ذكر رحمة الله عبده بالحقّ ليفتخر بذلك في ملأ العالين ويشكر ربّه في كلّ حين بما تمّت نعمته عليه وعلى أهل السّموات والأرضين وهذا من كتاب يذكر منه ما يقرّب النّاس إلى ساحة قدس مبين ويشهد بأنّه لا إله إلّا هو وكُلٌّ عِبَادٌ لَهُ وكُلٌّ إليه لراجعين مَثَل الّذين يسمعون نغمات الله ثمّ يتّبعوها كمثل نور يستضيء من نور الله العزيز القدير كذلك فاشهد من بلّور الّذي يشتعل منه النّار حين الّذي يقابل الشّمس وهذا ذكر من لدنّا للذّاكرين قل يا ملأ الأرض لو تقدّسوا أنفسكم وأرواحكم لتجدوها ألطف من البلّور وهذا لحقّ يقين وإن تقابلوها بالله بارئكم لتنطبع فيها من كلمة الله المهيمن القديم وتحدث فيها نار القرب وبها تستضيء أبدانكم وأجسادكم وكلّما لكم وعليكم بحيث توقد في شجرات أنفسكم مشاعل الحبّ وبها تحترق حجبات الّتي حالت بينكم وبين أنوار الوجه وكذلك نعلّمكم سُبُل النّفوس لتكوننّ من العارفين قل لو يبقى في قلوبكم رائحة الفَناء فيما يكون مُتَعَلِّقًا بالدّنيا وزخارفها لن تجدوا روائح البقاء عن قميص قدس منير فاتّبعوا يا ملأ الأرض ما أمركم الله ولا تختلفوا فيما حدّد في الكتاب ثمّ تمسّكوا بِعُرْوَة الله المقتدر العزيز الحميد وإنّ هذا لوح فيه تنطق الوَرْقَاء بلحنات البقاء وتلقي عليكم عن ممالك الرّوحي وفيه هُدىً وذِكْرَى للمؤمنين وكذلك يَخْتَصّ الله برحمته من يشاء وينزل عليكم من سماء العزّ فواكه عزّ بديع قل يا أهل الأرض قد أضاء مصباح النّور في زجاج القدس واستضاء منه أهل ملأ البقاء اتّقوا الله ولا تحتجبوا عنه ولا تكوننّ من المحتجبين وقد صنعت فُلْك الله بأيدي ملائكة الفردوس فتمسّكوا بها يا ملأ البيان وهذا لخير لكم عن كنوز الأرض وما كُنِز فيها من جواهر عزّ منير وقد ارتفعت شمس الجمال في وسط الزّوال وأنتم رُقَدَاء على فراش الغفلة ومنعتم عن هذا الفضل الّذي ما أدركه عيون المقرّبين اتّقوا الله ثمّ اسلكوا سبل الرّضا في أيّام الله المقتدر العزيز الحميد وإن لن تعرفوا سُبُله إنّا نعلّمكم بالحقّ بحرف ممّا أعطاني الله لتكون الحجّة بالغة على كلّ من في المُلْكِ أجمعين
فاعلم بأنّ للرّضا مراتب لا نهاية لها وإنّا نعلّمكم بما يجري الله من قلمي وهذا يكفيكم عن مُلْكِ الأوّلين والآخرين ومن يريد أن يسلك سبيل الرّضا ينبغي له بأن يكون رَاضِيًا عَنِ اللهِ بَارِئِهِ فيما قدّر له وبما جرى من قلم عَلِيٍّ بالحقّ وبكلّ ما حدّد من عنده على ألواح قدس حفيظ وبأن يكون رَاضِيًا عَنْ نَفْسِهِ وهذا لم يكن لأحد إلّا بعد انقطاعه عن كلّ من في السّموات والأرض إن أنتم من العارفين لأنّ الإنسان لو يرتكب في نفسه أقلّ من ذرّ من الفحشاء لن يرضى عن نفسه وهذا ما أشهدناكم بالحقّ لتكوننّ من الرّاضين وبأن يرتقي إلى مقام يكون الشَّهْدُ والسَّمُّ عنده سواء لأنّ كلّ ذلك يقدّر من مقدّر قدير ولو أنّ أحدًا يعبد الله في أزل الآزال ويكره في نفسه بما يمسّه من البأساء والضَّرّاء لن يكتب إسمه في الألواح بإسم الرّاضين من قلم قدس منير لأنّ الّذين يَدَّعُونَ في أنفسهم بحبّ الله ثمّ يجزعون من البلاياء في سبيله لن يصدق عليهم حكم الرّضا وهذا ما نلقي عليكم بالحقّ لتكوننّ في الحبّ من الرّاسخين وكيف يمكن بأن يَدَّعِي أحد في قلبه محبّة الله ثمّ يكره عمّا نزّل عليه من محبوبه العزيز الكريم وبأن يكون رَاضِيًا عَنْ أَحَبَّاء الله في الأرض ويخفض جناحه للمؤمنين لأنّه لو يستكبر على الّذين هم آمنوا كأنّه استكبر على الله ونعوذ بالله عن ذلك يا ملأ المخلصين ومن يرضى عن الله ربّه يرضى عن عباده الّذين هم آمنوا به وبآياته في يوم الّذي انصعقت فيه كلّ من في السّموات والأرض لأنّ رضاء العبد عن بارئه لن يثبت إلّا برضائه عن أحبّاء الله الّذين انقطعوا إليه وكانوا من المتوكّلين فارتقب يوم ينفخ في الصّور وتغنّ فيه الورقاء ويفتح أبواب الرّضوان ويأتي الله بأمر بديع إذا فاسرعوا إليه يا ملأ البيان ولا توقّفوا أقلّ من آنٍ وهذا من أصل الرّضا لا تختلفوا فيه يا ملأ المقرّبين حينئذ تجدون نسائم الرّضا عن مشرق القدس وتأخذكم غَلَبَات الشّوق ويقلّبكم إلى مقعد عزّ أمين إيّاكم يا معشر البيان لا تصبروا في أنفسكم ولا تحتجبوا عن جمال الله العزيز الحميد فوالله قيامكم بين يديه مرّة واحدة لخير عن ملك السّموات والأرضين
ولكن إنّك أنت يا أيّها السّائل إلى الله فاشتبشر في نفسك لأنّك وَصَلْتَ في مدينة الرّضاء وكنت إلى ميادين القدس لمن السّالكين وإنّا حينئذ نَشْهَدُ لك بأنّك طيرت في هواء الرّضاء وتجنّبت عن جنبك وتقرّبت بجنب الله العزيز الكريم وهاجرت عن ديارك وسافرت إلى الله حتّى وردت في بقعة الّتي تزورها أهل سُرَادِق الخُلْد في بُكُور وأَصِيْل فطوبى لك ولمثلائك الّذين وفّقهم الله بالورود في شاطئ البقاء، يَمُّ قُلْزُم الحمراء، وسمعوا نغمات الله من وراء حجبات القدرة وزاروا بقعة الّتي تطوف في حولها سدرات السّيناء وتخلع فيها النِّعال كلّ من دخل في قميص الوجود من الأوّلين والآخرين ثمّ اعلم بأنّ حبّك ربّك هو رضاء الله عنك ورضائك به وهذا من شريعة الّتي شرع عن يمين حكمة الله ولن يتغيّر بتغيير نبيّ ولن يتجدّد بتجديد رسول بل كلّ يأمرون النّاس بهذا وهذا من وَدِيْعَة الله في قلوب المخلصين وهذا ما يكفيكم عن دونه ومن ورد في هذه الشّريعة الجارية لن يترك حرفًا من الكتاب ولا يرضى إلّا بما رضي الله له كذلك نفصّل الآيات بالحقّ لتكون من الموقنين وإنّك إذا أحييت في روحك بنغمات الورقاء وجدّدت هيكل سرّك بقميص البقاء فارجع إلى بيت الله في أرضك وكن مُبَشِّرًا من لَدُنَّا على الّذين هم كانوا بفرح الرّوح لمن المستبشرين وذكّرهم بآيات الله وكن كنسائم الرّبيع على أهل ديارك ليجدّد بها أنفسهم وأرواحهم وهذا ما نأمرك بالحقّ إن كنت من المستمعين ولن يقدر على ذلك إلّا بأن تقبل إلى الله بكلّك وتكون مُعْرِضًا عن كلّ ما في أيدي الخلق أجمعين وإنّك إذا جدّدت في نفسك لتقدر أن تجدّد النّاس وهذا ما تَعِظُكَ الورقاء بالحقّ لتكون من المحسنين الّذين سبقتهم الهداية من الله وذاقوا حلاوة الحبّ وشربوا من عيون الّتي تفجّرت عن جهة عرش عظيم
ثمّ ذكّر من لدنّا كلّ من آمن بالله وآياته في أرضك ثمّ الّذين هاجروا إلى الله ودخلوا في جوار الله العزيز الكريم ومنهم حرف الكاف الّذي سبق في الفضل ونذكره حينئذ في الكتاب بربوات المقدّسين ومنهم حرف القاف الّذي هاجر إلى الله في أيّامه وكان من المتّقين ومنهم حرف الهاء الّذي هاجر ثمّ رجع بإذن من لدنّا وكان في بحر الحبّ لمن المتغمّسين ومنهم حرف الرّاء الّذي سمع نغمات الورقاء ودخل في ظلّ الله العزيز العليم ومنهم الّذين هم هاجروا ورجعوا وما ذكرنا أسمائهم وكلّ بَلَغُوا في الفضل مقامًا لا يدركه كلّ الخلائق أجمعين فسوف يظهر الله عليهم ثمرات أعمالهم ويطيرون بأجنحة الياقوت في رضوان قدس كريم ومنهم الّذين سافروا بقلوبهم وكتب أسمائهم من قلم القدرة على ألواح عزّ منيع وسيفتح على وجوههم أبواب الفردوس ويدخلون فيها بسلام ورحمة من لدنّا ويكوننّ فيه لمن المجرين فوالله لو يظهر على أهل السّموات والأرض أقلّ من أن يحصى عمّا قدّر للّذين سافروا وهاجروا إلى الله ليسرعنّ كلّ بعيناهم ورؤسهم إلى شاطئ قدس بديع ولكن احتجبوا كلّ بما اكتسبت أيديهم في زمن الله وكانوا أقوام سوء أخسرين
قل يا ملأ المؤمنين فاصبروا بما جرى عليكم ولا تجزعوا عمّا مسّتكم من البأساء والضّرّاء فسوف يوفي أجور الصّابرين سيمضي الدّنيا وأهلها وكلّ يرجعون إلى مقرّهم في النّار ولا مفرّ لهم من نقمة الله القاهر الغالب العزيز القدير قل يا ملأ الأرض أما تشهدون تغيّرات الملك وتبدّلات الأرض بحيث ما يمضي من آنٍ إلّا وقد يتغيّر فيه أكثر الأمور فبأيّ آية اطمئنت قلوبكم ونفوسكم فويلٌ لكم وبما عملتم في الحيوة الباطلة وإنّكم أقبلتم إلى أنفسكم وأعرضتم عن الّذي خلقكم ورزقكم وكان عليكم أرحم من كلّ رحيم قل فوالله ما أنتم إلّا كمسافر في ظلّ شجرة ولا بُدَّ أن تزول فلا تطمئنّوا به وبما يفنى فاطمئنّوا بما لا يأخذه الفَناء ويكون باقيًا ببقاء الله الباقي الدّائم العزيز قل هل وجدتم أصباحكم بمثل لياليكم وشبابكم بمثل شيبكم كلّ ذِكْرَى لكم يا ملأ المسلمين وما قدّرت الإختلافات في كلّ شيء إلّا بأن يذكّركم بفَناء أنفسكم لئلّا تلتفتوا إليها ولا تكوننّ من المتمسّكين فتمسّكوا بحبل الله ثمّ اعتصموا بعروة البيان وهذا ما قدّر لكم من أصبع عزّ قويم كذلك علّمناكم جواهر العلم وعرّفناكم بدايع الحكمة وأَلْقَيْنَاكُم حقايق العرفان وأَشْهَدْنَاكُم سُبُل الفردوس لعلّ تطمئنّ به قلوبكم وقلوب العارفين والحمد لله ربّ العالمين والرّحمة عليكم يا ملأ البيانيين إِذًا أحبّ أن انقطع عن كلّ الأذكار وأُنَادِي ربّي بنغمات الّتي تجتذب منها أفئدة الموحّدين
فسبحانك اللّهمّ يا إلهي فارسل على محبّيك ما تستريح به قلوبهم وتسكن به نفوسهم ليذكروك في الجَهْرِ كما يذكروك في السِّرِّ وهذا عند قدرتك المحيطة لسهل يسير ثمّ ارتفع يا محبوبي أعلام نصرك وانتصارك على أهل مملكتك ليجتموا في ظلّ عنايتك هؤلاء المتفرّقين الّذين تفرّقوا في ديارك وتشتّتوا في بلادك ولن يجدوا لأنفسهم مأوى إلّا إليك ولا مهربًا إلّا بك ولا ملجأ إلّا منك فاجمعهم في ظلّ شجرة عنايتك ثمّ أكرمهم بفضلك وإنّك أنت أكرم الأكرمين وأنت تعلم يا محبوبي كيف فعلوا أعاديك بأحبّائك بحيث أخذوا منهم كلّما أعطيتهم بجودك ووردوا عليهم ما لا سمعت أذن أحد من قبل وما ترك من أرض إلّا وقد سفك دمائهم وما بقي من حَطَبٍ إلّا وقد احترقت به أجسادهم وكم من صغير يا إلهي بَقِيَ من دون كبير وكم من أُمٍّ تَضِجُّ لإبنها وكم من إبنٍ يبكي لأبيه وأنت أحصيت كلّ ذلك وكنت عليهم لشهيد وإنّك أنت يا إلهي تشهد وترى كيف أحاط الظّلم أرضك وديارك بحيث لن يشهد من أحد آثار العدل وكلّ اتّبعوا الشّياطين وكاد أن يصل الأمر إلى مقام يرتفع عن الأرض إسمك وآثارك وكلّ اتّخذوا لأنفسهم الهة من دونك وإنّك تكون على ذلك لعليم وخبير وأحاطت كلّ أهل أرضك ظلمات الغفلة بحيث لو يذكر أحد من عبادك إسمك ليستهزئوا عليه وبذلك احترق قلبي وأكباد الموحّدين فوعزّتك يا محبوبي لن أجد أحدًا من عبادك على سبيلك ولن استنشق منهم روائح حبّك وكلّ اتّخذوا الدّنيا لأنفسهم وَلِيًّا إلّا الّذين هم رجعوا إليك وكانوا من الرّاجعين وفي كلّ الأيّام أعاشر مع العباد وأشاهدهم في غفلة عنك بحيث يتوجّهون بكلّ وجه دون وجهك المنير وبكلّ مَدْيَن سوى مَدْيَن عزّ ربوبيّتك كأنّك ما خلقتهم وما رزقتهم وكذلك وجدنا الأمر بين هؤلاء المشركين ووصلت الذّلّة إلى مقام لن يقدروا أحبّائك أن يذكروك ولو يريدون أن يقرئوا كلماتك يختفون في أماكنهم وبذلك استدمت قلوب العاشقين ولو تقبل يا إلهي هذه الأمور على نفسك فوا حسرة على أصفيائك في أرضك كيف يسمعون من أعدائك ما لا ينبغي لشأنك فيا ليت كلّهم يعمّون ولا يشهدون ويصمّون وما يسمعون ما لا يليق لجمالك المنير وإنّك لو تدعهم على تلك الحالة فوعزّتك لينعدم آثار سلطنتك في مملكتك وتنهدم أركان حكومتك في أرضك ويمحى إسمك ورسمك بين الخلق أجمعين فيا إلهي ومحبوبي لا تمهلهم بعد تلك الأمور فأنزل إليهم ما يقلّبهم إليك ثمّ ارتفع هذا الصّبيّ الّذي قام عليك بتمامه ثمّ الّذين هم اتّبعوه في هواه لتطهّر أرض تقديسك عن هؤلاء الكافرين وأنّي يا إلهي أعلم بأنّك أردت ذلك في كلّ عامك ولكن ما جرى عليه لظهور بَدَائك وهذا لحقّ يقين إذا فأنزل عليه يا إلهي من قضاياك المثبتة وأحكامك النّافذة الّتي لن تردّها البَداء ولن تغيّرها الهواء ثمّ أثبت يا محبوبي هذا على ألواح عزّ حفيظ وكتاب قدس حكيم الّذي لن يأخذه المحو ولن يرجع إليه حكم الحدّ بل يثبت فيه الأمور من قلم حكم قدير ثمّ قدّر بعده يا إلهي ما هو خير لعبادك إذ بيدك الخير كلّه وإنّك أنت الحاكم القاضي العالم المعطي الحكيم إلى متى يا إلهي تصبر على أعادي نفسك فوعزّتك قد بلغت في الحِلْمِ إلى مقام الّذي شكّوا عبادك في بدايع قدرتك بل ايقنوا دونها بعد إيقاني بأنّك أنت المقتدر على كلّ شيء وأنّك أنت أقدر الأقدرين وأنت تعلم بأنّ جَزَعِي لم يكن على نفسي ولا على ذلّة محبّيك بل أشاهد بأنّ الكلّ أعرضوا عنك وعن جمالك واتّخذوا آياتك سخريّا لذا تحرق كبدي ويضجّ سرّي ويبكي عيني وإنّك أنت تعلم ما في نفسي وإنّك على كلّ شيء محيط
إِذًا يا محبوبي فاغفر عنّي وعن جريراتي الّتي ارتكبتُ بين يديك لأنّ ذكري إيّاك خطيئة لا تعادلها شيء في الأرض والسّماء ثمّ اغفر أبواي وأحبّائي وعَشِيْرَتِي وَأَقْرِبَائِي وإنّك أنت أرحم الرّاحمين ثمّ اغفر الّذي سَرُعَ إليك وورد عليك ثمّ عن أبواه ولا تأخذهم يا محبوبي بجريراتهم وخطيئاتهم وَارْحَمْهُم وَتَجَاوُز عَنْهُم وَإِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ وَأَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ
* وَهَذَا كِتَابٌ مِنَ البَهَاءِ إِلَى كُلِّ * * مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ* * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ* * العَالَمِينَ* *