سورة الرئيس (عالي باشا)

حضرة بهاء الله
أصلي عربي

سورة الرئيس  – حضرة بهاءالله – الواح حضرة بهاءالله الى الملوك والرؤساء، ١٤٠ بديع، الصفحات  ٦٥ - ٧٢

﴿ بِسْمِهِ الأَبْهَى ﴾

أَنْ يَا رَئِيسُ اسْمَعْ نِدَاءَ اللهِ المَلِكِ المُهَيْمِنِ القَيُّومِ، إِنَّهُ يُنادِي بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَيَدْعُ الكُلَّ إِلَى المَنْظَرِ الأَبْهَى، وَلا يَمْنَعُهُ قِبَاعُكَ وَلا نِباحُ مَنْ فِي حَوْلِكَ وَلا جُنُودُ العالَمِينَ، قَدِ اشْتَعَلَ العالَمُ مِنْ كَلِمَةِ رَبِّكَ الأَبْهَى وَإِنَّها أَرَقُّ مِنْ نَسِيْمِ الصَّبَا قَدْ ظَهَرَتْ عَلَى هَيْئَةِ الإِنْسَانِ وَبِهَا أَحْيَى اللهُ عِبَادَهُ المُقْبِلِينَ، وَفِي بَاطِنِهَا مَاءٌ قَدْ طَهَّرَ اللهُ بِهِ أَفْئِدَةَ الَّذِينَ أَقْبَلُوا إِلَى اللهِ وَغَفَلُوا عَنْ ذِكْرِ مَا سِوَاهُ وَقَرَّبَهُمْ إِلَى مَنْظَرِ اسْمِهِ العَظِيمِ، وَقَدْ رَشَحْنا مِنْهُ عَلَى القُبُورِ وَهُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ جَمالَ اللهِ المُشْرِقِ المُنِيرِ.

أَنْ يا رَئِيسُ قَدِ ارْتَكَبْتَ مَا يَنُوحُ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فِي الجَنَّةِ العُلْيا وَغَرَّتْكَ الدُّنْيا عَلَى شَأْنٍ أَعْرَضْتَ عَنِ الوَجْهِ الَّذِي بِنُورِهِ اسْتَضاءَ الملأُ الأَعْلَى فَسَوْفَ تَجِدُ نَفْسَكَ فِي خُسْرانٍ مُبِينٍ، وَاتَّحَدْتَ مَعَ رَئِيسِ العَجَمِ فِي ضُرِّي بَعْدَ الَّذِي جِئْتُكُمْ مِنْ مَطْلِعِ العَظَمَةِ وَالكِبْرِياءِ بِأَمْرٍ بِهِ قَرَّتْ عُيُونُ المُقَرَّبِينَ، تاللهِ هذا يَوْمٌ فِيهِ تَنْطِقُ النَّارُ فِي كُلِّ الأَشْياءِ قَدْ أَتَى مَحْبُوبُ العالَمِينَ، وَعِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الأَشْياءِ قامَ كَلِيمُ الأَمْرِ لإِصْغاءِ كَلِمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ العَلِيمِ، إِنَّا لَوْ نَخْرُجُ مِنَ القَمِيصِ الَّذِي لَبِسْنَاهُ لِضَعْفِكُمْ لَيَفْدِيُنَّ مَنْ فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ أَنْفُسَهُمْ لِنَفْسِي وَرَبُّكَ يَشْهَدُ بِذلِكَ وَلا يَسْمَعُهُ إِلاَّ الَّذِينَ انْقَطَعُوا عَنْ كُلِّ الوُجُودِ حُبَّاً للهِ العَزِيزِ القَدِيرِ، هَلْ ظَنَنْتَ أَنَّكَ تَقْدِرُ أَنْ تُطْفِئَ النَّارَ الَّتِي أَوْقَدَها اللهُ فِي الآفاقِ لا وَنَفْسِهِ الحَقِّ لو أَنْتَ مِنَ العارِفِينَ، بَلْ بِمَا فَعَلْتَ زَادَ لَهِيبُها وَاشْتِعالُها فَسَوْفَ يُحيطُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها، كَذلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ وَلا يَقُومُ مَعَهُ حُكْمُ مَنْ فِي السَّمواتِ وَالأَرَضِينَ، فَسَوْفَ تُبَدَّلُ أَرْضُ السِّرِّ وَما دُونَها وَتَخْرُجُ مِنْ يَدِ المَلِكِ وَيَظْهَرُ الزِّلْزالُ وَيَرْتَفِعُ العَوِيلُ وَيَظْهَرُ الفَسَادُ فِي الأَقْطارِ وَتَخْتَلِفُ الأُمُورُ بِما وَرَدَ عَلَى هؤِلاءِ الأُسَرَاءِ مِنْ جُنُودِ الظَّالِمِينَ، وَيَتَغَيَّرُ الحُكْمُ وَيَشْتَدُّ الأَمْرُ عَلَى شَأْنٍ يَنُوحُ الكَثِيبُ فِي الهِضَابِ وَتَبْكِي الأَشْجَارُ فِي الجِبالِ وَيَجْرِي الدَّمُ مِنْ كُلِّ الأَشْياءِ وَتَرى النَّاسَ فِي اضْطِرابٍ عَظِيمٍ.

أَنْ يا رَئِيسُ قَدْ تَجَلَّيْنا عَلَيْكَ مَرَّةً فِي جَبَلِ التِّينَاءِ وَمَرَّةً فِي الزَّيْتَاءِ وَفِي هذِهِ البُقْعَةِ المُبارَكَةِ إِنَّكَ مَا اسْتَشْعَرْتَ بِمَا اتَّبَعْتَ هَواكَ وَكُنْتَ مِنَ الغَافِلِينَ، فَانْظُرْ ثُمَّ اذْكُرْ إِذْ أَتَى مُحَمَّدٌ بِآياتٍ بَيِّناتٍ مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ عَلِيمٍ، كانَ القَوْمُ أَنْ يَرْجِمُوهُ فِي المَراصِدِ وَالأَسْواقِ وَكَفَرُوا بِآياتِ اللهِ رَبِّكَ وَرَبِّ آبائِكَ الأَوَّلِينَ، وَأَنْكَرَهُ العُلَماءُ ثُمَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ مِنَ الأَحْزَابِ وَعَنْ وَرَائِهِمْ مُلُوكُ الأَرْضِ كَمَا سَمِعْتَ مِنْ قِصَصِ الأَوَّلِينَ، وَمِنْهُمْ الكِسْرَى الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ كِتابَاً كَرِيماً وَدَعاهُ إِلَى اللهِ وَنَهاهُ عَنِ الشِّرْكِ إِنَّ رَبَّكَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ، إِنَّهُ اسْتَكْبَرَ عَلَى اللهِ وَمَزَّقَ اللَّوْحَ بِما اتَّبَعَ النَّفْسَ وَالهَوَى أَلا إِنَّهُ مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ، هَلْ الفِرْعَوْنُ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمْنَعَ اللهَ عَنْ سُلْطانِهِ إِذْ بَغَى فِي الأَرْضِ وَكَانَ مِنَ الطَّاغِينَ، إِنَّا أَظْهَرْنَا الكَلِيمَ مِنْ بَيْتِهِ رَغْماً لأَنْفِهِ إِنَّا كُنَّا قادِرِينَ، وَاذْكُرْ إِذْ أَوْقَدَ النَّمْرُودُ نارَ الشِّرْكِ لِيَحْتَرِقَ بِها الخَلِيلُ، إِنَّا نَجَّيْنَاهُ بِالحَقِّ وَأَخَذْنَا النَّمْرُودَ بِقَهْرٍ مُبِينٍ، قُلْ إِنَّ مَلِكَ العَجَمِ قَتَلَ مَحْبُوبَ العالَمِينَ لِيُطْفِئَ بِذلِكَ نُورَ اللهِ بَيْنَ مَا سِواهُ وَيَمْنَعَ النَّاسَ عَنْ سَلْسَبِيلِ الحَيَوانِ فِي أَيَّامِ اللهِ العَزِيزِ الكَرِيمِ، وَقَدْ أَظْهَرْنَا الأَمْرَ فِي البِلادِ وَرَفَعْنا ذِكْرَهُ بَيْنَ المُوَحِّدِينَ، قُلْ قَدْ جَاءَ الغُلامُ لِيُحْيِي العَالَمَ وَيَتَّحِدَ مَنْ عَلَى الأَرْضِ كُلِّها فَسَوْفَ يَغْلِبُ مَا أَرَادَ اللهُ وَتَرَى كُلَّ الأَرْضِ جَنَّةَ الأَبْهَى، كَذلِكَ رُقِمَ مِنْ قَلَمِ الأَمْرِ عَلَى لَوْحٍ قَوِيمٍ.

دَعْ ذِكْرَ الرَّئِيسِ ثُمَّ اذْكُرِ الأَنِيسَ الَّذِي اسْتَأْنَسَ بِحُبِّ اللهِ وَانْقَطَعَ عَنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَكَانُوا مِنَ الخاسِرِينَ وَخَرَقَ الأَحْجَابَ عَلَى شَأْنٍ سَمِعَ أَهْلُ الفِرْدَوْسِ صَوْتَ خَرْقِها فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ المُقْتَدِرُ العَلِيمُ الحَكِيمُ، أَنْ يا أَيُّها الوَرْقاءُ اسْمَعْ نِدَاءَ الأَبْهَى فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ الَّتِي فِيها اجْتَمَعَ عَلَيْنَا ضُبَّاطُ العَسْكَرِيَّةِ وَنَكُونُ عَلَى فَرَحٍ عَظِيمٍ، فَيا لَيْتَ يُسْفَكُ دِماؤُنا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَنَكُونُ مَطْرُوحِينَ عَلَى الثَّرَى وَهذا مُرَادِي وَمُرَادُ مَنْ أَرَادَنِي وَصَعِدَ إِلَى مَلَكُوتِي الأَبْدَعِ البَدِيعِ، فَاعْلَمْ إِنَّا أَصْبَحْنَا ذَاتَ يَوْمٍ وَجَدْنَا أَحِبَّاءَ اللهِ بَيْنَ أَيْدِي المُعَانِدِينَ، أَخَذَ النِّظَامُ كُلَّ الأَبْوابِ وَمَنَعُوا العِبادَ عَنِ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ وَكَانُوا مِنَ الظَّالِمِينَ، وَتُرِكَ أَحِبَّاءُ اللهِ وَآلُهُ مِنْ غَيْرِ قُوتٍ فِي اللَّيْلَةِ الأُولَى كذلِكَ قُضِيَ عَلَى الَّذِينَ خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَما فِيها لأَنْفُسِهِمْ فَأُفٍّ لَهُمْ وَلِلَّذِينَ أَمَرُوهُمْ بِالسُّوءِ سَوْفَ يُحْرِقُ اللهُ أَكْبَادَهُمْ مِنَ النَّارِ إِنَّهُ أَشَدُّ المُنْتَقِمِينَ، زَحَفَ النَّاسُ حَوْلَ البَيْتِ وَبَكَى عَلَيْنَا الإِسْلامُ وَالنَّصارَى وَارْتَفَعَ نَحِيبُ البُكَاءِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّماءِ بِما اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الظَّالِمِينَ، إِنَّا وَجَدْنا مَلأَ الابْنِ أَشَدَّ بُكَاءً مِنْ مِلَلٍ أُخْرَى وَفِي ذلِكَ لآياتٌ لِلْمُتَفَكِّرِينَ، وَفَدَى أَحَدٌ مِنَ الأَحِبَّاءِ نَفْسَهُ لِنَفْسِي وَقَطَعَ حَنْجَرَهُ بِيَدِهِ حُبَّاً للهِ هذا مَا لا سَمِعْنا بِهِ مِنَ القُرُونِ الأَوَّلِينَ، هذا مَا اخْتَصَّهُ اللهُ بِهذا الظُّهُورِ إِظْهَارَاً لِقُدْرَتِهِ إِنَّهُ لَهُوَ المُقْتَدِرُ القَدِيرُ، وَالَّذِي قَطَعَ حَنْجَرَهُ فِي العِراقِ إِنَّهُ لَمَحْبُوبُ الشُّهَدَاءِ وَسُلْطانُهُمْ وَما ظَهَرَ مِنْهُ كَانَ حُجَّةَ اللهِ عَلَى الخَلائِقِ أَجْمَعِينَ، أُولئِكَ أَثَّرَتْ فِيهِمْ كَلِمَةُ اللهِ وَذاقُوا حلاوَةَ الذِّكْرِ وَأَخَذَتْهُمْ نَفَحاتُ الوِصالِ عَلَى شَأْنٍ انْقَطَعُوا عَمَّنْ عَلَى الأَرْضِ كُلِّها وَأَقْبَلُوا إِلَى الوَجْهِ بِوَجْهٍ مُنِيرٍ، وَلَوْ ظَهَرَ مِنْهُمْ مَا لا أَذِنَ اللهُ لَهُمْ وَلكِنْ عَفا عَنْهُمْ فَضْلاً مِنْ عِنْدِهِ إِنَّهُ لَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، أَخَذَهُمْ جَذْبُ الجَبَّارِ عَلَى شَأْنٍ أُخِذَ عَنْ كَفِّهِمْ زِمامُ الاخْتِيارِ إِلَى أَنْ عَرَجُوا إِلَى مَقَامِ المُكاشَفَةِ وَالحُضُورِ بَيْنَ يَدَيِّ اللهِ العَزِيزِ العَلِيمِ، قُلْ قَدْ خَرَجَ الغُلامُ مِنْ هذِهِ الدِّيارِ وَأَوْدَعَ تَحْتَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ وَدِيعَةً سَوْفَ يُخْرِجُها اللهُ بِالحَقِّ كَذلِكَ أَتَى الحُكْمُ وَقُضِيَ الأَمْرُ مِنْ مُدَبِّرٍ حَكِيمٍ، لا يَقُومُ مَعَ أَمْرِهِ جُنُودُ السَّمواتِ وَالأَرَضِينَ، وَلا يَمْنَعُهُ عَمَّا أَرَادَ كُلُّ المُلُوكِ وَالسَّلاطِينِ، قُلِ البَلايا دُهْنٌ لِهذا المِصْباحِ وَبِها يَزْدَادُ نُورُهُ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ العارِفِينَ، قُلْ إِنَّ الإِعْراضَ مِنْ كُلِّ مُعْرِضٍ مُنَادِي هذا الأَمْرِ وَبِهِ انْتَشَرَ أَمْرُ اللهِ وَظُهُورُهُ بَيْنَ العالَمِينَ، طُوبَى لَكُمْ بِما هاجَرْتُمْ عَنْ دِيارِكُمْ وَطُفْتُمُ الدِّيارَ وَالبِلادَ حُبَّاً للهِ مَوْلاكُمُ العَزِيزِ القَدِيمِ إِلَى أَنْ دَخَلْتُمْ أَرْضَ السِّرِّ فِي اليَوْمِ الَّذِي فِيهِ اشْتَعَلَتْ نَارُ الظُّلْمِ وَنَعَبَ غُرَابُ البَيْنِ، أَنْتُمْ شُرَكَاءُ فِي مَصَائِبِي لِمَا كُنْتُمْ مَعَنا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي اضْطَرَبَتْ فِيها قُلُوبُ المُوَحِّدِينَ، دَخَلْتُمْ بِحُبِّنا وَخَرَجْتُمْ بِأَمْرِنا تَاللهِ بِكُمْ يَنْبَغِي أَنْ تَفْتَخِرَ الأَرْضُ عَلَى السَّمَاءِ، فَيا حَبَّذَا هذا الفَضْلُ المُتُعالِي العَزِيزُ المَنِيعُ، أَنْ يا أَطْيَارَ البَقاءِ مُنِعْتُمْ عَنِ الأَوْكارِ فِي سَبِيلِ رَبِّكُمُ المُخْتارِ وَإِنَّ مَأْواكُمْ تَحْتَ جَنَاحِ فَضْلِ رَبِّكُمُ الرَّحْمنِ طُوبَى لِلْعارِفِينَ، أَنْ يا ذَبِيحِي الرَّوْحُ لَكَ وَلِمَنْ آنَسَ بِكَ وَوَجَدَ مِنْكَ عَرْفِي وَسَمِعَ مِنْكَ مَا يُطَّهَرُ بِهِ أَفْئَدَةُ القاصِدِينَ، أَنِ اشْكُرِ اللهَ بِمَا وَرَدْتَ فِي شاطِئِ البَحْرِ الأَعْظَمِ ثُمَّ اسْتَمِعْ نِداءَ كُلِّ الذَّرَّاتِ هذا لَمَحْبُوبُ العَالَمِ وَيَظْلِمُونَهُ أَهُلُ العَالَمِ وَلا يَعْرِفُونَ الَّذِي يَدْعُونَهُ فِي كُلِّ حِينٍ، قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ غَفَلُوا عَنْهُ وَأَعْرَضُوا عَنِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ بِأَنْ يَفْدُوا أَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ أَحِبَّائِهِ وَكَيْفَ جَمَالِهِ المُشْرِقِ المُنِيرِ، إِنَّكَ وَلَوْ ذَابَ قَلْبُكَ فِي فِراقِ اللهِ لكِنْ فَاصْبِرْ إِنَّ لَكَ عِنْدَهُ مَقامَاً عَظِيماً بَلْ تَكُونُ قائِماً تِلْقاءَ الوَجْهِ وَنَتَكَلَّمُ مَعَكَ بِلِسانِ القُدْرَةِ وَالقُوَّةِ مَا مُنِعَتْ عَنِ اسْتِماعِها آذانُ المُخْلِصينَ، قُلْ إِنَّهُ لَوْ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ لَتَكُونُ أَحْلَى عَنْ كَلِماتِ العَالَمِينَ، هذا يَوْمٌ لَوْ أَدْرَكَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ لَقالَ قَدْ عَرَفْنَاكَ يَا مَقْصُودَ المُرْسَلِينَ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ الخَلِيلُ لَيَضَعُ وَجْهَهُ عَلَى التُّرابِ خَضْعاً للهِ رَبِّكَ وَيَقُولُ قَدِ اطْمَأَنَّ قَلْبِي يا إِلهَ مَنْ فِي مَلَكُوتِ السَّمواتِ وَالأَرَضِينَ، وَأَشْهَدْتَنِي مَلَكُوتَ أَمْرِكَ وَجَبَرُوتَ اقْتِدَارِكَ وَأَشْهَدُ بِظُهُورِكَ اطْمَأَنَّتْ أَفْئِدَةُ المُقْبِلِينَ، لَوْ أَدْرَكَهُ الكَلِيمُ لَيَقُولُ لَكَ الحَمْدُ بِما أَرَيْتَنِي جَمَالَكَ وَجَعَلْتَنِي مِنَ الزَّائِرِينَ، فَكِّرْ فِي القَوْمِ وَشَأْنِهِمْ وَبِمَا خَرَجَتْ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَبِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ فِي هذا اليَوْمِ المُبارَكِ المُقَدَّسِ البَدِيعِ، إِنَّ الَّذِينَ ضَيَّعُوا الأَمْرَ وَتَوَجَّهُوا إِلَى الشَّيْطانِ أُولئِكَ لَعَنَهُمْ كُلُّ الأَشْياءِ وَأُولئِكَ أَصْحَابُ السَّعِيرِ، إِنَّ الَّذِي سَمِعَ نِدَائِي لا يُؤَثِّرُ فِيهِ نِدَاءُ العالَمِينَ، وَالَّذِي يُؤَثِّرُ فِيهِ كَلامُ غَيْرِي إِنَّهُ مَا سَمِعَ نِدائِي تَاللهِ إِنَّهُ مَحْرُومٌ عَنْ مَلَكُوتِي وَمَمالِكِ عَظَمَتِي وَاقْتِدَارِي وَكَانَ مِنَ الأَخْسَرِينَ، لا تَحْزَنْ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْكَ إِنَّكَ حَمَلْتَ فِي حُبِّي مَا لا حَمَلُهُ أَكْثَرُ العِبادِ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ وَخَبِيرٌ، وَكَانَ مَعَكَ فِي المَجَالِسِ وَالمَحَافِلِ وَسَمِعَ مَا جَرَى مِنْ مَعِينِ قَلْبِكَ سَلْسَبِيلُ الحِكْمَةِ وَالبَيانِ فِي ذِكْرِ رَبِّكَ الرَّحْمنَ إِنَّ هذا لَفَضْلٌ مُبِينٌ، فَسَوْفَ يَبْعَثُ اللهُ مِنَ المُلُوكِ مَنْ يُعِينُ أَوْلِياءَهُ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ، وَيُلْقِي فِي القُلُوبِ حُبَّ أَوْلِيائِهِ وَهذا حَتْمٌ مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ جَمِيلٍ، نَسْأَلُ اللهَ بِأَنْ يَشْرَحَ مِنْ نِدائِكَ صُدُورَ عِبادِهِ وَيَجْعَلَكَ عَلَمَ الهِدايَةِ فِي بِلادِهِ وَيَنْصُرَ بِكَ المُسْتَضْعَفِينَ، لا تَلْتَفِتْ إِلَى نُعاقِ مَنْ نَعَقَ وَالَّذِي يَنْعِقُ فَاكْفِ بِرَبِّكَ الغَفُورِ الكَرِيمِ، فَاقْصُصْ أَحِبَّتِي قِصَصَ الغُلامِ عَمَّا عَرَفْتَ وَرَأَيْتَ ثُمَّ أَلْقِ عَلَيْهِمْ مَا أَلْقَيْناكَ إِنَّ رَبَّكَ يُؤَيِّدُكَ فِي كُلِّ الأَحْوالِ وَإِنَّهُ مَعَكَ رَقِيبٌ وَيُصَلِّي عَلَيْكَ المَلأُ الأَعْلَى وَيُكَبِّرُنَّ عَلَيْكَ آلُ اللهِ وَأَهْلُهُ مِنْ الوَرَقاتِ الطَّائِفَاتِ حَوْلَ الشَّجَرَةِ وَيَذْكُرُنَّك بذكرٍ بَديعٍ، أَنْ يا قَلَمَ الوَحْي ذَكِّرْ مَن حَضَرَ كِتابُهُ تلقاءَ الوَجْهِ في اللَّيلَةِ الدَّلماءِ وَدارَ البلادَ إلى أَنْ دَخَلَ المَدِينَةَ وَاسْتَجارَ فِي جوِارِ رَحمَةِ رَبِّهِ العَزيزِ المَنِيعِ، وَباتَ فِيها فِي العَشِيِّ مُرْتَقِباً فَضْلَ رَبِّه وَفِي الإِشْراقِ خَرَجَ بأَمْرِ اللهِ بِذلِكَ حَزِنَ الغُلامُ وَكانَ اللهُ عَلَى مَا أَقُولُ شَهِيداً، طُوبَى لَكَ بِما أَخَذْتَ رَاحَ البَيانِ مِنْ رَاحَةِ الرَّحْمنِ وَأَخَذَتْكَ رَائِحَةُ المَحْبُوبِ عَلَى شَأْنٍ انْقَطَعْتَ عَنْ رَاحَةِ نَفْسِكَ وَكُنْتَ مِنَ المُسْرِعِينَ إِلَى شَطْرِ الفِرْدَوْسِ مَطْلِعِ آياتِ رَبِّكَ العَزِيزِ الفَرِيدِ، فَيا رَوْحاً لِمَنْ شَرِبَ حُمَيَّا المَعانِي مِنْ مُحَيَّا رَبِّهِ وَتَعَلَّلَ مِنْ زُلالِ هذِهِ الخَمْرِ تَاللهِ بِها يَطِيرُ المُوَحِّدُونَ إِلَى سَماءِ العَظَمَةِ وَالإِجْلالِ وَيُبَدَّلُ الظَّنُّ بِاليَقِينِ، لا تَحْزَنْ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْكَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ المُقْتَدِرِ العَلِيْمِ الحَكِيْمِ، أَسِّسْ أَرْكَانَ البَيْتِ مِنْ زَبْرِ البَيانِ ثُمَّ اذْكُرْ رَبَّكَ إِنَّهُ يَكْفِيكَ عَنِ العَالَمِينِ، قَدْ كَتَبَ اللهُ ذِكْرَكُمْ فِي اللَّوْحِ الَّذِي فِيهِ رُقِمَ أَسْرَارُ مَا كَانَ وَسَوْفَ يَذْكُرُونَ المُوَحِّدُونَ هِجْرَتَكُمْ وَوُرُودَكُمْ وَخُرُوجَكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُ يُرِيدُ مَنْ أَرَادَهُ وَإِنَّهُ وُلِيُّ المُخْلِصِينَ، تَاللهِ يَنْظُرُنَّكُمُ المَلأُ الأَعْلَى وَيُشِيرُنَّ إِلَيْكُمْ بِأَصابِعِهِمْ كَذلِكَ أَحاطَكُمْ فَضْلُ رَبِّكُمْ فَيا لَيْتَ القَوْمَ يَعْرِفُونَ مَا غَفَلُوا عَنْهُ فَي أَيَّامِ اللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، أَنُ اشْكُرِ اللهَ بِمَا أَيَّدَكَ لِعِرْفانِهِ وَأَدْخَلَكَ فِي جِوارِهِ فِي اليَوْمِ الَّذِي فِيهِ أَحَاطَ المُشْرِكُونَ أَهْلَ اللهِ وَأَوْلِياءَهِ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنَ البُيُوتِ بِظُلْمٍ مُبِينٍ، وَأَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَنَا فِي شاطِئِ البَحْرِ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ بِما فِي صُدُورِ المُشْرِكِينَ، قُلْ لَوْ تَقْطَعُونَ أَرْكَانَنا لَنْ يَخْرُجَ حُبُّ اللهِ مِنْ قُلُوبِنا إِنَّا خُلِقْنَا لِلْفِدَاءِ وَبِذلِكَ نَفْتَخِرُ عَلَى العَالَمِينَ.

ثُمَّ اعْلَمْ يا أَيُّها المُشْتَعِلُ بِنَارِ اللهِ قَدْ حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْنَا كِتابُكَ وَعَرَفْنا مَا فِيهِ نَسْأَلُ اللهَ بِأَنْ يُوَفِّقَكَ عَلَى حُبِّهِ وَرِضائِهِ وَيُؤَيِّدَكَ عَلَى تَبْلِيغِ أَمْرِهِ وَيَجْعَلَكَ مِنَ النَّاصِرِينَ.

وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنِ النَّفْسِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ لِلْقَوْمِ فِيهَا مَقالاتٍ شَتَّى وَمَقاماتٍ شَتَّى، وَمِنْها نَفْسٌ مَلَكُوتِيَّةٌ، وَنَفْسٌ جَبَرُوتِيَّةٌ، وَنَفْسٌ لاهُوتِيَّةٌ، وَنَفْسٌ إِلهِيَّةٌ، وَنَفْسٌ قُدْسِيَّةٌ، وَنَفْسٌ مُطْمَئِنَّةٌ، وَنَفْسٌ راضِيَةٌ، وَنَفْسٌ مَرْضِيَّةٌ، وَنَفْسٌ مُلْهَمَةٌ، وَنَفْسٌ لَوَّامَةٌ، وَنَفْسٌ أَمَّارَةٌ، لِكُلِّ حِزْبٍ فِيها بَياناتٌ، إِنَّا لا نُحِبُّ أَنْ نَذْكُرَ مَا ذُكِرَ مِنْ قَبْلُ وَعِنْدَ رَبِّكَ عِلْمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، يَا لَيْتَ كُنْتَ حاضِرَاً لَدَى العَرْشِ وَسَمِعْتَ مَا هُوَ المَقْصُودُ مِنْ لِسَانِ العَظَمَةِ وَبَلَغْتَ إِلَى ذُرْوَةِ العِلْمِ مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ حَكِيْمٍ، وَلكِنَّ المُشْرِكِينَ حالُوا بَيْنَنا وَبَيْنَكَ، إِيَّاكَ أَنْ تَحْزَنَ بِذلِكَ فَارْضَ بِمَا جَرَى مِنْ مُبْرَمِ القَضَاءِ وَكُنْ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَاعْلَمْ بِأَنَّ النَّفْسَ الَّتِي يُشارِكُ فِيها العِبادُ إِنَّها تَحْدُثُ بَعْدَ امْتِشاجِ الأَشْيَاءِ وَبُلُوغِها كَمَا تَرَى فِي النُّطْفَةِ إِنَّها بَعْدَ ارْتِقائِها إِلَى المَقَامِ الَّذِي قُدِّرَ فِيها يُظْهِرُ اللهُ بِها نَفْسَها الَّتِي كَانَتْ مَكْنُونَةً فِيها إِنَّ رَبَّكَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَالنفْسُ الَّتِي هِيَ المَقْصُودُ إِنَّها تُبْعَثُ مِنْ كَلِمَةِ اللهِ وَإِنَّها لَهِيَ الَّتِي لَوِ اشْتَعَلَتْ بِنَارِ حُبِّ رَبِّها لا تُخْمِدُها مِيَاهُ الإِعْرَاضِ وَلَا بُحُورُ العَالَمِينَ، وَإِنَّها لَهِيَ النَّارُ المُشْتَعِلَةُ المُلْتَهِبَةُ فِي سِدْرَةِ الإِنْسَانِ وَتَنْطِقُ بِأَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالَّذِي سَمِعَ نَدَاءَها إِنَّهُ مِنَ الفائِزِينَ، وَلَمَّا خَرَجَتْ عَنِ الجَسَدِ يَبْعَثُها اللهُ عَلَى أَحْسَنِ صُورَةٍ وَيُدْخِلُها فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ إِنَّ رَبَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ حَياةَ الإِنْسَانِ مِنَ الرُّوحِ وَتَوَجُّهِ الرُّوحِ إِلَى جِهَةٍ دُونَ الجِهَاتِ إِنَّهُ مِنَ النَّفْسِ فَكِّرْ فِي مَا أَلْقَيْنَاكَ لِتَعْرِفَ نَفْسَ اللهِ الَّذِي أَتَى مِنْ مَشْرِقِ الفَضْلِ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ لِلنَّفْسِ جَنَاحَيْنِ إِنْ طارَتْ فِي هَوَاءِ الحُبِّ وَالرِّضا تُنْسَبُ إِلَى الرَّحْمَنِ وَإِنْ طارَتْ فِي هَوَاءِ الهَوَى تُنْسَبُ إِلَى الشَّيْطانِ، أَعاذَنا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهَا يَا ملأَ العارِفِينَ، وَإِنَّها إِذَا اشْتَعَلَتْ بِنارِ مَحَبَّةِ اللهِ تُسَمَّى بِالمُطْمَئِنَّةِ وَالْمَرْضِيَّةِ وَإِنِ اشْتَعَلَتْ بِنارِ الهَوَى تُسَمَّى بِالأَمَّارَةِ كَذَلِكَ فَصَّلْنَا لَكَ تَفْصِيلاً لِتَكُونَ مِنَ المُتَبَصِّرِينَ.

أَنْ يا قَلَمَ الأَعْلَى فَاذْكُرْ لِمَنْ تَوَجَّهَ إِلَى رَبِّكَ الأَبْهَى مَا يُغْنِيهِ عَنْ ذِكْرِ العالَمِينَ، قُلْ إِنَّ الرُّوحَ وَالعَقْلَ وَالنَّفْسَ وَالسَّمْعَ وَالبَصَرَ وَاحِدٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَسْبابِ كَما فِي الإِنْسانِ تَنْظُرُونَ، مَا يَفْقَهُ بِهِ الإِنْسَانُ وَيَتَحَرَّكُ وَيَتَكَلَّمُ وَيَسْمَعُ وَيُبْصِرُ كُلُّها مِنْ آيَةِ رَبِّهِ فِيهِ وَإِنَّها وَاحِدَةٌ فِي ذَاتِها وَلكِنْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَسْبَابِ إِنَّ هَذا لَحَقٌّ مَعْلُومٌ، مَثَلاً بِتَوَجُّهِها إِلَى أَسْبَابِ السَّمْعِ يَظْهَرُ حُكْمُ السَّمْعِ وَاسْمُهُ وَكَذَلِكَ بِتَوَجُّهِها إِلَى أَسْبابِ البَصَرِ يَظْهَرُ أَثَرٌ آخَرُ وَاسْمٌ آخَرُ فَكِّرْ لِتَصِلَ إِلَى أَصْلِ المَقْصُودِ وَتَجِدَ نَفْسَكَ غَنِيَّاً عَمَّا يُذْكَرُ عِنْدَ النَّاسِ وَتَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ، وَكَذلِكَ بِتَوَجُّهِها إِلى الدِّماغِ وَالرَّأْسِ وَأَسْبَابٍ أُخْرَى يَظْهَرُ حُكْمُ العَقْلِ وَالنَّفْسِ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ المُقْتَدِرُ عَلَى مَا يُرِيدُ، إِنَّا قَدْ بَيَّنَّا كُلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الأَلْواحِ الَّتِي نَزَّلْناهَا فِي جَوابِ مَنْ سَأَلَ عَنِ الحُرُوفَاتِ المُقَطَّعاتِ فِي الفُرْقانِ، فَانْظُرْ فِيها لِتَطَّلِعَ بِمَا نُزِّلَ مِنْ جَبَرُوتِ اللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، لِذَا اخْتَصَرْنا فِي هذا اللَّوْحِ وَنَسْأَلُ اللهَ بِأَنْ يُعَرِّفَكَ مِنْ هذا الاخْتِصارِ مَا لا يَنْتَهِي بِالأَذْكارِ، وَيُشْرِبَكَ مِنْ هذِهِ الكَأْسِ مَا فِي البُحُورِ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الفَضَّالُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ.

أَنْ يا قَلَمَ القِدَمِ ذَكِّرِ العَلِيَّ الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي العِرَاقِ إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنْهُ نَيِّرُ الآفاقِ ثُمَّ هاجَرَ إِلَى أَنْ حَضَرَ تِلْقَاءَ الوَجْهِ حِينَ الَّذِي كُنَّا أُسِارَى بِأَيْدِي مَنْ كَانَ عَنْ نَفَحَاتِ الرَّحْمَنِ مَحْرُوماً، لا تَحْزَنْ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْنا وَعَلَيْكَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَنِ اطْمَئِنْ ثُمَّ اسْتَقِمْ إِنَّهُ يَنْصُرُ مَنْ أَحَبَّهُ وَإِنَّهُ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً، وَالَّذِي أَقْبَلَ إِلَيْهِ اسْتَضَاءَ مِنْهُ وُجُوهُ المَلإِ الأَعْلَى وَكَانَ اللهُ عَلَى مَا أَقُولُ شَهيداً، قُلْ يا قَوْمِ أَتَظُنُّونَ الإِيمانَ لأَنْفُسِكُمْ بَعْدَ الَّذِي أَعْرَضْتُمْ عَنِ الَّذِي بِهِ ظَهَرَ الأَدْيانُ فِي الأَكْوانِ تَاللهِ أَنْتُمْ مِنْ أَصْحابِ النِّيرَانِ كَذلِكَ كَانَ الأَمْرُ مِنْ قَلَمِ اللهِ عَلَى الأَلْواحِ مَسْطُوراً، قُلْ بِنُبَاحِ الكَلْبِ لَنْ تُمْنَعَ الوَرْقُاءُ عَنْ نَغَماتِهَا تَفَكَّرُوا لِكَيْ تَجِدُوا إِلَى الحَقِّ سَبِيلاً.

قُلْ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهِي أَسْأَلُكَ بِدُمُوعِ العَاشِقِينَ فِي هَوائِكَ وَصَرِيخِ المُشْتاقِينَ فِي فِرَاقِكَ وَبِمَحْبُوبِكَ الَّذِي ابْتُلِيَ بَيْنَ أَيْدِي مُعانِدِيكَ بِأَنْ تَنْصُرَ الَّذِينَ آوَوْا فِي ظِلِّ جَنَاحِ مَكْرُمَتِكَ وَأَلْطَافِكَ وَما اتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ رَبَّا سِواكَ، أَيْ رَبِّ قَدْ خَرَجْنا عَنِ الأَوْطانِ شَوْقاً لِلِقائِكَ وَطَلَباً لِوِصالِكَ، وَقَطَعْنا البَرَّ وَالبَحْرَ لِلْحُضُورِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَإِصْغاءِ آياتِكَ، فَلَمَّا وَرَدْنا البَحْرَ مُنِعْنا عَنْهُ وَحَالَ المُشْرِكُونَ بَيْنَنا وَبَيْنَ أَنْوارِ وَجْهِكَ، أَيْ رَبِّ قَدْ أَخَذَتْنا رَعْدَةُ الظَّمَإِ وَعِنْدَكَ كَوْثَرُ البَقَاءِ وَإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَاءُ، لا تَحْرِمْنا عَمَّا أَرَدْنا ثُمَّ اكْتُبْ لنا أَجْرَ المُقَرَّبِينَ مِنْ عِبادِكَ وَالمُخْلِصِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، ثُمَّ اسْتَقِمْنا فِي حُبِّكَ عَلَى شَأْنٍ لا يَمْنَعُنا عَنْكَ مَا دُونَكَ وَلا يَصْرِفُنا عَنْ حُبِّكَ مَا سِوَاكَ، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَاءُ وَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ.

المصادر
OV