قَدْ حَضَرَ كِتابُكَ الْمَخْتُوْمُ لَدى الْمَظْلُوْمِ وَوَجَدْنا مِنْهُ عَرْفَ خُلُوْصِكَ للهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّوْمِ، نَسْئَلُ اللهَ أَنْ يُعَرِّفَكَ ما هُوَ الْمَسْتُوْرُ فِيْ لَوْحٍ مَسْطُوْرٍ وَيُسْمِعَكَ هَدِيْرَ الْوَرْقاءِ عَلى الأَفْنانِ وَخَرِيْرَ ماءِ الْحَيَوانِ الَّذِيْ جَرى مِنْ مَعِيْنِ مَشِيَّةِ مالِكِ الإِمْكانِ بِالْحِكْمَةِ وَالْبَيانِ، أَنْ يا حَبِيْبُ يَنْبَغِيْ لِحَضْرَتِكَ أَنْ تَتَفَكَّرَ فِيْ كَلِمَةِ اللهِ وَعَظَمَتِها وَحَلاوَتِها إِنَّها لَتَكْفِي الْعالَمِيْنَ، إِنَّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِالرُّوْحِ قَدْ أَخَذَهُ جَذْبُ كَلِمَةِ رَبِّهِ وَبِها أَقْبَلَ وَآمَنَ مُنْقَطِعا عَمّا فِيْ أَيْدِي النَّاسِ هذا يَنْبَغِيْ لِحِيْتانِ الْبَحْرِ الأَعْظَمِ، يا أَيُّها الْعارِفُ الْخَبِيْرُ وَالْحَبْرُ الْبَصِيْرُ فَاعْلَمْ قَدْ مَنَعَ الْهَوى أَكْثَرَ الْوَرى عَنِ التَّوَجُّهِ إِلى اللهِ مالِكِ الأَسْماءِ، مَنْ يَنْظُرْ بِعَيْنِ الْبَصِيْرَةِ يَشْهَدُ وَيَرى وَيَقُوْلُ سُبْحانَ رَبِّي الأَعْلى، قَدْ بُشِّرَ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ بِبِرِّ اللهِ وَوُعِدَ الْمِلَلُ بِمُطَهِّرِ الْعِلَلِ إِنَّهُ لَبانِي الْهَيْكَلِ طُوْبى لِلْعارِفِيْنَ، إِذا أَتى الْمِيْقاتُ يَصِيْحُ الْكَرْمِلُ كَأَنَّهُ اهْتَزَّ مِنِ اهْتِزازِ نَسَمَةِ الرَّبِّ طُوْبى لِلسَّامِعِيْنَ، لَوْ يَتَوَجَّهُ أَحَدٌ بِأُذُنِ الْفِطْرَةِ لَيَسْمَعُ مِنَ الصَّخْرَةِ أَنَّها تُنادِيْ بِأَعْلى الصَّيْحَةِ وَتَشْهَدُ للإِلهِ الأَبَدِيِّ، طُوْبى لِمَنْ وَجَدَ عَرْفَ الْبَيانِ وَأَقْبَلَ إِلى الْمَلَكُوْتِ مُنْقَطِعًا عَنِ الإِمْكانِ، فَإِذا ظَهَرَ ما ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ تَرى النَّاسَ يَنْظُرُوْنَ وَلا يَعْرِفُوْنَ، يا حَبِيْبُ فَانْظُرْ سِرَّ التَّنْكِيْسِ لِرَمْزِ الرَّئِيْسِ حَيْثُ جَعَلَ أَعْليهُمْ أَسْفَلَهُمْ وَأَسْفَلَهُمْ أَعْليهُمْ وَاذْكُرْ إِذْ أَتى الْيَسُوْعُ أَنْكَرَهُ الْعُلَماءُ وَالْفُضَلاءُ وَالأُدَباءُ وَأَقْبَلَ إِلى الْمَلَكُوْتِ مَنْ يَصْطادُ الْحُوْتَ هذا سِرُّ ما ذُكِرَ فِيْ غَياهِبِ الْكَلِماتِ بِالرُّمُوْزِ وَالإِشاراتِ، إِنَّ الأَمْرَ عَظِيْمٌ عَظِيْمٌ، إِنَّ بُطْرُسَ الْحَوارِيَّ مَعَ عُلُوِّ شَأْنِهِ وَسُمُوِّ مَقامِهِ أَمْسَكَ اللِّسانَ إِذْ سُئِلَ، إِنَّكَ لَوْ تَتَفَكَّرْ فِيْما مَضى خالِصًا لِوَجْهِ الرَّبِّ لَتَرى النُّوْرَ مُشْرِقًا أَمامَ وَجْهِكَ وَتَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْكَ، إِنَّ الْحَقَّ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ تَغْشيهُ الْحُجُباتُ وَالطَّرِيْقَ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ تُغَطِّيْهِ الظُّلُماتُ وَالْيَقِيْنَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تَسْتُرَهُ الظُّنُوْناتُ وَالَّذِيْنَ مُنِعُوا أُوْلئِكَ اتَّبَعُوا أَهْوائَهُمْ وَهُمُ الْيَوْمَ نِيّامٌ راقِدُوْنَ، سَوْفَ يَنْتَبِهُوْنَ وَيَرْكُضُوْنَ وَلا يَجِدُوْنَ، طُوْبى لِمَنْ وَجَدَ الْعَرْفَ إِذْ هاجَ إِنَّهُ فازَ بِما فازَ بِهِ عِبادٌ مُخْلِصُوْنَ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا رَأَيْنا بِأَنَّ الصَّادَ الظَّاهِرَةَ فِيْ كَلِمَةِ صُلْحٍ قَدْ طُرِّزَتْ بِطِرازِ الأَلِفِ الْقائِمَةِ، إِنَّها لَهِيَ الْمَذْكُوْرَةُ فِيْ لَوْحٍ مَنْشُوْرٍ، وَعِنْدَ ظُهُوْرِ أَنْوارِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الإِلهِيَّةِ فُتِحَ بابُ السَّماءِ وَظَهَرَ مَلَكُوْتُ الأَسْماءِ وَتَمَّ الأَمْرُ بِالْهاءِ بَعْدَ اتِّصالِها بِالأَلِفِ الْمَبْسُوْطَةِ الَّتِيْ طُرِّزَتْ بِالنُّقْطَةِ الْبارِزِ عَنْها الاسْمُ الْمَخْزُوْنُ وَالسِّرُّ الْمَكْنُوْنُ وَالرَّمْزُ الْمَصُوْنُ وَإِنَّها لَهِيَ النُّقْطَةُ الَّتِيْ مِنْها ظَهَرَتِ الأَشْياءُ وَإِلَيْها أَعادَتْ، ثُمَّ رَأَيْنا الْكَلِمَةَ نَطَقَتْ بِكَلِمَةٍ وَجَدَها كُلُّ حِزْبٍ مِنَ الأَحْزابِ عَلى لُغَتِهِ وَلِسانِهِ وَعِنْدَ نُطْقِها أَشْرَقَتْ مِنْ أُفُقِ بَيانِها شَمْسٌ أَظْلَمَتْ عِنْدَ أَنْوارِها شَمْسُ السَّماءِ، وَقالَتْ قَدْ زُيِّنَ رَأْسُ السَّبْعِيْنَ بِإِكْلِيْلِ الأَرْبَعِيْنَ وَاتَّصَلَ بِالسَّبْعِ قَبْلَ الْعَشَرَةِ، وَعِنْدَ ذلِكَ ناحَتْ وَقالَتْ ما لِيْ أَرى الْبَيْتَ لا يَعْرِفُ صاحِبَهُ وَالابْنَ لا يَلْتَفِتُ أَباهُ وَكَذلِكَ الرَّاجِيْ مَلْجَأَهُ وَمَثْويهُ، يا أَيُّها الطَّائِرُ فِيْ هَواءِ الْعِرْفانِ مَنْ عَرَفَ الْجارِي الْمُنْجَمِدَ وَالطَّائِرَ السَّاكِنَ وَالظَّاهِرَ الْمَسْتُوْرَ وَالْمُشْرِقَ الْمَحْجُوْبَ يَأْخُذُهُ جَذْبُ الإِشْراقِ عَلى شَأْنٍ يَطِيْرُ بِأَجْنِحَةِ الاشْتِياقِ فِيْ هَواءِ الْقُرْبِ وَالْقُدْسِ وَالْوِصالِ، وَما ذَكَرْتَ حَضْرَتُكَ فِي الظَّلامِ نَشْهَدُ أَنَّهُ أَحاطَ الأَنامَ، طُوْبى لِمَنْ أَضاءَ بِنُوْرِ الْمُشْرِقِ مِنْ أُفُقِ رَحْمَةِ رَبِّهِ الأَقْدَسِ، إِنَّ الظَّلامَ هُوَ الأَوْهامُ وَبِها مُنِعَ الأَنامُ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلى الْمَلَكُوْتِ إِذْ ظَهَرَ بِأَمْرِ اللهِ مالِكِ الْجَبَرُوْتِ، وَأَمَّا ما ذَكَرْتَ أَنَّ فُلانًا ظَنَّ أَنْ لا اخْتِلافَ بَيْنَنا مِنْ جِهَةِ الرُّوْحِ، هذا حَقٌّ لأَنَّ الرُّوْحَ مُقَدَّسٌ مِنْ أَنْ تَعْتَرِيْهِ الاخْتِلافاتُ أَوْ تَحْوِيْهِ الإِشاراتُ، إِنَّهُ لَظُهُوْرُ نُوْرِ الأَحَدِيَّةِ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ وَآيَةُ الْقِدَمِ بَيْنَ الأُمَمِ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ فَقَدْ أَقْبَلَ إِلى مَنْ أَرْسَلَهُ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ أَعْرَضَ عَمَّنْ أَظْهَرَهُ وَأَنطَقَهُ، إِنَّهُ كانَ عَلى ما كانَ وَيَكُوْنُ بِمِثْلِ ما قَدْ كانَ إِنَّما تَخْتَلِفُ إِشْراقاتُ تَجَلِّيْهِ فِي الْمَرايا بِاخْتِلافات ِ صُوَرِهِنَّ وَأَلْوانِهِنَّ، يا حَبِيْبُ لَوْ يَنْكَشِفُ رَمْزٌ مِنْ سِرِّ الَّذِيْ كانَ مُقَنَّعًا بِالسِّرِّ لَتَضْطَرِبُ أَفْئِدَةُ الَّذِيْنَ أَخَذُوا ما عِنْدَهُمْ وَنَبَذُوا ما عِنْدَ الرَّبِّ، إِنَّ حَضْرَتَكَ لَوْ تَتَفَكَّرُ فِيْما أَلْقَيْناكَ وَتَقُوْمُ عَلى ما ذُكِرَ بِالاسْتِقامَةِ الْكُبْرى لَيَظْهَرُ مِنْكَ ما ظَهَرَ مِنْ قَبْلُ، يا حَبِيْبُ إِنَّ الطَّيْرَ بَيْنَ مَخالِيْبِ الظُّلْمِ وَالنِّفاقِ لا تَرى لِنَفْسِها مِنْ وَكْرٍ لِتَسْكُنَ فِيْهِ وَلا مِنْ فَضاءٍ لِتَطِيْرَ إِلَيْهِ وَفِيْ مِثْلِ تِلْكَ الْحالَةِ تَدْعُ الْبَرِيَّةَ إِلى الْحَيوةِ الأَبَدِيَّةِ طُوْبى لأُذُنٍ واعِيَةٍ، نَسْئَلُ اللهَ أَنْ يَجْمَعَنا فِيْ بِساطٍ واحِدٍ وَيُؤَيِّدَنا عَلى ما يُحِبُّ وَيَرْضى.