكَ)، الْمَبْدَأُ الَّذِيْ طُرِّزَ بِطِرازِ الْخَتْمِ وَالظّاهِرُ الَّذِيْ بِهِ ظَهَرَ سِرٌّ الْباطِنِ، مَظْهَرُ الْقِدَمِ وَفَخْرُ الأُمَمِ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحابِهِ الَّذِيْنَ بِهِمْ فاضَ ما غاضَ وَجَعَلَهُمُ اللهُ أَبْوابَ الْعُلُوْمِ لِكُلِّ قادِمٍ وَماضٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاّ هُوَ الْمُنْعِمُ الْمُعْطِي الْفَيّاضُ، سُبْحانَكَ اللّهُمَّ يا إِلهِيْ أَسْئَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْحُسْنى وَصِفاتِكَ الْعُلْيا وَبِاسْمِكَ الأَعْظَمِ الَّذِيْ بِهِ طارَتْ طُيُوْرُ أَفْئِدَةِ الْمُوَحِّدِيْنَ فِيْ هَواءِ قُرْبِكَ وَعِنايَتِكَ وَارْتَقَتْ قُلُوْبُ الْمُخْلِصِيْنَ إِلى سَماءِ عِزِّ بَقائِكَ بِأَنْ تَجْعَلَ هذا الْعِيْدَ مُبارَكاً عَلَيْنا وَعَلى الَّذِيْنَ أَقَرُّوا بِوَحْدانِيَّتِكَ وَاعْتَرَفُوا بِفَرْدانِيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ هذا يَوْمٌ جَعَلْتَهُ عِيْداً بَيْنَ الأَيّامِ لإِبْقاءِ ذِكْرِكَ بَيْنَ الأَنامِ وَبُلُوْغِهِمْ إِلى أَعْلى الْمَقامِ، أَيْ رَبِّ نَحْنُ فُقَراءٌ تَوَجَّهْنا إِلى ظِلِّ غَنائِكَ وَضُعَفاءٌ أَقْبَلْنا إِلى كَعْبَةِ أَلْطافِكَ وَمَواهِبِكَ وَظُمّاءٌ سَرُعْنا إِلى كَوْثَرِ جُوْدِكَ وَإِحْسانِكَ أَسْئَلُكَ بِكَ وَبِمُحَمَّدٍ الَّذِيْ اصْطَفَيْتَهُ فِيْ عالَمِ الْقِدَمِ عَلى سائِرِ الأُمَمِ بِأَنْ لا تُخَيِّبَنا عَنْ بَدائِعِ فَضْلِكَ وَجُوْدِكَ وَلا تَجْعَلَنا مَحْرُومًا عَمّا قُدِّرَ لأَصْفِيائِكَ، أَيْ رَبِّ فَأَنْزِلْ عَلَيْنا مِنْ سَحابِ رَحْمَتِكَ وَسَماءِ عِنايَتِكَ ما يُطَهِّرُنا عَنْ رِجْسِ الدُّنْيا وَيُقَرِّبُنا إِلَيْكَ يا مَنْ بِيَدِكَ جَبَرُوْتُ الْقَضاءِ وَمَلَكُوْتُ الإِمْضاءِ، أَيْ رَبِّ نَوِّرْ أَبْصارَنا بنُوْرِ عِرْفانِكَ وَقُلُوْبَنا بِنُوْرِ عِلْمِكَ ثُمَّ اجْذُبْنا إِلى ساحَةِ الْقُرْبِ وَالْقُدْسِ وَالْجَمالِ وَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيْزُ الْمُتَعالِ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ذُو الْعَظَمَةِ وَالإِفْضالِ.

المصادر
المحتوى