لوح البرهان (سورة البرهان)

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

لوح البرهان – حضرة بهاءالله – مجموعه اى از الواح جمال اقدس ابهى، طبعة المانيا، الصفحات ١٢٥ - ١٣٣

﴿ هو المقتدر العليم الحكيم ﴾

قد أحاطت أرياح البغضاء سفينة البطحاء بما اكتسبت أيدي الظّالمين.

يا باقر قد أفتيت على الّذين ناح لهم كتب العالم وشهد لهم دفاتر الأديان كلّها وإنّك يا أيّها البعيد في حجاب غليظ تاللّه قد حكمت على الّذين بهم لاح أفق الإيمان يشهد بذلك مطالع الوحي ومظاهر أمر ربّك الرّحمن الّذين أنفقوا أرواحهم وما عندهم في سبيله المستقيم قد صاح من ظلمك دين اللّه فيما سواه وإنّك تلعب وتكون من الفرحين ليس في قلبي بغضك ولا بغض أحد من العباد لأنّ العالم يراك وأمثالك في جهل مبين إنّك لو اطّلعت على ما فعلت لألقيت نفسك في النّار أو خرجت من البيت متوجّها إلى الجبال ونحت إلى أن رجعت إلى مقام قدّر لك من لدن مقتدر قدير .

يا أيّها الموهوم أخرق حجبات الظّنون والأوهام لترى شمس العلم مشرقة من هذا الأفق المنير قد قطعت بضعة الرّسول وظننت أنّك نصرت دين اللّه كذلك سوّلت لك نفسك وأنت من الغافلين قد احترق من فعلك قلوب الملأ الأعلى والّذين طافوا حول أمر اللّه ربّ العالمين قد ذاب كبد البتول من ظلمك وناح أهل الفردوس في مقام كريم أنصف باللّه بأيّ برهان استدلّ علماء اليهود وأفتوا به على الرّوح إذ أتى بالحقّ وبأيّ حجّة أنكر الفرِّيسيّون وعلماء الأصنام إذ أتى محمّد رسول اللّه بكتاب حكم بين الحقّ والباطل بعدل أضاء بنوره ظلمات الأرض وانجذبت قلوب العارفين وإنّك استدللت اليوم بما استدلّ به علماء الجهل في ذاك العصر يشهد بذلك مالك مِصر الفضل في هذا السّجن العظيم إنّك اقتديت بهم بل سبقتهم في الظّلم وظننت أنّك نصرت الدّين ودفعت عن شريعة اللّه العليم الحكيم ونفسه الحقّ ينوح من ظلمك النّاموس الأكبر وتصيح شريعة اللّه الّتي بها سرت نسمات العدل على من في السّموات والأرضين هل ظننت أنّك ربحت فيما أفتيت لا وسلطان الأسماء يشهد بخسرانك من عنده علم كلّ شيء في لوح حفيظ قد أفتيت على الّذي حين أفتائك يلعنك قلمك يشهد بذلك قلم اللّه الأعلى في مقامه المنيع.

يا أيّها الغافل إنّك ما رأيتني وما عاشرت وما آنست معي في أقلّ من آن فكيف أمرت النّاس بسبّي هل اتّبعت في ذلك هواك أم مولاك فَأْتِ بآية أن أنت من الصّادقين نشهد أنّك نبذت شريعة اللّه وراءك وأخذت شريعة نفسك إنّه لا يعزب عن علمه من شيء إنّه هو الفرد الخبير.

يا أيّها الغافل إسمع ما أنزله الرّحمن في الفرقان: ﴿ولَا تَقُوْلُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُم السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ كذلك حكم من في قبضته ملكوت الأمر والخلق إن أنت من السّامعين إنّك نبذت حكم اللّه وأخذت حكم نفسك فويل لك يا أيّها الغافل المريب إنّك لو تنكرني بأيّ برهان يثبت ما عندك فأت به يا أيّها المشرك باللّه والمعرض عن سلطانه الّذي أحاط العالمين.

يا أيّها الجاهل اعلم أنّ العالِم من اعترف بظهوري وشرب من بحر علمي وطار في هواء حبّي ونبذ ما سوائي وأخذ ما نزل من ملكوت بياني البديع إنّه بمنزلة البصر للبشر وروح الحيوان لجسد الإمكان تعالى الرّحمن الّذي عرّفه وأقامه على خدمة أمره العزيز العظيم يصلّي عليه الملأ الأعلى وأهل سرادق الكبرياء والّذين شربوا رحيقي المختوم بإسمي القويّ القدير.

يا باقر إنّك إن تَكُ من أهل هذا المقام الأعلى فأت بآية من لدى اللّه فاطر السّماء وإن عرفت عجز نفسك خذ أعنّة هواك ثم ارجع إلى مولاك لعلّ يكفّر عنك سيّئاتك الّتي بها احترقت أوراق السّدرة وصاحت الصّخرة وبكت عيون العارفين بك انشقّ ستر الرّبوبيّة وغرقت السّفينة وعقرت النّاقة وناح الرّوح في مقام رفيع أتعترض على الّذي آتاك بما عندك وعند أهل العالم من حجج اللّه وآياته افتح بصرك لترى المظلوم مشرقا من أفق إرادة اللّه الملك الحقّ المبين ثمّ افتح سمع فؤادك لتسمع ما تنطق به السّدرة الّتي ارتفعت بالحقّ من لدى اللّه العزيز الجميل إنّ السّدرة مع ما ورد عليها من ظلمك واعتساف أمثالك تنادي بأعلى النّداء وتدعو الكلّ إلى السّدرة المنتهى والأفق الأعلى طوبي لنفس رأت الآية الكبرى ولأذن سمعت ندائها الأحلى وويل لكلّ معرض أثيم.

يا أيّها المعرض باللّه لو ترى السّدرة بعين الإنصاف لترى آثار سيوفك في أفنانها وأغصانها وأوراقها بعد ما خلقك اللّه لعرفانها وخدمتها تفكّر لعلّ تطّلع بظلمك وتكون من التّائبين أظننت إنّا نخاف من ظلمك فاعلم ثمّ أيقن إنّا في أوّل يوم فيه ارتفع صرير القلم الأعلى بين الأرض والسّماء أنفقنا أرواحنا وأجسادنا وأبنائنا وأموالنا في سبيل اللّه العليّ العظيم ونفتخر بذلك بين أهل الإنشاء والملأ الأعلى يشهد بذلك ما ورد علينا في هذا الصّراط المستقيم تاللّه قد ذابت الأكباد وصلبت الأجساد وسفكت الدّماء والأبصار كانت ناظرة إلى أفق عناية ربّها الشّاهد البصير كلّما زاد البلاء زاد أهل البهاء في حبّهم قد شهد بصدقهم ما أنزله الرّحمن في الفرقان بقوله: ﴿فَتَمَنُّوا المَوْتَ إِنْ كُنْتُم صَادِقِينَ﴾ هل الّذي حفظ نفسه خلف الأحجاب خير أم الّذي أنفقها في سبيل اللّه أنصف ولا تكن في تيه الكذب لمن الهائمين قد أخذهم كوثر محبّة الرّحمن على شأن ما منعتهم مدافع العالم ولا سيوف الأمم عن التّوجّه إلى بحر عطاء ربّهم المعطي الكريم تاللّه ما أعجزني البلاء وما أضعفني إعراض العلماء نطقت وأنطق أمام الوجوه قد فتح باب الفضل وأتى مطلع العدل بآيات واضحات وحجج باهرات من لدى اللّه المقتدر القدير احضر بين يدي الوجه لتسمع أسرار ما سمعه ابن عمران في طور العرفان كذلك يأمرك مشرق ظهور ربّك الرّحمن من شطر سجنه العظيم أغرّتك الرّياسة.

اقرأ ما أنزله اللّه لرئيس الأعظم ملك الرّوم الّذي حبسني في هذا الحصن المتين لتطّلع بما عند المظلوم من لدى اللّه الواحد الفرد الخبير أتفرح بما ترى هَمَج الأرض وراءك إنّهم إتّبعوك كما اتّبع قوم قبلهم من سمّي بحنّان الّذي أفتى على الرّوح من دون بيّنة ولا كتاب منير.

اقرأ كتاب الإيقان وما أنزله الرّحمن لملك باريس وأمثاله لتطّلع بما قضي من قبل وتوقن بأنّا ما أردنا الفساد في الأرض بعد إصلاحها إنّما نذكّر العباد خالصا لوجه اللّه من شاء فليقبل ومن شاء فليعرض إنّ ربّنا الرّحمن لهو الغنيّ الحميد.

يا معشر العلماء هذا يوم لا ينفعكم شيء من الأشياء ولا إسم من الأسماء إلّا بهذا الإسم الّذي جعله اللّه مظهر أمره ومطلع أسمائه الحسنى لمن في ملكوت الإنشاء نعيما لمن وجد عرف الرّحمن وكان من الرّاسخين ولا يغنيكم اليوم علومكم وفنونكم ولا زخارفكم وعزّكم دعوا الكلّ وراءكم مقبلين إلى الكلمة العليا الّتي بها فصّلت الزّبر والصّحف وهذا الكتاب المبين.

يا معشر العلماء ضعوا ما ألّفتموه من قلم الظّنون والأوهام تاللّه قد أشرقت شمس العلم من أفق اليقين يا باقر انظر ثمّ اذكر ما نطق به مؤمن آلك من قبل: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللّهُ وقَدْ جَاءَكُم بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُم وإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُم إِنَّ اللّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾.

يا أيّها الغافل إن كنت في ريب ممّا نحن عليه إنّا نشهد بما شهد اللّه قبل خلق السّموات والأرض إنّه لا إله إلّا هو العزيز الوهّاب ونشهد إنّه كان واحدا في ذاته وواحدا في صفاته لم يكن له شبه في الإبداع ولا شريك في الإختراع قد أرسل الرّسل وأنزل الكتب ليبشّروا الخلق إلى سواء الصّراط هل السّلطان اطّلع وغضّ الطّرف عن فعلك أم أخذه الرّعب بما عوت شرذمة من الذّئاب الّذين نبذوا صراط اللّه ورائهم وأخذوا سبيلك من دون بيّنة ولا كتاب إنّا سمعنا بأنّ ممالك الإيران تزيّنت بطراز العدل فلمّا تفرّسنا وجدناها مطالع الظّلم ومشارق الإعتساف إنّا نرى العدل تحت مخالب الظّلم نسأل اللّه بأن يخلّصه بقوّة من عنده وسلطان من لدنه إنّه لهو المهيمن على من في الأرضين والسّموات ليس لأحد أن يعترض على نفس فيما ورد على أمر اللّه ينبغي لكلّ من توجّه إلى الأفق الأعلى أن يتمسّك بحبل الإصطبار ويتوكّل على اللّه المهيمن المختار.

يا أحبّاء اللّه اشربوا من عين الحكمة وسيروا في رياض الحكمة وطيروا في هواء الحكمة وتكلّموا بالحكمة والبيان كذلك يأمركم ربّكم العزيز العّلام.

يا باقر لا تطمئنّ بعزّك وإقتدارك مثلك كمثل بقيّة أثر الشّمس على رؤوس الجبال سوف يدركها الزّوال من لدى اللّه الغنيّ المتعال قد أخذ عزّك وعزّ أمثالك وهذا ما حكم به من عنده أمّ الألواح أين من حارب اللّه وأين من جادل بآياته وأين من أعرض عن سلطانه وأين الّذين قتلوا أصفياءه وسفكوا دماء أوليائه تفكّر لعلّ تجد نفحات أعمالك.

يا أيّها الجاهل المرتاب بكم ناح الرّسول وصاحت البتول وخربت الدّيار وأخذت الظّلمة كلّ الأقطار يا معشر العلماء بكم إنحط شأن الملّة ونكس علم الإسلام وثَلَّ عرشه العظيم كلّما أراد مميّز أن يتمسّك بما يرتفع به شأن الإسلام ارتفعت ضوضاؤكم بذلك منع عمّا أراد وبقي الملك في خسران كبير فانظروا في ملك الرّوم إنّه ما أراد الحرب ولكن أرادها أمثالكم فلمّا اشتعلت نارها وارتفع لهيبها ضعفت الدّولة والملّة يشهد بذلك كلّ منصف بصير وزادت ويلاتها إلى أن أخذ الدّخّان أرض السّرّ ومن حولها ليظهر ما أنزله اللّه في لوح الرّئيس كذلك قضي الأمر في الكتاب من لدى اللّه المهيمن القيّوم إنّا للّه وإنّا إليه راجعون.

يا قلم الأعلى دع ذكر الذّئب واذكر الرّقشاء الّتي بظلمها ناحت الأشياء وارتعدت فرائص الأولياء كذلك يأمرك مالك الأسماء في هذا المقام المحمود قد صاحت من ظلمك البتول وتظنّ أنّك من آل الرّسول كذلك سوّلت لك نفسك يا أيّها المعرض عن اللّه ربّ ما كان وما يكون أنصفي يا أيّتها الرّقشاء بأيّ جرم لدغت أبناء الرّسول ونهبت أموالهم أكفرت بالّذي خلقك بأمره كن فيكون قد فعلت بأبناء الرّسول ما لا فعلت عاد وثمود بصالح وهود ولا اليهود بروح اللّه مالك الوجود أتنكر آيات ربّك الّتي إذ نزلت من سماء الأمر خضعت لها كتب العالم كلّها تفكّر لتطّلع بفعلك.

يا أيّها الغافل المردود سوف تأخذك نفحات العذاب كما أخذت قوما قبلك إنتظر يا أيّها المشرك باللّه مالك الغيب والشّهود هذا يوم أخبر به اللّه بلسان رسوله تفكّر لتعرف ما أنزله الرّحمن في الفرقان وفي هذا اللّوح المسطور هذا يوم فيه أتى مشرق الوحي بآيات بيّنات عجز عن إحصائها المحصون هذا يوم فيه وجد كلّ ذي شمّ عرف نسمة الرّحمن في الإمكان وسرع كلّ ذي بصر إلى فرات رحمة ربّه مالك الملوك.

يا أيّها الغافل تاللّه قد رجع حديث الذّبح والذّبيح توجّه إلى مقرّ الفداء وما رجع بما اكتسبت يدك يا أيّها المبغض العنود أظننت بالشّهادة ينحط شأن الأمر لا والّذي جعله اللّه مهبط الوحي إن أنت من الّذين هم يفقهون ويل لك يا أيّها المشرك باللّه وللّذين إتّخذوك إِمَامًا لأنفسهم من دون بيّنة ولا كتاب مشهود كم من ظالم قام على إطفاء نور اللّه قبلك وكم من فاجر قتل ونهب إلى أن ناحت من ظلمه الأفئدة والنّفوس قد غابت شمس العدل بما استوى هيكل الظّلم على أريكة البغضاء ولكن القوم هم لا يشعرون قد قتل أبناء الرّسول ونهب أموالهم قل هل الأموال كفرت باللّه أم مالكها على زعمك أنصف يا أيّها الجاهل المحجوب قد أخذت الإعتساف ونبذت الإنصاف بذلك ناحت الأشياء وأنت من الغافلين قد قتلت الكبير ونهبت الصّغير هل تظنّ أنّك تأكل ما جمعته بالظّلم لا ونفسي كذلك يخبرك الخبير تاللّه لا يغنيك ما عندك وما جمعته بالإعتساف يشهد بذلك ربّك العليم قد قمت على إطفاء نور الأمر سوف تنخمد نارك أمرا من عنده إنّه هو المقتدر القدير لا تعجزه شئونات العالم ولا سطوة الأمم يفعل ما يشاء بسلطانه ويحكم ما يريد تفكّر في النّاقة مع أنّها من الحيوان رفعها الرّحمن إلى مقام نطق ألسن العالم بذكرها وثنائها إنّه لهو المهيمن على من في السّموات والأرض لا إله إلّا هو العزيز العظيم كذلك زيّنّا آفاق سماء اللّوح بشموس الكلمات نَعِيمًا لِمَنْ فَازَ بِهَا واسْتَضَاءَ بِأَنْوَارِهَا ووَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ ووَيْلٌ لِلْمُنْكِرِينَ ووَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المصادر
OV