الأقدم الأعظم يا أيها المتغمّس في الخليخ المنشعب من...

حضرت بهاءالله
النسخة العربية الأصلية

من آثار حضرة بهاءالله – لئالئ الحكمة، المجلد 3، لوح رقم (58)

الأقدم الأعظم

يا أَيُّها الْمُتَغَمِّسُ فِي الْخَلِيْجِ الْمُنْشَعِبِ مِنَ الْبَحْرِ الأَعْظَمِ وَالنّاظِرُ إِلى الأُفُقِ اللاّئِحِ الْمُشَعْشَعِ مِنْ أَنْوارِ صُبْحِ الْقِدَمِ، فَاعْلَمْ قَدْ تَزَيَّنَ كِتابُكَ الَّذِيْ أَرْسَلْتَهُ إِلى الْعَبْدِ الْحاضِرِ بِلِحاظِ عِنايَةِ مَوْلَيكَ وَاطَّلَعْنا بِما أَرَدْتَ فِيْ جَهْرِكَ وَنَجْوَيكَ وَوَجَدْنا ذِكْرَكَ كَتَرَنُّماتِ الْعُشّاقِ فِي الشَّوْقِ وَالاشْتِياقِ، مَرَّةً رَأَيْتَ الْمَحْبُوْبَ بِعَيْنِكَ وَذَكَرْتَهُ بِما وَجَدْنا عَنْهُ رَوائِحَ التَّذَلُّلِ وَالإِذْلالِ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِيْ لِلْمَعْشُوْقِ الْمُجَلِّيْ عَلى الآفاقِ بِأَنْوارِ هذا الإِشْراقِ، وَطَوْرًا تَوَجَّهْتَ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَوَصَفْتَهُ بِما وَجَدْنا عَنْهُ عَرْفَ الانْقِطاعِ وَقِيامِكَ بِالْخِدْمَةِ للهِ مالِكِ الْمَبْدَءِ وَالْمَآلِ، كَأَنَّكَ ما أَرَدْتَ فِيْ هذَيْنِ الذِّكْرَيْنِ فِي الْمَقامَيْنِ إِلا إِصْغآءَ مالِكِ الأَسمآء لِذا ما أَحْبَبْنا أَنْ نُجِيْبَكَ بِمَقالاتِ أُوْلِي الإِشاراتِ مِنْ أَهْلِ الأَدْيانِ، طُوْبى لَكَ بِما شَرِبْتَ مِنَ الْقَدَحَيْنِ رَحِيْقَ الذِّكْرِ فِيْ ذِكْرِ الاسْمَيْنِ الأَعْلَيَيْنِ فِيْهذا الْيَوْمِ الَّذِيْ جَعَلَهُ اللهُ سَيِّدَ الأَيّامِ، يا أَيُّها الْمُقْبِلُ إِلى الأُفُقِ الأَعْلى تَحَرَّكْ مِنَ الْحَرَكَةِ الظّاهِرَةِ مِنْ حَرارَةِ كَلِمَةِ اللهِ الْمُطاعَةِ الَّتِيْ جَعَلَها اللهُ مُقَدَّساً عِنِ الْحَرَكاتِ الثَّلاثَةِ الَّتِيْ هِي السِّتَّةُ وَما فَوْقَها مِنَ الْحَرَكاتِ الْمَذْكُوْرَةِ فِيْ كُتُبِ الْقَوْمِ كَذلِكَ يَأْمُرُكَ مِوْلى الأَنامِ، وَهذِهِ الْحَرَكَةُ وَلَوْ أَنَّها تَدُوْرُ حَوْلَ نَفْسِها وَلكِنَّ لَها حَرَكاتٍ ما اطَّلَعَ بِها إِلاّ رَبُّكَ الْعَزِيْزُ الْعَلاّمُ، مَرَّةً تَراها تُضْبَطُ بِالسُّكُوْنِ لأَنّا جَعَلْناها أَقْوى شَيْءٍ لِضَبْطِها وَمَرَّةً تَظْهَرُ مِنْها نَفْسُ السُّكُوْنِ تَعالى اللهُ رَبُّكَ الْمُقْتَدِرُ الْمُهَيْمِنُ عَلى الأَضْدادِ، إِنَّ الْمُمْكِنَ لَمْ يَزَلْ فِيْ حَدِّ الإِمْكانِ وَالْخَلْقَ فِيْ أَماكِنِهِ وَالْحَقَّ هُوَ الَّذِيْ لا يُعْرَفُ بِالذِّكْرِ وَالْبَيانِ وَلا بِالْحِكْمَةِ وَالأَمْثالِ، كُنْ مَقاماً ساكِنًا مُنْبَسِطًا أمّا السُّكُوْنُ لِضَبْطِ الْحَرَكَةِ الْمُحْدَثَةِ مِنَ الْكَلِمَةِ كَما ذُكِرَ مِنْ قَبْلُ وَأَمّا الانْبِساطُ لأَبْنِيْ عَلَيْكَ بَيْتاً لِذِكْرِيْ عَلى ما أُرِيْدُ أَنِ اعْرِفِ الْمَقْصُوْدَ وَقُلْ لَكَ الْحَمْدُ يا مالِكَ الْعِبادِ وَالْحاكِمَ عَلى الْبِلادِ، لَوْ تَعْرِفُ ما أَرَدْناهُ لَكَ فِيْ غَياهِبِ هذِهِ الإِشاراتِ لَيَأْخُذُكَ الْفَرَحُ وَالشَّوْقُ إِلى مَقامٍ تَجِدُ نَفْسَكَ مُنْقَطِعًا عَنِ الْجِهاتِ، إِنَّكَ لَوْ تَتَفَكَّرُ فِيْ نَفْسِ الإِقْبالِ وَسَيْرِكَ إِلى الْغَنِيِّ الْمُتَعالِ لَتَعْرِفُ ما ذُكِرَ فِيْكِتابِكَ بِالشُّهُوْدِ وَالْعَيانِ إِنَّا نُؤَيِّدُكَ فِيْ ذلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْمُخْتارُ، إِنَّا أَرَدْنا أَنْ نُقَدِّسَكَ عَمّا عِنْدَ الْقَوْمِ وَنَجْعَلَكَ مُنادِيًا بِهذا الذَّكْرِ الْمُهَيْمِنِ عَلى مَنْ فِي الإِبْداعِ وَمُبَشِّرًا بِهذا النَّبَإِ الأَعْظَمِ بَيْنَ الأُمَمِ إِنَّ رَبِّكَ لَهُوَ الْعَزِيْزُ الْعَلاّمُ، ثُمَّ اعْلَمْ فِيْ حِيْنِ الَّذِيْ أَقْبَلْتَ إِلى اللهِ خُلِقْتَ مِنْ مآءِ الرُّوْحِ مَرَّةً أُخْرى إِيّاكَ أَنْ تَذْكُرَ بِالْمَهِيْنِ هذا الْماءَ الْمَعِيْنِ، إِنَّ الأَوَّلَ قُدِّرَ لِلأَوَّلِيْنَ وَالثّانِيْ لِمَنْ أَقْبَلَ إِلى مَشْرِقٍ كانَ بِأَنْوارِ الْوَجْهِ مُضِيْئًا، إِنَّ إِقْبالَكَ هُوَ نَفْسُ الْقابِلِيَّةِ وَإِنَّها لَعِنايَةُ الرَّبّانِيَّةُ كانَتْ مُوْدَعَةً بِالْحَقِّ فِيْ نَفْسِكَ بِنَفْسِكَ وَداخِلاً فِيْكَ لا كَدُخُوْلِ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ فَلَمّا أَتى الْمِيْقاتُ ظَهَرَتْ مِنْكَ أَنِ احْفَظْها كَذلِكَ يَأْمُرُكَ رَبُّكَ الَّذِيْ كانَ مَقَدَّسًا عَن الدُّخُوْلِ وَالْخُرُوْجِ مِنْ هذا الْمَقامِ الَّذِيْ كانَ باسْمِ اللهِ مَرْفُوْعًا، وَكَذلِكَ نادَيْناكَ مِنَ الشَّطْرِ الأَيْمَنِ مِنَ الْبُقْعَةِ النَّوْرآءِ لِتَشْكُرَ رَبَّكَ وَتَقُوْمَ عَلى أَمْرِهِ بِفَرَحٍ وَانْجِذابٍ، إِنَّما الْبَهآءُ عَلَيْكَ يا أَيُّها الْمُقْبِلُ إِلى اللهِ فِي الْمَآبِ.

المصادر
المحتوى