قَدْ نُزِّلَ مِنْ مَلَكُوْتِ القُدْسِ فيْ لَيْلَةِ القُدْسِ قَوْلُهُ تَعَالى:
فَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَ يَا إِلهيْ أَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِيْ نَجَّيْتَ بِهِ الآدَمَ عَنِ الشَّيْطانِ وَحَفِظْتَ النُّوْحَ عَنِ الطُّوْفَانِ وَالخَلِيْلَ عَنِ النِّيْرَانِ وَالكَلِيْمَ عَنِ الفِرْعَوْنِ وَالرَّوْحَ عَنِ اليَهُوْدِ وَمُحَمَّدًا مِنْ أَبُوْ جَهْلِ الزَّمانِ وَبِاسْمِكَ الَّذِيْ بِهِ هَبَّتْ رَوَائِحُ جُوْدِكَ عَلَى أَجْسَادِ الْمُمْكِنَاتِ وَأَشْرَقَتْ شَمْسُ عِنَايَتِكَ عَلَى كُلِّ مَنْ فِيْ الأَرَضِيْنِ وَالسَّمَوَاتِ وَبِاسْمِكَ الَّذِيْ بِهِ اسْتَغْنَى كُلُّ فَقِيْرٍ لَدَى بَابِ مَدْيَنِ عِزِّ غَنَائِكَ وَاسْتَعَزَّ كُلُّ ذَلِيلٍ لَدَى ظُهُورَاتِ عِزِّ اعْتِزَازِكَ وَاسْتَقْرَبَ كُلُّ بَعيْدٍ عَنْ بَدَايِعِ فَضْلِكَ وَأَلطَافِكَ وَبِاسْمِكَ الَّذِيْ بِهِ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَنْ أُفُقِ مَجْدِ عِنايَتِكَ وَاسْتَرْفَعَتْ سُرَادِقُ العِزِّ فِيْ مَلَكُوْتِ عِزِّ إِحْسَانِكَ وَاسْتَغْرَسَتْ أَشْجَارُ التَّوْحِيْدِ فِيْ رِضْوَانِ عِزِّ أَلْطَافِكَ وَإِكْرَامِكَ ثُمَّ بِاسْمِكَ الَّذِيْ بِهِ تَوَجَّهَتْ كُلُّ الوُجُوْهِ إِلَى وَجْهِ وَحْدَانِيَّتِكَ وَأَقْبَلَتْ كُلُّ النُّفُوْسِ إِلَى شَاطِئِ عِزِّ قُرْبِكَ وَلِقَائِكَ وَطُيِّرَ طُيُوْرُ أَفْئِدَةِ المُقَرَّبِيْنَ فِيْ هَوَاءِ عِزِّ مَجْدِ كِبْرِيَائِيَّتِكَ وَشَرِبَتِ عُقُوْلُ المُقَدِّسِيْنَ مِنْ كُأُوْسِ صَمَدَانِيَّتِكَ بِأَنْ تَنْظُرَ يَا مَحْبُوْبيْ بِنَظْرَةِ عِنَايَتِكَ إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِيْنَ كَانُوْا سَاهِرًا فِيْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الَّتِيْ جَعَلْتَهَا عِيْدًا لِبَرِيَّتِكَ وَفِيْهِ تَجَلَّيْتَ بِاسْمِكَ الرَّحْمَنِ عَلَى كُلِّ الإِمْكَانِ وَفِيْهِ اسْتَوى جَمَالُ رُبُوْبِيَّتِكَ عَلَى عَرْشِ الغُفْرَانِ.
فَسُبْحَانَكَ أَسْئَلُكَ بِهَا وَبِالَّذِيْنَهُمْ سَهِرُوْا فِيْهَا بِأَنْ تُنَزِّلَ عَلَى هَؤُلَاءِ كُلَّ خَيْرٍ أَتَمَّهُ وَكُلَّ إِحْسانٍ أَفْضَلَهُ وَكُلَّ غَنَاءٍ أَغْنَاهُ وَكُلَّ جَمَالٍ أَجْمَلَهُ وَكُلَّ ظُهُوْرٍ أَظْهَرَهُ وَكُلَّ بَيَانٍ أَقْوَمَهُ وَكُلَّ سُلْطَانٍ أَدْوَمَهُ وَكُلَّ كَلِمَةٍ أَتَمَّهَا وَكُلَّ عِنَايَةٍ أَقْدَمَهَا وَكُلَّ آيَةٍ أَقْوَاهَا وَكُلَّ اسْمٍ أَعْظَمَهُ وَكُلَّ إِحْسَانٍ أَكْمَلَهُ وَكُلَّ بَهَاءٍ أَبْهَاهُ وَكُلَّ سَنَاءٍ أَسْنَاهُ وَكُلَّ قُدْرَةٍ أَقْدَرَهَا وَكُلَّ إِذْنٍ أَبْيَنَهُ وَكُلَّ كِتَابٍ أَدْوَمَهُ وَكُلَّ ثَمَراتٍ أَثْمَرَهُ لأَنَّهُمْ يَا إِلهيْ اجْتَمَعُوْا فيْ حَوْلِكَ فيْ يَوْمِ الَّذِيْ انْفَضُّوا عَنْ جِوارِكَ كُلُّ سُكَّانِ الأَرْضِ وَقَصَدُوا حَرَمَكَ بَعْدَ الَّذِيْ كُلٌّ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَأَسْئَلُكَ حِيْنَئِذٍ يا إِلهيْ بِأَنْ تُبَدِّلَ حُزْنَهُمْ بِسُرُوْرٍ مِنْ عِنْدِكَ وَهَمَّهُمْ بِبَهْجَةٍ مِنْ لَدُنْكَ ثُمَّ أَنْزِلْ يا إِلهيْ عَلَيْهِمْ مِنْ سَحابِ رَحْمَتِكَ مَا يُنْبِتُ بِها صُدُوْرُهُمْ نَباتَ حِكْمَتِكَ وَرَياحِيْنَ رَوْضَةِ أَحَدِيَّتِكَ ثُمَّ اجْعَلْهُمْ يَا مَحْبُوْبيْ مُسْتَقِيْمًا عَلى حُبِّكَ وَأَمْرِكَ بِحِيْثُ لَوْ تَمْنَعُهُمْ كُلُّ مَنْ فيْ السَّمواتِ لَنْ يَعْتَنُوا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَتَوَجَّهُوا بِسِرِّهِمْ وَجَهْرِهِمْ إِلَى شَطْرِ عِنايَتِكَ وَإِفْضَالِكَ ثُمَّ شَرِّفْهُمْ يا مَحْبُوبِي بِلِقائِكَ الكُبْرَى فيْ يَوْمِ الَّذِيْ فيْهِ تَسْتَويْ بِجِمالِكَ عَلَى عَرْشِ البَقاءِ وَتَزِلُّ فِيهِ أَقْدامُ أُوليْ النُّهى وَتَضْطَرِبُ كُلُّ سُكَّانِ الأَرْضِ وَالسَّماءِ إِذًا يَا إِلهيْ لَا تَدَعْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ خُذْ أَيداهُمْ بِسُلْطانِ عِنايَتِكَ ثُمَّ احْشُرْهُمْ بَيْنَ يَدَيْ مَلِيْكِ عِزِّ وَهَّابِيَّتِكَ ثُمَّ ابْتَعِثْهُمْ يا مَحْبُوْبيْ عَلَى مَا أَرَدْتَ لَهُمْ بِسُلْطانِ عِزِّ قَيُّومِيَّتِكَ لأَنَّ هَذَا خَيْرُ الَّذيْ لَمْ يَكُنْ شِبْهُهُ فيْ الإِبْداعِ وَلَا نَظِيْرُهُ فيْ الاخْتِرَاعِ وَإِنَّكَ أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْر
فَسُبْحانَكَ يا مَحْبُوْبيْ أَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ المَكْنُوْنِ ثُمَّ بِرَسْمِكَ المَخْزُونِ ثُمَّ بِسِرِّكَ المَصُوْنِ بِأَنْ لَا تَحْرِمَ هؤُلاءِ عِنْ تَمَوُّجاتِ بِحْرِ أَحَديَّتِكَ ثمَّ أَرْكِبْهُمْ يا مُنائِيْ فيْ سَفِيْنَةِ عِزِّ كِبْرِيَائيَّتِكَ وَلَا تَمْنَعْهُمْ يا رَجَائِيْ عَمَّا عِنْدَكَ ثمَّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمْ ما يَسْكُنُ بِهِ فُؤادُهُمْ وَيَسُرُّ بِهِ قُلُوْبُهُمْ وَيَسْتَقِيْمُ بِهِ أَنْفُسُهُمْ وَيَنْطِقُ بِهِ أَلْسُنُهُمْ وَيَطيرُ بِهِ أَفْئِدَتَهُمْ وَيَقِرُّ بِهِ عُيُوْنُهُمْ وَيَسْمَعُ بِهِ آذانُهُمْ وَيَشْغَفُ بِهِ شَوْقُهُمْ لَعَلَّ يَسْتَجْذِبُوْنَ مِنْ نَفَحاتِ عِزِّ آياتِكَ الَّتِيْ مَا فَازَ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا الَّذِيْنَ اخْتَصَصْتَهُمْ لِعِرْفانِ نَفْسِكَ وَانْتَخَبْتَهُمْ لِخَزَائِنِ عِزِّ أَحّديَّتِكَ وَارْتَقَيْتَهُمْ لإِظْهارِ أَمْرِكَ وَسَلْطَنَتِكَ وَجَعَلْتَهُمْ مَشْرِقَ كَيْنُونيَّتِكَ فِيْ بِلادِكَ وَمَطْلَعَ قَيُّومِيَّتِكَ بَيْنَ بَريَّتِكَ وَمَظْهَرَ رُبُوبِيَّتِكَ بَيْنَ سَمائِكَ وَأَرْضِكَ وَإنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَاءُ وَالمُتَعَالِيْ عَلَى مَا تُرِيْدُ لَا رَادَّ لِأَمْرِكَ وَلَا مَرَدَّ لِقَضَائِكَ تَفْعَلُ مَا تَشاءُ بِسُلْطانِكَ وَتَحْكُمُ ما تُريْدُ بِإِمْضائِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ الخَبيْرُ العَالِمُ المُعْطِيْ البَاذِلُ الحَبِيْبُ الكَرِيْمُ ثُمَّ صَلِّ اللَّهُمَّ يَا إِلهيْ عَلَى الَّذيْنَهُمْ آمَنُوا بِكَ وَبِآياتِكَ وَبِجَمالِكَ الَّذِيْ تَسْتَضيءُ بَيْنَ أَرْضِكَ وَسَمائِكَ ثُمَّ انْقَطِعْهُمْ يَا إِلهيْ عَنْ دُوْنِكَ وَانْجَذِبْهُمْ إِلَى سَاحَةِ عِزِّكَ فَإِنَّكَ أَنْتَ الغَفُوْرُ الوَدُوْدُ وَالباعِثُ المُحيِيْ العَزِيْزُ الغَالِبُ القَديْرُ.
فَسُبْحانَكَ يا إِلهيْ أَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِيْ بِهِ تَمَوَّجَتْ بُحُوْرُ أَسْمائِكَ فِيْ مَلَكُوْتِ صِفاتِكَ لِتَسْتَشْرِقَ شَمْسُ تَقْدِيْرِكَ مِنْ أُفُقِ قَضائِكَ وَاسْتَظْهَرَ بَدْرُ تَدْبِيْرِكَ عَنْ شَطْرِ إِمْضائِكَ بِأَنْ تَجْمَعَ يا مَحْبُوْبيْ هؤُلاءِ فيْ ظِلِّ شَجِرَةِ وَحْدانِيَّتِكَ ثُمَّ ارْزُقْهُمْ يَا إِلهيْ سِرًّا مِنْ بَدايِعِ نَعَماءِ عِزِّ فَرْدانِيَّتِكَ لِيَسْتَطْعِمُوا بِهَا كَمَا اسْتَظْهَرُوا جَهْرَةً مِنْ بَدايِعِ آلاءِ عِزِّ صَمَدانِيَّتِكَ ثُمَّ أَنْزِلْ يَا مَحْبُوبيْ فيْ قُلُوْبِهِمْ مَا يُطَهِّرُهُمْ عَنْ دُوْنِكَ وَيُقَرِّبُهُمْ إِلَى مَكْمَنِ رِضَائِكَ وَمَنْبَعِ إِرَادَتِكَ حَتَّى لَا يَتَكَلَّمُوا إِلَّا بِحُبِّكَ وَلَا يَتَنَفَّسُوْنَ إِلَّا بِوُدِّكَ وَلَا يَتَوَجَّهُوا إِلَى جَهَةٍ إِلَّا بِشَطْرِ رَحْمَتِكَ وَجُوْدِكَ وَلَا يَرْفَعُوْا أيْدَاهُمْ إِلَّا إِلَى سَمَاءِ عِزِّكَ وَإِكْرَامِكَ وَلَا يَفْتَحُوْا عُيُوْنَهُمْ إِلَّا إِلَى بَدَايِعِ إِشْرَاقِ أَنْوارِ بَهْجَتِكَ أَيْ مَحْبُوْبيْ فَأَشْرِبْهُمْ مِنْ كُأُوْسِ الحَيَوانِ مِنْ يَدِ هَذَا الغُلَامِ فِيْ هَذَا الرِّضْوَانِ لِيَنْقَطَعَهُمْ عَنْ هَيْكَلِ الشَّيْطانِ وَيَتَّفِقُوْنَ عَلى أَمْرِكَ فِيْ هذا الأَحْيانِ وَيَذْكُرُوْنَكَ فيْ العَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ فِيْ ظِلِّ عِنايَتِكَ يَا مَنَّانُ وَيَا مُنْزِلَ الْبَيانِ وَمَظْهَرَ السُّبْحانِ وَمُوْجِدَ الإِمْكانِ ثُمَّ أَسْئَلُكَ يا مَحْبُوْبيْ بِأَنْ تَرْفَعَ الاخْتِلافَ بَيْنَ هَؤلاءِ ثُمَّ أَقْمِصْهُمْ عَنْ قَمِيْصِ عِنايَتِكَ وَخِلَعِ أَلْطَافِكَ بِحَيْثُ لَا يَحْكُوْنَ إِلَّا عَنْ بَدايِعَ آثارِ عِزِّ قَيُّوميَّتِكَ وَلَا يَهُبُّ مِنْهُمْ إِلَّا يُهْدَى بِهِ المُمْكِناتُ إِلَى ساحَةِ عِزِّ مَحْبُوبِيَّتِكَ لَعَلَّ يَتَعارَجُنَّ إِلَى هَواءِ قُرْبِ تَوْحِيْدِكَ وَيَصْعَدُنَّ إِلَى قَضَاءِ قُدْسِ تَفْرِيْدِكَ وَلَعَلَّ بِذلِكَ يَتَّحِدُوْنَ فِيْ جِوَارِ رَحْمَتِكَ وَيَكُوْنُنَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ تِلْقاءَ مَدْيَنِ عِزِّ كِبْرِيائِكَ ثُمَّ أَسْئَلُكَ يا إِلهيْ بِأَنْ تُطَهِّرَ قُلُوْبَهُمْ عِنْ عَجَاجِ المُمْكِنَاتِ وَغُبَارِ الْكائِناتِ لِتُصَفَّى بِذلِكَ مَرايا أَفْئِدَتِهِمْ لِيَنْطَبِعَ فِيْها بَدايِعُ إِشْرَاقِ أَنْوَارِ جَمَالِكَ المُنيْرِ وَإِنَّكَ أَنْتَ المُعْطِيْ القَائِمُ الخَبِيْرُ وَإنَّكَ أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديْرٌ.